لجريدة عمان:
2024-09-19@19:05:16 GMT

نوافذ: فلسطين.. وصوت فيروز

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

في رواية العراقي علي شاكر «كافيه فيروز» -وهي رواية تحضر فيها المطربة اللبنانية الكبيرة كما لم تحضر في أي عمل أدبي من قبل- تسأل «ديبرا» حبيبها عازف البيانو الفلسطيني وليد: هل تذكر الأغنية التي كنتَ تعزفها ليلة لقائنا الأولى؟ فيجيب: «نعم. بالتأكيد. كيف يمكن أن أنسى؟ أغنية فيروز عن الفتية الذين ماتوا في فلسطين، أولئك الذين ينعتهم الغرب بالإرهاب في الوقت الذي يعامل فيه قتلة الأطفال كأرييل شارون ونتنياهو معاملة الأبطال».

اخترت هذا المقطع من الرواية الصادرة قبل ثماني سنوات وأنا أحتفي في هذا المقال بعيد ميلاد فيروز التاسع والثمانين الذي حل قبل عدة أيام (وُلِدتْ في 21 نوفمبر 1934م)، ليس فقط لأنه مقطع معبّر عن أحداث هذه الأيام التي يسطّر فيها أهلنا في غزة أجمل حكايات البطولة والصمود، ولا لأقول إن فيروز الحاضرة دومًا في وجدان الشعب العربي، هي حاضرة أيضًا في ثقافة العرب وأدبهم؛ روايةً وشِعرًا، ومسرحًا، وإشادات من كبار الشعراء والأدباء الذين خصهم بعضها بمقالات إعجاب لا تُنسى (محمود درويش وأنسي الحاج مثالًا لا حصرا)، فهذا معروف للقاصي والداني، ولكن لأنطلق من هذا المقطع كذلك إلى القول إنه على كثرة المطربين العرب الذين غنّوا لفلسطين من المحيط إلى الخليج، تبقى «جارة القمر» متربعة وحدها في زاوية لا يصل إليها أحد.

منذ أغنية فيروز «راجعون» عام 1955م التي صارت بعد ذلك نشيد إذاعة فلسطين عند افتتاحها في القاهرة عام 1960، وحتى ترنيمتها «إلى متى يا رب» التي نشرتها ابنتها ريما رحباني على قناتها في يوتيوب عام 2018، عمرٌ من الغناء الصادح لفلسطين ومدنها وشعبها، وزيتونها، وبيارات برتقالها، وكل تفاصيلها الصغيرة. وهو الغناء الذي بات يتردد في كل نضال فلسطيني، ويستعاد عند كل اعتداء إسرائيلي جديد، يُلهِب حماسة المقاوِمين، ويخفف من آلام المكلومين.

ليس من المبالغة القول إن فلسطين، مثلما كانت -ولا تزال- بحاجة ماسة إلى مقاتلين بالسلاح يذبون عن حياضها، ويدافعون عن مقدساتها، وهذا ما نشاهده بفخر هذه الأيام، كانت -على الضفة الأخرى- بحاجة أيضًا إلى صوت ساحر كصوت فيروز، وموسيقى فاتنة كموسيقى الرحابنة، ليُخلَّد هذا النضال بالفن، ويبقى للأجيال القادمة. «خذوني إلى بيسان»، «جسر العودة»، «القدس العتيقة»، «زهرة المدائن»، «سيفٌ فليشهر»، «سنرجع يا يافا»، «غاب نهار آخر»، «يا ربوع بلادي»، «داري التي أغفت على ربوة»، وغيرها من الأغاني التي حملت قضية فلسطين على كاهلها من جيل إلى آخر، وأبقتها إلى اليوم على كل لسان.

ولعل أهم ما يميّز أغاني فيروز عن فلسطين بساطة الكلمات المعفَّرة بتراب الأرض وهموم الناس: «مريت بالشوارع؛ شوارع القدس العتيقة، قدام الدكاكين الـ.. بقيتْ من فلسطين، حكينا سوى الخبرية.. وعطيوني مزهرية.. قالولي هيدي هدية.. م الناس الناطرين»، وحمولتها التفاؤلية التي تجعلها حتى وهي تعبّر عن مأساة أرض محتلة وشعبٍ منتهَك الحقوق، أغنياتِ أمل وتحدٍّ وصمود: «لن يُقفل بابُ مدينتنا، فأنا ذاهبة لأصلّي، سأدق على الأبواب، وسأفتحها الأبواب». وهذا المقطع بالذات استحضره كثيرون ممن تابعوا في صيف عام 2017 النضال الشجاع للمَقْدسيين في رفض البوابات الإلكترونية التي حاول الاحتلال فرضها لدخول المسجد الأقصى، وإرغامهم المحتل على العدول عن قراره المستبد.

