غزة تتقلص.. معاناة الفلسطينيين في البحث عن مأوى تتفاقم
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
تتفاقم معاناة الفلسطينيين في البحث عن مأوى، خلال الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر الماضي، وتوقفت، الجمعة، مؤقتا بسبب هدنة تستمر 4 أيام، وينتشر النازحون في المآوي المزدحمة والسيارات والشقق المشتركة والأرضيات والمقاعد في ممرات المستشفيات، وفق تحقيق لوكالة أسوشيتد برس.
ويبلغ طول القطاع 25 ميلاً (40 كيلومتراً) وعرضه حوالي 7 أميال (11 كيلومتراً)، وتنتشر القوات الإسرائيلية في الثلث الشمالي منه.
وتقول وكالة أسوشيتد برس انها تابعت ابتداءً من منتصف أكتوبر، قصص أربعة أشخاص يحاولون البقاء على قيد الحياة، وتم التواصل باستخدام النصوص والرسائل الصوتية ومقاطع الفيديو والمكالمات الهاتفية النادرة من شبكة الجيل الثاني المتعثرة التي أصبح مصيرها أيضا على المحك.
إحدى المحاميات، المصممة على البقاء في مدينة غزة، تحمل والدها المشلول من مكان إلى آخر هرباً من القصف. أحد موظفي الأمم المتحدة ذهب لمكان يأوي عشرات الآلاف من النازحين، ويلجأ إلى سيارته للحصول على القليل من الراحة. مصور محاصر بين أربعة جدران وتحثه عائلته على التوقف عن توثيق الحرب حفاظا على سلامتهم، وصحفي تهجر من بيته ويوثق المعاناة المتفاقمة.
وتقول إسرائيل إنها تعمل على تفكيك حماس، الحركة التي شنت هجوما مفاجئا في 7 أكتوبر أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل.
كما أدت أسابيع من القصف الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 13 ألف فلسطيني، 70% منهم من النساء والأطفال. وهذا أكثر من عدد المدنيين الذين قتلوا خلال 18 شهراً من الحرب في أوكرانيا.
وتلفت الوكالة إلى أنه وفي حين تمكن معظم المدنيين من الفرار من منطقة القتال في حروب أخرى مثل أوكرانيا، فإن الفلسطينيين في غزة ليس لديهم مفر.
الأشخاص الأربعة الذين تتبعهم تقرير وكالة أسوشيتد برس، هم جزء من الطبقة المهنية الهشة، ويعيشون في المناطق الوسطى من مدينة غزة، التي نجت إلى حد كبير من الصراعات الماضية، ولكنها في قلب هذه الحرب الآن.
وتقول الوكالة إنها اتصلت بثمانية من سكان غزة وتمكن هؤلاء الأربعة من الحفاظ على الاتصال، على الرغم من الإخلاء والضربات المتعددة على مناطقهم وانقطاع الاتصالات مرات عديدة.
وتضيف "إنهم الآن ليسوا قريبين من بعضهم البعض، لكنهم يؤرخون اليأس (...) والمعاناة المتفاقمة".
حسين عودة، موظف في الأمم المتحدةكان من المقرر أن يكون يوم 7 أكتوبر موعد انتقال عائلة عودة إلى شقة جديدة، أمضى حسين عامين في تجهيزها وأنفق معظم مدخراته عليها. كانت النوافذ في مكانها الصحيح وكان من المقرر وصول آخر قطع الأثاث.
وواحدة من أكثر الوظائف المرغوبة في غزة، هي العمل لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتي تساعد المزيد من الأشخاص، أكثر من ثلاثة أرباع سكان القطاع، وجميعهم من اللاجئين.
وعندما استيقظ حسين في ذلك الصباح على وابل صواريخ حماس، عرف أن الانتقام الإسرائيلي سيكون سريعا. كان تفكيره الأول هو ضرورة تأجيل هذه الخطوة (الانتقال).
وفي غضون أيام، انهار كل شيء بسرعة مذهلة. دمرت شقة عودة الجديدة في إحدى الغارات الجوية، وقُتل أحد أعز أصدقائه في غارة جوية أخرى. ولا يزال يعاني من تجاهل نداءات المساعدة من أحد الجيران الذي يحاول العثور على ابنته التي خرجت من النافذة جراء غارة إسرائيلية، حين كان مشغولا بإجلاء عائلته إلى بر الأمان.
