الجزيرة:
2025-04-24@15:46:15 GMT

الفونوغراف.. أول جهاز لتسجيل الصوت وإعادة بثه

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

الفونوغراف.. أول جهاز لتسجيل الصوت وإعادة بثه

نظام تشغيل صوتي اخترعه الأميركي توماس أديسون عام 1877، وقد شكل ثورة في تكنولوجيا الصوت، إذ كان أول جهاز لتسجيل الصوت وإعادة بثه، وأحدث نقطة تحول صارخة في صناعة الموسيقى، واستخدم في مجالات عديدة كالتعليم والترفيه والأغراض المكتبية وحفظ الذكريات العائلية.

فكرة الاختراع

كانت المحاولات الأولى لتسجيل الصوت من قبل إدوارد ليون سكوت، الذي اخترع آلة أطلق عليها اسم "الفونوتوغراف"، وحصل على براءة الاختراع عام 1857، وكان عمل الجهاز يقتصر على تسجيل الموجات الصوتية على لوح زجاجي بغرض دراسة خصائص الصوت دون إعادة بثه.

عام 1877 صمم أديسون جهازا لتسجيل الصوت واستعادته، واعتمدت فكرة تصميمه على آلية مشابهة لتلك التي يعمل وفقها التلغراف، إذ كان يعمل على جهاز يسجل نصوص الرسائل على شكل نقرات على شريط ورقي، ثم ترسل عبر جهاز التلغراف، الذي يحوّلها مرة أخرى إلى نصوص.

أوحى هذا الجهاز لأديسون بفكرة تسجيل رسالة صوتية وإعادة بثها بطريقة مماثلة، فصمم مخططا للجهاز وقدمه للميكانيكي جون كروسي، الذي حوّله إلى نموذج قابل للعمل، وبالفعل نجحت التجربة، واستطاع النموذج التجريبي تسجيل الصوت ثم الاستماع له من جديد، وكان هذا أول ظهور لجهاز "الفونوغراف"، أو ما يعرف بالعربية بـ"الحاكي"، وحصل أديسون على براءة الاختراع عام 1878.

وتعني كلمة فونوغراف "جهاز كتابة الصوت"، وتعود في أصولها إلى اللغة اليونانية، وهي مكونة من لفظين: "فونو" (phono) وتعني الصوت، و"غراف" (graph) وتعني الكتابة.

مكونات الفونوغراف وطريقة عمله

تتكون آلة الفونوغراف التقليدية من أسطوانة معدنية ذات حزوز حلزونية، وتُغطي الأسطوانة التي تدور حول محور لولبي برقاقة من القصدير أو مادة لينة مثل الشمع، وفوق الأسطوانة توضع إبرة أو قلم متصل بغشاء لقرص هزاز.

ويحتوي الجهاز على وحدتين، واحدة لتسجيل الصوت والأخرى لإعادة بثه، وكلتاهما تمتلك غشاء وإبرة، إضافة إلى ذراع التحريك، وتضم وحدة التسجيل بوقا أو ميكروفونا لإدخال الصوت المراد تسجيله.

ويعمل الجهاز بآلية تعتمد على مرحلتين:

الأولى "تسجيل الصوت": وفيها يتحول الصوت إلى طاقة ميكانيكية، حيث تسبب الموجات الصوتية التي تعبر جهاز الإدخال اهتزازات في الغشاء، الذي ينقل هذه الاهتزازات إلى القلم أو الإبرة، ويتحرك القلم وفق الاهتزازات مسجلا الصوت على شكل حزوز أو نقرات محفورة على القرص المغطى بطبقة رقيقة من مادة لينة. الثانية "إعادة بث الصوت المسجل": وتتم العملية بطريقة معاكسة تماما لطريقة التسجيل، بحيث تبدأ بتمرير القلم فوق الحزوز والنقرات التي تم نقشها أثناء التسجيل، وينتج عن ذلك اهتزاز القلم، ومن ثم تنتقل الاهتزازات إلى الغشاء، وتتحول الطاقة الميكانيكية الناتجة عن الاهتزازات إلى موجات صوتية يتم بثها، مما يسمح بسماع الصوت من جديد. تطوير الفونوغراف

أسس أديسون شركته الخاصة لتصنيع الفونوغراف عام 1878، واستعان بفريق من الخبراء والمهنيين المحترفين، وكان تشارلز باتشيلور يتولى المهام المتعلقة بمجال الكهرباء، في حين تابع كروسي العمل على التصميم الميكانيكي وبنية الآلة.

