محمد بن راشد: العقول العربية المتميزة تؤمن بالعمل من أجل مستقبل الإنسان والإنسانية
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
دبي - وام
أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، أن هذه المنطقة أهدت العالم منذ قرون العلوم والاختراعات والأدوات التي شكلت ركائز الطب الحديث والجراحات المتطورة، وهي قادرة اليوم على مواصلة هذا المسار من جديد، وأن العقول العربية المتميزة التي تؤمن بالعمل من أجل مستقبل الإنسان والإنسانية تُعَدّ بالملايين ومساندتها مستمرة بمبادرات تدعم الابتكار والإبداع، لأنها تقود استئناف مساهمة المنطقة في مجتمع المعرفة العالمي والحضارة الإنسانية.
جاء ذلك خلال إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عبر تدوينة على موقع «إكس»، عن اسم الدكتور هاني نجم من المملكة العربية السعودية الفائز عن فئة الطب في الدورة الأولى من مبادرة «نوابغ العرب»، المبادرة الأكبر من نوعها عربياً، التي أصبحت «نوبل العرب»، والتي تحتفي بإنجازات العقول العربية المتميزة وتكرّمها وتسلط الضوء على ما حققه أصحابها ودورهم في دفع مسارات التنمية والتقدم الإنساني في المنطقة العربية والعالم.
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «نعلن اليوم عن الفائز بلقب «نوابغ العرب» عن فئة الطب وهو الدكتور هاني نجم.. وذلك لمساهماته البارزة في تخصص الجراحة القلبية للأطفال والكبار حيث أجرى أكثر من 10 آلاف عملية قلب للأطفال والبالغين واستحدث ممارسات جراحية مبتكرة واستثنائية في تخصص جراحة القلب وأمراضه الخلقية.
وتابع سموه: «نوابغ العرب احتفاء بالعقول والمبدعين العرب.. ورسالة تقدير لكل من يساهم في ريادة عالمنا العربي معرفياً ويكون قدوة لأبنائه.. تكريمهم ودعمهم خطوة رئيسية في مواصلة مسار التقدم المعرفي للمنطقة والعالم.. منطقتنا أهدت العالم عبر القرون السابقة علوم واختراعات وقادرة على تحفيز أبنائها على استئناف هذا الدور».
وفاز الدكتور السعودي هاني نجم بلقب مبادرة «نوابغ العرب»، المبادرة الأكبر من نوعها عربياً، في دورتها الأولى للعام 2023 عن فئة الطب وذلك تقديراً لمساهماته البارزة في تخصص الجراحة القلبية للأطفال والكبار وابتكاراته الجراحية في علاج أمراض القلب الخُلقية. كما أجرى الدكتور هاني نجم أكثر من 10,000 عملية قلب للأطفال والبالغين واستحدث الدكتور هاني نجم ممارسات جراحية مبتكرة واستثنائية في تخصص جراحة القلب..وقد شارك في عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم سرطاني حرج من قلب جنين بعمر 26 أسبوعاً داخل رحم والدته.
الصورةمن جانبه، قال محمد عبدالله القرقاوي، رئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»: «نوابغ العرب مبادرة عربية على غرار جائزة نوبل العالمية تسعى لتكريم العقول العربية المتميزة ودعمها ورعايتها وتمكينها من توسيع دائرة مساهماتها لخدمة البشرية».
وأضاف: «مبادرة نوابغ العرب هي تعبير عن إيمان محمد بن راشد بالعقول العربية وقدرتها على المنافسة عالمياً، وهي مسار رئيسي في رؤية سموه في مسيرة استئناف حضارة المنطقة».
أول صمام قلبي مرن ينمو مع الطفلساهم الدكتور هاني نجم في تصميم وتطوير صمام قلب مرن قابل للنمو داخل جسم الطفل، بشكل يواكب نمو الطفل مع مرور الأعوام..وهو ابتكار يجنّب آلاف الرضّع والأطفال صعوبات ومخاطر العمليات الجراحية المتتالية.
سيرة ومسيرةويرأس الدكتور هاني نجم اليوم قسم جراحة قلب الاطفال والبالغين في كليفلاند كلينك، في ولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية.
وولد هاني نجم وتعلّم في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية وتميّز في دراسته المدرسية والجامعية حتى تخرج من كلية الطب بجامعة الملك سعود عام 1985..انتقل بعدها للخارج ليتدرب ويتخصص في جراحة القلب والصدر وجراحة القلب الخلقية للأطفال.