في 13 أكتوبر، حشر حسين وعائلته الممتدة المكونة من 15 شخصا في سيارتين، أحدهما زجاجها الأمامي مكسور.
وأصبحوا الآن من بين 22 ألف شخص لجأوا إلى مركز التدريب المهني التابع للأمم المتحدة في خان يونس.
في هذا المركز، 24 مرحاضا فقط، بمعدل أكثر من 900 شخص لكل مرحاض، ولكن لا توجد أسرة أو مراتب أو مياه جارية، فيما تستمر أرقام النازحين في التضخم.
وكانت زوجة حسين وأطفاله الثلاثة وستة أقارب آخرين يتقاسمون فصلاً دراسيًا بمساحة 3 × 3 أمتار. بينما نام هو في السيارة.
يقول: "إنه صراع مع الحياة من أجل أبسط الأشياء. إذا كنت تريد الاستحمام، فهذا حلم بعيد المنال".
وفي 29 أكتوبر، علم أن غارة إسرائيلية أصابت مخيم جباليا للاجئين في مدينة غزة.
واستغرق الأمر ساعات ليتأكد مما كان يخشاه، إذ قُتل تسعة أفراد من عائلته، بمن فيهم عمه وخالته واثنان من أبنائهم الثلاثة البالغين. وبعد أيام قليلة توفي الثالث متأثرا بجراحه.
نجت اثنتان من بنات عمه، لكن عودة لم يتمكن من فعل أي شيء لهن. كانت مسافة 15 ميلا (25 كيلومترا) التي تفصل بينهم لا يمكن قطعها.
وقال: "إنهم في مكان واحد، بمفردهم، ونحن بعيدون". وترصد أسوشيتد برس صوت طائرة مقاتلة في خلفية التسجيل مع حسين.
وبعد ذلك مباشرة تقريبا، قتلت غارة أخرى صديقا كان يرافقه في جولاته المسائية. كما قتل والدا الرجل (صديقه) وأخواته وعائلاتهم.
كل شخص يعرفه عودة فقد شخصا ما، وكان العثور على الجثث بالكاد ممكنا، وكان الدفن المناسب غير وارد.
وأضاف: "ليس هناك مجال للحزن، فقط علاماتنا الحيوية تظهر أننا على قيد الحياة. نحن نتنفس، ولكن بخلاف ذلك فقدنا كل علامات الحياة الأخرى".
شعر عودة بأنه محاصر بكل الأشياء التي لا يستطيع قولها: لم يخبر أطفاله، الذين تبلغ أعمارهم 9 و 6 و 1 سنة، أنهم لم يعد لديهم منزل، ولم يتمكن من إخبار والده عن أقاربه، الذين قتلوا في الغارة الجوية.
وقتل ما لا يقل عن 108 من زملاء عودة في الأمم المتحدة، وقال إن الخوف ينتشر بين الباقين الذين يبلغ عددهم حوالي 13 ألفا.
كان عودة يكسب رزقه من خلال مساعدة اللاجئين الفلسطينيين. والآن يعيش بينهم في ملجأ.
اليأس الذي شهده في كل مكان أتعبه. لقد فقد 20 كيلوغراما في حوالي شهر. اختفت روح الدعابة اللطيفة لديه، وحل محلها الصوت الأجوف لرجل منهك. غادر الملجأ مرتين فقط، للبحث عن أدوية لوالده، لكنه اضطر إلى استئجار عربة يجرها حمار لأنه لم يكن هناك وقود لسيارة.
عادة ما يكون عودة مسؤولا عن توثيق التأثير الإيجابي للمساعدات على حياة الناس، لكنه وجد نفسه الآن مسؤولا عن إدارة نوبات الغضب وتسجيل قصص البقاء على قيد الحياة.
حاول أحد الرجال الانتحار في الملجأ. تحدث الأطفال عن رؤية دجاجة تنقر على الجثث على الطريق من مدينة غزة، وكان ممتنا لأن أطفاله لم يكونوا على علم نسبيا بالاضطرابات التي حدثت في وطنهم.
