صدى البلد:
2024-09-27@07:18:52 GMT

كريمة أبو العينين تكتب: فوضى الثوابت

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

فى خضم ما تشهده غزة من حرب إبادة بأيدي الصهاينة وحلفائهم ، قفز الى عقلي الكثير من التصريحات التى كال بها العالم المتحضر عند تعرض مصالحه وأفراده للخطر ، فبسرعة البرق تتواصل عبارات الإدانة والاستنكار وبالطبع مصحوبة بالأفعال وليس الأقوال فقط . 

هذا العالم الغربي الذى عايرنا دوما أبناء منطقة الشرق الأوسط بالتخلف والرجعية والاستعباد ؛ هو نفس العالم الذى انتفض عن بكرة أبيه عام ٢٠١٥ متجمعا بكل زعماءه يدا بيد واصفا قتل  طالب لمعلمه بإحدى الجامعات الفرنسية بالعار والإرهاب ؛ ويجب الضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه انتهاك القوانين الدولية والقيم الإنسانية وتهديد حياة البشر .

 هو نفس العالم ونفس الزعماء والشخصيات التى دعمت ما يعرف بدولة إسرائيل فى حربها ضد شعب أعزل فى غزة ، وهى نفس القوى والرؤساء الذين اصطفوا جنبا الى جنب يشاهدون مجازر إسرائيل فى قطاع غزة بعين المراقبة والانتظار لنتائج نصر إسرائيل مع مدها بكافة أنواع الدعم وبالطبع على رأسه الدعم العسكرى ، تخيل هذا العالم اجتمع على بكرة أبيه فى مواجهة فئة قليلة كل ذنبها أنها تدافع عن أرضها وتحاول منذ ٧٥ عاما وربما أكثر أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من بقايا وطن كتب عليه الحزن والقهر منذ مجيء الصهاينة الى الأرض المقدسة. 

هذا المجتمع الدولى الغربى لم يحزنه رؤية اكثر من ٦٠٠٠ آلاف طفل قتلى ومثلهم عشرات الالاف مصابين ، هو نفس العالم المتشدق بالحرية المزعومة الذى أغمض عينيه وسد أذنه عن أنين الثكالى والمكلومين من فقدان ذويهم ، هو نفس العالم الذى جسده المدعو ستيوارت الذى هاجم بائع مصرى فى الولايات المتحدة وقال له صراحة قتل ٥٠٠٠ طفل فى غزة لا يكفي !!

 هو نفس العالم الذى يحشد قواه مع أوكرانيا لمواجهة روسيا ، وفى المقابل برضى بما خلفته العسكرية الإسرائيلية من دمار فى كل انحاء قطاع غزة ولم يترك شجرا ولا حجرا  ولابشرا الا واعتدى عليه باسم من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ؛ هو نفس العالم الظالم الذى حاصر ايلون ماسك مالك شبكة تويتر سابقا واكس حاليا ومنع عنه معظم وسائل ارصدته بحجب الإعلانات عن منصته لمجرد انه سمح بعرض البشاعات الإسرائيلية ضد غزة. 

وهو هو نفس العالم البغيض الذى اعطى أوامره لكافة وسائل التواصل الاجتماعي بحجب ما ينشر من بشائع المجزرة الإسرائيلية عن الظهور عبر الفيس وانستا جرام وتيليجرام مع إعطاء كل الحقوق للإسرائيليين وداعميهم فى نشر كل ما يرونه مفيدا لهم ولدولة إسرائيل المزعومة ، هو ياعزيزى القارئ نفس العالم المريض نفسيا بكراهية منطقتنا من أعطى حق التحدث عن مصير غزة ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية عليها ، هو نفس العالم البغيض الذى يؤازر الصهاينة فى مخططهم الرامي الى تهجير أهل غزة الى سيناء وأهالي الضفة الغربية الى الأردن وبذلك تطوى صحيفة فلسطين الى الأبد .

 هو نفس المجتمع الغربي الذى صور لنا انسانيته تهتز وترتجف لوقوف طائر بالقرب من سلك كهربائى فى مدينة نيويورك الامريكية ويسارع لنجدة الطائر ويسخر كل القنوات لمشاهدة وقفته الإنسانية من اجل انقاذ طائر برىء ، هو نفس المجتمع بأشخاصه المرضى النفسيين بقهر منطقتنا والاستيلاء على خيراتها بعبارات رنانة مثل الحرية والديمقراطية والوقوف فى وجه طواغيت الحكم والسياسة ، هو نفس العالم الذى حدثنا عن القوانين الدولية والتشريعات القانونية وعن رفض العنصرية والحرص على حقوق المرأة وأن يعيش الأطفال فى سلام آمنين وأن يهنىء الكبار بما تبقى لهم من عمرهم ويعيشون فى سلام وأمان ، نفس من تغنوا بحقوق الانسان دوما هم نفس الأشخاص المرحبين بتدمير غزة واجتثاث شعبها من جذوره . 

