لتتعلموا من مدرسة غزة
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
خالد بن سعد الشنفري
يا لها من مدرسة، يا لها من مخرجات تلك التي أتحفتنا بها مدرسة السنوار والضيف وأبي عبيدة.. هذه المخرجات التي شاهدها العالم أجمع باندهاش وتعجب نظرًا للصمود الأسطوري وغير المسبوق.
أعجوبة وبسالة وصمود أهل غزة كلهم دون استثناء، برجال كتائبها قسامييهم وجهادهم الإسلامي وأخواتها ومقاوميها ورجال دفاعها المدني الذي يستحق هذا اللقب بجدارة ومسعفيها وأطبائها وطواقمها الصحية، الذين علموا العالم كيف تكون ملائكة الرحمة والذين سجلوا جميعهم ملاحم متواصلة من النضال بأقل وأبسط الأسلحة والعتاد والأدوات، أمام جيش غاشم حاقد يسعى للثأر بعيدًا عن أبسط أعراف الحروب، وبكل ما أوتي من قوة تدميرية، مع أن العالم قد قيّمه كقوة عسكرية تعد من ضمن قائمة أقوى عشرة جيوش على مستوى العالم وعلى مدى نحو 50 يومًا يتواصل فيها الليل بالنهار وفي بث حي ومباشر من القصف والإبادة الجماعية والحصار الكامل لسكان قطاع غزة من المدنيين العزل الذين يتجاوزن المليونين في أكبر بقعة كثافة سكانية في العالم وحرمانهم من الغذاء والدواء ولو استطاعوا لمنعوا عنهم حتى الهواء.
إنها مدرسة السنوار والضيف وأبي عبيدة هذه الأسماء الأيقونة الفلسطينية الثلاثية التي شنفت أسماع أذان العالم حتى أصبحوا يحفظونهم عن ظهر قلب.. قوموا لهؤلاء المعلمين في مدرسة غزة أيها العرب ووفوهم حقهم من التبجيل فلقد كادوا يصبحون رسلا.. إنها مدرسة غزة العزة يا عرب، فراجعوا مدارسكم أنتم وعدلوا مناهجكم الدراسية التي لم تخرج لنا حتى من يصبر لكي يقتل ذبابة على مدى 75 عامًا مضت، واستفيدوا من مدرسة غزة العزة.. لأنها المدرسة التي اأبتت لنا من الغزاويين زهورًا وأسودًا وصقورًا وحرائر الأمهات وشعبًا مؤمنًا صبورًا (مع الاعتذار لشاعر العراق الكبير معروف الرصافي).
أشك لو أن الشاعر الرصافي ولد وعاش مثلنا نحن هذا الجيل العربي بعد النكبة أن يطلق على نبت ومخرجات مدرسته (الزهور) عندما قال "فسقيا للمدارس من رياض لنا قد أنبتت منكم زهورا"، ولاستبدلها بـ"النسورا" أو حتى "الصقورا" مع أنه بحسه كمعلم أساسًا واستشفافه بشاعريته للواقع العربي في عصره قد تعامد مع مدرسة غزة في أبياته التالية من قصيدته أعلاه فقال:
ستكتسب البلاد بكم علوا
إذا وجدت لها منكم نصيرا
فإن دجت الخطوب بجانبيها
طلعتم في دجنتها بدورا
وأصبحتم بها للعز حصنا
وكنتم حولها للمجد سورا
هذه هي مدرسة غزة التي حيرت العالم في نضالها وصمودها وصبرها وأيقونة معلميها الثلاثة في هذا العصر {السنوار والضيف وأبي عبيدة} الذين أضافوا إلى مدرسة الرصافي نبتاً من نوع جديد ألا وهو الصقور والأسود وحرائر الأمهات وأطفال غزة الذين ينتشل الواحد منهم من بين أنقاض بنايته التي دمرت بالقصف الجوي وسويت بالأرض وهو يساعد منقذه بإزاحة الركام عن جسده الغض لا مفزوعا ولا مذعورا بل مخاطبا منقذه عمو انزلني فلا زال أخي وأمي تحت الأنقاض فاتركني وأنقذهم.. يا الله..أي براعم زهور أخرجتِ لنا وأي شعب شعبك هذا يا مدرسة غزة.
