بينما وصفت مجلة "لوبس" الفرنسية عودة اشتعال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بأنّه يُشكّل هدية من السماء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نشرت مجلة "لوبوان" ملفاً شاملاً حول تداعيات الحرب على غزة على مستقبل خارطة العالم للقوى الدولية، رأت فيه أنّ طهران راغبة في النفخ على جمر الصراع لما فيه من مصلحة استراتيجية لها، ولكن دون أن تكون قادرة حالياً على الانخراط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل

وتؤكد الكاتبة والمحللة السياسية سيسيل فايسي، المتخصصة في الشؤون الروسية، وفقاً لما أوردته "لوبس" أنّ انفجار العنف في الشرق الأوسط وجّه انتباه الغرب والرأي العام العالمي عن أوكرانيا وأضعف الاهتمام بالحرب مع روسيا، وأدّى إلى تقسيم المُجتمعات الغربية.

ورأت فايسي أن بوتين، ومواصلة للدعاية السوفييتية، يُحاول زرع بذور الشقاق من خلال تطوير خطاب حول "الصراع بين جنوب العالم بوصفه ضحية للاستعمار، والغرب الإمبريالي والمُستعمر". وهي استراتيجية أثارت غضب الرئاسة الفرنسية التي حذّرت من إثارة المواجهة والصراع بين الشمال والجنوب. ورأت أنّ بوتين يعرف كيف يستغل الصراعات والفوضى، حتى لو لم يكن هو المُتسبب بها. ويتفق مع هذه الرؤية الكاتب الصحافي تيموثي فيلارز، الذي يقول إنه في خضم ركود الحرب في أوكرانيا، فإن الاستيقاظ العنيف للصراع في الشرق الأوسط يُعتبر نعمة للرئيس الروسي. ويبدو أن الكرملين على استعداد للمخاطرة بوضعه المتوازن في المنطقة في محاولة لإضعاف الغرب. مُشيراً إلى أنّ ملامح السعادة ملحوظة على وجه بوتين، ودون الاضطرار إلى بذل الكثير من الجهد، فإن روسيا لديها كل ما يُمكنها أن تكسبه من ظهور صراع مرير بالنسبة للولايات المتحدة.
من جهتها مجلة "لوبوان" وفي إطار ملفها الشامل حول تداعيات الحرب، نشرت ما وصفته بأنّه خارطة العالم الجديدة مع صورة لزعماء الدول الغربية وروسيا وإيران وتركيا والصين مُجتمعين حول مجسم للكرة الأرضية. وتقول إن الحرب في الشرق الأوسط ورغم اختلاف مصالح بعض القوى إلا أنها توحدهم على نفس العاطفة وهي كراهية الغرب.

إيران ترغب لكنّها غير مُستعدّة!

