انقسام داخل الفصائل بشأن هدنة غزة .. والحكومة تبحث عن مخرج يقيها الحرج الدولي
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
السبت, 25 نوفمبر 2023 8:00 م
المركز الوطني الخبري/ خاص
يعيش قطاع غزة هدوءاً نسبياً في ظل الهدنة بين حركة حماس، والكيان الإسرائيلي، وذلك بعد مضي (50) يوماً على الحرب التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين.
الهدنة التي جاءت نتيجة ضغط دوليّ هائل لإيقاف المجزرة الإسرائيلية بحق القطاع الفلسطيني المحاصر، هل ستنعكس على حلفاء حركة حماس في قاطع محور الممانعة ؟ كيف سيكون دور الفصائل المسلحة في العراق في حال نجاح الفاعل العربي والأجنبي في إخماد نيران تلك الحرب ؟
ولم يكن العراق ببعيد عن تلك النيران، لاسيما بعد إعلان الفصائل المسلحة الحرب على التواجد الأميركي في البلاد، وذلك عن طريق القصف المستمر للقواعد الأميركية في محافظتي الأنبار وأربيل.
فيما يرد الطرف الآخر بعمليات نوعية على أماكن تواجد فصائل “المقاومة” على الحدود العراقية السورية، فضلاً عن قاعدة جرف الصخر في محافظة بابل.
ووجهت أميركا، الأربعاء الماضي، ضربتين جويتين استهدفت مقراً لأحد الفصائل في منطقة جرف الصخر شمال بابل، مما أسفر عن سقوط 3 -5 شهداء، في حين عدّ الجيش الأميركي أن الضربتين جاءت رداً على الهجمات التي تشنها الفصائل ضد مقراتها في العراق وسوريا.
وترى الفصائل المسلحة المنضوية تحت يافطة “المقاومة”، أن استهداف التواجد الأميركي يأتي في إطار الحرب الدائرة بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي، وذلك بوصفِ واشنطن الداعم الأكبر لاستقرار تل أبيب. ناهيك عن مشاغلة فصائل “المقاومة” للجانب الإسرائيلي في منطقة جنوب لبنان.
الهدنة حيز التنفيذ
ودخلت الهدنة المنتظرة بين حماس وإسرائيل حيز التنفيذ، صباح أمس الجمعة، وقد تم إبرامها بوساطة قطرية مصرية أمريكية، وقضت بتبادل إطلاق سراح رهائن وأسرى.
وتبدأ الهدنة بالإفراج عن دفعة أولى هم 13 امرأةً وطفلاً من بين حوالي 240 رهينة تحتجزهم حماس منذ هجومها في 7 (تشرين الأول). كما سيتم بالتزامن إطلاق ما لا يقل عن 150 من السجناء الذين تحتجزهم إسرائيل.
ويقول المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، إن هذا الاتفاق “ينص على وقف كامل للأعمال العدائية لمدة أربعة أيام”، مبيناً أن “أيام الهدنة الأربعة في غزة ستتيح فترة من الهدوء يمكن خلالها إطلاق سراح الرهائن في بيئة آمنة”.
وأكد الدبلوماسي القطري أنه لن يتم استخدام أي طائرة مسيّرة تحلق فوق أراضي القطاع الفلسطيني خلال هذه الفترة.
كما قال نفس المتحدث إن “هذه الأربعة أيام سيتم خلالها جمع المعلومات حول بقية الرهائن للنظر في إمكانية أن يكون هناك أعداد أكبر من الرهائن يتم الإفراج عنهم وبالتالي تمديد هذه الهدنة”.
فصيل عراقي: لسنا ملتزمين بالهدنة
وفور دخول الهدنة بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي حيز التنفيذ، أعلنت إحدى الفصائل المنضوية في “المقاومة الإسلامية” العراقية، أن الهدنة لا تشمل القاطع العراقي، حيث الحرب الدائرة بين الفصائل والقوات الأميركية في البلاد.
ويقول كاظم الفرطوسي، المتحدث باسم كتائب “سيد الشهداء”، إن “الوضع في العراق وغزة منفصل”. وأضاف أن “هناك خرقاً للسيادة العراقية وشهداء بين صفوف الفصائل، لذلك لا يمكن أن تكون هناك هدنة من دون تحمل مسؤولية الدماء والسيادة”.
وأشار إلى أنه “لم يتم التواصل معنا بشأن أي هدنة”، لافتاً إلى أن أنباء وجود هدنة بين “المقاومة الإسلامية” في العراق والجانب الأمريكي “غير صحيحة”.
وبيّن أن “الهدنة عادةً ما تجري عبر وساطات”، موضحاً “عدم تواصل أي وساطة معهم حتى الآن”. وأردف: “كما لم نسمع بأيِّ حوارٍ حول قضية هدنة في هذا الشأن”.
واعتبر الفرطوسي أن “الوضع في العراق يختلف عما هو عليه في غزة”، مبينا أن “الوضع الإنساني والاجتماعي الكارثي، ووجود وساطة قطرية ودولية خلّف أسباباً موجبة لقبول الهدنة من قبل حماس”.