أصبحت رسائله النصية أكثر كآبة. لقد أصبحت الوفيات بين النازحين أمراً روتينياً قاتماً، حتى في ما يسمى "المناطق الآمنة" التي أعلنتها إسرائيل. وانهارت قدرة وزارة الصحة في غزة على إحصاء القتلى في الشمال.
وقال في تسجيل بتاريخ 20 نوفمبر: "الأمر الذي يصدمني حقاً هو أن سقف توقعاتي أصبح منخفضاً جداً. لترويض حيوان، فإنك تجعله جائعاً، وسوف يطيعك، وبهذه الطريقة يفعل ما تريد".
"جروح متعفنة تهاجمها الديدان".. شهادات من مستشفيات غزة عاش مجمع الشفاء الطبي ومستشفيات أخرى في شمالي قطاع غزة أوضاعا مأساوية خلال الحرب الدائرة حاليا، حيث بات اضطر الأطباء إلى إجراء جراحات بدون تخدير بسبب نفاد المواد المخدرة الموضعية وعدم وجود أطباء تخدير أو إمكانيات لإجراء عمليات تعتمد على التخدير الكلي. أسعد علاء الدين، كاتب ومصوروفي قصة أخرى، تدمر منزل، أسعد علاء الدين، الواقع بالقرب من الحدود الإسرائيلية مع القطاع نتيجة القصف الإسرائيلي.
ولجأ إلى وسط مدينة غزة، وهو المكان الأكثر أمانا في العادة في الحروب السابقة. وفي 11 أكتوبر، حوصر وحيدا في مكتب بوسط المدينة بسبب القصف. قام علاء الدين بتوثيق المشاهد باستخدام كاميرا هاتفه، وكان يخشى أن تكون تلك اللحظات الأخيرة له.
بحلول صباح اليوم التالي، كان الجو هادئا بما فيه الكفاية ليغامر بالذهاب إلى منزل جده، الواقع أيضا في وسط مدينة غزة، لينضم إلى عائلته، وأصهرته، وسبع عائلات من أبناء عمومته. وتجمعوا معا بينما كان القصف مستمرا.
ساهم علاء الدين، وهو كاتب يبلغ من العمر 33 عاما، في منشورات مختلفة، بما في ذلك موقع إلكتروني باللغة العربية مختص بالفلسطينيين داخل إسرائيل، ويغطي الفنون والأدب وحركات الاحتجاج والديناميات الاجتماعية في غزة. كانت زوجته في كندا من أجل دراستها، الأمر الذي بدا للحظة وكأنه ارتياح.
تناقشت العائلة حول البقاء أم الرحيل؟، وتم الإجماع على رأي والدته بضرورة التفرق، على مبدأ أنه "إذا حدث شيء ما لأحد منهم، فإن شخصا ما سينجو ويستمر في الحياة".
انطلقوا في السابعة من صباح يوم 13 أكتوبر، وهو اليوم الذي أمر فيه الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى بإخلاء مليون فلسطيني في شمال غزة. ذهب والده إلى وسط غزة، وبقيت إحدى الأخوات في مدينة غزة. وتوجه هو ووالدته وشقيقته إلى رفح، جنوب قطاع غزة، بالقرب من الحدود مع مصر.
وبعد ساعات من مرور علاء الدين عبر طريق الإخلاء، ازدحم الشارع. وتعرض النازحون لضربة جوية استهدفت مجموعة من الشاحنات المكتظة بالعائلات، مما أدى إلى تناثر عشرات الجثث على الأرض. وتبادلت إسرائيل وحماس الاتهامات. وخلت الطريق مرة أخرى بعد ذلك.
ولم يتمكنوا من البقاء طويلا في رفح. طلب منهم مضيفوهم المغادرة لأنهم كانوا يخشون أن يؤدي تصوير علاء الدين للحرب إلى تعريضهم للخطر.
لقد تفككت النواة الأخيرة لعائلته. وذهبت والدته وشقيقته إلى خان يونس، على بعد أميال قليلة شمالا. انتقل علاء الدين للعيش مع أهل زوجته بالقرب من الحدود مع مصر. كما طلبوا منه التوقف عن التصوير.