وحول موقف إيران من الحرب، اعتبرت المجلة الفرنسية طهران بمثابة الراعي الرئيسي لحركة حماس، حيث تُسلّحها وتُموّلها، وذلك سعياً للظهور كمدافع رئيسي عن القضية الفلسطينية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي ومحاولة لتقوية مكانتها على حساب دول إقليمية كبرى. ولكن إذا كانت طهران ترغب في زيادة اشتعال الحرب من خلال حلفائها في المنطقة، إلا أنّ الجمهورية الإسلامية لا تبدو مُستعدّة في الوقت الراهن للدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل.
كما رأت أن الترسانة الوفيرة للغاية، ولكن الكلاسيكية، التي عمل بها مقاتلو حماس يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تحمل علامة النظام الإيراني، حيث أنّ بعض الأسلحة التي تمّ العثور عليها مع أدلة تشغيلها لا يمكن الحصول عليها إلا إذا جاءت مباشرة من المصنع، وهو ما يؤكد أنّ إيران تقف بالضرورة وراء تلك الاستعدادات.
أما بالنسبة للموقف التركي، فترى "لوبوان" أن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يتردد، ورغم أنّ بلاده عضو في حلف شمال الأطلسي، في القول إنّه يثق بروسيا كما يثق في الغرب، وهو يواصل أيضاً إدانته لاحتلال الأراضي الفلسطينية. كما تناولت المجلة تأثير الحرب على غزة على مواقف دول أمريكا الجنوبية والتي صرحت علانية أنها ضد الدعم "غير المشروط" الذي تُبديه الدول الغربية لإسرائيل.
ويقول المحلل السياسي جوليان بيرون، نائب رئيس تحرير مجلة "لو بوان" حول النظام العالمي الجديد، إن كراهية الغرب باتت تكتسب المزيد من المؤيدين، حيث تعمل الحرب في الشرق الأوسط على تحفيز قوى ذات مصالح مُتباينة ولكن توحدها نفس الكراهية للدول الغربية.بالمقابل أبدى المؤرخ هنري لورينز رئيس قسم التاريخ المعاصر للعالم العربي في "كوليج دو فرانس"، نظرة مُتشائمة لما يحصل في غزة، لكنّ مؤلف كتاب "قضية فلسطين" يشرح لـِ "لوبوان" أنّ هذه الدورة الجديدة من العنف التي تُمزّق الشرق الأوسط متواصلة ولا يوجد سوى طريقة واحدة للخروج من هذا الصراع، وهي "أن يثق المعسكران ويحترمان بعضهما البعض".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل إيران روسيا فی الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

التغييرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بين المد والجزر

#سواليف

#التغييرات_الجيوسياسية في #الشرق_الأوسط بين المد والجزر

د. #هشام_عوكل، أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولي

منذ بداية الأحداث الجيوسياسية في المنطقة والتحولات كبرى في سوريا في اسقاط نظام بشار الاسد   كان “محور المقاومة” يشكل أحد الأعمدة الرئيسية في الاستراتيجيات الإقليمية لمواجهة النفوذ الغربي والصهيوني. هذا المحور، الذي جمع مجموعة من الدول والفصائل المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل، كان بمثابة حجر الزاوية في استراتيجية إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة. إلا أن هذا المحور بدأ يشهد تغيرات كبيرة، حيث توالت العوامل التي ساهمت في استنزافه.

مقالات ذات صلة 13 ألف طالب استُشهدوا و 490 مدرسة وجامعة دمرت منذ بداية العدوان على غزة والضفة 2024/12/31

في البداية، كانت لبنان وسوريا والعراق واليمن تشكل نقاط قوة لهذا المحور. لبنان، بوجود حزب الله، كان يمثل نقطة محورية في المواجهة مع إسرائيل، بينما كانت سوريا مركزًا لتمركز القوى الإيرانية والفصائل التابعة لها. أما العراق فقد شهد تدخلات إيرانية مكثفة من خلال دعم فصائل الحشد الشعبي. لكن اليوم، يبدو أن العديد من هذه الجبهات قد توقفت أو على الأقل تراجعت قوتها.

في لبنان، تراجع الدور الفعّال للمقاومة بشكل كبير نتيجة للأزمات الداخلية والخارجية، حيث تتزايد الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها حزب الله. هذه الأزمات جعلت من الصعب الحفاظ على استمرارية دعم المقاومة اللبنانية في وجه التحديات المتزايدة.

أما في العراق، فقد شهدت الساحة السياسية والعسكرية تطورات كبيرة بعد الانسحاب العسكري الأمريكي وتغيير الأولويات الإقليمية. إذ تبين أن الدعم الإيراني في العراق لم يعد كما كان في السابق، وهو ما جعل محور المقاومة العراقي يواجه صعوبات جمّة. على الرغم من استمرار بعض المجموعات المسلحة، فإن تأثير إيران على الساحة العراقية بدأ يتراجع بشكل ملحوظ.