ونظرا لتدني المستوى التكنولوجي في تلك الآونة، فقد كانت التسجيلات الأولى تفتقر للوضوح، وكان الأمر يتطلب خبراء لتشغيلها، علاوة على ذلك لم تكن رقائق القصدير تستطيع الصمود إلا لعدد محدود من مرات الاستخدام، وكانت سعة التخزين صغيرة ولا تتعدى دقيقتين، بحيث يحتاج الفنانون مثلا إلى عدد كبير من الأسطوانات لاستيعاب عروضهم، الأمر الذي جعل استخدام الفونوغراف مكلفا.

حصل ألكسندر غراهام بيل عام 1986 على براءة اختراع لجهاز "الغرامافون"، وهو عبارة عن نسخة مطورة للفونوغراف، إذ استخدم الشمع بدلا عن رقائق القصدير، لأن الشمع يمتاز بالمتانة ويدوم وقتا أطول، واستخدم قلما بدلا من الإبرة.

كما عمل أديسون وفريقه على تطوير الجهاز من حيث التصميم والمواد المستخدمة، واستفادوا من التحسينات التي أدخلها غراهام بيل، واستغرق العمل منهم سنوات لإنتاج أول نموذج تجاري قابل للبيع على نطاق واسع، وكان ذلك في العام 1888.

وفي عام 1890 سوّق أديسون الدمى الناطقة التي تحتوي على آلة فونوغراف صغيرة بداخلها، ولكن الأجهزة الصغيرة كانت سريعة العطب، مما أدى إلى التوقف عن تجارة الدمى، التي اعتُبرت كارثة تجارية.

وفي الوقت نفسه، زاد الإقبال على شراء الفونوغراف، وأصبح متاحا على نطاق واسع، وأصبح اقتناؤه في متناول الجميع تقريبا، وانخفض سعره من نحو 150 دولارا إلى نحو 20 دولارا للنموذج المحسّن.

واستمرت عملية التطوير لتحسين أداء الجهاز وتحسين وظائفه، فتم إدخال الأسطوانات المسطحة بدلا من الأسطوانات الدوارة، بحيث أمكن زيادة سعة التخزين ومضاعفة الإنتاج مع كفاءة أعلى في جودة الصوت. وفي عشرينيات القرن العشرين، تم اعتماد مكبر صوت يعمل بالطاقة الكهربائية، وأصبح الصوت معه أعلى وأكثر دقة ووضوحا.

توماس أديسون مع الفونوغراف الخاص به الذي شكل ثورة في تكنولوجيا الصوت (غيتي)

كما أدخل المهندس بيتر غولدمارك إلى التصميم أسطوانات الفينيل، التي تتمتع بمتانة عالية قادرة على تحمل فترات أطول من الاستخدام، إلى جانب إنتاج صوت ذي جودة عالية.

وفي عام 1948 ظهر نظام التسجيل الطويل، الذي أنتجته شركة كولومبيا للتسجيلات، والذي يمكن تشغيله نحو 30 دقيقة لكل جانب. وفي عام 1958 برزت أنظمة الصوت المجسم أو "الستيريو"، وأصبحت الفونوغرافات المجسمة أحد مكونات نظام الصوت العالي الدقة.

وفي ثمانينيات القرن العشرين، قل استخدام الفونوغرافات والأسطوانات، وأصبح الاعتماد على أشرطة الكاسيت والأقراص المدمجة هو الشائع.

الفونوغراف الحديث

مع ظهور التكنولوجيا الرقمية، تحوّل الفونوغراف إلى مشغلات تسجيل وأقراص دوارة حديثة، توفر تحكما دقيقا في سرعة التشغيل، وتسمح بدمج أنظمة الصوت المتقدمة.

