لجريدة عمان:
2025-04-23@23:03:33 GMT

هدنة مع الدهر في صوت فيروز

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

لم تزل تكبر بمنأى عن صوتها الجاري بإيقاع النهر في شريط التسجيل. صار عمرها قبل أيام ثمانية وثمانين عاما، ولم تزل تكبر وتكبر، فينا ومعنا. في صوتها يتعتق زمن عربي مهجور منذ منتصف الخمسينيات، وكلما اشتقنا لعاطفة عربية موحدة عدنا لأغنيتها المعلقة بين زمنين. صوتها ظلها، قطعة صغيرة من أرض الوطن الصغير، حيث يتماهى المتحاربون المتعبون من حربهم على الوطن.

أما هي الواقفة بشموخ على خشبة المسرح، فهي الشجرة التي تُجذر انتسابنا لكل ما هو عربي، حتى باتت «جارة القمر» أيقونة مشرقية يطبعها المستشرقون في كولاج أيقوناتهم عن الشرق وعجائبه، بعد أن أدمنت كاميرا هوليوود اقتباس الصحراء كصورة نمطية عن الثقافة العربية، المؤطرة في صورة البدوي الواقف إلى جانب الجمل والخيمة. لقد غنت فيروز للمدينة العربية، غنَّت لجداول الماء في الضيعة اللبنانية الصغيرة، للجسر الخشبي فوق النهر، للشبابيك وللعشاق القدامى المنتظرين في ليلة من ليالي الشتاء الماطرة، فحررت الهُوية من اختزالها في عنصري الجفاف والرحيل، وأعادت الطبيعة إلى طبيعتها، مع أن فنها نفسه يؤكد بطريقة ما على عقدة المستشرقين في علاقتهم بالشرق؛ وهي السحر والغموض.

من شغف العطش في البيداء إلى قوة العشب المتفتَّح بين صخور الآثار الرومانية، خرجت أغنية فيروز مديحا غنائيا لطبيعة الإنسان والمكان، دون أن يتلوث نهر الصوت الحر، طوال عمرٍ من الغناء، بمديح الزائل، من ملوك وزعماء حركات سياسية، بالرغم من إكراهات السياسة الحتمية التي تحاصر الفنان أينما كان، لا سيما في المناخ اللبناني المحتقن بتعدد الطوائف، وعلى امتداد حقبة عربية متواترة الانقلابات، لم يُتفق فيها بعد على الشكل النهائي للدولة العربية بعد الاستعمار، ولا على ألوان العلم أو كلمات النشيد.

عيدها الثامن والثمانون ربما يكون واحدا من أكثر أعيادها حزنا. فالفنانة التي غنَّت لفلسطين وأحبتها بصدق وأعادت بغنائها «زهرة المدائن» إلى خريطة الوجدان العربي بعد احتلال مدينة القدس عام 1967، فإنها اليوم لا شك تتابع الأخبار كما عُرف عنها، ولها أن تتأمل كيف يواصل الزمنُ دحرجة تاريخنا الدائري، منذ ذلك الوقت إلى اليوم، نحو هاوية معتمة. لكن خيبة الفنانة فيروز من الواقع العربي أقدم من خيباتنا كلنا، وهي التي خيَّب النظام العربي صرختها التاريخية «الآن الآن وليس غدا» الصرخة التي دقَّت أجراس العودة، إلا أن العودة تأجلت لأكثر من نصف قرن. دهر عربي هائج تحولت فيه النكبة إلى نكسة والنكسة إلى نكسات انهارت فيها عواصم فيروز الغنائية، بدءا من بيروت إلى بغداد ودمشق.

لكن فيروز ستبقى «صوتا يخترقُ دروعَ اللامبالاة - يطهر النفس كما يطهرها البكاء لا العقاب» كما كتب عنها الشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج. فمن صوتها الأندلسي يتسرب فرحٌ خفيف يأخذنا إلى حافة البكاء من النعمة الفرح، وحنين سري يشدنا إلى غائب مجهول (أنا عندي حنين/ ما بعرف لمين). وحتى لو كانت كلمات أغنية فيروز من إبداع شعراء آخرين، تبقى فيروز هي الشاعرة الأخيرة لأغنيتها. فهي التي تصقل البسيط من كلام الشعر المطرز بالاستعارات الشفافة، مانحةً المفردة الريفية حوافا بلاغية جديدة.

منذ أن غنَّت فيروز «أنا صار لازم ودعكن» ونحن -كأننا- نكتب عنها بشيء من الرثاء كلما كتبنا عنها. مع أن فيروز لم تعوّد عشَّاقها إلا على الاقتصاد في الحضور، الأمر الذي ظل سمة من السمات المحيطة بشهرتها طوال مشوارها الفني. فالأسطورة لا تكتمل إلا بالغياب، والغياب هو ما يعطي البشري بعده الأسطوري؛ لأن الإشعاع المستمر لا يحرق النجم فحسب، بل يحول الشخصية العامة إلى شخصية يومية روتينية تبتذل حضورها، فتتفسخ ببطء في وعي الناس وعيونهم من فرط ما هي مباحة ومتوفرة، بلا سر ولا غموض.

«أيامي بينكم كانت قليلة

وكان كلامي أقل من الأيام».

