دولة فلسطينية منزوعة السلاح.. ماذا تعني وما إمكانية تطبيقها؟
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
أثار حديث الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، عن "دولة فلسطينية مستقبلية منزوعة السلاح"، التساؤلات عن معنى هذه الحالة في القانون الدولي، ومدى قبول إسرائيل والسلطة الفلسطينية بذلك، بينما يكشف مسؤولون ومختصون لموقع "الحرة" إمكانية تطبيق ذلك على أرض الواقع.
دولة فلسطينية "منزوعة السلاح"وقال السيسي خلال مؤتمر صحفي مشترك بالقاهرة مع رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانتشيث، ورئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو، الجمعة،: "قلنا إننا مستعدون أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح وأيضا هناك ضمانات بقوات سواء هذه القوات من الناتو (حلف شمال الأطلسي) أو قوات من الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أميركية مثل ما تروه مناسبا، حتى نحقق الأمن لكلتا الدولتين، الدولة الفلسطينية الوليدة والدولة الإسرائيلية".
السيسي: مستعدون لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح#الحرة #الحقيقة_أولا #شاهد_الحرة #غزة #السيسي pic.twitter.com/UhXripZFve
— قناة الحرة (@alhurranews) November 25, 2023 ما هي الدولة منزوعة السلاح؟يشير مفهوم "نزع السلاح" إلى تخفيض أو حتى إلغاء التسلح والوجود العسكري في منطقة جغرافية محددة، وفق "كتاب أكسفورد للقانون الدولي".
ومن الناحية العملياتية، فهو يعني ضمنا تفكيك الأسلحة والذخيرة والقوات المسلحة من أجل وضعها خارج نطاق الاستخدام العسكري.
ويشير "التجريد من السلاح" أيضا إلى عملية التخفيض المستمر في نفوذ الجيش في دولة ومجتمع معين.
و"المناطق المجردة من السلاح" هي التي يحظر فيها وجود أي مقاتلين أو أسلحة أو معدات أو مرافق عسكرية والتي لا يجوز أن تنطلق منها أي أعمال أو نشاطات عدوانية تساند أو ترتبط بالعمليات العسكرية، وفق "الأمم المتحدة".
والمنطقة "منزوعة السلاح" هي منطقة متفق عليها بين أطراف النزاع المسلح، ولا يجوز احتلالها أو استخدامها لأغراض عسكرية من قبل أي طرف في النزاع، حسب موقع "الصليب الأحمر".
ويمكن إنشاء المناطق منزوعة السلاح بموجب اتفاق شفهي أو كتابي في أوقات السلم أو أثناء النزاع المسلح.
وهناك عدة شروط يجب أن تستوفي بـ"المنطقة منزوعة السلاح"، وعلى رأسها إجلاء جميع المقاتلين وكذلك الأسلحة المتنقلة والمعدات العسكرية المتنقلة.
ولا يجوز استخدام المنشآت أو المؤسسات العسكرية الثابتة بشكل عدائي، ويجب عدم ارتكاب أي أعمال عدائية من قبل السلطات أو السكان، وكذلك توقف جميع الأنشطة المرتبطة بالمجهود العسكري.
ومصطلح "نزع السلاح"، كما هو مفهوم بشكل عام (أي تقييد المواد الحربية)، يهدف إلى منع تطور التهديدات العسكرية ضد إسرائيل، بما في ذلك الحرب التقليدية والإرهاب وحرب العصابات، وعبر أراضي السلطة الفلسطينية والدولة الفلسطينية المرتقبة، وفق تقرير لـ"مركز القدس للشؤون العامة".
ما موقف إسرائيل؟كانت دولة فلسطينية منزوعة السلاح مطلبا إسرائيليا منذ إعلان المبادئ لعام 1993، الذي كان بمثابة الأساس لمعاهدة أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، وفق "مركز القدس للشؤون العامة".
وكان من المفترض أن يؤدي التوقيع على اتفاقيات أوسلو، عام 1993، إلى قيام دولة فلسطينية "منزوعة السلاح"، الأمر الذي وصل إلى طريق مسدود منذ أكثر من عشر سنوات.