طوّر على مدى 17 عاماً مركز القلب للأطفال في مركز الملك عبدالعزيز الطبي في الرياض بالمملكة العربية السعودية، وكان رائداً في إجراء جراحات القلب المعقدة للمرضى في المملكة العربية السعودية بدل الحاجة لسفرهم للخارج للعلاج، وكان من أوائل من أجروا عملية زرع قلب صناعي في المملكة. ترأس خلال مسيرته جمعية أطباء القلب السعودية، كما ترأس تحرير مجلة جمعية القلب السعودية، وكان أستاذاً مشاركاً بجامعة الملك عبدالعزيز للعلوم الصحية، وهو محاضر دولي في مجال جراحة القلب الخلقية.
انضم إلى مستشفى كليفلاند كلينك عام 2016 كرئيس لمعهد جراحة القلب للأطفال وجراحة القلب الخلقية..وهو عضو في العديد من المنظمات المهنية الوطنية والدولية، ومنها جمعية القلب الخليجية، ومجلس أمناء الكلية الأمريكية لأمراض القلب، والجمعية الأوروبية لجراحة القلب والصدر.
يعتبر الدكتور نجم خبيرا في مجال جراحة القلب الخلقية حيث أجرى وشارك في أكثر من 10,000 عملية جراحية لحديثي الولادة والأطفال والبالغين المصابين بأمراض القلب وحالاتها المعقدة والحرجة.
وعلى المستوى الأكاديمي، يحاضر الدكتور نجم في جامعات سعودية وأمريكية مرموقة.. وهو اليوم أستاذ مشارك في تخصص الجراحة في كلية ليرنر للطب في كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية.. وهو أستاذ مشارك في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية بالمملكة العربية السعودية.
والدكتور نجم متعاون أيضاً في مشاريع بحثية متعددة بما في ذلك قاعدة بيانات متعددة المراكز كأداة قيمة للممارسات القائمة على الأدلة في أمراض القلب الخلقية.
وقد تحدث الدكتور نجم في أكثر من 400 لقاء علمي وطبي وبحثي على مدى مسيرته المهنية حيث شارك خبراته ومعارفه مع المجتمع الطبي العالمي.
قدوة للشباب والأطباء العربويشكل المسار الأكاديمي والمهني والبحثي الحافل للدكتور هاني نجم الفائز بلقب «نوابغ العرب»، حافزاً وقدوة ونموذجاً يحتذى للشباب العربي والأطباء العرب المتطلعين إلى مسيرة حافلة بالتميز والعطاء والمساهمة في بناء الجسم الطبي في أوطانهم والعالم العربي، بعد ما حققه من إنجازات نوعية نتيجة تحصيلهم العلمي والمعرفي الجاد واجتهاده التخصصي وتفانيه المهني في مواصلة التطوير في تخصص الجراحة القلبية والابتكار فيه، خاصة في مجال طب الأطفال وجراحة القلب الخلقية.
وتم الإعلان عن الفائز بجائزة «نوابغ العرب 2023» عن فئة الطب بعد إنجاز كافة مراحل تلقي وفرز وتقييم عشرات الآلاف من الترشيحات التي وردت من مختلف المؤسسات والأفراد في كافة أرجاء الوطن العربي.
استئناف المساهمة العربية في الحضارة الإنسانيةوتحفز مبادرة «نوابغ العرب» استئناف مساهمة المنطقة العربية في مسارات الحضارة الإنسانية عبر تكريم المتميزين في العالم العربي، وتسليط الضوء على إبداعاتهم وابتكاراتهم وقصص نجاحهم وتميزهم والاحتفاء بأدوراهم الاستثنائية في رفد مخزون الحضارة ودعم تقدم المجتمعات في المنطقة العربية بشكل خاص والعالم ككل.
المبدع العربي في دائرة الضوءوتعرّف جائزة نوابغ العرب، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بألمع العقول المبدعة في العالم العربي وتحتفي بها وتسلط الضوء على إنجازاتها النوعية التي أحدثت أثراً إيجابياً ملموساً ومؤثراً ومثمراً.
وتحتفي «نوابغ العرب» بالمبدعين والمتميزين في ست فئات هي الهندسة والتكنولوجيا، والطب، والاقتصاد، والعمارة والتصميم، والعلوم الطبيعية، والأدب والفنون.