ولا أظن فلسطينيًّا واحدًا في الشتات لم يحلم مع فيروز: «سنرجع يومًا إلى حيّنا.. ونغرق في دافئات المنى.. سنرجع مهما يمرّ الزمان.. وتنأى المسافات ما بيننا». من هؤلاء الناقد الفلسطيني فيصل درّاج الذي يقول في نصّ جميل له عنها في الكتاب الجماعي «وطن اسمه فيروز»: «شعرتُ، ولا أزال، بأن أغنية فيروز موجهة لي، أنطقتني بما لا أستطيع التعبير عنه. فهي عن اللاجئين وإلى اللاجئين، وتمحو ذل اللجوء بتفاؤل طليق، وتحتضن اللاجئ في كل مكان. أغنية عن الغرباء، وإلى الغرباء، وعن هؤلاء الذين يواسي الغناء غربتهم».

لم تحتج أغنية «سنرجع يوما» لتدخل قلب ووجدان الفلسطيني اللاجئ أو المتغرب عن وطنه إلى ذكر فلسطين ولو لمرة واحدة، وهذه ميزة أخرى لأغنية فيروز عن فلسطين. إذْ إنها أغنية كونية بامتياز، فعندما تقول في أغنية «جسر العودة»: «يدخل آلاف الأطفال.. من كبروا الليلة في الخارج.. عادوا كالبحر من الخارج.. أرجع في العتمة معهم.. نصمد ونقاتل لا نرحل.. ونقيم كشجر لا يرحل» فإنها تعبّر عن كل الشعوب المحتلة والمهجّرة من أوطانها والحالمة بالعودة، والصامدة في وجه المحتل، وليس فقط الشعب الفلسطيني، الذي لم يكن بحاجة إلى ذكر «ساحات فلسطين» في نهاية الأغنية ليشعر أنها تعبّر عنه. وكما «سنرجع يومًا» فإن أغنية «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» -التي كان يقصدها عازف البيانو وليد في مستهل هذا المقال- تندرج في أغاني فيروز عن فلسطين رغم أنها لا تذكر فلسطين ولا الفلسطينيين، ولهذا فإن وليد وصف هذه الأغنية لـ«ديبرا» بأنها «تُشبه لوحة تجريدية كلٌّ يستطيع قراءتها بطريقته الخاصة». إن هؤلاء الذين تخاطبهم الأغنية: «يا رايحين وثلج ما عاد بدكن ترجعوا» يمكن أن يكونوا أي شبّان من أي جنسية في العالم. لكننا نعرف فقط أنهم فلسطينيون من الحكاية الأقرب إلى أسطورة التي تُنسَب إلى مؤلف الأغنية الشاعر طلال حيدر، والتي أعاد وليد سردها على حبيبته، وتتلخص في أن «حيدر نظم قصيدته في الأصل عن فتية كان يراقبهم من على شرفة منزله كل صباح وهم يتوغلون في الغابة المجاورة ثم يعودون في المساء، حتى فوجئ بصورهم منشورة في الجريدة ذات يوم وقرأ أنهم قد استشهدوا في عملية فدائية قاموا بها في فلسطين».

إن صحّت هذه الحكاية فإن سبب بقاء ذكر هؤلاء الشهداء إلى اليوم هو صوت فيروز الساحر؛ هذا الصوت الملائكي الذي اتحد على حبّه والإعجاب به عربٌ لا يتحدون.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بعد حادثة لبنان.. من الذين ما زالوا يستخدمون أجهزة البيجر؟

مع تحول الهواتف المحمولة إلى أداة اتصال رئيسية في العالم، أصبحت أجهزة الاتصال اللاسلكي المعروفة باسم (بيجر) شيئاً من الماضي إلى حد كبير، مع انخفاض الطلب عليها بعد أن وصل إلى ذروته في التسعينيات من القرن الماضي.

