الكتاب: المثقف العربي ومتلازمة ميدان تيانانمن
المؤلف: عمروعثمان ـ مروة فكري
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات


يختبر الباحثان عمرو عثمان، استاذ العلوم الإنسانية في جامعة قطر، ومروة فكري، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فرضية لافتة في هذا الكتاب تقول أن المثقف العربي يعاني بصفة عامة مما أسمياه "متلازمة تيانانمن" نسبة إلى الميدان الشهير في العاصمة الصينية بيجين، الذي شهد في العام 1989 ما وصف بأنه أكبر حركة ثورية للإصلاح الديمقرطي منذ قيام النظام الشيوعي في الصين عام 1949.



والمتلازمة بحسب الباحثين ترتبط بحزمة من التصورات تتعلق بنظرة المثقف إلى نفسه وإلى وضعه المجتمعي، وموقفه من الشعب والديمقراطية والسلطة السياسية والأهداف التي يسعى إليها. غير أن الباحثين يلفتان الانتباه إلى أن هذه الحركة، بالرغم من شهرتها، لا تتوافر عنها كتابات كثيرة تتناول العقيدة أو الثقافة السياسية للذين دعوا إليها أو شاركوا فيها، ولا حتى عن الأهداف التي سعوا إلى تحقيقها. ويقولان أن الحركة في الواقع لم تهدف إلى إقامة نظام ديمقراطي، كما شاع، كما أنها اتسمت بالنخبوية الصارخة والازدراء المقيت لطبقات اجتماعية معينة، وهي عوامل تسببت بإخفاقها في النهاية، بحسب ما يشرح ذلك أستاذ العلوم السياسية دانييل كلهر في مقالة له بعنوان"الحفاظ على الديمقراطية من العامة: المثقفون والنخبوية في حركة الصين الاحتجاجية".

يشرح الباحثان كيف أنه في سبعينيات القرن العشرين ظهر داخل النخبة الصينية المثقفة تياران؛ دعا الأول والأكبر إلى تأسيس الحريات العامة، مثل حرية التعبير والعمل والانتقال والتملك..، وتدعيم هذه الحريات لم يكن من أولوياته إنشاء نظام ديمقراطي يقوم على حق الشعب في اختيار قادته وسلمية تداول السلطة. وبالنسبة لهذا التيار فإن الديمقراطية عنت قصر المشاركة السياسية الكاملة على الطبقات المتعلمة. حتى أن بعض الطلاب المعتصمين أثناء حركة ميدان تيانانمن رفض انضمام بعض العمال إليهم، وذهب بعضهم إلى إرجاع سبب إخفاق الحركة إلى مشاركة العمال فيها من دون رضا القيمين عليها.

ونظرا لهذا الازدراء الثقافي وانعدام الثقة السياسية، يرى كلهر علاقة قوية بين هذالاتجاه وما أطلق عليه "السلطوية الجديدة" وهي فلسفة اعتمدها الحزب الشيوعي نفسه، على أساس أنها ديمقراطية مقصورة على المثقفين، رأي قادة الحزب ومن لف لفهم، وتقوم على فلسفة أن تحقيق الديمقراطية يتطلب مرحلة من "الاستبداد المستنير".

إن الديمقراطية الشعبية، كما يعرفها الباحثان، لم تكن قط من القضايا الأساسية والملحة التي شغلت المثقفين في فترة "النهضة العربية" وما تلاها. إذ انصب اهتمام المثقفين على قضايا ما سمي الأصالة في مقابل المعاصرة، أو التراث في مقابل الحداثة.أما التيار الآخر "الراديكالي" والأصغر من حيث عدد أعضائه، فارتأى أن الديمقراطية جزء لا يتجزأ من أي عملية إصلاح، وأن لا قيمة للحريات من دون الديمقراطية الإجرائية التي تنتخب برلمانا وحكومة وتضمن استمرارها. مع ذلك فإن التيارين جمعتهما النظرة إلى نفسيهما باعتبارهما طبقة متميزة تعلو على طبقات المجتمع الأخرى، وتعد الأجدر والأحق وحدها بالقيادة.

