الخامس عشر: «الملف الاقتصادي».
يُعدُّ الاقتصاد القوي المعتمد على النُّمو والاستدامة، وعلى تنوُّع مصادر الدخل، النَّاجح في استثمار الموارد المتوافرة، القاطرة الَّتي تَقُودُ الأُمم والبُلدان إلى تحقيق نهضتها الشَّاملة وبلوغ مراحل مُرضية في إصلاح قِطاعاتها التعليميَّة والصحيَّة والتنمويَّة، وضمان جودة خدماتها، وارتفاع مؤشِّرات ازدهار ورخاء مُجتمعاتها، وإنجاز وتنفيذ أهدافها الطموحة للّحاق بالرَّكب الحضاري، والإسهام في التقدُّم العِلمي وثورات المعرفة والذَّكاء الاصطناعي.
فالمنافسة الحقيقيَّة اليوم بَيْنَ الدوَل اقتصاديَّة بحتة، ومن رحم ضعفه ـ أي الاقتصاد ـ وتراجعات أنشطته وموارده تنشأ وتتناسل مُعظم المشكلات من فقر وبطالة وفساد وضعف الخدمات وتردِّي المشاريع التنمويَّة، وانهيار منظومة الأمن والاستقرار وتدخُّل القوى الدوليَّة في الشؤون والسِّياسات الداخليَّة بحجج مختلفة، وهو ما نراه واقعًا في عددٍ من الدوَل العربيَّة والعالَميَّة… وفي مقالات سابقة، تناولت هذا الملف باستفاضة وتحت عناوين فرعيَّة متعدِّدة، وأكَّدت أنَّ دوَل العالَم، وفي مقدِّمتها الدوَل المزدهرة والمتقدِّمة ركَّزت في خططها وبرامجها على «الاعتناء بتنمية اقتصاداتها وتطوير بنيتها التحتيَّة والاستثمار في مواردها الطبيعيَّة وكوادرها البَشَريَّة والاهتمام بالقِطاعات الحيويَّة التعليميَّة والسِّياحيَّة والزراعة والصناعة والتجارة، وتهيئة البيئة الاستثماريَّة وتعظيم المردود مِنْها وتعزيز مصادر الدخل، بهدف ضمان قيام اقتصاد متنوِّع، صلب ومستدام تتعدَّد فيه مصادر الدخل لِيتمكَّنَ على المدى البعيد من التأقلم مع الظروف وتجاوز التحدِّيات الداخليَّة والخارجيَّة، والعمل على توظيف وتسخير عوائده المتنامية في تحقيق رخاء وازدهار المُجتمع ومواصلة استكمال وتعزيز البنية التحتيَّة وضمان مجانيَّة خدمات الصحَّة والتعليم وتجويدها وتحقيق مستوى مقبول من الرضا المُجتمعي والحصول على مؤشِّرات محترمة في هذه المجالات مُجتمعة…». مجلس الشورى، وإلى جانب مراجعاته لمشروعات الخطط الخمسيَّة والميزانيَّات السنويَّة والقوانين والاتفاقيَّات ذات العلاقة، وتركيزه في ملاحظاته على تقديم الأفكار والمرئيَّات الَّتي من شأنها الإسهام في النُّمو الاقتصادي وتحفيز أنشطته وموارده وتلافي الانكماش والتحرُّر من قيود أسعار النفط المتذبذبة عالَميًّا… أعَدَّ وأقرَّ، وأحالَ كذلك، عددًا من الدِّراسات والتقارير المُهمَّة جدًّا في الجانب الاقتصادي.. دراسته الخاصَّة بتنمية وتطوير «الجبل الأخضر»، انبثقت عَنْها توصيات واسعة بغية تحقيق نهضة شاملة في الجبل الأخضر، في قِطاعات السِّياحة، والزراعة والثروة الحيوانيَّة، ومياه الرَّي، والطُّرق، والإسكان والبلديَّات الإقليميَّة. وفي دراسته الأخرى المتعلقة بـ»المُجمَّعات السِّياحيَّة المتكاملة»، عَبَّرَ المجلس عن «قلقه بشأن صدور عددٍ كبير من تراخيص إنشاء مُجمَّعات سياحيَّة متكاملة بمواقع مميَّزة من محافظة مسقط وبعض مناطق سلطنة عُمان الأخرى وبمساحات شاسعة وفي أوقات متقاربة وبمُكوِّنات تغْلب عَلَيْها المنشآت العقاريَّة غير السِّياحيَّة، ولمستثمرين غير حكوميِّين، وما نجم عن ذلك من تساؤلات شغلت الرأي العامَّ المحلِّي، وتجلَّت في الكثير من التحقيقات والمقالات الصحفيَّة وبعض البرامج الإذاعيَّة، مؤكِّدًا أنَّ صناعة السِّياحة هي الصناعة الوحيدة الَّتي تأتي بالمستهلك إلى المنتج…». وقدَّمت الدِّراسة أمثلة ونماذج وأسندتها بحجج على تخوُّفاتها، أعقبتها توصيات غاية في الأهمِّية لتنظيم هذا القِطاع، وضمان تحقيق مصالح وعوائد عالية للاقتصاد الوطني. «القروض الميسَّرة للقِطاع الخاصِّ»، هي الأخرى أوصت بـ»توحيد قنوات الإقراض الميسَّر في مؤسَّسة واحدة، توفَّر لها الإمكانات الماليَّة والفنيَّة والإداريَّة الَّتي تؤهلها لإدارة نظام تمويل تنموي ميسَّر يتَّسم بالكفاءة والفاعليَّة ـ وإنشاء مركز للبحوث والاستشارات الاقتصاديَّة توفَّر له كوادر عالية التأهيل والتخصُّص في المجالات الهندسيَّة المختلفة والاقتصاد والتحليل المالي وتقييم المشروعات وإدارة الأعمال من تسويق وإدارة إنتاج ومحاسبة