وفي عام 1993، وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو برعاية أميركية ودولية، كأساس يفضي إلى تطبيق حل الدولتين بعد الاتفاق على ما صار يعرف بـ" قضايا الحل النهائي".
وبموجب اتفاق أوسلو انسحبت إسرائيل جزئيا من مناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتسلمت إدارتها السلطة الفلسطينية بقيادة، ياسر عرفات، الذي عاد إلى الأراضي الفلسطينية.
وفي 10 نوفمبر الجاري، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن إسرائيل "لديها خطة واضحة لما تعمل على تحقيقه من خلال الحرب ضد حماس، مستبعدا "احتلال غزة أو حكمها" أو وقف إطلاق النار في الوقت الحالي".
وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، قال "أعتقد أنه من الواضح كيف يجب أن يبدو مستقبل غزة.. ستختفي حماس"، مضيفا "عليهم أن يروا (غزة منزوعة السلاح) وخالية من التطرف وإعادة بنائها".
وفي نوفمبر 2009، أكد نتانياهو، أنه سيقبل بدولة فلسطينية "منزوعة السلاح"، طالما أنها لا تمتلك قوة عسكرية وتعترف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، حسبما ذكر موقع "صوت أميركا" وقتها.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، قال المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليور حياة، إن سنة 2009 كانت منذ 14 عاما، مضيفا "لقد تغيرت الكثير من الأمور منذ ذلك الحين".
وتابع:" هذا حقيقي أن نتانياهو تحدث خلال عامي 2009 و2010 عن حل الدولتين بوجود دولة فلسطينية (منزوعة السلاح) لكن هذه ليست سياسة الحكومة".
واستطرد:" الآن أذكركم أن قطاع غزة كان يفترض أن يكون (منزوع السلاح) لكن الحقيقة أن حماس هربت الأسلحة للقطاع"، مضيفا لذلك فالوضع "ليس نفسه".
ومن جانبه، يوضح المحلل السياسي الإسرائيلي، شلومو غانور، أن إسرائيل في صدد حرب يجب الانتهاء منها وتحقيق أهدافها قبل الحديث عن "الحلول السياسية".
ويجب "تفكيك البنية المسلحة والسياسية" لحركة حماس، وعدم اعتبارها "مكون أو شريك" في أي حل سياسي، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي أن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي وضعفها توجهاتها، وعدم وضع قواعد سليمة لـ"حسن الجوار"، عوامل تحول دون قيام دولة فلسطينية، وفق اتفاق أوسلو.
ويطالب غانور بإعادة النظر في جميع الأسس التي يبنى عليها "حسن الجوار"، وأن يكون هناك "سلطة فلسطينية جديدة".
وترى إسرائيل أن مصطلح "التجريد من السلاح" يشمل تعريفا أوسع مما هو مقبول أو منصوص عليه عادة في القانون الدولي، لأن المصطلح المشترك لا يأخذ في الاعتبار الطبيعة المتغيرة للنزاعات والتهديدات العسكرية، حسبما يشير "مركز القدس للشؤون العامة".
وفقا لتعريف إسرائيل، فإن نزع السلاح هو وسيلة لتحقيق غاية مفادها "ألا يتطور أو يؤتي أي تهديد أمني، سواء عسكري أو إرهابي أو يشكل أي تعطيل آخر للحياة اليومية في إسرائيل".
وبالنسبة لإسرائيل، فإن نزع السلاح يعني أنه لن يتم إنشاء أي جيش فلسطيني أو قدرات عسكرية يمكن أن تشكل تهديدا.
وهناك احتياطات تضمن التجريد من السلاح وتتعلق بـ"الحفاظ على أطر الشرطة والأمن الداخلي الفلسطينية دون الخصائص العسكرية الواضحة"، والسماح فقط للفلسطينيين بـ"حيازة أسلحة هدفها الأمن الداخلي والشرطة وحدها".