وتقدم جائزة نوابغ العرب الدعم للابتكار والتقدم العلمي والمعرفي والثقافي والفكري في العالم العربي، من خلال مساندة المبدعين العرب وتحفيزهم لمواصلة عطائهم وتوسيع دائرة المستفيدين منه محلياً وعربياً وعالمياً.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الوطن العربي محمد القرقاوي الإمارات العربیة السعودیة العالم العربی نوابغ العرب قلب للأطفال الدکتور نجم أکثر من
إقرأ أيضاً:
الشِّعر ديوان العربية الفصحى
أتيح للغة العربية أن ترتبط بشيئين ارتباطًا نزعم أنه لم يُتَح لغيرها من اللغات، وهو ارتباط ساعد كثيرًا، ليس فقط على غناها وثرائها بأدواتها ومفرداتها، ولكن أيضًا على تميزها وذيوعها وانتشارها. أمّا هذان الشيئان اللذان ارتبطت بهما فهُما الشِّعر والقرآن الكريم، ويمكن إدراك هذا الارتباط بتفاصيله بتأمّل فترة التدوين العربي، ونشأة المعجمات.
أمّا ارتباطها بالقرآن فيحتاج إلى قراءة طويلة مستقلة تفي به، لكننا في مساحة كهذه الممنوحة لنا هنا يمكن لإطلالة موجزة أن تشير إلى شيء من نشأة العربية ثم ارتباطها بالشعر، مشيرين أولًا إلى أن اهتمامنا بالعربية لا ينبع فقط من أنها لغتنا، ولكن لأنها واحدة من أهم لغات العالم؛ إذ يتحدث بها 500 مليون نسمة تقريبًا في العالم، وهو رقم ليس صغيرًا، إذ يشكل 5% من سكان الأرض.
والعرب -في الأساس- هم الذين كانوا يتحدثون اللغة العربية، ومِن السهل -الآن- أن يطلَق لفظ «العرب» هذا فينصرف الذهن جغرافيًا إلى بعض دول الوطن العربي في آسيا وإفريقيا، لكن قديمًا وتاريخيًا لم تكن كلمة «عرب» دالة إلا على معنى البدو والبداوة، ولم تكن تطلَق إلا على سكان شِبه الجزيرة العربية وبعض مناطق الشام والعراق، حتى ظهر الإسلام ودخل المسلِمون بلادًا وأقاليم تحولت بمرور الوقت وانتشار لغة الغالبين إلى مناطق وأقاليم عربية ليتسع مفهوم العرب جغرافيًا إلى ما استقر في الذهن والعيان حتى يومنا هذا.
وإذا كانت شبه الجزيرة العربية موطن العرب، فإن القدماء كانوا يذهبون إلى أن هناك جنوبًا وشمالًا لعرب تلك الجزيرة، وكانوا يطلِقون على عرب الجنوب اسم «القحطانيين»، ويرونهم أصل العرب ولغتهم العربية، بينما كانوا يطلِقون على عرب الشمال اسم «العدنانيين»، ويرونهم «مستعربين» أخذوا لغتهم عن القحطانيين وهي اللغة التي يقولون إن القرآن نزل بها، وهو الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا بين الباحثين المستشرقين وهُم يقارنون بين لغة القحطانيين والعدنانيين؛ ليكتشفوا بفضل كثير من النقوش والنصوص التي تم العثور عليها اختلافات كثيرة بين لغة عرب الجنوب ولغة عرب الشمال، الأمر الذي كان واحدًا من أهم أسباب ذيوع وانتشار ما سمّي بقضية الانتحال في الشعر الجاهلي، حيث إن الشعر الذي وصلنا كله وصلنا بلغة عربية واحدة ضمت شعراء من الشمال وشعراء من الجنوب، وقيل إنّ ما تردد من اتخاذ اللغة العربية لغة أدبية واحدة للفريقين يمكن فهمه بعد نزول القرآن لا قبله. ولا يعنينا الآن الخوض في تفاصيل قضية الانتحال بقدر ما تعنينا إطلالتنا على ارتباط العربية بالشعر.