وافق لكنه استمر في إرسال رسائل صوتية، والتي تضمنت أصوات الطائرات الحربية في الخلفية. وعندما وصل المزيد من أقاربه، غادر هو وعائلته المنزل الفسيح بحديقته وأشجار الزيتون إلى شقة صغيرة لإفساح المجال. كان اليوم العاشر من الحرب.
تحول تركيزهم إلى البقاء على قيد الحياة يومًا بعد يوم، والعثور على الماء والغذاء، وتأمين الوقود للمولد الذي يبقي هواتفهم مشحونة.
كان غروب الشمس يجلب معه الوجبة الوحيدة في اليوم، وهي المعكرونة أو الفاصوليا أو العدس بشكل أساسي. وكان يأكل كالصائمين.
ولفت التقرير إلى ازدياد المعاناة وانقطاع التواصل أثناء فترة قطع الإنترنت والاتصالات في القطاع.
وقال علاء الدين إن التواصل "أهم من الطعام والشراب". "إنه يخبرنا بكل التفاصيل التي نحتاجها... من مات ومن لا يزال موجودًا".
كان انقطاع الاتصالات بمثابة بداية الهجوم البري الإسرائيلي على شمال غزة. ومنذ ذلك الحين، توغلت القوات الإسرائيلية في مدينة غزة وتهدد الآن بالتقدم جنوبًا.
وأخيراً تمكنت أخته وأطفالها من الخروج من مدينة غزة بحلول 7 نوفمبر. وانضم إليهم ووالدتهم في خان يونس.
وأصبح قطع الاتصالات أمرًا روتينيًا. وكانت الطريقة الوحيدة للحصول على الإشارة هي من خلال بطاقات إلكترونية إسرائيلية أو مصرية (esim) أو الانتظار لعودة الإنترنت.
وصلت التسجيلات الصوتية لعلاء الدين بشكل متقطع، وفي بعض الأحيان استغرق الأمر أيامًا للوصول. أصبح صوته أكثر خفوتًا.
"نشعر أن الخطر يقترب. غزة تتقلص، كل حرب، مهما كانت مدمرة، لم يغيروا (الإسرائيليون) أبدا معالم المدينة، لكنهم الآن فعلوا".
سالم الريس، صحفييعتبر، سالم الريس، نفسه دارسا للمشهد الحضري في غزة وكيف يتكيف عدد سكانها المتزايد مع الحصار عن طريق البحر وإسرائيل ومصر.
قبل السابع من أكتوبر، كان الصحفي يعمل على بث صوتي حول كيفية نمو غزة عموديا - أبراج سكنية تحل محل الفيلات القديمة، ومدن الصفيح المزدحمة والأراضي الزراعية.
أيقظته صرخات ابنته البالغة من العمر 13 عامًا على صوت مئات الصواريخ المنطلقة في وقت مبكر من يوم 7 أكتوبر ونبهته إلى الأحداث التي وقعت على السياج.
في البداية، اعتقد أنها صواريخ أطلقتها الفصائل الفلسطينية ردا على هجوم إسرائيلي، إذ كان التوتر يخيم على الأجواء قبل السابع من أكتوبر. وكان من الصعب فهم الواقع.
ثم تولت أخبار أفادت بخرق للحدود، طائرات شراعية، اقتحام بلدات إسرائيلية. وجابت سيارات جيب إسرائيلية استولى عليها فلسطينيون شوارع غزة.
لساعات، سيطر المسلحون الفلسطينيون على العديد من المناطق والمواقع الإسرائيلية، بما في ذلك قرى وبلدات أسلاف سكان غزة الحاليين قبل إنشاء إسرائيل في عام 1948.
قال الريس: "بالنسبة لي كان الأمر ضرباً من الخيال... لم أعتقد قط أن ذلك يمكن أن يحدث".
كان يعتقد أن غزة قد تتوسع للمرة الأولى، ولو قليلاً. ولكن عندما جاء الرد الإسرائيلي، حدث العكس.