ويتعلق كذلك بـ"غياب التحالفات العسكرية أو التعاون بين قوات الأمن الفلسطينية والجيوش الأجنبية، وغياب البنى التحتية العسكرية، مثل الصناعات الدفاعية، ومنع تصنيع المكونات ذات الاستخدام المزدوج التي يفترض أنها غير مخصصة للأغراض العسكرية.
ما الموقف الفلسطيني؟في عام 2018، أكد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أنه يعتقد أن دولة فلسطين المستقبلية يجب أن تكون "منزوعة السلاح"، وفق موقع "تايمز أوف إسرائيل".
وقال:" أنا أدعم دولة في حدود 1967 بدون جيش.. أريد قوات شرطة غير مسلحة مع هراوات وليس مسدسات، بدلا من الطائرات الحربية والدبابات، أفضل بناء مدارس ومستشفيات وتخصيص الأموال والموارد لمؤسسات اجتماعية"، حسب ما نقله الموقع عن إذاعة "كان" الإسرائيلية.
وفي عام 2014، قال عباس في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، إن الدولة الفلسطينية "لن يكون لها جيشها الخاص، بل قوة شرطة فقط".
وأضاف: "ستكون منزوعة السلاح، هل تعتقد أن لدينا أي وهم بأنه يمكننا الحصول على أي أمن إذا لم يشعر الإسرائيليون بأن لديهم الأمن؟".
وفي عام 2013، أشار تقرير لصحيفة "هآرتس" إلى قول عباس إن الدولة الفلسطينية ستكون "منزوعة السلاح".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، أن السلطة الفلسطينية تقبل بوجود "دولة منزوعة السلاح تعيش بسلام مع إسرائيل، بما يتناسب مع الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية".
وقبلت السلطة الفلسطينية بوجود "دولة منزوعة السلاح" في عامي 2014، و2017، وذلك في تعديل للمبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في "قمة بيروت" عام 2002، عندما كان حينها وليا للعهد، وفق الرقب.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أن حديث السيسي يحاول "تحريك المياه الراكدة، وفتح آفاق للسلام"، والاعتراف بدولة فلسطينية، في ظل تعذر "حل الدولتين".
واستمرار "حالة الاحتقان" يعني اتساع العنف بالمنطقة، ولذلك يجب وضع حلول سياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفق الرقب.
هل يمكن تطبيق المقترح؟في حديثه لموقع "الحرة"، يشير خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، إلى أن "الدول ذات السيادة" يمكنها "إعلان الحرب والسلام"، كأحد حقوقها السيادية.
وحسب القانون الدولي فمن حق الدولة ذات السيادة "إعلان الحرب، وإبرام معاهدات السلام"، ومن هنا يبرز أهمية وجود "الجيش حتى إن كان خفيف التسليح"، لحماية الدولة وصون حقوقها والزود عن حدودها ، حسبما يوضح لموقع "الحرة".
ووفق سلامة فإن هناك دول وأقاليم داخل دول "منزوعة السلاح"، وقد تشرف عليها قوات تابعة للأمم المتحدة أو متعددة الجنسيات، لكن ذلك النموذج "صعب التطبيق" بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ويرى أن مقترح السيسي يتعلق بـ"الأمر الواقع"، بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على الثلث الشمالي من قطاع غزة.
لكنه يستبعد إمكانية تطبيق المقترح على أرض الواقع لأن "إسرائيل سوف ترفض" وجود قوات متعددة الجنسيات سواء من الناتو "حلف شمال الأطلسي" أو قوات من الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أميركية.
ومن جانبه، يشير غانور إلى أن مقترح إنشاء دولة فلسطينية "منزوعة السلاح" غير قابل للتنفيذ في الوقت الحالي، لكن إسرائيل قد تقبل بذلك لاحقا بشروط معنية.
ويؤكد غانور أن على رأس تلك الشروط أن تكون "دولة الجوار غير معادية للأمن الإسرائيلي"، وأن تمتلك إسرائيل القدرات على الدفاع عن نفسها.