والحق أنه إلى الآن يصعب على باحث أن يقطع برأي محدد في أصل اللغة العربية؛ فكل النقوش والنصوص الأركيولوجية التي تم العثور عليها كانت خاصة بالفترة التاريخية ما بين أواخر القرن الثالث إلى القرن السادس الميلادي، وهي نصوص ونقوش تؤكد أن الخط العربي نشأ شمال الحجاز متطورًا عن الخط النبطي، ويمكن الزعم أن الخط العربي أخذ صورته النهائية في أوائل القرن السادس الميلادي، وهو ما أكدته تلك النقوش التي عثر عليها عدد من علماء الساميات شمال الحجاز على طول طريق القوافل إلى دمشق، وأهم هذه النقوش حجر عثر عليه سنة 270م في قرية أم الجمال غرب حوران، ثم حجر آخر سمّي نقش النمارة تم اكتشافه سنة 1901م كان مؤرخًا بسنة 328م وهو خاص بامرئ القيس ثاني ملوك الحيرة، وهو نص يقول: «هذا قبر ملك العرب»، وهو الأمر الذي يشي بأن تلك الفترة شهدت إحساس العرب بكيانهم ورغبتهم في وحدة سياسية تجمعهم، خاصة مع وجود قوتي الروم والفرس اللذين فرضا نفوذهما على كثير من المناطق العربية في سلع وتدمر، وفي الحيرة في الشمال، كما هاجم الحبش اليمن واستولوا عليها في الجنوب في منتصف القرن الرابع تقريبًا، فيمكن الزعم أن كل هذه الأحداث دفعت العرب للبحث عن هويتهم، ومن الطبيعي أن تأتي اللغة على رأس ذلك البحث.
بدأ الاهتمام بمكة وتحوّل القوافل التجارية إليها، وكان من الطبيعي أن تنمو الشخصية اللغوية للعرب الشماليين تحديدًا خطًا ونطقًا، وهو ما تؤكده عدة نقوش أخرى ظهرت، كنقش زيد المؤرَّخ بسنة 512 ميلاديًا، ونقش زبد خربة اللذين يؤكدان بخطوطهما وتفاصيلهما اقتراب الملامح من اللغة العربية الفصحى، فضلًا عن نقش حران اللجا المؤرخ بسنة 568 م وقد وجد جنوب دمشق، وكل كلماته عربية.
وقد دلّ تاريخ العرب، وتاريخ الأدب فيه، أن العرب أمّة صناعتها الكلام ومفخرتها البيان، ولم تجد وسيلة لتسجيل انتصاراتها أو لتخليد مآثرها أو للتغني بأمجادها وذكر أفراحها وأتراحها إلا الشعر تنشده وترويه؛ إذ كان حظها من تجليات الحضارات الأخرى كالرسم والنقش والكتابة ضئيلا، فإذا أضفنا إلى ذلك طبيعة المحيط الجغرافي الذي عاش فيه العرب قديمًا حيث الصحراء المترامية، والفضاء المفتوح، وقلة العشب والكلأ، وندرة الماء والزاد، كان طبيعيًا أن نفهم كيف نشأ الشعر عند العرب الذين كان الرصد والتأمل أهم ملمحين من ملامح الحياة المفروضة عليهم، بعد أن كان العربي القديم مضطرًا اضطرارًا إلى أن يصغي إلى مفردات محيطه من تناوح الرياح، وتعاقب الليل والنهار، وتساقط المطر، كل ذلك في وتيرة واحدة وإيقاع ثابت لا يتغير، ولنا أن نفترض أن العربي القديم بدأ يصغي لموسيقى الكون أو الحياة مِن حوله ليهمهم بعدها بكلمات نثرية لم تلبث أن تحولت على ناقته أو فرسه لإيقاعات منتظمة، ربما ارتبطت أيضًا عنده برغبته في الغناء، وقد ورد أن العرب الجاهليين كانوا يغنّون أشعارهم، ولم يكن من الغريب أن يطلقوا على شاعرهم الأعشى مثلا لقب «صناجة العرب»، ولا أن ينشد حسان بن ثابت قائلا:
تَغنّ بالشعر إمّا كنتَ قائلَه...
إنّ الغناء لهذا الشعر مضمارُ
ولعل ارتباط مفردة «الإنشاد» بالشعر تفسّر تلك الصلة بين الشعر العربي والغناء.
