أرض العلا.. تفاصيل ثرية وملتقى للثقافات الإنسانية
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
تشكل منطقة العلا في المملكة العربية السعودية بتفاصيلها الثرية منجمًا للتاريخ، وملتقى للثقافات الإنسانية، حيث نمت على أرضها حضارات عديدة.
وتعتبر منطقة "الحِجر"، أول موقع سعودي يتم تسجيله على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" للتراث العالمي والذي يتم الاحتفال هذه الأيام بمرور 15 عاما على تسجيله في قائمة التراث العالم واحدة من أهم المواقع التي شكلت ملتقى للحضارات حيث تحتوي المنطقة والتي تعرف أيضًا بمدائن صالح على مجموعة من المواقع والآثار والتحف المعمارية، التي خلفتها عصور وحضارات عدة.
وعلى جبال وصخور الحِجر، توجد نقوش بمختلف اللغات التي عرفتها الإنسانية، مثل: اللحيانية، والدادانية، إذ كانت العلا عاصمة مملكتي دادان ولحيان، إلى جانب نقوش أخرى باللاتينية والنبطية واليونانية، كما تضمّ الحِجر مقابر نبطية، يبلغ عددها 110 قبور، ويعدّ أشهرها "القصر الفريد"، متفرّدًا بواجهة صخرية مميزة، هي الأكبر من نوعها هناك.
ومن أهم المواقع في العلا يأتي موقع جبل عكمة، ويسمى بـ "المكتبة المفتوحة" لاحتوائه على التراث الوثائقي الذي يمثل أكبر مجموعة في العالم للنقوش الدادانية واللحيانية المحفوظة بشكل جيد.
وينضم وادي النعام إلى المواقع التراثية هناك حيث يظهر مراحل الكتابة بأنواعها؛ بدءًا من العربية القديمة كالدادانية والثمودية والآرامية، ثم مراحل النقوش الإسلامية بداية من الرسم الذي بدوره تَطور إلى الكتابة بدون نقاط، ثم الوصول إلى مرحلة الكتابة بالنقاط .
وتقدم محافظة العلا حاليا فعالية مساء جبل عكمة تزامناً بالاحتفاء بإدراجه ضمن سِجل "ذاكرة العالم" لليونسكو " حيث تعبر الفعالية عن كرم الضيافة العربية وتتضمن ورش مهارت النحت على الأحجار وعرض ضوئي فوق جبال عكمة.
و لعل من أهم المواقع التاريخية البلدة القديمة في العلا، حيث تحتفظ تفاصيل البلدة بأسرار الحياة القديمة، وذاكرة السكان بين منازلها الطينية المتلاصقة التي تشمل حوالي 900 بيت، وأزقتها العتيقة، التي تفوح منها رائحة التاريخ وحكايات الماضي ، وتشكل قلعة موسى بن نصير إطلالة مدهشة على تفاصيل البلدة، إذ تمكنك من تأمل براعة تصميم البلدة، وما يحيطها من مزارع، وآثار باقية لبيوت ومساجد وأسواق.
ويتميز موقع البلدة القديمة بآثار إسلامية عديدة، من أهمها مسجد العظام التراثي في جنوب شرقي البلدة، وينسب تأسيسه إلى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، إذ توقف فيه ليقيم الصلاة وهو في طريق غزوته لتبوك، وسمي بهذا الاسم لأن مكانه عُلّم بالعظام.
وتستضيف محافظة العلا حاليا «مهرجان الممالك القديمة» السنوي؛ حيث يستمر حتى الثاني من ديسمبر المقبل، متضمنا العديد من التجارب الثقافية والتراثية في كنف الجبال والصحاري والوديان شمال غربي الجزيرة العربية.
وتسلط نسخة هذا العام من المهرجان الضوء على المدن القديمة الواقعة على طريق البخور مثل دادان والحِجر. وتمتاز هذه المواقع بتراث عريق إذ كانت ملتقى طريق تاريخي يربط بين ثقافات وحضارات شتى؛ مراكز حيوية على طول طريق البخور القديم، كانت تنقل البضائع الثمينة مثل اللُّبَان والمُر والتوابل والحُلي..