هو نفس العالم ونفس الأشخاص التى تنطلق من مصطلح فوضى الثوابت فما تربيت عليه من معانى وقيم أصبح باليا ، وما نشأت عليه من أخلاقيات ما هو الا محض هراء ، الدفاع عن الوطن اصبح إرهابا ، قتل الأبرياء أصبح دفاعًا عن النفس ، انتهاك حرمة الأديان وقدسيتها صار يعرف بحرية الرأى والتعاطي ، حقوق الانسان بصفة عامة ليست متساوية فحق الإسرائيلي فى الحياة هو الأعظم والارقى ولا يوازيه حق  آخر ولا حتى حق الفلسطيني لا سمح الله فى الحياة آمنا مطمئنًا. نحن نعيش عصر "فوضى الثوابت " ذلك العصر الذى اختلطت فيه قيم العدل والمساواة والحرية وأصبحت تفسر وفق المرحلة ووفق الأشخاص ومدى تربعهم على عرش الكرة الارضية الظالم لكل ماهو فلسطينى وعربى حر .


فوضى الثوابت التى نعيشها لن يواجها ويقضى عليها الا جيل يعى ويستوعب ما يدار له من مكائد وخطط لاجتثاثه من هويته العربية والزج به فى غلاف وهمى يسمى الديمقراطية الغربية. فوضى الثوابت صناعة انجلو أمريكية ولكن القضاء عليها صناعة عربية ظهرت على ايدى فئة قليلة تحارب العالم المريض نفسيا الذى تتزعمه عصابة نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية. فوضى الثوابت سيواجه فى قلب الدول التى صنعته والتى هبت عن بكرة ابيها تشاهد الهمجية الممنهجة فى غزة من قتل ودمار واستيلاء على مقدرات وممتلكات الشعب الفلسطيني ، فوضى الثوابت تثبت مقولة تاريخية تؤكد فى فحواها ان الظلم مهما طال زمنه الا انه راحل لامحالة .

 فوضى الثوابت يجب الا تثنيك عزيزي القارئ عن الوقوف بكل ما أوتيت من قوة فى وجه من يسلبون منك مقدراتك وقدراتك بمزاعم وعبارات مطاطة خاوية ، فوضى الثوابت يواجها الايمان بأن الحق لا يموت ابدا ولو تكاثرت عليه الأمم ، فوضى الثوابت محتها آية كريمة تقول معانيها انه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة .. فوضى الثوابت مجرد ظاهرة وسيتخطاها أبناء الشرق الأوسط لأنهم صار لهم قوة تجبر أعداء الله على أن يرضخوا لقوة الحق والايمان . فوضى الثوابت تطلب منك ان تظل ثابت ومستمسك بقيمك ودينك مهما كانت الفوضى ومهما عزت الحياة ومهما أراد لك ومنك أعداء الحق والإنسانية والحياة.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

الهوية الوطنية حائط الصد الأول فى مواجهة الحروب الفكرية

أصبح العالم ساحة للحروب ليست فقط الحروب العسكرية، ولكن أيضا الحروب الفكرية التى تستهدف تدمير الشعوب وتفكيك المجتمعات، وهو الخطر الذى فطنت إليه القيادة السياسية على مدار السنوات الماضية، فكان السعى المستمر نحو تنمية الوعى وتعزيز  الهوية الوطنية التى تُعد بمثابة حائط الصد الأول للأفكار الغريبة والشاذة التى تستهدف المجتمعات العربية والإسلامية، فالهوية الوطنية تضم مجموعة من السمات التى تُميز كل دولة عن غيرها، وتتضمن الموقع الجغرافى والتاريخ،  والثقافة والدين، لذلك فإن تعزيز هذه العناصر داخل أفراد المجتمع ضرورة لتعزيز الولاء والانتماء للوطن، فالهوية الوطنية تلعب دورا مهما فى رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها تفقد الأمم كل معانى وجودها واستقرارها.