فضلاً عن موقف كتائب “سيد الشهداء”، أكدت “حركة النجباء” أنها بصدد مواصلة الحرب ضد التواجد الأميركي ثأراً لاستهداف الأخير لمقرات الحشد الشعبي في قاعدة جرف الصخر العراقية.
وقال أمين عام الحركة أكرم الكعبي :”بعدما أقدمت قوات الاحتلال الأميركي على جريمة إراقة دماء المقاومة الإسلامية والحشد الشعبي الذين قاتلوا داعش الإرهابي صنيعة أميركا، صار واجباً على الجميع إعلان الحرب عليها وإخراجها ذليلة من العراق، ولا عذر لأحد بعد اليوم”.
انقسام بشأن الهدنة
وعلى الضفة الأخرى، يرى قادة داخل الفصائل، ضرورة وقف العمليات العسكرية ضد القواعد الأميركية في العراق، وأن تسير فصائل “المقاومة” في ركب حركة حماس التي قبلت بالهدنة السارية مع إسرائيل.
وبحسب مصادر مطلعة، أكدت أن “قادة الفصائل لم يصدروا لغاية الآن موقفاً رسمياً معلناً إزاء الهدنة التي تمت بين حركة حماس وإسرائيل”، مبينة أن “ثمة وجود انقسام واضح بشأن مواصلة العمل العسكري ضد حليفة إسرائيل في العراق، وهي الولايات المتحدة الأميركية، من خلال قصف مقراتها العسكرية في محافظتي الأنبار وأربيل”.
ولوحت المصادر أن “الرأي السائد داخل مظلة المقاومة هو الذهاب باتجاه الهدنة، وعدم زعزعة منطقة الهدوء المفترضة، والوقوف خلف حركة حماس في تقرير مصير الحرب مع الكيان الإسرائيلي”، لافتاً إلى “وجود معارضة من قبل فصائل معينة للهدنة ضمن الجانب العراقي، حيث تطالب تلك الفصائل بالثأر من التواجد الأميركي بعد الاستهداف الذي تعرّض له قاطع جرف الصخر”.
وتؤكد المصادر، أن “الحكومة، ومن خلفها (الإطار التنسيقي) يرغبان بقبول الفصائل بالهدنة، لأن ذلك يقي الحكومة حرجَ الاستهداف المتكرر للتواجد الأميركي في قاعدتي (عين الأسد) و(حرير) في محافظتي الأنبار وأربيل”.
المصدر: المركز الخبري الوطني
كلمات دلالية: بین حرکة حماس جرف الصخر فی العراق
إقرأ أيضاً:
سيناريوهات انهيار الهدنة
سالم بن حمد الحجري
مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس في يناير 2025، بدَا أن الأمل في تهدئة مؤقتة للصراع في غزة قد يتحقق، لكن الخوف من انهيار هذا الاتفاق، خاصة في ظل احتمال تراجع رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو عن الالتزام به أو عدم الانتقال إلى المرحلة الثانية، يثير تساؤلات عميقة حول السيناريوهات السياسية والأمنية المحتملة. هذا المقال يستعرض هذه السيناريوهات، مع التركيز على التداعيات المحلية والإقليمية والدولية في حال فشل الهدنة.
الاتفاق الحالي، الذي يمتد لـ42 يومًا في مرحلته الأولى، يتضمن وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، وتبادل أسرى ورهائن، وتدفق مساعدات إنسانية إلى غزة، أما المرحلة الثانية -التي تتطلب مفاوضات إضافية- فتهدف إلى تعزيز التهدئة وربما تمهيد الطريق لوقف دائم للحرب، لكن نتنياهو، تحت ضغط ائتلافه اليميني المتشدد، أظهر ترددًا في الانتقال إلى هذه المرحلة، مشيرًا إلى أن إسرائيل تحتفظ بحق العودة إلى القتال إذا لم تتحقق أهدافها الأمنية، هذا الموقف يضع الهدنة في موقف هش، حيث يمكن أن يؤدي أي خرق -حقيقي أو مُفتعل- إلى انهيارها.
السيناريو الأول: استئناف الحرب في غزة
إذا تراجع نتنياهو عن الهدنة ورفض الانتقال إلى المرحلة الثانية، فإن النتيجة الأكثر ترجيحًا هي استئناف العمليات العسكرية في غزة، قد يبرر ذلك بانتهاكات مزعومة من حماس أو بضرورة "استكمال تدمير القدرات العسكرية" للحركة، هذا السيناريو سيؤدي إلى:
تداعيات إنسانية كارثية: استئناف القصف سيفاقم الوضع الكارثي في غزة، حيث دُمر أكثر من 60% من البنية التحتية، ونزح مئات الآلاف، والمساعدات الإنسانية التي بدأت تتدفق قد تتوقف مجددًا، مما يعرض ملايين السكان للمجاعة والأوبئة.
