لجريدة عمان:
2025-04-02@12:06:53 GMT

يعقوب الشاروني وسبع حكايات من عمان

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

يعقوب الشاروني وسبع حكايات من عمان

قرأت ذات مرة في إحدى المجلات الثقافية العربية، تقريرًا حول الكاتب المصري يعقوب الشاروني، الذي رحل عن عالمنا قبل أيام، عن عمر بلغ 92 عامًا، وللوهلة الأولى تذكرت أخاه الأديب يوسف الشاروني (ت: 2017م) عن 92 عامًا أيضًا، للشبه الكبير بينهما في ملامح الوجه، الذي كان يعمل في وزارة الإعلام العمانية خلال سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، ومن ذلك التقرير عن الأديب يعقوب تعرَّفت على إسهامه في أدب الطفل، بكتابة عشرات الأعمال، تبلغ كما قرأت عنه: أكثر من 400 عنوان بين قصص وروايات وغيرها من الأعمال، لذلك يعد رائدًا في الكتابة لأدب الطفل، وفي مكتبتي احتفظ بإضبارة تضم سبع حكايات من عمان ألفها يعقوب الشاروني مطلع التسعينيات.

صدرت الحكايات عام 1991م عن وزارة الإعلام، وبعد أن قرأت خبر رحيل الأديب يعقوب الشاروني، امتدت يدي إلى هذه الإضبارة القصصية الخاصة بأدب الطفل، ورحت أعيد قراءتها من جديد، ورأيت فيها أن أخاه الأديب يوسف الشاروني حاضر في هذه الحكايات، حيث قام بمراجعة المادة العلمية، التي تزين صفحاتها رسومات تعبيرية.

في الغالب، كلما نسمع عن رحيل أديب، أو وفاة شاعر، أو انقضاء أجل كاتب ما، قرأنا له أو التقينا به، أو سمعنا عنه، نجدنا نبحث عن نتاجه الثقافي، وما تركه من مؤلفات، هي برأيي أجمل بصمة يتركها الإنسان بعد أن يرحل من هذه الحياة، وهذا أمر طبيعي، فكيف إذا كان هذا الكاتب قد ترك أثرًا في ثقافتنا المحلية العُمانية، وأسهم بإصدار أدبي يضاف إلى إنجازاته الأدبية، مع أنني لم أجد لها ذكر في شبكة الانترنت.

أسهم الكاتب يعقوب الشاروني بكتابة عشرات المجاميع القصصية الخاصة بأدب الطفل، وخلال حياته ملأ المجلات الثقافية ضجيجًا بالحوارات والتقارير والقراءات في إصداراته التي تحول بعضها إلى أعمال إذاعية وتلفزيونية، وفي هذه المقالة أكتب عن تلك الحكايات العمانية السبع، التي سردها يعقوب الشاروني، وإذا تجاوزنا اللوحات الفنية التي ظهرت في الحكايات، بريشة مجموعة من الرسامين المصريين، وهم: محمود الفرماوي وعبدالعال، وجمال قطب ومحمد قطب وجوزيف حكيم، وإخراج فني من عادل البطراوي، إذا تجاوزنا كل هذا الملامح الجميلة، فإن الحكايات التي سردها يعقوب الشاروني كتبها في مجملها بأسلوب أقرب إلى التقرير الصحفي، وباقتراب متواضع من روح السرد الحكائي، ولعل الكاتب اتخذ هذا الأسلوب حتى يوظف ما لديه من معلومات عن كل حكاية، باختصار لا يخل من الفكرة، فهي حكايات تسرد جوانب من التاريخ الحضاري للإنسان العماني، وتقدم نماذج من الشخصيات المهمة التي أحدثت تحوُّلا في الحياة العمانية، كالسلطان قابوس بن سعيد، والسلطان سعيد بن سلطان، والربان أحمد بن ماجد، ووصفت جانبا من إبداعات الإنسان العماني في فن نقل مياه الأفلاج في سواقيه العجيبة، لتنمو في أطرافه المدن والقرى، ووثقت جانبًا من جماليات الحياة في الأرض العمانية، بما تمتاز به من أشجار تنمو عليها، كالنخيل واللبان، وأبرز الحيوانات النادرة التي تسرح في مراعيها كالمها العربي، بما تحمله من دلالات وإيحاءات.

لنأخذ أول هذه الحكايات التي ظهرت باسم: «بابا قابوس»، فنقرأ فيها تفاصيل عن حياة وحكم السلطان قابوس، منذ ولادته عام 1940م في صلالة، وقد أمضى فيها طفولته، وتلقى أولى مراحل تعليمه، وحتى توليه مقاليد الحكم عام 1970م، وخروجه من صلالة إلى مسقط، وعدد المدارس الثلاث التي كانت في بداية عهده، حتى أصبحت أكثر من 779 مدرسة عام 1991م، واهتمام الحكومة ببناء المدارس والمستشفيات، وافتتاح جامعة السلطان قابوس، وتنتهي الحكاية باحتفال السلطنة بالعيد الوطني العشرين، وأن أطفال عمان يتقدمون بالتهنئة لبابا قابوس.