ويتزامن المهرجان هذا العام بالذكرى السنوية الخامسة عشرة لإدراج مدينة الحِجر التي ترجع إلى عهد الأنباط ، على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي؛ حيث تم تصميم المهرجان بحيث يقع هذا الموقع الخلاب في قلب الفعاليات، ويستحدث المهرجان طرقًا مبتكرة للتعرف على أصالة الحِجر وعراقتها، إذ يمكن للزوار أن يستمتعوا بجولة متميزة بنظارات الواقع المعزز، فيزيحون الستار عن حكايات الماضي التي لم يطلع عليها قبلهم سوى الخبراء والعلماء، أو يمتعوا أبصارهم بالتراث الطبيعي في جنبات الحِجر في «جولة الحياة البرية والطبيعة» التي ستنطلق في النصف الثاني من المهرجان معرض الآثار: «الحياة في الحِجر».
كما تتواصل الجهود للتنقيب على آثار الحضارات القديمة في المنطقة؛ ومن هذه المواقع دادان عاصمة مملكتي دادان ولحيان القديمتين التي بزغ نجمها وصارت مركزًا تجاريًا رئيسيًا على طريق البخور.
هذا وتواصل الهيئة الملكية لمحافظة العلا للعام الثاني على التوالي تعزيز وجهاتها السياحية لمحافظة تيماء، وتفعيل المواقع الأثرية والتاريخية بها، وذلك من خلال تقديم العديد من المسارات والبرامج الإثرائية، ومنها مسرحية "تيماء" التي تحكى مسيرة (الملك نابونيد والملكة شمسي)، وتبين التاريخ الغني لمحافظة تيماء، في أجواء ترفيهية تنبض بالفنون والثقافة، ويتم عرضها بشكل دوري يوميٌ الخميس والجمعة ويوم السبت من كل أسبوع.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: السعودية منطقة العلا
إقرأ أيضاً:
سنعود أحياء وأمواتا.. ميس الجبل اللبنانية تستعيد جثامين شهدائها
جنوب لبنان- على وقع الزغاريد والهتافات، أعادت بلدة ميس الجبل قضاء مرجعيون في الجنوب اللبناني نعوش 48 شهيدا من أبنائها، ارتقوا خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، بعد أن دُفنوا في وقت سابق في ودائع خارجها لتعذّر دفنهم فيها.
وبمأتم مهيب أقيم في ساحة البلدة المدمّرة، حُملت نعوش الشهداء على شاحنات خُصصت لتشييع جثامينهم، تم تزيينها بالورود وأعلام لبنان وحزب الله، وبعد أداء تحيّة الوداع نُقلت إلى مقبرة البلدة، حيث رُفعت على أكتاف الأهالي ثم واروها الثرى.
وأصر أهالي الشهداء إصرارا شديدا على إعادة جثامين أبنائهم إلى مقبرة البلدة، إذ يُعتبرون هذا التشييع الذي أُقيم فوق ركام ما خلفته الحرب رسالة لضرورة عودة الأهالي إلى بلدتهم.
وهو ما يؤكّده لافي المصري (والد الشهيد قاسم) الذي يقول -في حديثه للجزيرة نت- إن "ميس الجبل معروفة بحوزاتها العلمية وببطولاتها وبإيمانها وبمجاهديها الذين قدّموا حياتهم في سبيل الوطن"، وأشار إلى أنه حتى لو دُمّر كل شيء، فإن أهالي البلدة لن يغادروا أرضهم التي وُلدوا ونشؤوا فيها، وسيعودون إليها ليعيشوا فيها من جديد".
ويؤكد المصري -الذي كان أسيرا سابقا في سجون الاحتلال الإسرائيلي- أنه لا خيار إلا المقاومة مع المحتل، ويبارك تضحيات المجاهدين الذين استبسلوا في الدفاع عن لبنان قائلا: "هذا العدو الصهيوني القذر يجب استئصاله من الوجود، وبفضل دماء الشهداء والجرحى والأسرى سننتصر".
يقف علاء قاروط مع إخوانه منتظرا نعش شقيقه الشهيد يوسف، ليواروه الثرى إلى جانب رفاقه الشهداء، ويتحدث للجزيرة نت عن فخره بأخيه وبكل الشهداء الذين ارتقوا دفاعا عن بلدتهم ميس الجبل وكل الجنوب اللبناني، مؤكّدا أن العودة إلى البلدة ما كانت لتكون لولا دماء الشهداء التي روت ترابها، ويقول إن "كل شهيد هو مصدر قوّة وصمود للأهالي".