في سوريا كان  الدعم الكبير الذي تقدمه إيران للنظام السوري في مواجهة الثورة كبير جدا  فإن الوضع الداخلي المعقد وصراعات القوى الدولية والإقليمية قد جعلت من الصعب الحفاظ على مستوى الدعم العسكري والتواجد الإيراني كما كان في السابق إلى تقييد قدرة إيران على تعزيز نفوذها في المنطقة، خاصة بعد انهيار النظام في دمشق.

في اليمن، ورغم استمرار دعم إيران للحوثيين، يظل الوضع هناك مختلفًا. يُعتبر اليمن جبهة مهمة للمقاومة، لكن الصراع الطويل مع التحالف العربي جعل هذه الجبهة بعيدة عن الأنظار الدولية. الفوضى المستمرة في البلاد تمنع تحقيق أي مكاسب استراتيجية حاسمة.

هذه التغيرات في سياق “محور المقاومة” تطرح تساؤلات حيوية حول كيفية تأثير ذلك على القضايا الأهم في المنطقة، القضية الفلسطينية. منذ توقف الدعم اللبناني والعراقي، باتت غزة تمثل الجبهة الأساسية التي تعتمد عليها فصائل المقاومة الفلسطينية. لكن، مع تراجع الدعم العسكري والمالي من هذه الجبهات، كيف ستتمكن غزة من الصمود أمام الضغوط المتزايدة؟

الورقة الفلسطينية الآن في موقف صعب للغاية، حيث تواجه تحديات اقتصادية وعسكرية متزايدة في ظل تراجع الدعم الخارجي. بعد الانهيار المحتمل لجبهات المقاومة في لبنان والعراق وسوريا، أصبح من الواضح أن غزة، رغم قوتها وصمودها، ستواجه ضغطًا هائلًا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. التحديات الكبرى تشمل النقص في الموارد والدعم اللوجستي، فضلاً عن عدم وضوح الاتجاهات المستقبلية لهذه المقاومة في غياب الدعم الكافي من محور المقاومة الذي كان يعتمد عليه الفلسطينيون.

إيران، التي لا تزال تسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة، قد تجد نفسها مضطرة لتطوير استراتيجيات جديدة لمساندة غزة بشكل غير تقليدي. أما الدول الأخرى في محور المقاومة، فقد تجد صعوبة في تقديم الدعم الفعّال في ظل الوضع الإقليمي المتأزم.

ختامًا مبادرة السلام العربية لعام 2002 تمثل إطاراً مهماً لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال منح الاعتراف العربي بإسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ومع ذلك، فإن هذه المبادرة تواجه صعوبات كبيرة في ظل التطورات الراهنة، حيث تشهد العديد من الدول العربية خطوات نحو التطبيع مع إسرائيل، مما قد يؤثر سلبًا على الدعم العربي لقضية فلسطين. في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن أن تظل فكرة “الأرض مقابل السلام” قائمة، أم أنها ستختفي في ظل الظروف المتغيرة؟يُعتبر “محور المقاومة” اليوم في مرحلة تحول حرجة. رغم توقف الجبهات الأساسية مثل لبنان والعراق وسوريا  إلا أن القضية الفلسطينية قد تظل محور التركيز.

مقالات مشابهة

  • أبرز الأسلحة التي ظهرت في حروب الشرق الأوسط
  • الغاز القطري إلى أوروبا عبر سوريا.. تداعيات على العراق
  • الأكراد.. رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط
  • هل الشرق الأوسط على أبواب ربيع جديد؟ قراءة في كتابات غربية
  • 2024 .. عام لا كالأعوام !
  • مصالح بكين.. ماذا يعنى سقوط الأسد بالنسبة للصين؟
  • أفضل الوجهات لعشاق المغامرة في الشرق الأوسط وآسيا
  • من بغداد.. تصريح إيراني حول الشرق الأوسط الجديد
  • التغييرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بين المد والجزر
  • قناة تكشف العقبة الرئيسية التي تعيق تقدم مفاوضات صفقة التبادل