وكذلك باقي الحكايات التي سردها يعقوب الشاروني، هناك حكاية بعنوان «سعيد الكبير»، تتناول حياة السلطان سعيد بن سلطان، وقصة انتقاله إلى زنجبار التي اتخذها عاصمة له عام 1832م، وزراعته للقرنفل والنارجيل، وحكاية أخرى عن «أسد البحار»، التي صاغها الشاروني بأسلوب المتحدث، ويظهر في الحكاية أحمد بن ماجد يتحدث عن نفسه، منذ ولادته في أسرة من رجال البحر، فقد كان جده ملاحًا مشهورًا، أطلق عليه «رُبَّان البرَّيْن»، وأن ابن ماجد قضى خمسين سنة من حياته على ظهر السفن، فتكشفت له حقائق جديدة، وأضاف إلى معارف السابقين علما غاب عنهم.

وتحدث ابن ماجد في سرده لحكايته عن استخدامه لأجهزة دقيقة ومعقدة في الملاحة، مثل «الإسطرلاب» و«آلة السُّدس» و«آلة الكمال»، التي تحدد مكان السفن وهي على سطح البحر المترامي الأطراف، منوها إلى كتابه: «الفوائد في أصول البحر والقواعد»، والذي يُعد أكمل ما وصلت إليه الكتابة العربية في فنون الملاحة خلال تلك الفترة.

وتنتهي الحكاية بجمل تحفيزية، من بينها: إن حياتي تقدم نموذجًا فريدًا لتاريخ عمان البحري، فالبحارة العمانيون كانوا دائما في الطليعة، بين رواد المحيطات، ومغامراتهم وأسفارهم ظلت مثلا يحتذى في الإقدام والشجاعة، لتوسيع التبادل التجاري والاتصال بين الشعوب.

والحديث عن هاتين الحكايتين: «سعيد الكبير» و«أسد البحار»، التي سردهما الشاروني عام 1991م، يحتم أن ألمح إلى قصتين شبيهتين بهما، صدرتا هذا العام، ضمن «مطبوعات المتحف الوطني»، وكنت قد قدمت عرضًا صحفيًا سابقًا لها مع ست قصص أخرى، ضمن مشروع الكتابة للطفل في المرحلة العمرية بين 7-11 سنة، حملت القصة الأولى عنوان: «سعيد عمان وزنجبار»، وهي حكاية نثرية، والثانية بعنوان: «أسد البحار»، حكاية شعرية!، هكذا ظهرت مطبوعة، صيغت بقلم بيان الصفدي ورسوم لجينة الأصيل، وكأنما الحكاية تعيد سرد نفسها بعد أكثر من 30 عامًا.

وعودة إلى حكايات يعقوب الشاروني السبع، فإن في حكاية «الفتى الذي بنى الفلج»، وبقية الحكايات الأخرى، نقرأ سردًا حكائيًا عن موضوع ما، بحسب ما يكشفه عنوان كل حكاية، حكاية الفتى الذي بنى الفلج تبدأ بجلوس الأب على مقعد مشدود إلى طرف الحبل، وتحت فراغ عمقه عشرون مترًا، وقال لابنه بطل الحكاية: تأهَّب للنزول بعدي يا سالم، سأسبقك إلى قاع البئر، وبعد تراجع وخوف من النزول، ومخاوفه من أن يسقط فوقه سقف نفق الفلج، كسر خوفه ونزل بعد أبيه، ثم يعرِّف نفسه: اسمي سالم بن محمد العامري، من قبيلة العوامر، التي تخصصت في حفر الآبار والأفلاج.

يوظف سارد الحكاية على لسان سالم العامري، القصة التي ذكرها الشيخ عبدالله بن حميد السالمي في كتابه «تحفة الأعيان»، أنه منذ عشرة آلاف سنة، أقام النبي سليمان بن داود عشرة أيام في أرض عمان، فأمر الجن المسخرة له، أن تبني له ألف قناة كل يوم، ومن يومها أصبح في عمان عشرة آلاف فلج، ولولا وجودها في أروع مستوى من التصميم والتنفيذ والفائدة، لما وجدت زراعة في عمان، أما تفاصيل الحكاية فتتناول الأفلاج بتنوعها وطريقة شقها، وطريقة استخدام نظرية الأواني المستطرقة، أو: «غرَّاق - فلَّاح»، التي تصمم على شكل الحرف الإنجليزي: U، شكل يصل بين ضفتين متساويتين في الارتفاع، بينهما عمق لمجرى وادي، إن هذه الحكاية توضح طريقة شق الأفلاج وشق أنفاقها العميقة تحت الأرض، وأنواع الأفلاج بحسب كل قرية الواقعة بين الجبل والسهل، العمانيون شقوا أنفاقًا عميقةً وطويلةً للأفلاج منذ آلاف السنين.