وتطورت آلية التسجيل، فبدأ استخدام التسجيل الرقمي، بحيث تسجل المعلومات الصوتية على شكل شفرات رقمية محفورة على القرص، وعند استعادة الصوت يتم حلّ الشفرة وتكبيرها عبر مكبرات صوتية. وباتت هذه التقنية تُعرف بالأقراص المدمجة (سي دي).

وتحتوي جميع أنظمة الفونوغراف الحديثة على أجزاء رئيسية، هي: قرص دوار يقوم بتدوير السجل، وقلم يتتبع النقش المسجل، وجهاز استقبال يحوّل الحركات الميكانيكية للقلم إلى نبضات كهربائية، ومضخم للصوت يعمل على تكثيف النبضات الكهربائية، ومكبر يعمل على تحويل الإشارات المضخمة إلى صوت مرة أخرى.

مجالات استخدامه

في بداياته، استخدام الفونوغراف للأغراض المكتبية ومجال الأعمال، حيث استخدم آلة مكتبية للإملاء غير المباشر للرسائل والأوامر وغيرها من المعلومات من دون حاجة لوجود الكاتب في الوقت نفسه، بحيث يتم تسجيل المعلومات، ثم يتم تدوينها وطباعتها في وقت لاحق.

ثم تم التوسع في استخدامه وشمل الألعاب والأغراض المنزلية والترفيهية، وتم إنتاج الدمى الناطقة وصناديق الموسيقى، واستخدمت أسطوانات الفونوغراف لتسجيل القصائد والأغاني والتراتيل الدينية والمونولوغات الهزلية والأعمال المسرحية والتمثيلية المسموعة.

وأحدث الفونوغراف ثورة في عالم الموسيقى، إذ توسعت صناعة الموسيقى بفضله وتحولت إلى عمل تجاري ضخم، وبدأ الجهاز يؤثر على الموسيقى بشكل فعال، فقد أصبحت الأغاني التي كانت تمتد لنحو ساعة، تقتصر على بضع دقائق لتتناسب مع سعة أسطوانات الفونوغراف.

وأثر الفونوغراف على اختيار نوع الأدوات الموسيقية المستخدمة، بحيث صارت بعض القطع الموسيقية والأغاني تقتصر على الآلات الموسيقية التي يمكن تسجيل إيقاعها بوضوح، وتم التخلي عن الآلات ذات الإيقاع الهادئ، التي لا تستطيع تحريك إبرة الفونوغراف.

وكان للفونوغراف دور مهم في تطوير موسيقى الجاز، حيث تمكن موسيقيو الجاز من تعلم المقطوعات المعقدة من خلال تشغيل الأسطوانات مرارا وتكرارا، ودراسة الأغنية للتوصل إلى النوتات الموسيقية، وفتحت تقنية الفونوغراف المجال واسعا أمام النقاد الموسيقيين للتحليل والنقد من خلال استعادة المقطوعات والاستماع لها مرارا.

وسمح الفونوغراف بانتشار الموسيقى ودخولها إلى كل بيت، واستطاع الناس الاستمتاع بالموسيقى المفضلة لديهم دون التقيد بزمان أو مكان أو مدة تشغيل، وأصبح الاستمتاع بالموسيقى التي كانت تمثل نشاطا جماعيا يقام في القاعات والمسارح والأماكن العامة، مجالا مفتوحا للعزلة والنشاطات الفردية.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

معارك ما بعد الحرب هزيمة الفراغ وإعادة الإعمار

معارك ما بعد الحرب هزيمة الفراغ وإعادة الإعمار
لم تنتهِ الحرب بعد، لكن المعارك تغيّرت. لم تعد كلها تُخاض بالسلاح والنار، بل صار بعضها داخليًا صامتًا، يدور في صدور الرجال والنساء الذين فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم، وفقدوا معها الإحساس بالجدوى. واحدة من أخطر هذه المعارك الآن هي معركة الفراغ. الفراغ ليس مجرد وقت فائض، بل حالة خانقة تتضخم فيها الأحاسيس، ويكبر فيها الإحباط، وتتآكل فيها النفس ببطء. قال محمد شكري:
“على المرء أن يبقى مشغولاً للحد الذي يلهيه عن تعاسته”
وقال غازي القصيبي: “العمل لا يقتل مهما كان شاقًا، ولكن الفراغ يقتل أنبل ما في الإنسان”.
ما بين هاتين العبارتين مساحة واسعة من المعاناة السودانية اليوم.