وتصاعدت الوفيات خلال الأسابيع التالية. "كل ضربة على مبنى من شأنها أن تسويه بالأرض. وأغلقت الطرق بالركام. أصبحت الحركة صعبة علينا وعلى سيارات الإسعاف".
الصحفي البالغ من العمر 37 عاما، والذي غطى جميع حروب غزة منذ عام 2008، لم يشعر أبدًا بالحاجة إلى تخزين الإمدادات في الماضي. كان هادئا ومتماسكا، وكان واثقا دائما من أن العيش في وسط غزة يوفر الأمن الكافي.
لكن بعد مرور أسبوع على الحرب، قرر الريس وزوجته أن الوقت قد حان للإخلاء من شقتهما الحديثة وحديقة السطح التي كان والده يعتني بها بدقة.
ووالداه كانا يعيشان في نفس المبنى. كانت والدته تحتاج إلى غسيل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع. ولكن مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وهو الأكبر في القطاع، أصبح مكتظا بالفعل.
وفي 13 أكتوبر حزم بدوره الملابس وجوازات السفر والهويات، واصطحب زوجته وأطفاله إلى شقة في خان يونس. عاد من أجل والديه، وأخذهما إلى مخيم للاجئين في وسط غزة بالقرب من مركز طبي يقدم خدمات غسيل الكلى.
ثم استقر في مستشفى خان يونس، ثاني أكبر مستشفى في غزة، حيث وثق التفجيرات وأعداد القتلى والجرحى.
كان يخرج بالسيارة يوميا، مرة إلى مدينة غزة للاطمئنان على الشقة، وتناول فنجان من القهوة بمفرده وسقي النباتات، والأخرى داخل خان يونس لرؤية أطفاله. لم تكن المسافات بعيدة – حوالي 20 ميلاً (35 كيلومترًا). وكانت رحلته الأخيرة إلى مدينة غزة في الأول من نوفمبر.
بدأ هدوء الريس يتلاشى. يتذكر الليالي الهادئة التي يستمع فيها إلى الموسيقى ويلعب مع أطفاله أو يزور الأصدقاء. كان يحلم بالوجبات المطبوخة في المنزل.
"ليست المساحة المادية فقط هي التي تضيق"، قال الريس في رسالة صوتية طويلة وصاخبة: "مساحتي الخاصة تتآكل".
كان ينام في سيارته خارج المستشفى ويرفع التقارير والصور من خيمة الصحفيين أو سلم الطوارئ.
قُتل ما لا يقل عن 46 صحفيًا وموظفًا إعلاميًا في غزة منذ 7 أكتوبر وفقًا للجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة دولية توثق التهديدات الموجهة إلى وسائل الإعلام. وكان أربعة منهم من أصدقاء الريس.
بحلول اليوم السابع عشر، مثل كثيرين في غزة، أصيب الريس بالإنفلونزا. وكانت المياه نادرة. تم استخدام مياه الري للاستحمام، واغتسل بعض الناس في البحر الأبيض المتوسط لتجنب التلوث. وقد تم قصف أحد عشر مخبزاً، ولم يتبق سوى تسعة مخابز لإطعام مئات الآلاف من النازحين في الجنوب.
كانت قطعة الخبز القديمة هي الوجبة الوحيدة التي تناولها الريس في أحد الأيام مؤخرًا، وتساءل عما إذا كان يمكنه الاستمرار. "نحن لا نأكل جيدًا. نحن لا ننام جيدا. نحن نمرض بسهولة، ناهيك عن الصواريخ وأي شيء آخر يطلقونه علينا".
لقد رأى والدته مرتين منذ أن نزحوا. تم تقليص غسيل الكلى لديها إلى مرتين في الأسبوع، وكانت ضعيفة.
في 6 نوفمبر، كان هو وزوجته في السيارة عندما أدى الغبار والدخان الناتج عن القصف إلى قتامة الهواء حول الملجأ الذي يأوي أطفالهما. خوفا من الأسوأ، قام بالإسراع والضغط على دواسة الوقود. استغرق الأمر بضع دقائق فقط من القيادة السريعة خلف سيارات الإسعاف لإدراك أن الملجأ سليم.
لم يتحمل الريس رؤية الأطفال بهذه السرعة بعد أن تصور أسوأ كابوس له. أنزل زوجته واستمر في متابعة سيارات الإسعاف.
