جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-27@05:40:30 GMT

مساحة الاختلاف

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

مساحة الاختلاف

 

د. صالح الفهدي

 

كانت ردَّة رئيس إحدى الوحدات حين خالفه بعض كبار المسؤولين لدى الوحدة أن أقصاهم جانبًا، وهمَّشهم دون مسؤوليات، وهم أصحابُ كفاءاتٍ ناضجةٍ، وخبرات وازنةٍ في مجالات تخصصاتهم، وبذلك أَوقع نفسه في فخِّ الشخصنة التي تشكِّل واحدةً من أضرى أعداءِ النظام العملي، لأنها تُدخِل الخاص في العام، والشخصي في العملي، يقول الفيلسوف مالك بن نبي:"إننا عندما نربط الأفكار بالأشخاص، نحرم أنفسنا من الفكرة الجيدة حين تأتي من الضد، ونتورط في الفكرة السخيفة طالما جاءت من صديق".

هذا الرئيس حين رهنَ نفسه للشخصنة تركَ الحبل على الغارب لمشاعره غير المنضبطة كي تقوده، ولم يقيِّدها برسن العقل ليضبط المشاعر، ويحتمل الاختلاف، ويعي الصورة الكبرى التي تتمثَّل له، وهي صورة الوطن الذي يتَّسع للاختلاف، بل وأَنه بحاجة للاختلاف الذي يصبُّ في مصلحته، ولأجل منفعته، وفي سبيل بنائه وتقدِّمه وارتقائه. ثم إنَّه- أي الرئيس- لم يكن يمتلك البدائل الأفضل لتحلَّ محلَّ الكوادر التي اختلفت معه فأقصاها، إذ جاءَ بمن هو أضعفُ منهم خبرةً، وتجربةً، وكفاءةً، وهنا أصبحت الخسارة مضاعفة، والضرر أكبر!. أذكر هُنا رئيسًا آخر لوحدة معيَّنة، إذ كان يتنازلُ عن أفضل الكفاءات لمجرَّد اختلاف بسيط معه، بل وأنه إن لمس نيَّةَ أيِّ صاحبِ كفاءة للخروج من الوحدة كان يُتْبعها بعبارته الشهيرة "بدلَك عشرة"!!، وفي موقف مشابهٍ حدث في إحدى الجهات أن اختلف أحدهم مع رئيس تلك الجهة فكان التقاعدُ مصيره!

إن مساحة الاختلاف يفترضُ أن تتوفر، وأن تكون لها ضوابطها، فقد لاحظتُ أَن لدينا -في ثقافتنا العامة- تقلُّصًا غير صحيٍّ في مساحة الاختلاف، فما إن يختلفُ أحد الأَشخاص مع آخر في موضوعٍ معيَّن من مواضيع الآراء العامة حتى يتحوَّل الاختلاف على الفور إلى الشخصي!، فتترك الفكرة التي كانت في الأصل محور الحوار واختلاف الرأي، ويتفرَّغ الطرفان إلى مهاجمة بعضهما البعض عبر نبرات الصوت المتصاعدة، والكلمات غير المهذبة، والإِتهامات الزائفة..!

وفي القضايا العامة التي قد تناصرها مجموعة واسعة من الناس مع أَنَّ أكثرهم تابعين لرأي معيِّن صادرٍ من عدد محدود، فإِنه لا يستطيع أحدٌ في المقابل أن يبوح بوجهةِ نظره، لأنه يعلمُ بأَنه سيتم (طحنه) وإهالة التُّهم عليه، حتى وإِن كان يتحدَّث بحجَّةٍ ودليل!

ما المشكلةُ إذن في عدم تمتعنا بالمساحة الملائمة لتقبُّل الاختلاف؟

أرى أنَّ هناك جملةُ أسباب أوجزها كما يلي:

أولًا: عدم قدرتنا على الفصل بين الفكرة وصاحبها، والرأي وقائله، وميولنا إلى "معرفة الحق بالرجال" وليس "معرفة الرجال بالحق"، وعلاجُ ذلك يكون بدراسة الفكرة والرأي من جميع الجوانب ثم الدخول في حوار مع الطرف الآخر المختلف لبيان حجج المعارضة، وأدلة الاختلاف.

ثانيًا: الخلط في الهدف من وراءِ الاختلاف، أهو طلب الحقيقة أم النصر على الآخر؟ وهذا مردَّه إلى قصر النظر، وضيق الرؤية، وفي هذا يقول الشافعي:"رأئي صوابٌ يحتملُ الخطأ، ورأي غير خطأ يحتملُ الصواب" وهذه مقولة تدلُّ على أن صاحبها لا يعنيه أن ينتصر رأيه، بل يعنيه سداد الرأي، كيف لا وهو القائل:"ما جادلتُ أحدًا إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه" أما أغلب المختلفين فيعتقدون بمقولة "رأئي صواب (لا) يحتمل الخطأ" ويتمنون أن يظهر الله الحق على ألسنتهم، لأنَّ الحقيقة لا تعنيهم بل يعنيهم الإنتصار على الآخر!