كهذا غنَّت من كتاب النبي لجبران خليل جبران.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تفاصيل سرية يكشف عنها لأول مرة .. ماذا دار في الاجتماع السري بين الموساد ومبعوث ترامب قبل مفاوضات إيران؟

 

كشف موقع أكسيوس أن مسؤولين إسرائيليين كثّفوا جهودهم للتأثير على الموقف الأمريكي قبل ساعات من انطلاق الجولة الثانية من المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، والمقررة السبت في العاصمة الإيطالية روما.

ووفقًا لثلاثة مصادر إسرائيلية مطلعة، قام وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، بزيارة سرية إلى باريس لعقد اجتماع مع ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، في محاولة لعرض وجهة النظر الإسرائيلية حول الملف النووي الإيراني.

وشارك في الاجتماع أيضًا رئيس جهاز الموساد، دادي بارنيع، ما يعكس أهمية ومستوى القلق الإسرائيلي من نتائج الجولة المرتقبة.

تفاصيل غامضة وتحذيرات إسرائيلية

ورغم أن الموقع لم يكشف عن فحوى المعلومات التي قدّمها الوفد الإسرائيلي، فإن توقيت الاجتماع “اللحظة الأخيرة” يُشير إلى رغبة تل أبيب في التأثير مباشرة على موقف الولايات المتحدة التفاوضي مع إيران.

ويرى عدد من المحللين أن إسرائيل تخشى تقديم واشنطن تنازلات نووية قد تمنح طهران مساحة للمناورة أو تخفف من القيود التقنية التي تمنعها من تطوير برنامجها النووي، ما يشكّل تهديدًا أمنيًا لإسرائيل والمنطقة.

واشنطن وطهران إلى روما.. وسط ترقّب دولي

ومن المرتقب أن تنطلق المحادثات الأمريكية الإيرانية في روما يوم السبت، وسط متابعة دولية حثيثة، وتسعى إسرائيل إلى رسم خطوط حمراء واضحة تحاول واشنطن عدم تجاوزها خلال مفاوضاتها مع الإيرانيين.

وكان المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف قد التقى، يوم الخميس في باريس، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى جانب ممثلين كبار من بريطانيا وألمانيا، ورغم أن اللقاء تناول جهود وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، فقد تطرّق أيضًا إلى الملف النووي الإيراني.

وصرّح مصدر مطّلع بأن ويتكوف شدد خلال هذه اللقاءات على أن هدف إدارة ترامب هو حل الأزمة النووية عبر القنوات الدبلوماسية، والوصول إلى اتفاق يمنع إيران من تخصيب اليورانيوم.

ترامب: لا نُريد حربًا لكن لن نسمح بامتلاك إيران سلاحًا نوويًا

وفي تصريح صحفي، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه لا يسعى إلى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، لكنه أكد في الوقت ذاته أن امتلاك إيران لسلاح نووي “خط أحمر”.

وقال ترامب: “لا أريد أن أؤذي أحدًا، لكن لا يمكن لإيران أن تمتلك أسلحة نووية. لا نريد سلبهم أرضهم أو صناعتهم.. فقط ألا تكون لديهم أسلحة نووية”.

إيران تتحرك على الساحة الدولية قبل المفاوضات

ومن جهتها، تستعد إيران للمفاوضات من خلال جولة إقليمية قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، حيث من المقرر أن يصل إلى روما الجمعة، قادمًا من موسكو، حيث التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبحث معه تفاصيل المفاوضات النووية المرتقبة مع الولايات المتحدة.

وتأتي هذه التحركات في ظل توتر سياسي إقليمي واسع، إذ تتزامن مفاوضات روما مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد إيران، واستمرار الضغط الغربي على طهران للالتزام ببنود اتفاق 2015 النووي، أو التفاوض على اتفاق جديد أكثر صرامة.

ويرى مراقبون أن إسرائيل تسعى إلى ضمان ألا يؤدي أي اتفاق جديد إلى تخفيف القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، أو منح طهران “امتيازات اقتصادية” قد تُستغل في تمويل حلفاء إقليميين

  

مقالات مشابهة

  • محمد مفقود... هل من يعرف عنه شيئاً؟
  • تفاصيل سرية يكشف عنها لأول مرة .. ماذا دار في الاجتماع السري بين الموساد ومبعوث ترامب قبل مفاوضات إيران؟
  • شاهد بالفيديو.. وسط ذهول واستغراب الجمهور.. عمارة “آراك” الشهيرة بالسوق العربي تحافظ على حالتها الطبيعية رغم احتراق ودمار جميع المباني التي من حولها
  • أفضل الأعمال التي تقدمها لشخص عزيز توفى.. دينا أبو الخير تكشف عنها
  • بوتين: الأسلحة التي تحصل عليها أوكرانيا تظهر في السوق السوداء
  • البيت الأبيض يكذب التقارير بشأن البحث عن بديل لوزير الدفاع الأمريكي
  • معلومات لا تعرفها عنها .. مي الغيطي تحتفل بزواجها من طبيب بريطاني
  • لمرضى السكرى.. فواكه ابتعد عنها
  • إلهام شاهين تهنئ جمهورها بمناسبة شم النسيم
  • ذكرى وفاته.. قصة زواج بدر الدين جمجموم من فيروز