ويعزو كلهر إخفاق الحركة إلى مجموعة عوامل منها غياب تراث يمكن البناء عليه لإضفاء الشرعية على نظرة شاملة إلى الديمقراطية، وكذلك عدم وجود نقابات عمالية أو قيادة قروية يمكنها أن تجبر المثقفين على تطوير نظرة إلى الديمقراطية تقوم على المساواة بين جميع الطبقات، والأهم من ذلك أن الإخفاق ارتبط أساسا بعقيدة قادة الحركة وأعضائها، فقد منعت النخبوية المفرطة الممزوجة بازدراء شديد لطبقات اجتماعية كاملة، التيارين من الالتحام بتلك الطبقات وطلب دعمها، بل أنها سعت إلى تجنب انضواء تلك الطبقات إلى الحركة.

يتوقف الباحثان هنا لتسجيل ملاحظة مهمة حيث يلفتان إلى أنه لا يمكن لمتابع موقف الكثير من المثقفين العرب من أحداث الربيع العربي إلا ملاحظة التشابه الصارخ بين ذلك الموقف وموقف مثقفي الصين، إذ يمكن النظر، مثلا، إلى الجدل في أسبقية الدستور أو الانتخابات بعد الثورة المصرية في عام 2011، على أنه انعكاس لنظرة نخبوية اتسم بها من اعتبروا أنفسهم الأجدر بتعريف صيغة الحريات المنشودة وحدودها. وكان تخوف هؤلاء من العملية الديمقراطية واضحا حتى أنه بلغ درجة الضغط على الحكام العسكريين من أجل تأجيل الانتخابات. وتجلت تلك النخبوية أيضا في الداعين إلى وضع "مبادىء فوق دستورية" تكون ملزمة حتى للأجيال اللاحقة.

الشورى والنخبة

يبدأ الباحثان دراستهما هذه بمقدمة نظرية لتعريف "المثقف" وعرض بعض الأدبيات التي تتناول وضعه في المجتمع وعلاقته بالسلطة، ثم ينتقلان إلى عرض تاريخي موجز يمهد لفهم بعض المثقفين العرب للديمقراطية منذ أن أصبحت موضوعا مطروحا للبحث والمناقشة في المراحل المختلفة، وتحديدا ما أطلق عليه"عصر النهضة العربية" الذي بدأ في القرن التاسع عشر، وصولا إلى الوقت المعاصر من خلال عرض أدبيات بعض المثقفين العرب في شأن الديمقراطية.

وبحسب الدراسة فإن الديمقراطية الشعبية، كما يعرفها الباحثان، لم تكن قط من القضايا الأساسية والملحة التي شغلت المثقفين في فترة "النهضة العربية" وما تلاها. إذ انصب اهتمام المثقفين على قضايا ما سمي الأصالة في مقابل المعاصرة، أو التراث في مقابل الحداثة. وعلى سبيل المثال فإن كتاب المفكر اللبناني البريطاني ألبيرت حوراني" الفكر العربي في العصر الليبرالي" الذي يؤرخ للعقود الأخيرة من القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين، لا يفرد أي مساحة لقضية الديمقراطية، حتى أن مصطلح الديمقراطية لا يظهر في فهرس مفردات الكتاب.

وبحسب تعبير المفكر الفلسطيني هشام شرابي في كتابه" المثقفون العرب والديمقراطية: عصر النهضة 1875 ـ 1914" فإنه في الوقت الذي كانت فيه الجماهير العربية" غائبة سياسيا واجتماعيا وثقافيا" لم يظهر المثقفون المسلمون المحافظون منهم والإصلاحيون على السواء، اهتماما بعملية الديمقراطية باعتبارها جزءا من مشروع الإحياء الإسلامي على اختلاف فهمهم لمتطلباته.