لقد آن الأوان أن نسمي الأشياء بمسمياتها وكفانا التصنع حتى في اختيار كلماتنا عن ما يحدث لكي لا تزعل منه جهة ما أو ترضى عنه جهة أخرى.. إنها الحرب الدينية تجلّت هذه المرة بوضوح أمامنا يقودها أمساخ من بقايا أحفاد الحرب الصليبية الذين لازالوا ماضين على نهج سلفهم حتى في هذا العصر المتأخر من عصور البشرية أجدادهم الأوائل من عصور الظلام الذين سبق لهم أن حاصروا القدس قبل 1014 عامًا حتى جوَّعوا أهلها وتمكنوا من دخولها بعد حصار مرير وذبحوا أغلب سكانها.
نعم.. دعونا نسمي الأمور بمسمياتها فقد انكشف المستور والمغلف بقشور شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والمنظمات الأممية التي لم نسمع منها إلاجعجة ولم نرَ منها حتى إدخال كيس طحين أو عبوة ماء يكسرون بها حصار غزة.. لقد انكشف المستور وبانت الوجوه القبيحة من تحت أقنعتها من حكام هذه الدول الذين لم يروا في مجازر أطفال غزة ونسائها التي تتم بأسلحتهم إلا إحياء لذكرى أجدادهم؛ الدوق جودفري والدوق ريموند صنجيل اللذين قادا الحملة الصليبية على القدس متشوقين حسب زعمهم لإنقاذ المسيح.
فعلًا.. ما أشبه اليوم بالبارحة، فكأني بهم يرون في حصار غزة عودة لذكرى ما فعله أسلافهم قبل 1014 عامًا بالقدس مع إدراكهم التام بأن أجدادهم المتأخرين هم من سلموا فلسطين للصهاينة عام 1948 (عام النكبة) كل ذلك سعيًا لإحداث نكبة ثانية في غزة هذه المرة، لكن هيهات هيهات، فمن يقاومهم اليوم في غزة هم من مخرجات السنوار والضيف وأبي عبيدة ومن على أيديهم سيقتلع الصهاينة من القدس وكل فلسطين عاجلاً أو آجلا فقد سبق السيف العذل هذه المرة.
إنها مدرسة غزة يا عرب فلتتخذوها آخر مدارسكم ولتعوا دروسكم هذه المرة، فهل أصبح لديكم أدنى شك أن من معينها وبسببها اليوم أنكم أدرأتم عن أنفسكم بعض العار الذي عايشتموه أمام العالم لمدة 75 عامًا وأنكم إذا لم تعتمدوها اليوم بدل كل مقررات مدارسكم الحالية ستوسعون على أنفسكم من حجم هذا العار.. وجب عليكم أن تنهلوا وأبناؤكم أجيال المستقبل وأن تتعظوا وتتعلموا من هذه المدرسة لأنها الوحيدة التي نجحت وآتت أُكلها، أما مدارسكم الحالية فاجعلوها في روزنامة ماضيكم الذي استكنتم على أسطوانته المشروخة التي ظللتم تتفاخرون بها لقرون ونسيتم أو تناسيتم حاضركم.
ليس الفتى من يقول: "كان أبي.. إن الفتى من قال ها أنا ذا"!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"حصاد 2024".. أبرز الفنانين الذين فقدناهم وأثروا الساحة الفنية بأعمالهم الخالدة
شهد عام 2024 خسارة مؤلمة لعدد من أبرز نجوم الفن في مصر والوطن العربي، الذين شكلوا جزءًا هامًا من ذاكرة السينما والمسرح والتلفزيون، رحيل هؤلاء الفنانين ترك فراغًا كبيرًا في الوسط الفني، وأحزن جماهيرهم الذين أحبوا أعمالهم وتعلقوا بإبداعهم.
في هذا التقرير، نستعرض أبرز الفنانين الراحلين خلال هذا العام، وأهم أعمالهم التي بقيت خالدة في ذاكرة المشاهدين.
