بعد معركة "طوفان الأقصى" بتفاعلاتها المتصاعدة، كانت الأبعاد الإيمانية حاضرة بقوة في سياق تحليل أسباب نجاح المقاومة في مواجهة العدوان لـ 48 يوما.

ووفقا لأصحاب تلك الرؤى فإن حضور البعد الإيماني العقائدي تجلى كذلك في قدرة مقاتلي فصائل المقاومة على تسطير ملاحم بطولية في في مواجهة قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتوغل في مناطق مختلفة من قطاع غزة، ببسالة نادرة، وروح قتالية عالية.



وتُظهر المشاهد المصورة التي يبثها الإعلام الحربي لفصائل المقاومة مدى تجلي الأبعاد الإيمانية في إقدام مقاتلي المقاومة على مواجهة قوات الاحتلال، والالتحام معها من نقطة الصفر.

ومع حضور الدوافع العقائدية بقوة في النموذج الذي صنعته المقاومة في غزة، إلا أن العوامل المادية كانت هي الأخرى حاضرة في المشهد، تسير جنبا إلى جنب مع الدوافع الإيمانية، وقد تجلت بعض مظاهر ذلك الإعداد في تطوير المقاومة لقدراتها العسكرية بشكل كبير، حتى باتت موجعة وقاتلة، إضافة إلى منجزها المُبهر في بناء شبكة الأنفاق الذي حيَّر المراقبين والخبراء.

وفي هذا الإطار رأى الأكاديمي المغربي، الباحث في الفكر الإسلامي، الدكتور حفيظ هاروس أن معالجة "هذه المسألة ينبغي النظر إليه من جانبين: جانب التأصيل الشرعي، وجانب التنزيل الواقعي، إذ نبهت النصوص الشرعية الأصلية، والسنة النبوية العملية أنه لا يمكن التعويل على أحد العاملين دون الآخر".


                                                 حفيظ هاروس.. كاتب مغربي.

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "فقد ورد في القرآن الكريم النص الصريح على ضرورة الإعداد المادي المستطاع { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل.. الآية، والمراد بالإعداد هنا "كل ما يدخل تحت قدرة الناس من العُدة" كما يقول ابن عاشور، وهذا يشمل الإعداد العلمي والاقتصادي والتكنولوجي والحربي وغيرها، فلكل عصر أدواته في الصراع لتحقيق الغلبة والتوازن".

وأضاف: "لكن القرآن لم يكتفِ بذلك، بل نبّه على أهمية استحضار العامل الإيماني في صراع قوى الخير ضد قوى الشر والطغيان {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡأَشۡهَـٰدُ} [غافر: 51]، فبسبب قوة الإيمان وإرادة نصرة الحق يميل الميزان لصالح قوى الخير، وينصر الله المؤمنين، كما ذكر سبحانه {كَم مِّن فِئَة قَلِیلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَة كَثِیرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ} [البقرة: 249]".

وتابع: "وهذه المزاوجة بين الأسباب المادية وقوة الإيمان قد تجلت في السنة النبوية العملية، فالرسول صلى الله عليه وسلم على الرغم من تسديد الوحي له، والوعد الإلهي بالنصر لم يدخر وسيلة مادية ممكنة إلا وتسلح بها في هجرته وحروبه وتدبيره لشؤون دولته، ومواجهته لأعداء دعوته، والأمثلة والشواهد في هذا المجال أكثر من أن تحصر".

أما من حيث التنزيل الواقعي، فالأمر، حسب هاروس "يخضع لعدة قواعد اجتهادية تطبيقية مثل: الموازنة بين المصالح والمفاسد، وتقدير الوقت والمكان المناسبين للمعركة، وتحديد المسائل المناسبة لتحقيق النصر وغيرها، وهذا يحكمه مبدآن موجهان: ضرورة المحافظة على المبادئ الكلية الناظمة.. وأن أهل الميدان أقدر من غيرهم على مباشرة التنزيل، لأن غيرهم من المنشغلين بأمور أخرى لا تتوافر لهم المعطيات الميدانية والواقعية التي تخولهم فعل ذلك، لذا فقاعدة (لا يفتي قاعد لمجاهد) صحيحة متى كانت مقيدة بالمبدأ الأول".