ويمكن القول، بحسب الباحثان فكري وعثمان، أن فهم هؤلاء المثقفين للديمقراطية كان يتحقق بمجرد وجود مجلس شورى، على سبيل المثال، الذي يتكون من " أهل الحل والعقد" الذين ربما يعينهم الحاكم نفسه، أي أن الشورى هنا مبدأ نخبوي لا يشكل أساس شرعية الحكم ، ولا يمثل آلية تداول السلطة.

ثلاثة تيارات

في ما يتعلق بأدبيات بعض المثقفين العرب المعاصرين فقد اعتمد الباحثان على أسلوب تحليل المضمون لعينة من المقالات وتحديدا تلك التي ضمتها دورية "الديمقراطية" المصرية بين عامي 2000-2014، وجاء هذا الاختيار بسبب تخصص هذه الدورية بقضية الديمقراطية، الأمر الذي يبرر اعتبار ما تنشره من مقالات لمثقفين عرب ومصريين معبرا عن موقفهم من الديمقراطية وما يرتبط بها من قضايا. وفي هذا الإطار يوضح الباحثان أنه يمكن التمييز بين ثلاثة تيارات أساسية في هذا الشأن؛ الأول يعطي الأولوية للحريات الفردية الذي يعتمد "المفهوم الليبرالي للحرية"، وعبر بعض أنصار هذا التيار بصراحة شديدة عن رفضهم التسرع في تطبيق الديمقراطية الإجرائية، على اعتبار، بحسب حازم الببلاوي، أن الأخذ بالمزيد من الإصلاحات الليبرالية غير المخططة قد يؤدي إلى تمكين القفز على السلطة لعناصر معادية أصلا لليبرالية ويهدد بإجهاض التجربة في مهدها. بل إن بعض مثقفي هذا التيار صرحوا في الأعوام التي سبقت الربيع العربي بعدم ثقتهم بقدرة المجتمع وجهوزيته للانتقال إلى الديمقراطية فورا، نظرا إلى افتقاده المقومات الثقافية المطلوبة.

بينما يركز التيار الثاني على الجوانب الإجرائية والإطار المؤسسي للديمقراطية، ويركز كذلك على الدور الحاسم لجميع أفراد الشعب في الحياة السياسية. ويرى مثقفو هذا التيار أن الديمقراطية التمثيلية هي النموذج الأفضل لتعبير الجماهير عن إرادتها، وأن هذه الديمقراطية تبدأ مع إقرار حق الاقتراع العام.، ويربطون تطور الديمقراطية بانتشار المشاركة السياسية لأغلبية المواطنين ، ويرون أن الثقافة السياسية الديمقراطية هي نتاج التجربة والممارسة الديمقراطية.

في الوقت الذي كانت فيه الجماهير العربية" غائبة سياسيا واجتماعيا وثقافيا" لم يظهر المثقفون المسلمون المحافظون منهم والإصلاحيون على السواء، اهتماما بعملية الديمقراطية باعتبارها جزءا من مشروع الإحياء الإسلامي على اختلاف فهمهم لمتطلباته.أما التيار الثالث فيقدم تصورا أوسع يتخطى ثنائية الحريات أو صناديق الاقتراع، ليؤكد ضرورة توفير الشروط اللازمة التي تمكن الفرد من ممارسة اختياراته بشكل حقيقي، فالديمقراطية الإجرائية تكون زائفة إذا لم تقترن بتمكين الفرد بصورة ايجابية من ممارسة حقوقه السياسية والعامة. وفي هذا السياق يعرف حسن حنفي الديمقراطية بأنها ليست "غاية في ذاتها ولكن وسيلة لتحقيق غاية أخرى وهي مجموع المقاصد والأهداف التي يضعها المجتمع من أجل العدالة والتنمية..". كما يهتم هذا التيار بالثقافة السياسية للنخب، ويرى أن تعثر الديمقراطية يعكس بشكل عام مشكلة ثقافية لدى النخب والناشطين سياسيا والجماهير، بل يذهب بعض مثقفي هذا التيار إلى الزعم أن الجماهير برهنت على جهوزيتهاللتجربة الديمقراطية، على العكس من النخب التي أخفقت في بناء توافق وطني يدعم التحول الديمقراطي الأمر الذي يشكك في جهوزية النخب نفسها.

