جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-04@16:18:34 GMT

سرداب.. وديوانية الفقر!

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

سرداب.. وديوانية الفقر!

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

"نجلس معًا ونتباوس معًا ونتباحث معًا، وتدور علينا أكواب الشاي وأقداح القهوة، نقسم بالله أن نأخذ غزة ونخجل من كرم اليهود ونعطيهم أريحا" محمود السعدني.

*********

في بداية الصباح الباكر، وكان يوم عطلة وأحببتُ التغيير في المزاج العام لشكل اليوم الجديد، فقررت الذهاب للعاصمة الأنيقة، التي منذ أسابيع لم تطأها القدم، وذهبت لأحد الأسواق التراثية هناك في العاصمة الكويت، كان في خاطري شراء حاجيات من ذات السوق، ولما أنتهيت من شراء ما أريد وجدت مقهى شعبيًا على إحدى ناصيات السوق فقررت تناول القهوة فيه، وأثناء الجلوس في المقهى العتيق وكنت لوحدي تذكرت حديث للكاتب الساخر المصري محمود السعدني "الولد الشقي"؛ إذ يقول بما معناه: إنك في القاهرة صعب أن تكون لوحدك، ليس مهما أن يكون لديك صديق تتحدث معه، يكفي جلوسك على رصيف قهوة وبمرور أي شخص بجانب القهوة سيسلم عليك وهو مار في نفس الوقت، وبعد السلام قد يحدثك سريعًا عن حلاوة الجو اليوم، وما تلبث إلّا وأنت معه على طاولة واحدة بعدما عزمته على كوب شاي، وتتحدثون في كل شيء وأي شيء، وقد تكون في حيثيات حواركما إبداء الرأي حول بنود أحكام محكمة العدل الدولية في لاهاي، وبنهاية الحديث قد تتبادلان مشاعر الأسى بسبب ارتفاع سعر بيع السجائر في مصر هذه الأيام!

كان المقهى الذي وجدته يطل على باب سرداب يبدو أنه يؤدي إلى مواقف السيارات، أثناء جلوسي وتفكري بأحاديث الولد الشقي، كان يجلس بمسافة قصيرة (على بعد طاولتين!) شخص يدخن سيجارته، واضح إنه كحالتي لوحده، فأحببت بدء الحديث معه، إذ لم ترُق لي الجلسة الوحدانية وإن كنت وسط مقهى، واحترت بكيفية بداية الحوار، فكان أن ناديت النادل وسألته عن حساب الأخ الذي يبعد طاولتين، فأكد أنه لم يدفع حسابه حتى الآن، فطلبت من النادل بهدوء أن ادفع الحساب بشرط ألا يبلغه إلا عند سؤاله عند الدفع، فكانت ورقة الخمسة الدنانير الثمينة التي وكأنها فاتورة الحوار مع الذي كان على بعد طاولتين، وعلى ذكر الخمسة دنانير فإن قيمتها الشرائية معقولة نوعا ما، بإمكانك بخمسة دنانير تصليح دعامية سيارة صديق في صناعية الفحيحيل وبعدها حتى أهل الجهراء يتحدثون عن هذه الخمسة الثمينة.

جلست مع الأخ الذي كان على بعد طاولتين وأصبح بقدرة الله ثم الخمسة دنانير يقاسمني نفس الطاولة، وبعد السلام والتشكر على دفع الحساب، بدأت عادات العرب في المقاهي تظهر، بدأ الحوار عن أحوال الجو كالعادة في مثل هذه الحوارات، ثم بدأ يحدثني عن آخر التحليلات السياسية التي كان هو ذاته نجمها في جلسة الأمس بديوانية الفقر (كما اسماها هو!) وبالطبع هو يقصد التحليلات عن أحداث غزة، حماها الله وحفظ أهلنا فيها، فكان يتحدث عن مآلات الظروف السياسية و إعجابه في أبو عبيدة، و إعجابه بالمقاومة، لكنه توقف وكأنه يؤكد لي أنه انتبه جيدًا لكلمة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وتأكيد شيخ بلاد العم سام على أن الحرب أساسًا كانت بسبب بداية خطوات التطبيع السعودي مع إسرائيل، هنا اتوقف عن الأخ وعن حوارات ديوانية الفقر، وتذكرت تحليل سابق قبل بداية ضربات حماس في السابع من أكتوبر؛ حيث كان الحديث يدور حول التطبيع السعودي مع إسرائيل، وهل سيتم تشغيل قطار التطبيع ومن ثم سيكون على السكة، أم سبتم تعطيله؟