ولقد يقول مؤرخو الآداب: إنّ هذا الشعر الذي وصلنا عن العرب يعود إلى قرن ونصف قبل الإسلام، وهو ما لا يتفق بالطبع مع وصول هذا الفن بصورته المكتملة إلينا؛ فلا بدّ أن تكون له أسبقية تاريخية أطول من ذلك، لكن النصوص والنقوش لا تزال شحيحة وقليلة، ولقد وردت بضع الأبيات على لسان عدد من شعراء الجاهلية تشي أنهم أنشدوا أو عرفوا أسماء شعراء ساروا على منوالهم، دون أن تتوفر لدينا معلومات كافية عن هؤلاء الشعراء، فهذا امرؤ القيس يقول:
عوجَا على الطلل المحيلِ لعلّنا ...
نبكي الديارَ كما بكى ابن خذامِ
دون أن نعرف مَن هو ابن خذام هذا؟
ويقول زهير بن أبي سلمى:
ما أرانا نقول إلا مُعارًا ...
أو معادًا من قولنا مَكرورا
كما يقول عنترة بن شداد:
هل غادر الشعراءُ من متردّم؟
لكننا نفترض أن العربي القديم، شاعر ما قبل الإسلام، لم يكن مشغولًا بعلاقة الشعر باللغة مثلما انشغل بها شاعر ما بعد الإسلام، بسبب نزول القرآن بصورته اللغوية الجديدة المختلفة تمامًا نظمًا وتعبيرًا ودلالة، ثم بسبب ظهور القراءة والكتابة، إلى أن استقرت في الذاكرة العربية، وفي الذائقة أيضًا، الصورة النهائية لشعر الفصحى عند العرب بتجليه فيما اتفق عليه باسم «المعلقات»، فضلًا عن بعض مصادر هذا الشعر كالمفضّليات والأصمعيّات، ولا يمكن فهم هذا الحضور الطاغي لشعر الفصحى العربي في التراث واستيعابه، إلا بفهم المزاج العربي الذي يمكن وصفه بأنه كان مزاجًا لغويًا بطبيعته، كما يقول المستشار عبدالجواد ياسين في كتابه «السلطة في الإسلام»:
«إن المزاج العقلي العربي كان مزاجًا لغويًا بطبيعته، فهو يبدو لنا حين نقرأ في تراثه الأدبي الأول لا سيما الشعر، كما لو كان يحب اللغة لذاتها، كانت اللغة بالنسبة له أكثر من وسيلة ضرورية للتعبير، لقد كانت هي في ذاتها فنه الأثير، وكان هو على وعي شعوري بهذه الحقيقة، يدرك على نحو من الأنحاء أن اللغة هي مجاله الحيوي، أو هي تخصصه الدقيق إن صح هذا التعبير».
هكذا نشأت اللغة عند العرب، وهكذا انبثق منها شعرها الفصيح الذي حافظ عليه أفذاذ وعباقرة العرب باتجاههم في فترة التدوين لحفظ مفردات هذه اللغة، متخذين الشعر بالطبع مرجعًا ومصدرًا لهم، وكان طبيعيًا أن تتطور الفصحى وتتأثر بالفضاء الإسلامي لتعود محافظة مرة أخرى على أصالتها وجزالتها في العصر الأموي، ولتبلغ أوج نشاطها وتألقها في الفترة الأندلسية ثم بعد ذلك في العصر العباسي.
وبالتأكيد يمكننا الآن تصور آلاف الدواوين الشعرية وآلاف الرواة الذين كانوا يروون هذا الشعر، وينقلونه من جيل إلى جيل، الأمر الذي سهّل كثيرًا بسبب طبيعة الشعر وسهولة حفظه وجريانِه على الألسنة من الحفاظ على الكلمات واستدعاء معانيها ومرادفاتها، بل إنّ كثيرًا من القصائد كانت تستدعي إلى الذهن قصائد أخرى تشبهها أو حتى تناقضها معنى أو وزنًا أو قافية، وهو ما يشبه دائرة مفتوحة لا تُغلق أبدًا تحتل فيها اللغة المركز.
ولا يتبقى الآن إلا أن يدرك العربي المعاصر التحدي الكبير الملقى على عاتقه في الحفاظ على لغته العربية من دون تعصب، وهو ما لن يكون إلا بإدراكه حجم التحديات التي تواجه هذه اللغة، ولعل أهمها تراجع الشعر في الوجدان المعاصر، واختلاط حابله بنابله، وضعف أدوات الذين يتصدون له كتابة وإبداعًا وتنظيرًا.
أشرف البولاقي كاتب مصري