يرى الباحثان أنه بشكل عام يمكن القول أن المثقفين العرب يؤمنون بخصوصية وضعهم في المجتمع، وهي خصوصية تبرر لديهم فرض وصايتهم الفكرية على الشعب وإن لم تكن مبررة تاريخيا وعمليا. وهم يرون لأنفسهم أفضلية على السياسيين الذين ينخرطون في الحياة السياسية انطلاقا من دوافع ذاتية أو طبقية، ويفتقدون الفهم العميق لماهية الفكر الذي يؤسس للفعل السياسي في المجتمع. وهم فوق ذلك غير مهتمين كثيرا بإثبات استحقاقاتهم النخبوية هذه بناء على إنجازات تاريخية، ولا يهتمون بمراجعة هذا الخطاب في ضوء انطلاق ثورات الربيع العربي من صفوف الجماهير، لا النخبة المثقفة.

ويضيف الباحثان: "إننا نذهب إلى القول بسيطرة صورة الضحية على تصورات هؤلاء المثقفين الذين قاموا بإلقاء اللوم على الأنظمة القمعية، أو الشعوب التي لا تتجاوب معهم بالقدر الكافي، أو التيارات الإسلامية التكفيرية والظلامية، أو أشباه المثقفين الانتهازيين والمتحالفين مع السلطة، أو الإعلام الذي أنتج متكلمين وكتابا تجرأوا على تقديم أنفسهم كمفكرين ومثقفين... وهؤلاء من يخفي دور النخبة ويضعف رسالتها ويشوش بكثافة على معنى الثقافة". وفي المحصلة تكشف الدراسة عن أن أغلبية المثقفين العرب وعلى اختلاف توجهاتهم تنظر إلى الدولة أو السلطة بشكل عام على أنها الأداة الأساس للتغيير. والمثقف الذي يعتقد بمحورية دور السلطة في عملية الانتقال الديمقراطي ربما يتخذ موقفا عدائيا من الثورات الشعبية التي تقوم بها الجماهير، ومن المنطقي في ضوء ذلك أن يحاول بعض المثقفين العرب تبرير الممارسات الاستبدادية للسلطة في الدول العربية، بناء على عدم الثقة برشاد الجماهير أو عدم الرغبة في سقوط الدولة بسقوط السلطة القائمة.  

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب العربي فكري الديمقراطية عرض كتاب عرب فكر ديمقراطية عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذا التیار فی مقابل فی هذا

إقرأ أيضاً:

المعاهدة الكبرى بين روسيا وإيران قد تدوم 20 عاما وتعطل الجغرافيا السياسية بالمنطقة

تعمل روسيا وإيران على تعجيل توقيع "معاهدة كبرى" بينهما من الممكن أن تقلب موازين القوى الجيوسياسية في الشرق الأوسط وتؤثر على حرب أوكرانيا المستمرة منذ أكثر من عامين.

وقالت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية في تقريره ترجمته "عربي21": إن الكرملين مثل الغرب، يتابع عن كثب الانتخابات الرئاسية التي جرت الجمعة في إيران وعواقبها على الساحة الدولية. لكن وجهة النظر مختلفة؛ فإذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها منتبهين للتغيرات المحتملة في السياسة الخارجية الإيرانية وخطر حدوث المزيد من التطرف، فإن موسكو تراهن على تقارب أكبر مع طهران والتوقيع المبكر على معاهدة ثنائية رئيسية يمكن أن تغير لوحة اللعبة في الشرق الشرق والتأثير على الحرب في أوكرانيا".