وحسب حديث المحلل السياسي الإسرائيلي فيجب "انتزاع قدرات الدولة الفلسطينية على أن تشكل مصدر قلق وتهديد لإسرائيل"، وطالما هناك حماس موجودة في غزة "فلا يمكن التسليم لذلك".
ويشير غانور إلى ضرورة التمهيد لمثل هذه الحلول بـ"انتزاع القدرات الإرهابية لمثل هؤلاء الشركاء"، على حد تعبيره.
لكن على جانب آخر، يرى الرقب أن المقترح "قابل للتطبيق"، في ظل الموافقة الفلسطينية وفي حال قبول إسرائيل.
وحسب المحلل السياسي الفلسطيني فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية أو حتى المعارضة في إسرائيل "لن تقبل بوجود دولة فلسطينية مستقلة حتى لو كانت منزوعة السلاح".
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم مباغت شنته الحركة على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية لقطاع غزة، أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وتم اختطاف 239 شخصا، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردت إسرائيل بقصف جوي وبحري وبري مكثف على القطاع المحاصر، أتبعته بعملية برية، وبلغت حصيلة القتلى في غزة 14854 قتيلا، بينهم 6150 طفلا وأكثر من 4 آلاف امرأة، فضلا عن إصابة نحو 36 ألف شخص، فيما بلغ عدد المفقودين قرابة 7 آلاف مفقود، بحسب السلطات التابعة لحماس.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: دولة منزوعة السلاح الدولة الفلسطینیة السلطة الفلسطینیة القانون الدولی المحلل السیاسی دولة فلسطینیة نزع السلاح من السلاح أو قوات فی عام
إقرأ أيضاً:
لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟
قالت مجموعة الأزمات الدولية إن الأزمة الوجودية الحادة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية تفاقمت، ويلومها الفلسطينيون إما لضعفها في مواجهة عدوان الاحتلال أو بسبب تنسيقها الأمني معه. في حين تتهمها إسرائيل بعدم الفعالية في قمع المسلحين الفلسطينيين، وفرض الأمن على عناصر المقاومة بالضفة الغربية.
جاء ذلك في تقرير نُشر الأسبوع الماضي لكبير محللي فلسطين في مجموعة الأزمات الباحثة تهاني مصطفى بعنوان "توغلات إسرائيل في الضفة الغربية تسلط الضوء على معضلات السياسة الفلسطينية".
وقد بدأت إسرائيل عملية "الجدار الحديدي" في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد يومين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، مما أدى إلى تصعيد عسكري واسع النطاق لقمع المقاومة المسلحة الفلسطينية في الضفة.
وتسببت عمليات الاحتلال في دمار واسع للمخيمات والمناطق الحضرية المجاورة لها بالضفة، حيث وصف السكان أحياءهم بأنها "غزة مصغرة". وأدى هذا الدمار إلى تشريد ما لا يقل عن 40 ألف شخص، في وقت يؤكد فيه الإسرائيليون أنهم لن يسمحوا بعودة هؤلاء إلى مخيماتهم، حسب ما جاء في التقرير.