من جهته رأى رئيس قسم القرآن والسنة بجامعة قطر، الدكتور عبد الجبار سعيد أن "التفسير الصحيح في هذه القضية يتمثل بالجمع بين الأمرين، العوامل المادية والعوامل الإيمانية، وهذا هو الفهم الموافق ـ فيما أراه ـ لمنهج القرآن الكريم والسنة النبوية في معالجة هذه المسائل، فالارتكاز إلى العوامل المادية وحدها لا يكفي، والاستغناء عنها أيضا، واللجوء إلى التفسيرات الإيمانية، والتي لن تكون كلها كذلك، إذ سيكون بعضها أوهاما، لا يصح كذلك".


                                عبد الجبار سعيد، رئيس قسم القرآن والسنة بجامعة قطر.

وتابع مستشهدا بالآية الكريمة {وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} والتي تثبت فعلا للرامي، أخذا بالسبب المادي، لكن الرماية ليست هي ـ وحدها ـ التي حققت النتيجة، بل عناية الله وتوفيقه وتسديده ورعايته، ونصره لعباده المؤمنين، فهذا كله من الأسباب الإيمانية، فلا بد من الإعداد المادي الممكن والمقدور عليه، مع حسن التوكل على الله، واستمداد النصر منه، فكلا الأمرين مطلوب".

وردا على سؤال "عربي21" بشأن الاستناد إلى الوعود الإلهية، والمبشرات لرفع المعنويات، وبثّ الأمل في النفوس، أكدّ سعيد أن "هذا منهج نبوي، وهو ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة الخندق، وهو محاصر فكان يضرب الصخرة ليحفر الخندق، وفي الوقت نفسه يبشر أصحابه بفتح فارس والروم، فهذا منهج صحيح، لكن بدون مبالغات، ومن غير تعليق الناس بالأوهام والخيالات والأماني".

ومما يذكر في هذا السياق أن الجهاد عند الفقهاء يقسم إلى جهاد طلب وجهاد دفع، والأخير هو الذي يعادل في المصطلحات المعاصرة مقاومة الاحتلال، فحيثما وُجد العدو الصائل المحتل المغتصب للبلاد، وجب على أهل تلك البلاد النهوض لمقاومته وجهاده بكل ما يتيسر لهم من أسباب القوة والمقاومة.

ووفقا للباحث في العلوم الشرعية، أمين حديد فإن "الناظر في كتب الفقه يجد أن الفقهاء قد تناولوا شروط الجهاد من حيث هي شروط وجوب لا شروط صحة، فتجد ـ مثلا ـ أن شرط كون العدو ضعفا أو أقل متعلق بوجوب الثبات، مع بقاء استحباب الثبات في القتال مهما كان العدو متفوقا، لذا كانت أكثر معارك الفتوحات الأولى تحوم حول العشرة أضعاف من العدو وفوقها أحيانا عددا أو عدة".

وأضاف: "فلم يكن التكافؤ يوما شرطا في صحة الجهاد، وعليه فإن الإقدام والمغامرة بالأنفس في دفع الصائل بكل وسيلة ممكنة هو بين الواجب والحق الذي يرفع الحرج والمسؤولية عن ممارسه، ومثله كذلك إعداد العدة الذي جاء مقيدا بقوله تعالى {ما استطعتم} أي ما أطقتم مما يدخل تحت قدرتكم أن تعدوه من آلة الحرب وعتادها، والذي لا بد أن تكون ثمرته {ترهبون به..}".

وتابع: "وهذا ما نراه ماثلا اليوم في غزة المجاهدة والضفة الصابرة، فالصاروخ الذي بدأ عبثيا صار اليوم يخلي المدن، ويعطل الحياة، ويملأ الملاجئ، والذئاب المنفردة غدت كابوسا ينغص حياة المحتلين، حتى أصبح توازن الرعب حقيقة لا خيالا، وهو عين ما يقصده الشارع بإرهاب العدو".


                                          أمين حديد، باحث في العلوم الشرعية.

وقال حديد في حواره مع "عربي21": "إن الحرب الشعبية وحرب العصابات مفاهيم جديدة توافق ما نص عليه الفقهاء قديما ـ كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ـ من أن دفع العدو الصائل الذي لا شيء بعد الإيمان أوجب من دفعه لا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان".

وفي مناقشته للاعتراضات التي تثار حول معركة "طوفان الأقصى" من كون المخططين لها لم يراعوا اختلال موازين القوى لصالح الاحتلال، وهو ما يعدونه قصورا في الإعداد المادي، ما نتج عنه عواقب وخيمة، جرت على أهل غزة المصائب والويلات والقتل والدمار، أوضح حديد أن "المصالح والمفاسد بطبيعتها نسبية متغيرة تختلف آثارها باختلاف الأحوال والزمان والمكان، مشوبة إحداها بالأخرى، فالمصالح المحضة قليلة، وكذلك المفاسد المحضة، والأكثر منها اشتمل على المصالح والمفاسد، كما قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله".

