هدنة مع الدهر في صوت فيروز
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
لم تزل تكبر بمنأى عن صوتها الجاري بإيقاع النهر في شريط التسجيل. صار عمرها قبل أيام ثمانية وثمانين عاما، ولم تزل تكبر وتكبر، فينا ومعنا. في صوتها يتعتق زمن عربي مهجور منذ منتصف الخمسينيات، وكلما اشتقنا لعاطفة عربية موحدة عدنا لأغنيتها المعلقة بين زمنين. صوتها ظلها، قطعة صغيرة من أرض الوطن الصغير، حيث يتماهى المتحاربون المتعبون من حربهم على الوطن.
من شغف العطش في البيداء إلى قوة العشب المتفتَّح بين صخور الآثار الرومانية، خرجت أغنية فيروز مديحا غنائيا لطبيعة الإنسان والمكان، دون أن يتلوث نهر الصوت الحر، طوال عمرٍ من الغناء، بمديح الزائل، من ملوك وزعماء حركات سياسية، بالرغم من إكراهات السياسة الحتمية التي تحاصر الفنان أينما كان، لا سيما في المناخ اللبناني المحتقن بتعدد الطوائف، وعلى امتداد حقبة عربية متواترة الانقلابات، لم يُتفق فيها بعد على الشكل النهائي للدولة العربية بعد الاستعمار، ولا على ألوان العلم أو كلمات النشيد.
عيدها الثامن والثمانون ربما يكون واحدا من أكثر أعيادها حزنا. فالفنانة التي غنَّت لفلسطين وأحبتها بصدق وأعادت بغنائها «زهرة المدائن» إلى خريطة الوجدان العربي بعد احتلال مدينة القدس عام 1967، فإنها اليوم لا شك تتابع الأخبار كما عُرف عنها، ولها أن تتأمل كيف يواصل الزمنُ دحرجة تاريخنا الدائري، منذ ذلك الوقت إلى اليوم، نحو هاوية معتمة. لكن خيبة الفنانة فيروز من الواقع العربي أقدم من خيباتنا كلنا، وهي التي خيَّب النظام العربي صرختها التاريخية «الآن الآن وليس غدا» الصرخة التي دقَّت أجراس العودة، إلا أن العودة تأجلت لأكثر من نصف قرن. دهر عربي هائج تحولت فيه النكبة إلى نكسة والنكسة إلى نكسات انهارت فيها عواصم فيروز الغنائية، بدءا من بيروت إلى بغداد ودمشق.
لكن فيروز ستبقى «صوتا يخترقُ دروعَ اللامبالاة - يطهر النفس كما يطهرها البكاء لا العقاب» كما كتب عنها الشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج. فمن صوتها الأندلسي يتسرب فرحٌ خفيف يأخذنا إلى حافة البكاء من النعمة الفرح، وحنين سري يشدنا إلى غائب مجهول (أنا عندي حنين/ ما بعرف لمين). وحتى لو كانت كلمات أغنية فيروز من إبداع شعراء آخرين، تبقى فيروز هي الشاعرة الأخيرة لأغنيتها. فهي التي تصقل البسيط من كلام الشعر المطرز بالاستعارات الشفافة، مانحةً المفردة الريفية حوافا بلاغية جديدة.
منذ أن غنَّت فيروز «أنا صار لازم ودعكن» ونحن -كأننا- نكتب عنها بشيء من الرثاء كلما كتبنا عنها. مع أن فيروز لم تعوّد عشَّاقها إلا على الاقتصاد في الحضور، الأمر الذي ظل سمة من السمات المحيطة بشهرتها طوال مشوارها الفني. فالأسطورة لا تكتمل إلا بالغياب، والغياب هو ما يعطي البشري بعده الأسطوري؛ لأن الإشعاع المستمر لا يحرق النجم فحسب، بل يحول الشخصية العامة إلى شخصية يومية روتينية تبتذل حضورها، فتتفسخ ببطء في وعي الناس وعيونهم من فرط ما هي مباحة ومتوفرة، بلا سر ولا غموض.
«أيامي بينكم كانت قليلة
وكان كلامي أقل من الأيام».
كهذا غنَّت من كتاب النبي لجبران خليل جبران.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تفاصيل جديدة حول أرييل يهود.. محتجزة إسرائيلية كادت تدمر هدنة غزة
أُعلن اليوم عن التوصل إلى اتفاقٍ يقضي بإطلاق سراح الرهينة الإسرائيلية أربيل يهود يوم الخميس المقبل، وذلك لتفادي أي انهيارٍ محتملٍ لوقف إطلاق النار المبرم بين إسرائيل وحركة حماس، حسبما ذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».
وتُشكل حالة أربيل يهود باعتبارها آخر رهينة مدنية أنثى تؤكد الاحتلال الإسرائيلي على بقائها على قيد الحياة، حالة استثنائية ضمن ملف الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
وخلال هجوم حماس على جنوب الاحتلال الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023، احتجزت أربيل يهود، برفقة شريكها أريئيل كونيو من منزلهما في كيبوتس «نير عوز» على حدود غزة.
فمن هي أربيل يهود؟1- أرييل يهود كانت تعيش في مستوطنة نير عوز، القريبة من قطاع غزة.
2- تبلغ من العمر 29 عامًا.
3- تعمل مدربة لاستكشاف الفضاء وعلم الفلك في مجلس أشكول الإقليمي، في منطقة حساسة قريبة من غزة.
4- احتجزت من منزلها مع صديقها أرييل كونيو الذي كان يعيش في المستوطنة، بحسب القناة 13 الإسرائيلية.
5- تشير تقارير القناة 12 الإسرائيلية إلى احتمال احتجاز أرييل لدى فصيل فلسطيني غير حركة حماس.
6- وفقًا لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، هناك اختلاف في تصنيف أرييل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ إذ تصنفها الفصائل الفلسطينية كعسكرية إسرائيلية، في حين تصنفها إسرائيل كمدنية.