الجزيرة نت حاورت محللين وباحثين مختصين في الشؤون الفلسطينية لتسليط مزيد من الضوء على هذه القضية، وخلاصة ما وصلوا إليه يمكن إجمالها في النقاط التالية:
إعلان السلطة الفلسطينية تتحمل الجزء الأكبر مما يحدث في الضفة الغربية. السلطة لم تقدم البدائل الحقيقية لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وخلقت حالة من الترهل داخل المنظومة السياسية الفلسطينية. السلطة مسؤولة عن انسداد الأفق السياسي واستمرار الانقسام الداخلي بوصفها السلطة الحاكمة والمسؤولة عن إدارة البيت الفلسطيني. تخلي السلطة عن مسؤوليتها الوطنية في قيادة الشعب نحو التحرير وإقامة الدولة يدفع الشعب نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية. السلطة لا تعتمد على الشعب الفلسطيني في البقاء، فهي لا تحتاج إليه ماليا أو سياسيا، بل تحتاج إلى دعم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يوجد في الواقع أي بديل حاليا للسلطة الفلسطينية، ورغم الاستياء الشعبي من أدائها الذي تعكسه استطلاعات الرأي فليس هناك دافع للإصلاح. السلطة واقعيا أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال حيث توفر الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية. السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو، بعد أن فقدت أوراق المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها وتقليص دورها. السلطة ما زالت تعوّل على اتفاق أوسلو رغم أنه انتهى سياسيا وواقعيا، وهناك قرارات من الكنيست تمنع تطبيق بنوده. السلطة تتحمل مسؤولية انهيار المنظومة الأمنية أمام توحش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين، وعدم الاعتراض على ذلك. السلطة تخشى مواجهة الاحتلال أو غض الطرف عن نشاط المقاومين في الضفة خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطة المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني. الوجود العسكري الإسرائيلي المتكرر في الضفة حوّل السلطة إلى شبه بلدية تتحمل الأعباء الصحية والتعليمية الثقيلة، وباقي الملفات المصيرية ذهبت لإدارة الاحتلال العسكرية. إسرائيل تنوي تحويل المخيمات في الضفة الغربية إلى "غزة مصغرة"، أي تدميرها بالكامل. ليس من الصحيح أن السلطة الفلسطينية كانت تحتكر السيطرة في الضفة، فمنذ نشأتها وهي تواجه صعوبة في فرض إرادتها على كامل الضفة، فهي كيان نشأ في الخارج أولا ثم فُرض على الفلسطينيين. يجب على السلطة أن تأخذ قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وأن تتحول إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال. يجب فصل السلطة الفلسطينية التي تقدم الخدمات للمواطنين عن منظمة التحرير الفلسطينية المعنية بتحقيق تقرير المصير.
تقول تهاني مصطفى -في مقابلة مع الجزيرة نت- إن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءًا من المسؤولية عما حدث، إما من خلال تقديم بدائل محدودة جدًا لمعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل فرص اقتصادية ضعيفة، وتدهور مستويات المعيشة، وعدم القيام بأي شيء لمحاولة التخفيف من حدة العنف في الضفة الغربية من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وعدم الدفاع عن الفلسطينيين بشكل صحيح سياسيًا على الساحة الدولية.
إعلانلا أعتقد أن السلطة الفلسطينية تعتمد على الفلسطينيين للبقاء، فهي لا تحتاجهم ماليًا أو سياسيًا، إنها تحتاج دعم الولايات المتحدة وإسرائيل، فهما الكيانان القويان اللذان يحددان بقاء السلطة، وهي تعرف ذلك، ورغم الاستياء الشعبي الكبير الذي عبرت عنه استطلاعات الرأي مرارًا وتكرارًا فليس لديها أي دافع للإصلاح.
ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في توفير البقاء للسلطة، وتستمر أوروبا في تقديم الدعم، وإسرائيل تسمح لها بالبقاء، فإنها ستبقى. وهذا شيء كان واضحًا جدًا خلال 16 شهرا الماضية، فالسلطة الفلسطينية لا تريد التعامل إلا مع الأميركيين والأوروبيين.
لم يحاول قادة السلطة حتى القيام بالكثير فيما يتعلق بما يحدث في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، حتى أن الوسطاء الإقليميين مثل قطر كانوا يقولون إن المشكلة ليست أن السلطة الفلسطينية لم تُدعَ إلى طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار، بل لأنها ترفض الحضور.
طبيعة الاحتلال قد تغيرت، فإسرائيل لن تتحمل أي مسؤولية تجاه 5 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية من حيث توفير الخدمات، والمجتمع الدولي لن يتمكن من القيام بذلك مباشرة، وليس هناك بديل حقيقي للسلطة الفلسطينية.