ثالثًا: ما هو معتقد لدى البعض في أن من يكون في منصب رفيع يعني أن رأيه هو الصواب، ورأي من دونه خطأ، وهذا غير صحيح، وقد قالها عمر الفاروق رضي الله عنه: "أصابت امرأة وأخطأ عمر"، هذا لأن مساحة الاختلاف واسعة ومقبولة.

وختامًا.. نحنُ بحاجةٍ إلى اتساع مساحة الاختلاف، بشرط ان تكون مساحةً -على اتساعها- منضبطة بشروط احترام وجهات نظر المختلفين، واستخدام الوسائل المهذبة كالأسلوب الحواري، ونبرة الصوت، ولغة الجسد، والألفاظ، والبراهين، لأننا لا يمكن أن نتطور إن لم نحترم الاختلاف، ولا نزدادُ وعيًا ونضجًا إن لم نستمع لوجهات نظر مغايرة لوجهات النظر المترسخة فينا، يقول ثورو "Thoreau" كيف لنا أن نتذكر جهلنا الذي يحتاج إليه نمونا إذا كنا نستخدم معرفتنا طوال الوقت؟

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

“أونروا”: نزوح نصف مليون شخص في غزة الشهر الماضي

الجديد برس| قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، إن نحو نصف مليون شخص نزحوا خلال الشهر الماضي في قطاع غزة. وأكدت “أونروا” في تصريحات صحفية تابعتها “وكالة سند للأنباء”، اليوم الجمعة، أن أوامر التهجير المتكررة لا تترك للفلسطينيين سوى أقل من ثلث مساحة غزة للعيش، موضحةً أنها مساحة مجزأة وغير آمنة. وشددت أن الملاجئ المكتظة بغزة في حالة مزرية، بينما مقدمو الخدمات يكافحون للعمل والموارد المتبقية في طريقها للنضوب. وفي وقت سابق من شهر إبريل/ نيسان الجاري، قال مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إن جيش الاحتلال الإسرائيليّ أصدر 21 “أمر إخلاء” على الأقل منذ 18 آذار/ مارس الفائت، شملت مناطق واسعة مثل رفح. وأوضح أن الاحتلال حاصر عشرات الآلاف دون قدرة على الوصول إلى المساعدات الإنسانية، بالتوازي مع استمرار القصف في جميع أنحاء القطاع، الأمر الذي لم يترك يترك أي مكان آمن. ولفت التّقرير الأممي إلى أنّه في 18 مارس حتى 9 نيسان، كان هناك حوالي 224 غارة إسرائيليّة على المباني السكنية وخيام النازحين داخليًا، إذ جرى توثيق استهداف خيام نازحين في منطقة المواصي بخان يونس رغم الأوامر العسكرية بنقل المدنيين إليها. وتُواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ الـ 18 من آذار ، استئناف الحرب العدوانية والإبادة الجماعية ضد المدنيين في قطاع غزة، عبر مجازر وجرائم حرب موصوفة، بغطاء أمريكي وصمت عربي.

مقالات مشابهة

  • «صُنّاع المستقبل».. مساحة تفاعلية تعزز شغف المعرفة
  • صيغتان متعارضتان لاتفاق السلام بأوكرانيا.. مسؤول أوروبي يوضح الاختلاف
  • مساحة عائلية .. أسعار ومواصفات تويوتا راش 2025 في السعودية| صور
  • فى عيد تحريرها الـ43..تنمية سيناء الوجه الآخر لمعجزة انتصارات أكتوبر.. علام : استغلال الثروات الطبيعية في إطار خطط مدروسة تحقق أقصى استفادة ممكنة.. عبد الجواد: خطوة حاسمة نحو المستقبل وتحقيق الاستقرار
  • “أونروا”: نزوح نصف مليون شخص في غزة الشهر الماضي
  • وفد إيراني يتوجه إلى عمان لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة
  • أونروا: الفلسطينيون محصورون في أقل من ثلث مساحة غزة الأصلية
  • الجيل الصغير عارف كل حاجة| مخرج مسلسل منتهى الصلاحية يكشف كواليس الفكرة
  • رئيس الجمهورية يتفقد مشروع صرح رياضي جديد ببشار 
  • سامح قاسم يكتب | ضي رحمي.. أن تترجم لتكون القصيدة قلبك الآخر