وتحرص الدولة المصرية على مدار تاريخها على حماية الهوية الوطنية المصرية الفريدة من أى محاولات لطمسها أو تشويهها، خاصة خلال العشر سنوات الأخيرة التى زادت فيها المخاطر والتحديات التى تواجه الهوية المصرية، لذلك كان تعزيز الهوية الوطنية جزءا رئيسيا من برنامج حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، حيث أكدت أن أهمية الهوية الوطنية للمجتمع تكمن فى غرس القيم الإيجابية وروح الانتماء والولاء للوطن داخل أفراده، فى كونه عنصرًا جوهريا لتحقيق التماسك بين فئات المجتمع المتنوعة والمختلفة، وهو ما يتسق مع نص المادة ٤٨ من الدستور المصرى والتى تنص على التزام الدولة بإتاحة الثقافة لمختلف فئات الشعب دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي، لذلك فمن الضرورى عند وضع الرؤية الخاصة بتعزيز الهوية الوطنية مراعاة حصول أصحاب  الهوية على الحقوق ذاتها، كحق التعليم، وحق التعبير عن الرأي، وحق الحياة بكرامة، وحق العمل، وغير ذلك من الحقوق التى تجسد معانى الهويّة الوطنية، كذلك الواجبات وهو ما تحاول الدولة المصرية العمل عليه من خلال مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى التى تستهدف تعظيم استفادة كل مواطن من موارد الدولة.

وفى خطوة تعكس جدية الدولة فى التعامل مع قضية الهوية الوطنية، فإن  استراتيجية مصر 2030 لم تغفل عن وضع رؤية خاصة بحالة الثقافة والهوية الوطنية، حيث نصت على أنه بحلول عام 2030 يكون هناك منظومة قيم ثقافية إيجابية فى المجتمع المصري، تحترم التنوع والاختلاف وتمكين المواطن المصرى من الوصول إلى وسائل اكتساب المعرفة، وفتح الآفاق أمامه للتفاعل مع معطيات عالمه المعاصر، وإدراك تاريخه وتراثه الحضارى المصري، وإكسابه القدرة على الاختيار الحر وتأمين حقه فى ممارسة وإنتاج الثقافة، على أن تكون العناصر الإيجابية فى الثقافة مصدر قوة لتحقيق التنمية، وقيمة مضافة للاقتصاد القومي، وأساسًا لقوة مصر الناعمة إقليميًا وعالميًا.

وفى خطوة مهمة أعلنت الحكومة الاستجابة للمطالب الخاصة بإطلاق استراتيجية للحفاظ على الهوية الوطني، وتشكيل الوعى وفق خطط تنمية ثقافية عادلة، ومواصلة وزارة الثقافة خطتها لتفعيل وتنفيذ التوصيات الصادرة عن لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطني، وهو ما يساهم بشكل جدى فى مواجهة الأفكار المتطرفة والشاذة ومحاولات سرقة الهوية وتزييف التراث، والعمل على الوعى الجمعى ووضع برامج للتوعية، وترسيخ القيم الإنسانية وتفعيل قيم المواطنة، والارتقاء بالذوق العام المصرى وتأصيل الحس الجمالي، فى ظل الانفتاح الذى تسببت فيه وسائل التواصل الاجتماعى والتى جعلت العالم قرية صغيرة من السهل نشر الأفكار من خلالها، الأمر الذى يتطلب دعم صناعة الوعى وتوثيق العلاقة بين الدولة والمواطن.

وأخيرا.. الدولة المصرية تدرك أهمية ترسيخ الهوية الوطنية، لذلك تعمل بجدية على خوض هذه المعركة الهامة على عدد من المحاور بداية من تطوير المناهج الدراسية لتشمل مزيدًا من التاريخ المصرى والثقافة الوطنية، بالإضافة إلى تدشين حملات توعية دينية وثقافية للشباب والمراهقين من خلال مراكز الشباب والأندية الاجتماعية، وتعزيز مشاركة الشباب سياسيا واجتماعيا وتمكينهم اقتصاديا، وتعزيز روح التوافق والتلاحم بين فئات الشعب المصري، وبناء الإنسان المصرى بما يجعله مؤهلا لخوض التحديات الراهنة، فضلا عن نشر الفكر الذى يتناسب مع قيم المجتمع الدينية والتراثية.

مقالات مشابهة

  • الهوية الوطنية حائط الصد الأول فى مواجهة الحروب الفكرية
  • مجتمع النفايات الفكرية «٤»
  • برغم القانون حقوق المرأة على مائدة الدراما المصرية
  •  «الإجراءات الجنائية» دستور الحقوق والحريات
  • غزة ولبنان.. جرائم أمريكية
  • 10 أفلام ..انتعاشة سينمائية على أبواب شباك التذاكر
  • نائب محافظ دمياط يتفقد أعمال مبادرة حياة كريمة
  • محمد مغربي يكتب: كيف تحدت «هواوي» قرارات الحظر الأمريكية؟
  • محافظ أسوان يهدي أفواج سياحية هدايا تذكارية
  • محافظ أسوان يلتقي فوجًا سياحيًّا ويقدم لهم هدايا تذكارية