التطبيع السعودي الأسرائيلي له معنى عميق وهو أن راية المفاوضات العربية الإسرائيلية ستنتقل إلى الرياض، والأخذ والرد سيكون وجهًا لوجه وعلنًا، وستكون الصفقات السياسية غالبًا ممهورة بتوقيع سعودي، نظرًا للإمكانيات الضخمة للشقيقة الكبرى وثقلها الإسلامي والعربي، بنفس الوقت سيكون وجود طرف إقليمي آخر ليلعب بأوراقه غير ذات أهمية، وعلى قاعدة إن حضر الماء بطل التيمم.

كان الصديق المجاور بالطاولة يتحدث وعينه على باب سرداب المواقف، وسألته ما رأيك بخطوات التطبيع السعودي الإسرائيليي، ابتسم وقال: سرداب!

قلت ماذا تقصد؟ أسألك سؤال سياسي وترد سرداب! أشر على باب السرداب، وقال عندما تقف السعودية لتقود المفاوضات علنًا سبكون البقية ممن يلعب ويقتات على القضية في سرداب المواقف مركونًا حتى يتم إدراكه أو حتى لفظه من القضية ورميه نهائيًا عن ساحتها.

القضية الفلسطينية من أعدل القضايا، لكنها تحتاج قيادات تقود لا تُقاد، تفيد لا تستفيد شخصيًا وماليًا على حسابها، بدخول السعودية وقبلها الإمارات ولاحقًا بقية دول مجلس التعاون (كما هو متوقع) سينتقل الأمر إلى محادثات حقيقية واضحة الجوانب، لا يحتاج بها الوضع لحروب بالوكالة، ويكون الأمر بيد دولة عاقلة تعرف ما تريد وكيف وأين ومتى تكون الاتفاقات، وأن حروب الوكالة واستغلالها كأوراق ضغط وتحقيق مكاسب منها ستكون جزءًا من التاريخ بعد هذه الاتفاقات.

طلبت من الاخ المجاور الذي كان على بعد طاولتين أن ينقل هذا الرأي لديوانية الفقر، فقال مبتسمًا لا لن يقتنعوا برأيك فأنت بوادٍ، واحاديثهم ونحليلاتهم في وادٍ مختلف !

قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد: 11).

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ميليشيا الحوثي تسرق فرحة اليمنيين برمضان.. تجويع ممنهج ونهب للإيرادات وحرمان الموظفين من رواتبهم

يدخل اليمنيون شهر رمضان المبارك هذا العام في ظل أزمة معيشية خانقة، فرضتها ميليشيا الحوثي جراء سياساتها التجويعية ونهبها المنظم للإيرادات، ما أدى إلى انهيار اقتصادي وارتفاع جنوني في الأسعار.

وبدلاً من تحسين الأوضاع، تواصل المليشيا احتكار الموارد، وحرمان الموظفين من رواتبهم منذ عشر سنوات، مما فاقم معاناة المواطنين وحوّل الشهر الفضيل إلى موسم للقلق والمعاناة.

التجويع سلاح حوثي ضد المواطنين

استغلت ميليشيا الحوثي الوضع الاقتصادي كسلاح لفرض مزيد من السيطرة، حيث أدت سياساتها إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، ما أجبر الأسر اليمنية على تقليص مشترياتها إلى الحد الأدنى.

وتحولت مائدة الإفطار، التي كانت تزخر بالأصناف التقليدية مثل الشفوت، والعصائر، والتمر، والسنبوسة، إلى قائمة مقتصرة على الضروريات فقط، بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الغذاء.

وبات شراء الاحتياجات الرمضانية كابوسًا حقيقيًا، إذ لم يعد كثير من المواطنين قادرين على توفير حتى نصف كيس دقيق، نتيجة لسياسات الحوثيين التي تسببت في انهيار العملة واحتكار السوق وفرض الجبايات غير القانونية على التجار.