وعشية الانتخابات؛ أعلنت روسيا هذا الأسبوع عن فك الجمود في المفاوضات مع إيران لتوقيع "اتفاقية تعاون شاملة" جديدة، قد تستمر لمدة تصل إلى عشرين سنة، ويمكن توقيعها "في المستقبل القريب"، كما أشير إلى ذلك، وهو ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودنكو، وأكدته المتحدثة باسم تلك الوزارة، ماريا زاخاروفا.


وأيًّا كان الرئيس الإيراني الجديد، فإن الكرملين يريد الضغط على طهران للتوقيع على هذه "المعاهدة الكبرى" (كما أطلق عليها الروس) بين البلدين في أقرب وقت ممكن، والتي ستفكر في تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي والعسكري في الحرب ضد العقوبات التي فرضها الغرب على البلدين.

حرب تعزز أوكرانيا التحالف الإيراني الروسي
وذكرت الصحيفة أن الصداقة بين موسكو وطهران تعززت منذ أكثر من عقدين من الزمن مع وصول فلاديمير بوتين إلى رئاسة روسيا. وكان اندلاع الحرب في أوكرانيا، مع الغزو الروسي لهذا البلد، بمثابة اختبار للتحقق من نطاق العلاقات.

وأضافت أن قيام إيران بتزويد روسيا بالطائرات المسيرة وغيرها من الأسلحة، وربما أجزاء الصواريخ، والتبادلات التجارية لتجنب العقوبات التي فرضها ذلك الغزو على موسكو، أدى إلى تعزيز محور موسكو-طهران في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

وقد تجلى هذا التعاون بالفعل في أفغانستان في السنوات الأخيرة من الوجود الأمريكي في هذا البلد؛ حيث أدى انسحاب آخر القوات المسلحة الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي من كابول في سنة 2021 إلى تعزيز هذا التحالف الروسي الإيراني ضد النفوذ الأمريكي في المنطقة.

وإذا كان التحالف الإستراتيجي بين الصين وروسيا، في حالة الشرق الأقصى، يمثل تحديًا كبيرًا أمام محاولات واشنطن فرض نفوذها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن التصديق على اتفاقية جديدة للتعاون في مجالي الأمن والطاقة بين موسكو وطهران سيوجه ضربة جديدة للنظام الأحادي القطب الذي يدافع عنه البيت الأبيض. وهذه المرة في واحدة من أكثر المناطق حساسية من الناحية الجيوسياسية، وهي الشرق الأوسط.

الانتخابات التي أجريت يوم الجمعة ستحدد المسار
وفي بداية حزيران/يونيو؛ تم تجميد المفاوضات بشأن هذه المعاهدة الجديدة، من بين قضايا أخرى، بسبب الخلافات الواضحة حول سياسة موسكو الخارجية في الخليج العربي وتضامنها المفترض مع الإمارات العربية المتحدة بشأن بعض الجزر المتنازع عليها مع إيران.

ويعزى انقطاع المحادثات أيضًا إلى وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في أيار/مايو. ويوم الجمعة، أجريت الانتخابات الرئاسية في إيران والتي ستحدد من سيخلف رئيسي، وفي موسكو بلغ الاهتمام أقصى حد، حيث لا يقدر جميع المرشحين بالتساوي التقارب مع روسيا الذي دافع عنه رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، الذي توفي في ذلك الحادث المميت الذي وقع يوم 19 أيار/مايو.

وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع الاقتصادي السيئ في إيران يلعب أيضا لصالح روسيا، لأنه في هذا الوقت ومع العقوبات المفروضة على إيران، فإن التعاون القصير والمتوسط الأجل مع موسكو هو وحده الذي يمكن أن يتجنب وقوع كارثة كبرى.

معاهدة ذات جذور عميقة
ولفتت الصحيفة إلى أنه تم بالفعل وضع الاتفاق الكبير الجديد بين روسيا وإيران في أيلول/ سبتمبر 2022 من قبل بوتين ورئيسي، المؤيد للخط المتشدد في طهران والذي يؤكد على ضرورة اللجوء إلى موسكو لتقديم ثقل موازن للغرب في آسيا والشرق الأوسط.