إعلانويوجّه قاروط رسالة للاحتلال قائلا إن "الإسرائيليين وفدوا إلى فلسطين وهي ليست أرضهم، وكلّهم يحملون جنسيّات أجنبيّة، ويمكنهم الذهاب إلى أماكن أخرى، أما نحن فهذه أرضنا ولا نحمل إلا الجنسية اللبنانية، وسنعود إلى بيوتنا المدمّرة وسننصب الخيام فوقها ونسكنها، لأنه لا يوجد لدينا وطن آخر، وسنعود إلى ميس الجبل ونعيد الإعمار ولو بعد حين، فهذه أرض المقاومة والشهداء، ولن نغادرها".
وبدموع الفخر الممزوجة بغصّة الفقد والشوق، يودّع محمد بدران ابنه الشهيد عبّاس، ويتحدّث للجزيرة نت عن أهميّة إعادة جثامين الشهداء إلى مسقط رأسهم ويقول: "عاد الشهداء إلى الأرض التي دافعوا عنها والأرض التي ارتوت بدمائهم، لقد زيّنوا ساحاتها ودافعوا عنها، واليوم عادوا إليها".
وعن مشهد الدمار المهول، يشير بدران إلى أن "الاحتلال لم يترك لا شجرا ولا حجرا ولا بشرا، فالشجرة المعمّرة اقتلعها، ولم يفعل أحد في التاريخ ما فعله، لكن رغم كل الذي حصل، فإن أهالي ميس الجبل عائدون لإعمار بلدتهم، وسيبقون فيها من أجل الشهداء الذين سقطوا".
أما طلال مروّة، فقد حضر إلى بلدة ميس الجبل ليودّع صهره زوج ابنته الشهيد علي غبشة، ويؤكّد في حديثه للجزيرة نت أن "تضحيات الشهداء منعت الاحتلال من الاستمرار في احتلاله للأرض اللبنانية"، لافتا إلى أن إصرار الأهالي على إعادة جثامين شهدائهم إلى البلدة يهدف إلى إعادة الحياة إلى ميس الجبل، كما بقيّة البلدات في الجنوب اللبناني.
تعد ميس الجبل واحدة من البلدات الجنوبية التي نالت نصيبا كبيرا من الدمار، إذ عمد الاحتلال إلى نسف منازلها عدة مرات، فمسح حاراتها مسحا كاملا، وكذلك قصف بنيتها التحتية بالطيران الحربي وبالمدفعية، مما أدّى إلى تدمير 4800 وحدة سكنية بين دمار كلّي وجزئي.
إعلانويشير رئيس بلديّتها عبد المنعم شقير -في حديث للجزيرة نت- إلى أن ما حدث في البلدة أشبه بالزلزال، فالعدو لم يميّز بين مدني وعسكري، ودمّر كل شيء في البلدة من منازل ومبان حكومية، ودور عبادة ومدارس، ومحطات المياه والاتصالات، والطرقات والمرافق الحيوية، حتى أصبحت غير قابلة للحياة.
ويذكر أن الاعتداءات التي استهدفت ميس الجبل ليست بالأمر المستجد، فالبلدة الحدودية مع فلسطين المحتلة اعتادت هذه الاعتداءات منذ عام 1948، وحسب رئيس بلديتها، فإن الأهالي ليس لديهم خيار آخر غير بلدتهم، وهم عادوا إليها ليدفنوا أبناءهم في ثراها. وقدمت البلدة 110 شهداء بين مجاهد ومسعف ومدني.
ويقول "لدينا ثقافة تربينا عليها، وهي أننا نعود إلى أرضنا أحياء أو أمواتا، وهؤلاء الشهداء دافعوا عن بلدهم وأهلهم، وضحّوا بأغلى ما يملكون"، وأضاف أن "اليوم ومن خلال هذا التشييع المهيب، الرسالة كانت واضحة وهي أن عودة الأهالي حتمية، وأهالي الشهداء أرادوا من تشييعهم لأبنائهم بث رسالة بأنها بداية العودة إلى الأرض".
ويدعو شقير الدولة والمعنيين إلى حماية المواطنين في الجنوب اللبناني من التهديدات الإسرائيلية، وكذلك تقديم الدعم المادي لهم لتمكينهم من إعادة بناء ما دمّره الاحتلال الإسرائيلي "المتفلّت من كل القوانين الدولية، والمتجرد من القيم الإنسانية".