لكن هذه الأجهزة الإلكترونية الصغيرة ما زالت وسيلة حيوية للاتصال في بعض المجالات مثل الرعاية الصحية وخدمات الطوارئ بفضل متانتها وعمر بطاريتها الطويل.
وقال جراح كبير في أحد المستشفيات الكبرى في بريطانيا "إنها الطريقة الأقل تكلفة والأعلى كفاءة للتواصل مع عدد كبير من الناس فيما يتعلق بإرسال رسائل لا تحتاج إلى ردود"، مضيفاً أن أجهزة البيجر تُستخدم على نطاق واسع من قبل الأطباء والممرضات في كل هيئة الصحة الوطنية في البلاد.
وأوضح أنها "تُستخدم لإخبار الناس إلى أين يذهبون ومتى ولماذا".
وتصدرت أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر) عناوين الأخبار أمس الثلاثاء عندما تم تفجير آلاف الأجهزة التي يستخدمها أعضاء جماعة حزب الله في وقت واحد بجميع أنحاء لبنان، مما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص على الأقل وإصابة ما يقرب من 3000.
وقال مصدر أمني لبناني كبير ومصدر آخر إن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) هو الذي زرع متفجرات داخل الأجهزة.
وكانت هيئة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة تستخدم حوالي 130 ألف جهاز بيجر في عام 2019، وهو رقم يعادل أكثر من عشرة بالمئة من كل أجهزة البيجر في العالم، بحسب بيانات حكومية. ولم تتوفر أرقام أكثر حداثة من هذا التاريخ.
يحمل الأطباء العاملون في أقسام الطوارئ بالمستشفيات هذه الأجهزة في وقت العمل.
وقال طبيب كبير في هيئة الصحة الوطنية إن العديد من أجهزة الاتصال اللاسلكي يمكنها أيضاً إرسال صفارة إنذار ثم بث رسالة صوتية إلى مجموعات بحيث يتم تنبيه الفرق الطبية بأكملها في وقت واحد لوجود حالة طوارئ. وهذا غير ممكن باستخدام الهاتف المحمول.
وقال مصدر مطلع من المؤسسة الملكية الوطنية لقوارب النجاة لرويترز إن المؤسسة تستخدم أجهزة البيجر لتنبيه أطقمها. ورفضت المؤسسة التعليق.

بعد انفجارات لبنان.. العراق يعتزم تعزيز التدقيق الأمني على الحدودhttps://t.co/xCW5krFDiv

— 24.ae (@20fourMedia) September 18, 2024 الهواتف المحمولة قد يكون تتبع أجهزة البيجر أصعب من تتبع الهواتف الذكية لأنها تفتقر إلى تقنيات الملاحة الحديثة مثل نظام تحديد المواقع العالمي (جي.بي.إس).
وقد جعلها هذا خياراً شائعاً بين المجرمين، خاصة تجار المخدرات في الولايات المتحدة في الماضي.
لكن العصابات تستخدم الهواتف المحمولة بشكل أكبر هذه الأيام، وفقاً لما قاله كين جراي، العميل السابق بمكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي،.
وأضاف: "لا أعرف ما إذا كان أي شخص يستخدمها (أجهزة البيجر)...لقد انتقلوا جميعاً إلى الهواتف المحمولة والهواتف مسبقة الدفع" والتي يمكن التخلص منها بسهولة واستبدالها بهاتف آخر برقم مختلف، مما يجعل من الصعب تتبعها.
وقال جراي، الذي خدم لمدة 24 عاماً في مكتب التحقيقات ويدرس الآن العدالة الجنائية والأمن الداخلي في جامعة نيو هيفن، إن المجرمين تغيروا مع مرور الوقت والتكنولوجيا الأحدث.
وبلغت سوق أجهزة البيجر العالمية، التي كانت ذات يوم مصدراً رئيسياً للإيرادات لشركات مثل موتورولا، 1.6 مليار دولار في عام 2023، وفقاً لتقرير صادر في أبريل (نيسان) عن شركة كوجنتيف ماركت ريسيرش.
ويمثل هذا جزءاً ضئيلاً من سوق الهواتف الذكية العالمية، التي قدرت بنحو نصف تريليون دولار بنهاية عام 2023.
لكن الطلب على أجهزة البيجر يتزايد مع زيادة عدد المرضى مما يخلق حاجة أكبر للاتصال الفعال في قطاع الرعاية الصحية، وفقاً للتقرير، الذي توقع نمواً سنوياً مركباً بنسبة 5.9% من عام 2023 إلى 2030.
وذكر التقرير أن أمريكا الشمالية وأوروبا هما أكبر سوقين لأجهزة البيجر، حيث تحقق 528 مليون دولار و496 مليون دولار من الإيرادات على التوالي.

مقالات مشابهة

  • وزير الصحة اللبناني: عدد الجرحى الذين وصلوا للمستشفيات في هجمات 17 سبتمبر هو 2323
  • من الأشخاص والجهات الذين ما زالوا يستخدمون أجهزة البيجر؟
  • بعد حادثة لبنان.. من الذين ما زالوا يستخدمون أجهزة البيجر؟
  • الإمارات ترحب باعتماد الأمم المتحدة للقرار الذي تقدمت به فلسطين
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • شاهد - الصاروخ اليمني فلسطين (2) الذي ضرب قلب يافا
  • بن جامع يدعو إلى تأييد مشروع القرار التاريخي الذي قدمته فلسطين
  • «بالأمان قادرين نغير».. أغنية لمحمد عدوية في احتفالية «بداية جديدة»
  • فيديو.. شاهيناز تطرح كليب أغنية «كده فل»
  • بالفيديو.. «أردوغان» يظهر في أغنية دعما لدولة فلسطين