من النهر إلى البحر.. كيف يهز ثوابت السياسة الأميركية؟
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
واشنطن – بعد انطلاق معركة طوفان الأقصى وما تبعها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، شهدت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية المؤيدة للحق الفلسطيني رفع لافتات وترديد شعار "من النهر إلى البحر.. فلسطين ستتحرر" (From the river to the sea, Palestine will be free).
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصبح العدوان على قطاع غزة قضية سياسية محلية أميركية بسبب الدور الكبير للإدارة الأميركية الداعمة لإسرائيل، إضافة إلى وجود ما لا يقل عن 6 ملايين أميركي يهودي، وما يقارب العدد ذاته من المسلمين الأميركيين.
وتردد صدى شعار "من النهر إلى البحر" في حرم مئات الجامعات وفي عشرات المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، حيث يحتج النشطاء المؤيدون للفلسطينيين على الخسائر المدنية الفادحة لعدوان إسرائيل على قطاع غزة، رغم ما أثاره الشعار من اتهامات بمعاداة السامية أو جدل كبير وعلى نحو متزايد بشأن الصراع وأسبابه الجذرية، وبشأن الموقف الذي يجب أن تتخذه الولايات المتحدة.
وضاعف دخول البيت الأبيض والكونغرس على خط الجدل حول العبارة من الانقسام السياسي، وأصبح الشعار أحد أهم محاور الخلاف بين القوى المؤيدة لفلسطين وتلك المؤيدة لإسرائيل حول ما يعنيه للمنطقة الممتدة من نهر الأردن إلى سواحل البحر المتوسط.
جغرافية ومعنى العبارةيعود أصل هذه العبارة إلى عقود مضت، ولها خلفية معقدة أدت إلى تفسيرات مختلفة جذريا من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين، ومن قبل الأميركيين الذين يدعمونهم.
يقول دوف واكسمان أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس إن "السبب في أن هذا المصطلح متنازع عليه بشدة هو أنه يعني أمورا مختلفة لأشخاص مختلفين، حيث نمت التفسيرات المتضاربة نوعا ما مع مرور الوقت".
وتشير دراسات أكاديمية إلى أن عبارة "من النهر إلى البحر" تعود إلى فجر الحركة الوطنية الفلسطينية في أوائل ستينيات القرن العشرين، أي قبل أكثر من نحو ربع قرن من ظهور حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واكتسبت العبارة شعبية داخل منظمة التحرير الفلسطينية كدعوة للعودة إلى الحدود الخاضعة للسيطرة البريطانية على فلسطين، حيث عاش اليهود والعرب على حد سواء، قبل إنشاء إسرائيل كدولة يهودية في عام 1948.
في الوقت ذاته، تضمّن البرنامج الأصلي لحزب الليكود، حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والصادر عام 1977، جملة تقول إنه "بين البحر والأردن لن تكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية"، في إشارة إلى عدم وجود أي حقوق للفلسطينيين في كل أراضي فلسطين التاريخية.
ويقول بيتر بينارت الأستاذ في جامعة مدينة نيويورك إن "معنى العبارة يعتمد على السياق"، وأضاف "إذا كان المعنى من شخص أعرف أن لديه رؤية للمساواة والتحرر المتبادل، فلن أشعر بالتهديد"، لكنها إذا كان من "شخص يريد القضاء على إسرائيل، فالعبارة تشير إلى رؤية للمستقبل من دون دولة يهودية في هذه الحالة".
في حين اعتبر يوسف منير رئيس برنامج فلسطين-إسرائيل في المركز العربي في واشنطن العاصمة، أن مؤيدي فلسطين الذين يستحضرون العبارة "غالبا ما يشيرون إلى حقيقة أن الفلسطينيين، داخل هذا الفضاء، يعيشون جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين، لكن الفلسطينيين هم الذين لا يتمتعون بالحرية".