وفي كانون الثاني/يناير الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن هذا الاتفاق الثنائي الجديد، الذي كان بالفعل في مراحله النهائية من التصديق، سيكون له أهمية تاريخية وسيعكس "الصعود غير المسبوق" في العلاقات بين البلدين. وفي 18 كانون الثاني/يناير، وافق خامنئي على مسودة المعاهدة وبدأ إغلاق جوانبها الرئيسية ونطاقها.

وتجدر الإشارة إلى أن طهران وموسكو وقعتا بالفعل على اتفاقية طويلة الأمد في آذار/مارس 2001. وكانت المدة الأولية لما يسمى بمعاهدة تأسيس العلاقات المتبادلة وقانون مبادئ التعاون بين جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي في حدود عشر سنوات، ولكن تم تمديده مرتين لمدة خمس سنوات. وفي سنة 2021، تم تمديد الاتفاقية لمدة خمس سنوات أخرى، حتى سنة 2026.

ومن بين المجالات التي تناولتها تلك المعاهدة التعاون في مجالي الأمن والطاقة. وبالنسبة  للولايات المتحدة، التي تزيد من ضغوطها على إيران لهذا السبب، فإن ذلك الاتفاق تضمن مشاريع مشتركة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء محطات طاقة نووية في إيران، بتكنولوجيا ومشورة روسية. ولطالما اتهمت واشنطن طهران بمحاولة تحويل البرنامج النووي المدني إلى القطاع العسكري.


وتأتي المعاهدة الجديدة في خضم تزايد العلاقات المالية والطاقة والعسكرية بين روسيا وإيران نتيجة للحرب في أوكرانيا. وفي واشنطن وبروكسل؛ هناك خوف من المعنى الرمزي للمعاهدة الخارجية الجديدة التي وقعتها روسيا والتي ينبغي الحكم عليها بالنبذ الدولي، ولكنها في الواقع تتمتع بثقل خارجي متزايد في ما يسمى بالجنوب العالمي.

الأصداء العسكرية في أوكرانيا وغزة
وأبرزت الصحيفة أنه يُنظر بقلق إلى احتمال أن تزيد المعاهدة الجديدة من نقل الطائرات المسيرة والصواريخ والأسلحة الإيرانية الأخرى إلى روسيا لاستخدامها في أوكرانيا، مع العائق الإضافي المتمثل في أن الاتفاق ينص على تقديم مساعدة عسكرية روسية لإيران في حال قرر الغرب ممارسة ضغط عسكري على طهران للدفاع عن "إسرائيل" أو للسيطرة على برنامجها النووي.

وأشارت الصحيفة إلى أن المساعدات الإيرانية المعززة لروسيا في أوكرانيا، إلى جانب الاتفاقية الاستراتيجية الأخيرة التي وقعتها موسكو وكوريا الشمالية، من شأنها أن تمنح الكرملين أسلحة كافية (بالإضافة إلى ما يتم تصنيعه على مدار الساعة في الأراضي الروسية) لإطالة أمد الحرب لفترة كافية لخنق كييف.

وسيكون الاتفاق الجديد ذو أهمية كبرى أيضّا في الشرق الأوسط، حيث ستكون "إسرائيل" على وشك استكمال تدمير غزة وستضع أعينها على غزو جنوب لبنان في نهاية المطاف للقضاء على ميليشيا حزب الله الموالية لإيران.

ومن جانبها، تقول الولايات المتحدة إنها ترفض الهجوم الإسرائيلي على هذا القطاع الفلسطيني الذي خلف بالفعل ما يقرب من 38 ألف قتيل وسط اتهامات بالإبادة الجماعية. ومع ذلك، تواصل واشنطن تزويد "إسرائيل" بالأسلحة لتثبيط أي رد إيراني مسلح والذي قد يكون دعمًا لأصدقائها في حزب الله، كما حدث في نيسان/أبريل الماضي في تبادل الهجمات المتوتر و"المسرحي" بين الإيرانيين والإسرائيليين.