حتى الفلسطينيين لا يستطيعون تصور بديل الآن، وهو ما يعد أكبر إنقاذ للسلطة الفلسطينية، فبقاؤها بالكامل يعتمد على التنسيق الأمني، وحتى (حركة المقاومة الإسلامية) حماس تدرك أنه يجب أن يكون هناك هذا التنسيق.
السلطة الفلسطينية بشكل عام بدأت تفقد قبضتها منذ فترة طويلة، وهذا ليس لأن الفلسطينيين لا يريدونها أو لأنهم يرون بدائل، ولكن لأنها من الناحية المالية مقيدة جدًا نتيجة ممارسات الاحتلال، بالإضافة إلى الفساد الداخلي للسلطة الفلسطينية الذي يسهم في أن تفقد السلطة قبضتها.
السلطة الفلسطينية لم تكن تحتكر السيطرة على الضفة الغربية طوال الوقت، فعملها كان شاقا للغاية منذ نشأتها، فهي لم تكن كيانًا طبيعيًا نشأ في الضفة الغربية، لقد كانت شيئًا مفروضًا على الفلسطينيين من الخارج.
السلطة الفلسطينية تتحمّل مسؤولية كبيرة عن انهيار المنظومة الأمنية الحامية للفلسطينيين أمام توحّش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين في عموم الضفة الغربية، ويعود ذلك لعدة أسباب منها:
إعلان التزامات اتفاقية أوسلو التي جعلت الأجهزة الأمنية والأمن الوطني أداة لحماية المستوطنين، وملاحقة النشطاء والمقاومين للاحتلال، بذريعة محاربة الأعمال "الإرهابية" الضارّة بالسلام ومسار المفاوضات المتوقّف منذ عام 2014. مع أن اتفاقية أوسلو انتهت سياسيا وواقعيا، فإن السلطة الفلسطينية تخشى مواجهة الاحتلال وانتهاكاته أو غض النظر عن النشطاء والمقاومين، وذلك خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطوية المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني الذي يشكّل حاجة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدّة. استخدام الولاء المطلق لمنتسبي الأجهزة الأمنية في تصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين عبر الاعتقال أو الحرمان الوظيفي أو التحييد كما حصل مع المعارض نزار بنات ابن مدينة الخليل الذي توفي بعد ساعات من اعتقاله لدى أجهزة أمن السلطة في يونيو/حزيران 2021.خطورة ذلك أن السلطة الفلسطينية ستفقد شرعيتها في عين المواطن الفلسطيني الذي ينتظر منها الحماية أمام انتهاكات الاحتلال وعبث المستوطنين الذين وصلت بهم الجرأة إلى سرقة الأغنام وقطع أشجار الزيتون وحرق المركبات والبيوت، كما حصل في قرية حوّارة جنوب نابلس في فبراير/شباط 2023، دون أي حراك من السلطة أو دفاع من أجهزتها الأمنية.
التخلي عن المسؤولية الوطنية يُفقد السلطة أهليتها السياسية في قيادة الشعب الفلسطيني نحو التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، مما يدفع الشعب الفلسطيني إلى الاتجاه نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية.
فكرة التنسيق الأمني مع الاحتلال تعد خطيئة من حيث البدء، وكان من المفترض ألا تكون، فمن غير المنطقي أن تعمل سلطة فلسطينية وأجهزتها الأمنية لصالح الاحتلال أو تمنحه معلومات عن النشطاء والسياسيين والعاملين في الحقل الوطني.
الاحتلال تنصّل سياسيا من التزامات اتفاقيات أوسلو، وتبنّى الكنيست الإسرائيلي تشريعا في يوليو/تموز 2024 يرفض فيه قيام دولة فلسطينية بوصفها خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها.
إعلانأصبح من الضرورات السياسية والوطنية أن تأخذ السلطة الفلسطينية قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن تتحوّل إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال بكافة الوسائل وأشكال المقاومة.
واقعيا، السلطة الآن أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال عبر توفير الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية، وبجودة منخفضة، بسبب الفساد الإداري والعجز المالي وغياب معايير الشفافية.
السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو بعد أن فقدت ورقة المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها، وتقليص دورها حتى الإداري بسحب العديد من صلاحياتها التي من المفترض أن تطلع بها، لا سيّما في المناطق المصنّفة "إي" حسب تقسيمات اتفاقيات أوسلو لأراضي الضفة الغربية.
الرئيس محمود عباس يفقد بالتدريج قدرته على السيطرة، ولو على أجزاء من الضفة الغربية، وسيحوّله الاحتلال واقعيا وفي وقت قريب إلى رئيس لسلطة مدنية محلية تحت السيادة الإسرائيلية، إن بقيت السلطة على هذه الشاكلة من دون استدراك عاجل على دورها السياسي والوطني.
لا يختلف اثنان من الفلسطينيين حتى ممن ينتمون لحركة فتح التي انبثقت منها السلطة الفلسطينية على أنها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حل في الضفة الغربية، نظرا لعدد من الأسباب:
السلطة تتحمل الجزء الأكبر فيما يتعلق باستمرار الانقسام الفلسطيني لأنها في النهاية السلطة الحاكمة والمسؤولة. عدم قدرتها على تجديد الوجوه مما خلق حالة من الترهل داخل أجسام السلطة في كافة المستويات، وهذا الأمر انعكس على رؤية السلطة السياسية نتيجة الاتكاء على فرضية أن الولايات المتحدة معنية بحل الدولتين، وبالتالي لا حاجة لاستحداث وسائل أخرى. السلطة لم تخلق أي رؤية إستراتيجية واكتفت بخط سياسي غير موجود عمليا، مع وجود حالة من البحث عن المصالح الشخصية الضيقة، وبالتالي وصلنا إلى هذا الوضع المتردي أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي السلطة الفلسطينية تتحمل الجانب الأهم في ذلك. إعلانجزء من الفلسطينيين يرى أن السلطة عقبة أمام القدرة على مواجهة الاحتلال، وكذلك هناك من يرى أن وجودها بات عبئا على الفلسطينيين كون سلاحها مستخدما ضد الفلسطينيين بشكل أو بآخر.
هذه الحالة من التخلي عن البعد السياسي وقبول البعد الإداري فقط يترتب عليها ما يلي:
السلطة الفلسطينية ستتحول إلى جهاز إداري فقط يتحمل جزءا من أعباء الفلسطينيين لكنه في الوقت نفسه سيستميت من أجل الدفاع عن نفسه. سنكون أمام حالة من السلطة التي وافقت على تحديد صلاحياتها وتقزيم نفسها، لكنها لن تقبل التخلي عن أي دور. سيولد ذلك حالة من اصطدام داخلي إن لم يكن هناك حراك داخلي فلسطيني باتجاه ترسيخ حلول داخلية ووحدة فلسطينية وإنتاج مظلة جديدة تجمع الكل الفلسطيني.
السلطة الفلسطينية يجب أن تتخلى عن التنسيق الأمني منذ سنوات طويلة، وكانت هناك قرارات من المجلس المركزي الفلسطيني نفسه طالب السلطة بضرورة التخلي عن التنسيق الأمني.
في الفترة الأخيرة، لم تعد إسرائيل تكترث بالتنسيق الأمني كثيرا مع السلطة، لأن إسرائيل عمليا باتت تسيطر أمنيا على الضفة الغربية بشكل كبير.
السلطة الفلسطينية فقدت أوراق السيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية، فهي اليوم ترمى في زاوية تحمل أعباء الفلسطينيين الصحية والتعليمية وغيرها، وباقي الملفات تسحب منها شيئا فشيئا وتذهب لإدارة الاحتلال العسكرية.
السلطة بذلك تحولت إلى شبه بلدية في الضفة الغربية، وهذا لا يرجع فقط للاجتياح المتكرر لمناطق الضفة، بل لأنها قبلت على نفسها مع مرور الوقت الانحناء كثيرا تحت عنوان "الصبر الإستراتيجي" و"الحكمة في التعاطي"، وتحت عناوين مختلفة ومتنوعة ومتعددة.