دعوة لمحو إسرائيليقول بعض اليهود إن ما قد يكون نداءً بسيطا من أجل الاستقلال الفلسطيني، لا يمكن فصله عن الشعار الذي يستخدمه هؤلاء الراغبون في تدمير ومحو إسرائيل.
وتقول مديرة الشؤون السياسية للجنة اليهودية الأميركية جولي رايمان "ربما يكون صحيحا أن معظم طلاب الجامعات الأميركية، على سبيل المثال، الذين يهتفون من النهر إلى البحر لا يقصدون استحضار فكرة التطهير العرقي هذه، ولا يقصدون الدعوة إلى محو إسرائيل أو تدمير جميع اليهود في تلك الأرض"، وأضافت "لكن لسوء الحظ، فإنهم يرددون هذا المجاز بالضبط".
وجاء في بيان لرابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل) "من المهم الإشارة إلى أن المطالبة بالعدالة للفلسطينيين، أو الدعوة إلى دولة فلسطينية، لا ينبغي أن تعني، كما تفترض هذه العبارة البغيضة، إنكار حق دولة إسرائيل في الوجود".
As I said earlier this week, “decolonization”, “from the river to the sea” and similar euphemisms necessarily imply genocide.
Clear calls for extreme violence are against our terms of service and will result in suspension. https://t.co/1fCFo5Lezb
— Elon Musk (@elonmusk) November 17, 2023
أما مالك تطبيق "إكس" إيلون ماسك فقال في تغريدة له: كما قلت في وقت سابق من هذا الأسبوع، فإن "إنهاء الاستعمار" و "من النهر إلى البحر" وعبارات مماثلة أخرى تعني بالضرورة الإبادة الجماعية. الدعوات الواضحة للعنف الشديد تتعارض مع شروط الخدمة الخاصة بنا وستؤدي إلى تجميد حسابات أصحابها.
وقال مايك كينان، وهو طالب بإحدى جامعات واشنطن، للجزيرة نت "أرى أن هذه العبارة لا تعكس أي شيء إلا طلب الحرية للفلسطينيين وتأسيس دولة خاصة بهم إلى جوار دولة إسرائيل".
صرخة لتحرير الشعب الفلسطينيوبينما يرى اليهود الشعار معاديا للسامية ودعوة لتدمير إسرائيل، يقول العديد من النشطاء الفلسطينيين إنه "صرخة من أجل السلام والمساواة في وجه الاحتلال العسكري الإسرائيلي المستمر منذ عقود لملايين الفلسطينيين"، ويرون أن هذه العبارة "تُعد دعوة طموحة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي".
كما أخذ النقاش حول ما تعنيه العبارة منحنى جديدا ومثيرا بعدما غردت النائبة ذات الأصول الفلسطينية رشيدة طليب، عضوة مجلس النواب عن دائرة بولاية ميشيغان، على منصة إكس "من النهر إلى البحر هي دعوة طموحة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي، وليس الموت أو الدمار أو الكراهية، يتركز عملي ودعوتي دائما على العدالة والكرامة لجميع الناس بغض النظر عن الدين أو العرق".
From the river to the sea is an aspirational call for freedom, human rights, and peaceful coexistence, not death, destruction, or hate. My work and advocacy is always centered in justice and dignity for all people no matter faith or ethnicity.
— Rashida Tlaib (@RashidaTlaib) November 3, 2023
وأصبحت تغريدة النائبة رشيدة طليب هدفا لأنصار إسرائيل بمجلس النواب، واجتمع كل النواب الجمهوريين وكتلة صلبة من الديمقراطيين معا لتوجيه اللوم إلى النائبة، وركزوا على احتضانها ودفاعها عن الشعار الذي وصفوه بأنه غير مقبول.
وبلغ الغضب من هذا الشعار ذروته بتبني مجلس النواب قرارا بتوبيخ النائبة طليب، ومر بأغلبية 234 صوتا مقابل 188، بسبب استخدامها هذه العبارة، وجاء في قرار التوبيخ الرسمي للكونغرس للنائبة أن العبارة "معترف بها على نطاق واسع كدعوة لإبادة جماعية وللعنف لتدمير دولة إسرائيل".