تعزيز المقاومة: على الرغم من الخسائر والأثمان التي بلا شك دفعتها المقاومة، فإن استئناف الحرب يعزز القناعة لدى أهل غزة أن العدو لا يفهم سوى لغة القوة ولا يملك تلك القوة سوى المقاومة بكافة فصائلها التي ألحقت بالجيش المحتل خسائر فادحة.
تآكل الدعم الداخلي لنتنياهو: داخل إسرائيل، قد يواجه نتنياهو ضغوطًا متزايدة من عائلات الأسرى والمعارضة، الذين قد يتهمونه بإطالة الحرب لأغراض سياسية شخصية، مما يهدد استقرار حكومته.
السيناريو الثاني: تصعيد إقليمي شامل
رفض الهدنة قد لا يقتصر تأثيره على غزة، بل قد يشعل جبهات أخرى في المنطقة، حزب الله في لبنان، الذي يرتبط بحماس استراتيجيًا، قد يرى في انهيار الهدنة فرصة لتصعيد هجماته على شمال إسرائيل خاصة وأن اتفاق وقف إطلاق النار هناك أيضًا على المحك بسبب رفض إسرائيل الانسحاب من المواقع التي احتلتها مؤخرًا، كذلك، قد تشهد الضفة الغربية، التي تعاني من توترات متصاعدة، انتفاضة جديدة. وهذا السيناريو يحمل المخاطر التالية:
حرب متعددة الجبهات: إسرائيل قد تجد نفسها في مواجهة متزامنة مع حماس، وحزب الله، وفصائل فلسطينية أخرى، مما يرهق قدراتها العسكرية والاقتصادية. تدخل إيران: قد تستغل إيران الوضع لدعم المقاومة بشكل أكبر، سواء عبر تسليح أو دعم لوجستي، مما يزيد من تعقيد الأزمة. ردود فعل دولية: الولايات المتحدة، التي تدعم إسرائيل، قد تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية لكبح جماح نتنياهو، خاصة إذا تصاعدت الخسائر المدنية، بينما قد تستغل روسيا والصين الوضع لتعزيز نفوذهما في المنطقة.السيناريو الثالث: انهيار سياسي داخلي في إسرائيل
تراجع نتنياهو عن الهدنة قد يشعل أزمة سياسية داخلية في إسرائيل؛ حيث إن الائتلاف الحاكم -الذي يضم أحزابًا يمينية متشددة مثل "القوة اليهودية" بقيادة إيتمار بن غفير و"الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموتريتش- قد ينتهي الحال به إلى:
انسحاب اليمين المتطرف: إذا اعتبر بن غفير وسموتريتش أن الهدنة تنازل كبير، فقد ينسحبا من الائتلاف، مما يترك نتنياهو بأغلبية هشة أو يؤدي إلى سقوط الحكومة وانتخابات مبكرة. دعم المعارضة المشروط: إذ إن زعيم المعارضة يائير لبيد عَرَض "شبكة أمان" لحكومة نتنياهو بشرط إعادة الأسرى، لكن رفض الهدنة قد يدفع المعارضة للتصعيد ضده، مما يزيد من عزلته. احتجاجات شعبية: حيث إن عودة الحرب قد تعيد إشعال الاحتجاجات الداخلية التي هزت إسرائيل قبل 7 أكتوبر 2023، مع اتهامات لنتنياهو بإطالة الصراع لتجنب المحاسبة القانونية والسياسية.لا شك أن انهيار الهدنة سيضع المجتمع الدولي أمام اختبار صعب، والولايات المتحدة، تحت إدارة دونالد ترامب، قد تدعم موقف نتنياهو علنًا، لكن استمرار الحرب قد يثير توترات مع حلفاء أوروبيين يدعون لوقف دائم لإطلاق النار. أما مصر وقطر، اللتان توسطتا في الاتفاق، فقد تُعلنان فشل الوساطة؛ مما يؤثر على دورهما الإقليمي. وفي المقابل، قد تستغل دول مثل تركيا والجزائر الوضع لتعزيز دعمها للفلسطينيين؛ مما يزيد من الاستقطاب في المنطقة.
مفترق طرق خطير
إنَّ تراجع نتنياهو عن الهدنة وعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية سيضع المنطقة على شفا هاوية؛ سواء أدى ذلك إلى استئناف الحرب في غزة، أو تصعيد إقليمي، أو انهيار سياسي في إسرائيل، فإنَّ النتيجة ستكون مزيدًا من الدمار والمعاناة، والخوف الأكبر ليس فقط من انهيار الهدنة؛ بل من أن تتحول إلى نقطة انطلاق لصراع أوسع يصعب السيطرة عليه. ونجاح الهدنة يتطلب ضغطًا دوليًا مُكثفًا على قيادة الكيان وحكومته الإرهابية، التي لا تتعلم من دروس التاريخ وعبره، وأن فلسطين وشعبها باقون على هذه الأرض ولن تقدر على اقتلاعهم أي قوة على وجه الأرض مهما دُفعت من أثمانٍ.