وإذا اضطرت "إسرائيل"، بسبب روسيا، إلى وقف رد مسلح محتمل على إيران، فإن أحد تلك "الردود غير المتكافئة" التي وعدت بها موسكو ضد الولايات المتحدة وحلفائها لدعمهم الأسلحة لأوكرانيا سوف تتحقق.

مفاتيح معاهدة الطاقة
وبينت الصحيفة أنه كمقدمة للمعاهدة الجديدة، تم الإعلان يوم الأربعاء عن توقيع مذكرة بين شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم والشركة الوطنية الإيرانية للغاز لتزويد إيران بالغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية، الأمر الذي سيحقق النجاح في التهرب من العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو.

وحضر توقيع المذكرة الرئيس الإيراني المؤقت محمد مخبر، وهو دليل واضح على أهمية الاتفاق بالنسبة لطهران؛ حيث تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم، ولا يسبقها سوى روسيا. ويحاول كلا البلدين تحسين توقعاتهما في تصدير هذا الهيدروكربون، وهو مجال تتفوق فيع الولايات المتحدة، وتحميه العقوبات الدولية لموسكو وطهران.

وأضافت الصحيفة أن العقوبات التي تؤثر لأسباب مختلفة على روسيا وإيران أوقفت مشاركتهما الكاملة في السباق العالمي لتسويق الغاز الطبيعي والغاز المسال الذي تستفيد منه الولايات المتحدة، تماما كما تستفيد من كونها أكبر منتج للأسلحة أوكرانيا.


ومن شأن التعاون المكثف بين إيران وروسيا أن يسمح باستغلال حقول الغاز في الأراضي الإيرانية وكذلك في المناطق الشيعية في العراق التي تسيطر عليها القوات الموالية لإيران أو التي تعتمد بشكل مباشر على طهران، وقد يؤدي ذلك إلى تصدير هذه الهيدروكربونات إلى البحر الأبيض المتوسط عبر سوريا، وهي حليف على قدم المساواة مع موسكو ونظام آية الله.

وستكون الضربة التي سيتلقاها الوجود الأمريكي في المنطقة هائلة. وكذلك بالنسبة لـ "إسرائيل"، لأنها ستعزز طرق إمداد حزب الله بالأسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وفي الختام، أكدت الصحيفة أنه من الطبيعي إذًا أن يكون الإعلان الروسي عن التصديق الوشيك على "المعاهدة الكبرى" بين روسيا وإيران قد أطلق كل الإنذارات. وقد تكون عواقبه أساسية على المدى المتوسط بالنسبة للصراعات في أوكرانيا والأراضي الفلسطينية. ولن تفوت موسكو هذه الفرصة لتحريك بيادق اللعبة لصالحها.

مقالات مشابهة

  • المعاهدة الكبرى بين روسيا وإيران قد تدوم 20 عاما وتعطل الجغرافيا السياسية بالمنطقة
  • بالفيديو.. كفيفة تحكي قصة تعلمها عزف الناي
  • تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في السودان تردّ على دعوة مصرية
  • «الثقافة»: نعمل على إدراج الأطعمة الشعبية في قائمة التراث العالمي
  • الإعلام التونسي.. تحديات المهنية وسط العواصف السياسية
  • موقع أميركي: هل تتجه إسرائيل نحو حرب أهلية؟
  • المخرج المسرحي عصام السيد: اعتصام المثقفين كان الشرارة الأولى لثورة 30 يونيو
  • تطورٌ كبير.. جامعة الدول العربية تعلن: لم نعد نصنف حزب الله منظمة إرهابية
  • حرم الرئيس الفلبيني تزور جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي
  • كتاب جدد حياتك للشيخ محمد الغزالي