وختم حديثه بالقول "وعليه فلا يُنظر في الحرب لجانب القتل والدمار والأشلاء ـ الذي هو من لوازم أي حرب، ومن توابع المقاومة.. ولهذا فإن النظر المصلحي يكون قاصرا متى اقتصر على رؤية جانب الدماء والأهوال، وأغفل مآلات الخنوع والتواكل والاستسلام، وهو ما يديم الاحتلال ويرسخ وجوده".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير المقاومة العدوان غزة فلسطين مقاومة غزة عدوان آراء تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

جيش العدو يستبيح سوريا.. والخطاب المتصالح لا يردعه!

 

 

لا شك أن موقف “الحكم الجديد” في سوريا من العدوان الصهيوني الشامل على أصول الجيش السوري، والتوغل والاحتلال للمنطقة العازلة والسيطرة على مناطق جديدة في العمق السوري، والذي تمثل في توجيه خطاب متصالح مع هذا العدوان والإعلان عن عدم وجود نية للاشتباك مع “إسرائيل”، هو تحديث استراتيجي دراماتيكي على الموقف السوري التاريخي من الصراع، لا يقل دراماتيكية عن التحديث الذي قام به قائد الحكم الجديد على اسم تنظيمه ولقبه الشخصي.
والجولاني (مؤسس جبهة النصرة المصنفة دوليًا منظمة إرهابية) بعد تحديث اسمه بالتخلي عن الكنية التي أدخلته تحت تصنيف الإرهاب، واستبدالها باسمه “أحمد الشرع”، وبعد تحديث تنظيمه بالتخلي عن “جبهة النصرة” لـ”هيئة تحرير الشام”، أثبت أن الشرعية الدولية لحاكم سوريا على صلة وثيقة بالموقف من الصهاينة، وأن الشرعية باتت مفهوماً انتقائياً تماماً كتوصيف الإرهاب الذي أصبح كالقفاز يسهل خلعه أو ارتداؤه وفقاً لاسم التنظيم أو القائد شكلاً، ووفقاً للموقف من الصراع مضموناً.
لقد أكد التوغل الصهيوني في المنطقة العازلة وانتهاك وإنهاء اتفاق فض الاشتباك مع سوريا الموقع منذ العام 1974م، والتوغل لمسافات مضافة باتجاه ريف دمشق وكذلك السيطرة على كامل جبل الشيخ والاقتراب من لبنان والإشراف الكامل على البقاع وقطع طرق الإمدادات للمقاومة، مع الصمت الأمريكي والدولي، صحة ما قاله الإمام السيد الخامنئي من أن الأحداث كانت برعاية غرف أمريكية وصهيونية.
كما أثبت الانتهاك التركي المستمر للشمال السوري والذي يستعد لعملية كبرى مرتقبة كشفتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن الدولة الجارة التركية كانت على صلة وثيقة بغرفة العمليات الصهيو أمريكية، فقد أفادت الصحيفة أن القوات التركية والموالية لها، والتي تشمل قوات كوماندوز تركية ومدفعية بأعداد كبيرة ومقاتلين من فصائل مسلحة، وتتركز قرب عين العرب (كوباني)، تستعد لعملية كبرى وشيكة نقلاً عن أحد المسؤولين الأمريكيين.
وبالتالي نحن أمام تحول استراتيجي خطير يثبت أن الأمر قد يتخطى تقاطع المصالح الصهيونية مع ما حدث أو مجرد توظيف واستغلال لسقوط النظام، بل إن هناك ما هو أكبر وما قد يصل لرعاية كاملة لإيصال هذا النظام تمهيداً للتوغل والاحتلال، ومن ثم استخدام ورقة المنطقة العازلة التي جرى احتلالها لابتزازه بغرض تقديم كامل الضمانات لأمن الكيان.
وهنا تجدر ملاحظة عدة نقاط:
1 – إسباغ أمريكا الشرعية على منظمة سبق أن وصفتها هي وقائدها بالإرهابية يعني أن الغنيمة كبيرة، وتتمثل في نقل سوريا إلى ضفة أخرى مختلفة جذرياً عن تموضعها الاستراتيجي في محور المقاومة وهو ما تؤيده الشواهد من استثمار صهيوني سريع ورد فعل باهت ومتصالح من جانب نظام الحكم الجديد.