تكاليف ـ وتحسين المناخ الاستثماري لرفع القدرات التنافسيَّة للمنتِجين المحلِّيين ـ والإسراع في البَتِّ في أمْرِ المنشآت المتعثِّرة المستفيدة من القروض الميسَّرة باتِّخاذ قرارات إعادة الهيكلة أو البيع أو التصفية وذلك لضمان أقلِّ قدر مُمكِن من الخسائر في المال العامِّ…»، مع جملة من التوصيات العامَّة أو المصاحبة الَّتي تحتوي على آليَّات وخطوات عمليَّة ممنهجة لتسهيل التطبيق والتنفيذ. من الدِّراسات عالية القِيمة في الجانب الاقتصادي كذلك، «دَوْر الشركات الكبرى في تنشيط الحركة الاقتصاديَّة وتنمية المُجتمعات المحليَّة بالمناطق»، غايتها «التركيز على البحث عن الوسائل والآليَّات الَّتي من شأنها أن تُسهمَ في تفعيل دَوْر الشركات المُنفِّذة والمُشغِّلة للمشروعات الكبرى في المناطق في تنشيط الحركة الاقتصاديَّة وتنمية المُجتمعات المحليَّة عن طريق إسهام أكبر في: تشغيل المواطنين ـ تأمين المشتريات والخدمات في السُّوق المحلِّي ـ إسناد بعض الأعمال للمقاولين المحلِّيين، والمساهمة في مشروعات الخدمات الاجتماعيَّة…» وخلصت في نهاية الدراسة إلى توصيات لتحقيق تلك الأهداف الوطنيَّة. الدِّراسة الموسَّعة حَوْلَ «الصناعة ومساهمتها في التنمية الاقتصاديَّة»، أقرَّها مجلس الشورى ورفعها إلى السُّلطان، في أكتوبر 1997م، وركَّزت توصياتها على «تأسيس المشاريع الصناعيَّة وتمويلها، سواء من خلال القروض الحكوميَّة أو التجاريَّة، وصندوق يُسهم في المشاريع الرائدة، وإعادة النظر في تعريفة الكهرباء والمياه وأسعار الغاز والمنتجات البتروليَّة المستخدمة في الصناعة، وتأهيل الكوادر الوطنيَّة ومنحها المؤهلات المناسبة للعمل في القِطاع الصناعي…». «المصارف ومدى فاعليَّتها وتقييم السِّياسات الخاصَّة بها وتأثيرها على تنشيط الحركة الاقتصاديَّة ـ نظام الصفقات التجاريَّة المتكافئة أو الاستثمار المتكافئ ـ أزمة سُوق مسقط للأوراق الماليَّة: أبعادها وآثارها وأسبابها ووسائل علاجها ـ الاحتكار التجاري ـ
قانون الوكالات التجاريَّة ـ تفعيل وتطوير قانون حماية المال العامِّ وتجنُّب تضارب المصالح ـ قانون حماية الاقتصاد الوطني من آثار الممارسات الضارَّة في نطاق التجارة الدوليَّة ـ قانون ضريبة الدخل ـ استخدام الفحم الحجري في إنتاج الطَّاقة ـ قانون الشركات التجاريَّة ـ برنامج سند ـ قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار ـ تقييم صندوق الرفد…». ما هي إلَّا نماذج متواضعة لجهود ومبادرات ودراسات متخصِّصة ضِمْن قائمة إنجازات مجلس الشورى، في تنشيط القِطاعات والأنشطة الاقتصاديَّة ومعالجة مشاكلها وضعف أدائها. كم هي النسبة، أو مؤشِّر تبنِّي واستفادة المؤسَّسات والجهات الحكوميَّة من تلكم الدِّراسات والتقارير الَّتي أخذت سنوات من الجهد والمتابعة والتقييم والبحث، وبُنيت توصياتها على سلسلة من اللقاءات والزيارات الميدانيَّة والاجتماعات والنقاشات الواسعة والاطلاع على البيانات والمعلومات والقراءات والمقارنات للوصول إلى حلول عمليَّة، وتوصيات واقعيَّة ورؤى تُسهم في تحقيق اقتصاد صلب، نامٍ ومستدام ومعتمد على الكثير من الموارد؟
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية:
ـ قانون
إقرأ أيضاً:
رئيس مركز دراسات: نهاية أزمة اليمن تلوح في الأفق!
شمسان بوست / خاص:
أكد رئيس مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية، عبدالسلام محمد، أن استمرار وجود شخصيات غير مؤهلة في مكتب المبعوث الأممي، إلى جانب السلاليين، يساهم في تعقيد الأزمة اليمنية بدل حلها.
وأشار إلى أن هذه السياسات أدت إلى ظهور كيانات ومجموعات وهمية، ليس لها وجود حقيقي سوى على الورق أو من خلال حسابات بنكية ورخص شكلية، مما يزيد من هدر الموارد دون تحقيق نتائج ملموسة.
وأضاف عبدالسلام أن حل الأزمة اليمنية بات قريباً، مشدداً على أنه سيُكشف لاحقاً عن حجم الأموال التي أنفقتها الأمم المتحدة في مشاريع غير مجدية ورفاهية أشخاص لا يؤثرون في مسار السلام.
كما أشار إلى أن جهود مكتب المبعوث الأممي لم تحقق تقدماً حقيقياً في تحقيق السلام، ما يضع علامة استفهام حول فعالية هذه الجهود في إنهاء معاناة الشعب اليمني.