الخوف على أبنائه يطارده. وإذا حدث لهم أي شيء "فسوف تقتل أي علاقة بينه وبين غزة حتى بعد الحرب" وفقا لتعبيره.
في 20 نوفمبر، تم استدعاء الريس إلى مشرحة المستشفى حيث كان يتواجد لرؤية أربعة من أبناء عمومته، بما في ذلك طفل يبلغ من العمر 18 شهرًا. قُتلوا في غارة جوية قريبة.
آية الوكيل، محاميةقامت، آية الوكيل، بحملة مهنية من أجل حقوق أفضل للمرأة. واعتادت المحامية في مدينة غزة على خوض معارك شاقة في مجتمع محافظ غالبا ما تقف محاكمه الدينية إلى جانب الرجال.
وعندما اندلعت الحرب، ظلت تركز على الحق في حياة كريمة، وجمعت الأموال لتوفير الضروريات للآلاف الذين اتبعوا الأوامر الإسرائيلية بإخلاء شمال غزة. لكنها وعائلتها صمموا على ألا يكونوا من بينهم.
لقد كانوا، مثل الكثيرين، يخشون أن تكون إسرائيل تكرر "النكبة" عام 1948، عندما تم طرد حوالي 700 ألف فلسطيني أو فروا من منازلهم في ما يعرف الآن بإسرائيل.
في ذلك الوقت، نزحت عائلة الوكيل من يافا، وهي مدينة تبعد 40 ميلاً (65 كيلومترًا) إلى الشمال ولم ترها الشابة البالغ من العمر 33 عامًا من قبل.
لقد رفضوا احتمالية خسارة وطن آخر لإسرائيل إلى الأبد، حسبما قالت لأسوشيتد برس في رسالة صوتية بتاريخ 17 أكتوبر من منزلها في مدينة غزة.
وقالت في تسجيل: "كان لدينا إجماع في العائلة قررنا من بعده أننا لن نرحل ولن نعطيهم ما يريدون. ما كتبه الله سيحدث".
ومكثت لمدة 12 يومًا مع والديها وشقيقتها وإخوتها وأعمامها في مبنى العائلة عندما سقطت الصواريخ بالقرب منهم.
ثم بدأت قصة النزوح التي لم تشهد الوكيل مثيلاً لها في 19 أكتوبر، وأوضحت في بضعة رسائل ما الذي غير رأيهم:
"لقد قصفوا منزلنا فوق رؤوسنا. لقد نجونا بأعجوبة".
وكتبت أن الحي الذي تسكن فيه كان محاطًا بما أسمته "حزام ناري"، واصفة الغارات الجوية المتعاقبة على مكان واحد.
وأضافت أن وابل القصف كان يهدف فيما يبدو إلى طرد أي شخص يجرؤ على البقاء. قامت هي وجيرانها بسحب والدها المصاب بالشلل الجزئي إلى بر الأمان.
وكتبت: "حمله أربعة أشخاص، كل واحد أمسك بذراع أو رجل، وطلب منهم والدها مرتين أن يتركوه ليموت".
وأضافت: "جلسنا حوله وقلنا له إنه إذا سقط صاروخ واحد، فسنتحرك جميعنا معًا. لقد واصلنا الصلاة ونطق الشهادة".
وتمكنوا من حمله خارجًا، لكن فرقتهم ضربة أخرى أثناء فرارهم، ثم اجتمع أفراد الأسرة لاحقًا في مستشفى الشفاء.
لمدة ستة أيام صمتت الوكيل، بحسب أسوشيتد برس، ثم كتبت للوكالة باختصار: "أنا آسفة. لا أستطيع البقاء على اتصال الآن. الوضع مرعب جدا. لا يوجد إنترنت".
وفي اليوم التالي، كتبت: "لم يسبق لي أن شعرت بالخوف من الضربات في أي حرب أخرى. بعد ما حدث لنا، أشعر برعب يفوق الكلمات".
مرة أخرى، صمتت. وكان هذا أول انقطاع للاتصالات في 27 أكتوبر.