وقد تدخل البيت الأبيض وتبرأ من تصريحات النائبة الديمقراطية طليب، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض روبين باترسون، إنه "عندما يتعلق الأمر بالعبارة التي تم استخدامها -من النهر إلى البحر- فهي مثيرة للانقسام، ويجدها الكثيرون مؤذية ومعادية للسامية، ومن الواضح أننا نرفض رفضا قاطعا تطبيق هذا المصطلح على هذا الصراع".
وردت طليب داخل مجلس النواب بأنها تدعو فقط إلى وقف إطلاق النار، وأضافت "الفلسطينيون يريدون فقط أن يعيشوا حياتهم بحرية وكرامة إنسانية نستحقها جميعا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من النهر إلى البحر هذه العبارة
إقرأ أيضاً:
“ساعة للتاريخ”.. شهادة من قلب السياسة اليمنية
م. صلاح الدين عبدالله
في خضم الأحداث المتسارعة التي شهدتها اليمن عبر العقود الماضية، يبرز كتاب “ساعة للتاريخ” كشهادة حية على مرحلة مفصلية في التاريخ السياسي اليمني؛ الكتاب ليس مجرد توثيقٍ للأحداث، بل نافذةٌ يطلُّ منها القارئ على كواليس الصراع السياسي، والمناورات التي دارت بين القوى المحلية والدولية، من خلال تجربة شخصية غنية بالتحولات والصراعات.
لماذا هذا الكتاب؟
يستند “ساعة للتاريخ” إلى سلسلة من الحوارات التي أجريت مع الأستاذ محمد النعيمي- عضو المجلس السياسي الأعلى، أحد الفاعلين السياسيين الذين كانوا جزءًا من المشهد اليمني بكل ما فيه من تقلبات؛ فهو ذو القول الصادق، والرأي الصائب، والرؤية العميقة التي تجمع بين الهوية الإيمانية، والهوى الوطني والهواية المدنية، بعيداً عن الأهواء الذاتية والمناطقية والفئوية الضيقة؛ وتمتد الحوارات التي بُني عليها الكتاب إلى عمق الأحداث، فتتجاوز السرد التقليدي لتقدم تحليلًا معمّقًا لتاريخ اليمن الحديث، بدءًا من الصراع بين الملكيين والجمهوريين، مرورًا بتشكُّل الأحزاب السياسية، وصولًا إلى التدخلات الخارجية التي لم تزل تحاول رسم مسار البلاد حتى اليوم.
في مقدمة الكتاب، يوضح المحاور “الأستاذ/ عبدالرحمن الأهنومي- معد ومقدم برنامج ساعة للتاريخ الذي عُرض على قناة المسيرة الفضائية” أن الفكرة انطلقت من رغبةٍ في تقديم قراءة موضوعية لتاريخ اليمن السياسي من وجهة نظر شاهد عيان، وليس مجرد باحث يقرأ من الكتب؛ وهذا ما يجعل الكتاب مختلفًا عن غيره من الدراسات، فهو شهادة شخصية تخاطب القارئ بلسان من عاش التجربة، وليس فقط من حللها.
محتوى الكتاب.. بين السياسة والتأريخ
يقدم الأستاذ النعيمي رؤية تفصيلية لمراحل الصراع السياسي في اليمن، ويركز على أبرز المحطات التي شكلت المشهد العام، ومنها:
– الصراع بين الملكيين والجمهوريين، وكيف بدأت الحرب السياسية ودور القوة الثالثة، ومن كان اللاعب الأكبر في تحديد مصير اليمن في تلك الفترة؟.
– التأثير الإقليمي والدولي، وكيف لعبت السعودية دورًا في تشكيل المشهد السياسي اليمني؟.
– نشأة وتطور حزب “الاتحاد”، وكيف ظهر هذا الحزب؟، وما علاقته بالقوى السياسية الأخرى؟.