نبيل الحلفاوي: رحيل نجم الأدوار المؤثرةتاريخ الوفاة: ديسمبر 2024تفاصيل الرحيل: توفي الفنان نبيل الحلفاوي بعد وعكة صحية مفاجئة أدخلته المستشفى لعدة أيام.أهم أعماله: يُعد الحلفاوي من أبرز نجوم الشاشة المصرية. بدأ مسيرته الفنية على خشبة المسرح، وحقق نجاحًا لافتًا في الأعمال التلفزيونية مثل "محمد رسول الله"، وترك بصمة قوية في السينما والمسرح بأدواره المميزة.ما قاله عنه النجوم: نعاه العديد من الفنانين بكلمات مؤثرة، مثل محمد صلاح، وأيتن عامر، وريهام عبد الغفور، الذين أكدوا جميعًا أن رحيله خسارة كبيرة للفن المصري.سيد الفيومي: حضور بارز في الكوميديا والدراماتاريخ الوفاة: ديسمبر 2024تفاصيل الوفاة: توفي الفنان سيد الفيومي بعد صراع مع المرض، تاركًا إرثًا من الأعمال المتنوعة بين الكوميديا والدراما.أهم أعماله: شارك في مسلسلات مثل "الخواجة عبدالقادر"، و"راجل وست ستات"، وأفلام مثل "جاءنا البيان التالي"، و"رشة جريئة".ما يميزه: قدرته على أداء أدوار متنوعة ببراعة، من الكوميديا الخفيفة إلى الأدوار الدرامية المؤثرة.حسن يوسف: نصف قرن من العطاء الفنيتاريخ الوفاة: أكتوبر 2024تفاصيل الرحيل: توفي عن عمر يناهز 90 عامًا، بعد رحلة طويلة من العطاء الفني الذي امتد لأكثر من خمسين عامًا.أهم أعماله: قدم أعمالًا خالدة مثل فيلم "أنا حرة"، ومسلسل "ليالي الحلمية"، ويُعتبر من رواد السينما والتلفزيون في مصر.إنجازاته: عُرف بحرفيته العالية وقدرته على أداء الشخصيات المركبة التي تجمع بين البساطة والعمق.
مصطفى فهمي: الفنان الأرستقراطي متعدد المواهبتاريخ الوفاة: أكتوبر 2024تفاصيل الوفاة: توفي بعد معاناة مع ورم سرطاني في المخ.أهم أعماله: قدم العديد من الأفلام والمسلسلات التي جمعت بين الدراما والكوميديا، ويُعتبر من أهم أعمدة السينما المصرية في القرن العشرين.تراثه الفني: ينتمي لأسرة عريقة في السياسة والثقافة، مما انعكس على أدواره التي جمعت بين الأصالة والمعاصرة.
شريفة ماهر: سيدة الأدوار القويةتاريخ الوفاة: أكتوبر 2024تفاصيل الرحيل: توفيت عن عمر يناهز 92 عامًا.أهم أعمالها: شاركت في أفلام شهيرة مثل "قصر الشوق"، و"عذراء وثلاثة رجال"، و"الحياة حلوة".ما يميزها: أداؤها للأدوار القوية والمتسلطة جعلها واحدة من أيقونات السينما المصرية الكلاسيكية.
صلاح السعدني: عمدة الدراما المصريةتاريخ الوفاة: أبريل 2024تفاصيل الوفاة: توفي عن عمر يناهز 81 عامًا، بعد مسيرة حافلة بالأعمال الدرامية.أهم أعماله: اشتهر بدوره في مسلسل "ليالي الحلمية" بشخصية العمدة سليمان غانم، وقدم العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية المميزة.أثره الفني: يُعد واحدًا من أعمدة الدراما المصرية بفضل عمق أدواره وحضوره المميز.حلمي بكر: موسيقار الأجيالتاريخ الوفاة: مارس 2024تفاصيل الرحيل: توفي بعد صراع طويل مع المرض عن عمر يناهز 86 عامًا.أهم إنجازاته: يُعتبر أحد أعظم الملحنين في تاريخ الموسيقى العربية، وله أعمال خالدة مع كبار المطربين مثل أم كلثوم وعبدالحليم حافظ.تراثه: ألّف مئات الأغاني التي ساهمت في تشكيل وجدان الموسيقى العربية.أسماء أخرى خلدها العامجميل برسوم: توفي في مارس 2024، واشتهر بأدواره الثانوية المميزة في التلفزيون والمسرح.محمد نصر: غادر عالمنا في يوليو 2024 بعد مسيرة تضمنت أفلامًا مثل "الممر" ومسلسل "خيط حرير".ناهد رشدي: توفيت في سبتمبر 2024 بعد صراع مع مرض السرطان، وتُعد من أبرز نجمات الدراما المصرية.تامر ضيائي: رحل في يوليو 2024، وكان له دور مؤثر في أعمال مثل "أبوالعروسة" و"عملة نادرة".أثر رحيل هؤلاء النجوم على الساحة الفنية
فقدان هذا العدد الكبير من النجوم ترك أثرًا كبيرًا في الوسط الفني العربي. هؤلاء الفنانون لم يكونوا مجرد أسماء بارزة، بل كانوا جزءًا لا يتجزأ من تاريخ السينما والتلفزيون والمسرح في مصر والوطن العربي.
وستظل أعمالهم خالدة في ذاكرة المشاهدين، تُذكرنا دائمًا بأهمية الإبداع والموهبة في صناعة الفن.