وعندما ظهرت بعد يومين، أبلغت عن تحذير إسرائيلي آخر بمغادرة منطقة مستشفى الشفاء حيث تزعم إسرائيل أن حماس قامت ببناء مقر تحت الأرض.
"لا نعرف إلى أين نذهب. نحن نتصل بالأصدقاء لمحاولة العثور على مكان. لدينا حافلة".
وبعد ثماني ساعات، انضمت الوكيل وعائلتها إلى حوالي 14 ألف شخص لجأوا إلى مستشفى القدس، على بعد حوالي 2 كيلومتر (1.4 ميل).
أمر إخلاء آخر، "حزام ناري" آخر. تم قصف برجين سكنيين مجاورين. وملأ الدخان المستشفى وألحق أضرارا بأحد أجنحتها.
وأضافت: "المستشفى يهتز الصوت عالٍ ومرعب حقًا". وفي صورة أرسلتها، كان الناس ينامون على الأرض.
وفي صباح اليوم التالي، انتقلت الأسرة مرة أخرى إلى مستشفى آخر، للمرة الثالثة خلال ثلاثة أيام. "أبي بخير. لقد سئم من الحركة فحسب".
كانت الوكيل تشرب رشفتين من الماء يوميا لتجنب الحمامات المزدحمة والقذرة.
منذ أن غادرت المنزل في 19 أكتوبر، استحمت مرة واحدة ولكن لم تغير ملابسها. اشترت ملابس داخلية جديدة.
كانت الوكيل شاكرة لأنها جاءتها الدورة الشهرية في وقت كانت لا تزال تتمتع فيه ببعض الخصوصية.
ووردت تقارير عن نساء فلسطينيات يبحثن عن حبوب منع الحمل لتأخير الدورة الشهرية.
وكتبت في رسالة نصية في 30 أكتوبر: "أختي تصلي حتى لا تحصل عليها إلا بعد الحرب".
خمسة أيام من الصمت، مضت.
وفي 4 نوفمبر، كتبت أن "حزاما ناريا" أحاط بالمستشفى الثالث الذي لجأوا إليه. وعادوا إلى مستشفى الشفاء، المستشفى الأول.
وفي 7 نوفمبر، قالت إن مستشفى الشفاء غير آمن، لكن أياً منهم لن يتجه جنوباً".
واقتحمت القوات الإسرائيلية المستشفى في 13 نوفمبر، ولم يسمع عنها شيء منذ ذلك الحين.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: القوات الإسرائیلیة على قید الحیاة الأمم المتحدة مستشفى الشفاء فی مدینة غزة أسوشیتد برس فی خان یونس علاء الدین البقاء على بالقرب من من العمر أکثر من من أجل فی ذلک بما فی فی غزة
إقرأ أيضاً:
عقدة تشكيل حكومة الإقليم تتفاقم بسبب التمسك بـالوجوه القديمة
بغداد اليوم- السليمانية
كشف الباحث في الشأن السياسي حكيم عبد الكريم، اليوم الجمعة (22 تشرين الثاني 2024)، عن السبب الرئيسي لتأخر تشكيل حكومة إقليم كردستان.
وقال عبد الكريم في حديث لـ"بغداد اليوم" إن "السبب المباشر وراء عقدة الإقليم يعود لتمسك الحزبين الحاكمين بمطالبهم وشروطهم التعجيزية".
وأضاف أن "كل حزب متمسك بمرشحيه للمناصب السيادية، خاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يصر على عودة ذات الأسماء لشغل مناصب رئاستي الإقليم والحكومة، في حين يرفض الاتحاد الوطني هذه الأسماء".
وأشار عبد الكريم إلى أنه "بدون تنازلات حقيقية من الحزبين، لن تتشكل الحكومة وستطول المدة، لأكثر من خمسة إلى ستة أشهر، بسبب الرفض للأسماء المرشحة".
ووفقا للنتائج التي أعلنتها مفوضية الانتخابات فقد توزعت المقاعد بواقع 39 مقعدا للحزب الديمقراطي الكردستاني، و23 آخر لحليفه التقليدي الاتحاد الوطني الكردستاني وصعود حراك الجيل الجديد إلى المرتبة الثالثة بـ15 مقعدا، وخسارة حركة التغيير.