وفي حكاية «عمتنا النخلة ملكة الشجر»، تظهر عرائس النخيل بمختلف أنواعها مع مواسم الحصاد، ومشاهد للأطفال وهم يلتقطون البلح مع أهاليهم، وتقدم الحكاية معلومات وافية عن زارعة النخيل وأنواعها والاستفادة من ثمرها وسعفها وجذوعها.

وتقدم حكاية «شجرة بخور»، تفاصيل عن شجرة اللبان، التي عطرت بروائحها المعابد القديمة، يسردها المؤلف على لسان الشجرة، لتتحدث عن نفسها، أن لبانها استعمله في تحنيط مومياوات الملوك، وبحث عنه الكهنة والعلماء، ورجال الطب والكيمياء، مقدمة تفاصيل عن حياتها، وشكلها الخارجي، وموسم تجريح أغصانها بآلة المنقف، ليعيش قارئها مع هذه الشجرة الساحرة ذات العبق العاطر.

أما حكاية «سلمى في أرض عمان»، فتقدم حياة حيوان المها العربية، مُعرِّفة باسمها: «سلمى»، في أسلوب شيق يلخص حياة هذا الحيوان الرائع، الذي يعد أحد البيارق الحيَّة الجميلة في الصحراء العمانية، بعد أن نفقت وانقرضت أجدادها، فقد قضى الانسان على آخر قطيع منها عام 1972م، ثم عودة المها للحياة من جديد في الصحاري العمانية، وذلك في عام 1979م، وهيئ لها حظائر في صحراء «جدة الحراسيس».

وبرحيل يعقوب الشاروني، تنطوي صفحة من صفحات الكتابة لأدب الطفل، بأسلوبه البسيط، وبروحه المحبة للحياة والكتابة والإبداع، فقد صنع فكرًا، وقدم قصصًا وحكايات، سوف تظل منهل الأطفال، وتدخل في وجدانهم وتكوينهم الثقافي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یعقوب الشارونی بن ماجد

إقرأ أيضاً:

نحو 450 صائماً يستفيدون من مطبخ فريق حكاية شغف الخيري بحماة

حماة-سانا

استفاد نحو 450 شخصاً من وجبات الإفطار المجانية التي وزعها فريق حكاية شغف على الصائمين بمختلف أحياء مدينة حماة.

وأوضح قائد الفريق براء شبيب لمراسل سانا أن الفريق وزع في العشر الأخير من شهر رمضان المبارك ما يقارب 100 وجبة غذائية، كل وجبة كانت تطعم أربعة أو خمسة أشخاص، مبيناً أن الفريق مهتم بتقديم العمل الخيري، وتعزيزه بين فئة الشباب العاملين ضمنه.

ولفتت ماريا عبد الرحمن المساعدة الإدارية في الفريق إلى أن قسم التطوع في فريق حكاية شغف نشأ استجابة للزلزال منذ سنتين، وما زال مستمراً بالأعمال التطوعية الخيرية إيماناً بحكمة مفادها أن القافلة التي لا يوجد بها شيء لله سوف تغرق.

يذكر أن فريق حكاية شغف تأسس عام 2018 ويضم حالياً أكثر من 100 شاب وشابة.

مقالات مشابهة

  • بعد 10 سنوات عذاب.. حكاية سيدة قتلت زوجها في البحيرة
  • حسين خوجلي يكتب: حكاية من شوارع القاهرة
  • أزمة الأهلي والزمالك وبيراميدز.. الحكاية كاملة
  • بعد أنباء مقتل بلوغر في بغداد.. تأكيد أمني لنصف الحكاية
  • تياترو الحكايات|علي الكسار.. من شخصية عثمان عبدالباسط إلى نجم المسرح الاستعراضي
  • صلاح الدين عووضه.. ميني حكاية: الرجل الذي فقد نفسه!!….
  • رمضان زمان.. حكايات على ضوء الفانوس| "أبنائي الأعزاء.. شكراً".. دراما إنسانية خلدها الزمن
  • نحو 450 صائماً يستفيدون من مطبخ فريق حكاية شغف الخيري بحماة
  • غزة: العيد يُدفن مع شهيد.. والضحايا تروي حكايات "الفرح المسلوب"
  • تياترو الحكايات|الشيخ سلامة حجازي.. الرجل الذي جعل المسرح الغنائي جزءًا من تاريخ الفن العربي