من فقدوا أعمالهم لم يفقدوا المال فقط، بل فقدوا أيضًا الشعور بأنهم مفيدون، منتجون، قادرون على العطاء. باتوا فريسة لأفكار قاتمة، وهاجمتهم الوحدة بأسوأ صورها. وكما كتب ستيفان زفايغ في روايته لاعب الشطرنج :
“لم نتعرض لأي تعذيب جسدي، بل أسلمونا ببساطة إلى فراغٍ مطلق، ومن البديهي أن لا شيء في العالم يعذّب النفس البشرية أكثر من الفراغ.”
في واقعنا، هذا هو حال كثير من السودانيين اليوم. الفراغ يضغط على الروح، يُضاعف الحزن، ويُفقد المرء اتزانه. أما الذين ما زالوا مشغولين — حتى في أبسط المهام — تجدهم أكثر تماسكًا، لأنهم ببساطة لا يملكون وقتًا للانهيار.

وإذا كنا، لسبب أو لآخر، لم نلعب دورًا حين كانت المعارك تدور بالرصاص أمامنا، فها هي الفرصة اليوم لنلعب دورًا في معارك إعادة الإعمار، بنشر الأمل، ومقاومة الإحباط، والانضمام إلى فرق ترميم الأحياء، ولو بالرأي والمشورة. فإعادة البناء لا تحتاج فقط إلى الأيادي، بل إلى العقول والقلوب أيضًا. نحتاج اليوم أن نعيد تعريف النجاة: النجاة ليست فقط في البقاء على قيد الحياة، بل في أن نحافظ على إنسانيتنا، على قيمنا، على إحساسنا بأن لنا دورًا نؤديه. وهذا الدور قد يكون في التعليم، في التطوع، في دعم الجيران، أو حتى في خلق مساحة صغيرة من الفرح وسط الركام.

كل لحظة نقاوم فيها الفراغ، نكسب فيها جولة جديدة في معركة ما بعد الحرب. معركة إعادة الإعمار لا تبدأ من الطوب والحجر، بل من داخل النفوس. من قرار الإنسان أن ينهض، ويُشارك، ويُقاوم الفراغ قبل أن يقضي عليه. ولن يكون هناك نصر حقيقي ما لم نربح هذه المعركة أيضًا. الحرب سرقت من الناس أشياء كثيرة، لكن لا نسمح لها أن تسرق أرواحنا ونحن أحياء.

بقلم: عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان

٢٠ أبريل ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • جلسات تفاعلية وسمعية مستلهمة من العمل الفني «رنين الرياح»
  • تسجيل صوت الزلزال الذي هزّ إسطنبول بقوة 6.2 درجات
  • جهاز تنمية المشروعات يوقع مذكرة تفاهم لنشر ريادة الأعمال
  • العرض العالمي الأول لفيلم ولا عزاء للسيدات بالمسابقة الرسمية لمهرجان أسوان الدولي
  • الحكومة توافق على إعادة تشكيل مجلس إدارة جهاز مشروعات تحسين الأراضي
  • ببطارية تدوم 48 ساعة.. ريلمي تطلق سماعات تشبه AirPods برخص التراب
  • «جهاز دعم الاستقرار» يطلق برنامجاً تدريبياً لتعزيز المهارات بالتحقيق الجنائي والإداري
  • رئيس "جهاز الرقابة" يتعرف على الخطة الاستراتيجية للمجلس الأعلى للقضاء
  • معارك ما بعد الحرب هزيمة الفراغ وإعادة الإعمار
  • صوت الشارع العالمي.. حين تتحول المظاهرات إلى مقاومة دبلوماسية