نهب الإيرادات ورفض صرف الرواتب

تواصل ميليشيا الحوثي نهب الإيرادات العامة، من الضرائب والجمارك وعائدات النفط والغاز والموانئ، وترفض صرف رواتب الموظفين منذ أكثر من عشر سنوات، رغم قدرتها المالية.

وتكتفي بصرف نصف راتب هزيل كل أربعة أشهر، في خطوة متعمدة لإذلال المواطنين وحرمانهم من أبسط حقوقهم المعيشية.

وبحسب تقارير اقتصادية، فإن الجماعة تستخدم الأموال المنهوبة في تمويل حروبها واستقطاب المقاتلين، بدلاً من صرفها على احتياجات المواطنين. ورغم وعودها المتكررة بصرف المرتبات، إلا أنها تواصل التنصل من التزاماتها، في ظل تزايد معدلات الفقر والجوع بين اليمنيين.

احتكار المساعدات ونهب المعونات الإغاثية

تعمل ميليشيا الحوثي على احتكار المساعدات الإنسانية ومنع وصولها إلى المستحقين، حيث تفرض رقابة مشددة على عمليات توزيع الإغاثة، وتحصرها في عناصرها ومقاتليها.

كما تقوم بمصادرة المساعدات الدولية وإعادة بيعها في الأسواق بأسعار باهظة، مما زاد من معاناة الفئات الأشد احتياجًا.

وأكدت تقارير حقوقية أن الجماعة تمارس عمليات ابتزاز بحق المنظمات الإغاثية، وتجبرها على توزيع المعونات عبر هيئات حوثية فاسدة، ما أدى إلى توقف العديد من برامج الدعم الإنساني.

القيود على العمل الخيري والتضييق على التجار

لم تكتفِ الميليشيا بحرمان المواطنين من الرواتب والمساعدات، بل فرضت قيودًا مشددة على العمل الخيري، ومنعت التجار من توزيع الصدقات إلا عبر هيئة الزكاة الحوثية، التي تستولي على التبرعات وتعيد توجيهها لصالح مقاتليها.

كما تقوم عناصرها بالتقطع لشاحنات المساعدات ومصادرة حمولاتها، ما دفع العديد من التجار إلى التوقف عن تقديم المعونات الرمضانية.

رمضان تحت وطأة الفقر والتجويع الممنهج

مع استمرار الممارسات الحوثية القمعية، يواجه اليمنيون رمضان هذا العام في ظل أوضاع مأساوية غير مسبوقة، حيث أصبح تأمين لقمة العيش هاجسًا يوميًا، وتحولت فرحة استقبال الشهر الفضيل إلى معاناة متزايدة.

وفي الوقت الذي يجوع فيه الملايين، تواصل ميليشيا الحوثي تبديد موارد البلاد في مشاريعها العسكرية، وتفرض ضرائب وجبايات جديدة، لتثقل كاهل المواطنين بمزيد من الفقر والمعاناة. ورغم كل ذلك، لا يزال اليمنيون متمسكين بصمودهم، رافضين الخضوع لهذه السياسات الإجرامية التي تستهدف تجويعهم وإفقارهم بشكل ممنهج.

مقالات مشابهة

  • اليمن يودع الفقر.. اكتشاف كميات كبيرة من الألماس والمناطق الغنية بالكنوز والثروات
  • رغيف الفقر بكردستان.. مشروع المليون كرصة خبز يثير الجدل وسط تصاعد معاناة الأكراد- عاجل
  • وئام وهاب يردّ على جنبلاط: هذه مشكلتك
  • هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يكون طوق النجاة للمحتاجين؟
  • تعاسة المال
  • لماذا ينتشر الفقر في العالم؟
  • ميليشيا الحوثي تسرق فرحة اليمنيين برمضان.. تجويع ممنهج ونهب للإيرادات وحرمان الموظفين من رواتبهم
  • التطبيع بين لبنان وإسرائيل... مُجرّد حلم أميركيّ
  • هل اقترب التطبيع بين لبنان وإسرائيل؟
  • عن التطبيع بين لبنان وإسرائيل.. ماذا يُقال في تل أبيب؟