– الوحدة اليمنية والتحديات التي واجهتها، ولماذا لم تكن الوحدة كما تخيلها الكثيرون؟، وما الذي قد يعرقل نجاحها؟.
– التحولات الكبرى والثورات، وكيف تأثرت الأحزاب والتيارات المختلفة بالأحداث المفصلية؟.
– التحرر من التبعية والارتهان، وكيف صمد الشعب اليمني العظيم في مواجهة العدوان؟.
– الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، وكيف يمكن لليمن أن تواكب التطورات العالمية حتى تصبح منافسة لتلك التطورات؟.
ما يميز الكتاب أنه لا يكتفي بعرض الوقائع، بل يسعى إلى فهم الخلفيات السياسية والاجتماعية التي دفعت باتجاه تلك الأحداث، مما يجعله مصدرًا مهمًا للباحثين، وصنّاع القرار، وحتى المواطن العادي الذي يريد فهم ما جرى بعيدًا عن الخطابات الرسمية والمواقف المعلبة.
لماذا يجب أن يُقرأ هذا الكتاب؟
لأنه شهادة تاريخية من الداخل، فليست كل الكتب السياسية تروي الأحداث من منظور من عاشها، لكن هذا الكتاب يحمل تجربة شخصية موثقة.
لأنه يكشف كواليس السياسة اليمنية، فيتناول قضايا لم تكن تُطرح بشكل مباشر، ويوضح كيف جرت الأمور خلف الأبواب المغلقة.
لأنه يقدم قراءة عميقة للأحداث، فالكتاب ليس مجرد أرشيف زمني، بل تحليل للأخطاء والدروس المستفادة، ما يجعله دليلًا لفهم مستقبل اليمن.
في الختام.. «هذا الكتاب» لا يُفوّت
يوضح الأستاذ النعيمي أهمية التوثيق السياسي، وكيف يمكن لهذه الشهادات أن تضيء الطريق للأجيال القادمة؛ فالتاريخ ليس مجرد ماضٍ يُحكى، بل دروسٌ تُستخلص، وتجاربٌ تكرَّر.
«ساعة للتاريخ” هو أكثر من مجرد كتاب سياسي، إنه وثيقة تنبض بالحياة، تأخذ القارئ إلى دهاليز السياسة اليمنية، حيث الحقيقة ليست دائمًا كما تبدو، ولكنها دائمًا تحمل أثرها على المستقبل.
إن اختيار عبارة “علينا أن نتعض من دروس التاريخ وعبره وعضاته” على واجهة الكتاب يعكس أسلوبًا غير تقليدي أكثر إثارة، لأنها توضح أن الكتاب يجمع بين الدرس والعبرة والأثر المؤلم الذي تتركه الأحداث في الذاكرة الجمعية؛ فكلمة “نتعض” تحمل في طياتها معنى التأثر العميق والاستفادة من التجارب بطريقة تتجاوز الإدراك العقلي إلى الإحساس الحقيقي بوقع الماضي؛ أما استخدام “عضاته” بدلًا من “عظاته”، فيكسر النمطية المعتادة في الحديث عن التاريخ، حيث يبرز الوجه القاسي له، ذلك الذي يعضّ الأمم والشعوب إن هي تجاهلت دروسه، ويجعل القارئ يتفاعل معه على مستوى أعمق، كأنه يستشعر الألم والتحذير المخفي وراء كل تجربة.
وبهذا التكوين، يصبح الكتاب أكثر تأثيرًا، فهو لا يكتفي بدعوة باردة لاستخلاص العبر، بل يدفع القارئ دفعًا إلى الشعور بأن التاريخ ليس مجرد روايات تُسرد، بل أحداث تُعيد تشكيل الواقع، إما بإلهام يقود للتغيير، أو بندوب تظل شاهدة على أخطاء لم يُتعظ منها.
هل تبحث عن قراءة مختلفة في التاريخ السياسي اليمني؟ “ساعة للتاريخ” هو الكتاب الذي تحتاجه.