2 – هناك تناغم واضح بين التصريحات الصهيونية ومراميها وبين تصريحات الجولاني، وكلاهما يصب في كسب مزيد من الوقت لتكريس أوضاع جديدة تتسق مع مشروع الشرق الأوسط الجديد بجوانبه الحدودية التي ترمي إلى زيادة مساحة “إسرائيل” والتي أشار إليها الرئيس ترامب الذي يرغب في زيادة مساحتها متجاوزاً القرارات الدولية، وكذلك تنظيف الطوق الصهيوني من المقاومات وجعل حدودها آمنة. وهذا الرهان على الوقت أبرزته تصريحات نتنياهو في زيارته لجبل الشيخ عندما قال: “إن القوات الإسرائيلية ستبقى متمركزة داخل سورية في المستقبل المنظور، وأن “إسرائيل” ستظل في المنطقة حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل وفي المستقبل، ستحدد إسرائيل أفضل ترتيب يضمن أمننا”.
وهو ما يتناغم مع حديث الجولاني، إلى “تايمز” ووسائل إعلام دولية أخرى في دمشق، عندما قال إن أولويته هي استقرار البلاد وإعادة بنائها قبل أي انتخابات، والتي وصفها بأنها “بعيدة المنال الآن”، وهذا الاستبعاد للانتخابات وانتقال السلطة يشي بأمرين، أولهما إنه قابض على السلطة لفترة طويلة وهو المشرف على الترتيبات مع الصهاينة في الفترة القادمة، والثاني، هو أن استبعاد الانتخابات يعني استبعاد ما هو أكبر وأهم وهو استعادة الجيش وصياغة الاستراتيجية الدفاعية ومواجهة الاحتلال “الإسرائيلي” والتوغلات تحت بند عدم وجود فرصة لهذه المواجهة لحين الاستقرار في أجل غير مسمى!.
وقد أرفق الجولاني تصريحاته هذه بتصريحات موجهة للصهاينة تؤكد خلو سوريا الجديدة من المقاومة وأنها ستشكل طوقاً آمناً للكيان عندما أكد عدم نية النظام الجديد في سوريا مهاجمة “إسرائيل”، والتي قال عنها إنها: “فقدت ذرائع التدخل العسكري في سوريا”، داعيًا إياها إلى “إيقاف غاراتها الجوية على سوريا، وسحب قواتها من الأراضي التي سيطرت عليها وأنه لن يسمح باستخدام البلاد نقطة انطلاق لهجمات ضد “إسرائيل”، أو أي دولة أخرى”.
3 – أكدت الأحداث أن كلفة المقاومة أقل كثيراً من كلفة الاستسلام، حيث تردد العدو “الإسرائيلي” طويلاً في استهداف الأصول العسكرية السورية بسبب معادلات الردع والاحتفاظ بخيار المقاومة، بينما استباح جميع الأصول العسكرية بمجرد التقاط الإشارة بعدم نية المواجهة، وهو ما يثبت صحة خيار المقاومة وأن الحياد أو خيار السلام لن يمنع العدو من العدوان، لأن السلام بمفهوم العدو هو الضعف وعدم امتلاك أي قوة أو معادلة ردع والهدف الحقيقي هو تفريغ المنطقة من أي قوة تهدد الكيان مهما كانت وديعة ومسالمة.
من هنا كان خيار المقاومة هو مساندة أي نظام مقاوم في سوريا، لأن المقاومة تعلم أن مجرد رفع راية المقاومة والاحتفاظ بخيارها هو رادع للكيان ومقيد لشراسته، بينما التلويح بالسلام كفيل بالقضاء على الدولة السورية وعلى خطوط إمداد المقاومة وافتراس كل من يحاول حتى الدفاع عن سيادته ومنع الاستباحة الصهيونية.
وهو ما أكدته الطريقة التي تلقف بها الكيان تصريحات الحكم الجديد في سوريا، حيث تلقت “إسرائيل” هذه التطمينات بخبث شديد، فبدأت مساراً مزدوجاً للتمكن من شرعنة احتلالها وتوغلاتها وتدميرها للقوة العسكرية السورية (إلقاء نحو 1800 قنبلة على أكثر من 500 هدف وتدمير بين 70 و80 % من القدرات العسكرية للجيش السوري)، وهذا المسار تمثل في استخدام الحكم الجديد كفزاعة لتبرير الاستباحة (وصفت نائب وزير الخارجية “الإسرائيلي” شارين هسكل «أبا محمد الجولاني» بأنه «ذئب في ثوب حمل»)، وكذلك إبداء الحياد وطمأنة الداخل الصهيوني من خلال مقابلات أجريت، على مدى الأيام السابقة، مع معارضين سوريين، أعربوا صراحة عن أنهم لا يريدون حربًا مع “إسرائيل”؛ لا بل يتمنون أن يروا مراسلًا لقناة “إسرائيلية” يبث رسالته من قلب دمشق.
كما جاء على لسان نتنياهو نفسه كلام لافت عندما قال إنه وجه الجيش بـ«السيطرة على المنطقة العازلة وعلى مواقع السيطرة القريبة منه، وفي موازاة ذلك، نعمل من أجل جيرة حسنة، كتلك الجيرة الحسنة التي نفذناها وننفذها هنا عندما أقمنا مستشفى ميدانياً للعناية بآلاف السوريين الذين أصيبوا في الحرب الأهلية، وقد وُلد مئات الأطفال السوريين هنا في إسرائيل».
وهو خيط التقطته وسائل الإعلام العبرية بلقاءات مع الخبراء الصهاينة المتابعين للملف السوري منذ بداية الأحداث في 2011م، حيث تناول المتحدثون التاريخ الطويل للعلاقات “الإسرائيلية” مع طرفي الصراع في سوريا، النظام من جهة والمعارضة من جهة ثانية، وكيف طلبت عناصر في المعارضة الدعم وحتى السلاح من “إسرائيل” في سنة 2011 – 2013م، مقابل الوعد باتفاق سلام يتم بموجبه تأجير الجولان المحتل لـ”إسرائيل” 15 سنة. وتبين لاحقاً أن بين من عالجتهم “إسرائيل” جرحى “جبهة النصرة”، الأمر الذي أثار الدروز في “إسرائيل” الذين كانوا يناصرون الدروز في السويداء، بعدما هاجمتهم “جبهة النصرة”، كما أفادوا بأن «هيئة تحرير الشام» وعدت بإقامة «علاقات سلام عميقة مع إسرائيل»، بينما تعهدت تركيا بألا توجه أسلحة المعارضة لـ”إسرائيل”، بينما سعت أمريكا لإقناع “إسرائيل” بأن قائد «تحرير الشام» أبا محمد الجولاني رجل منفتح، وقد تغيرت مواقفه وبات يؤيد “الإسلام المعتدل”.
هذه التطورات تؤكد صوابية بوصلة المقاومة في لبنان عندما تربط مواقفها وعلاقاتها بالدول بالموقف من الكيان “الإسرائيلي” وعندما تحتفظ بخيار المقاومة مهما كانت التضحيات حيث ثبت بالوقائع أن ترك السلاح هو إيذان بالاستباحة الكاملة وتدمير جميع المقدرات، وتبقى الأوضاع أمام أسئلة مفتوحة عن طبيعة ما حدث في سوريا وعن تطوراته وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة بعد هذا “الثوب السوري الجديد”؟.

مقالات مشابهة

  • جيش العدو يستبيح سوريا.. والخطاب المتصالح لا يردعه!
  • إزفيستيا: كيف ستتطور الأحداث في الشرق الأوسط خلال العام المقبل؟
  • الحرب في غزّة إلى أين؟
  • الاحتلال يرتكب ثلاث مجازر جديدة في غزة ويكثف استهدافه المباشر للمنظومة الصحية
  • البُوصلة الإيمانية فيها طريقان لا ثالث لهما
  • حكم تفسير الرؤيا ومن أي علم تستمد
  • حماس: مقاومة طولكرم أثبتت أنها عصية على الانكسار
  • العدو يعترف بمصرع 38 من ضباط ومجندي الاحتلال بنيران المقاومة شمال غزة
  • أستاذ تفسير: القرآن أمرنا بإجراء "fake check" للأخبار لمنع الشائعات
  • حصاد 2024| لبنان يزداد أوجاعه مع اتساع الحرب بين إسرائيل وحزب الله.. الاحتلال يضرب بقوة الضاحية الجنوبية لبيروت.. وتفجيرات أجهزة بيجر واغتيال حسن نصر الله أبرز الأحداث المؤلمة