أعتقد أنه ينبغي أن يتركز الجزء الأكبر من عملية إدارة الحكومات العربية والإسلامية صراعها مع الحكومات الإسرائيلية فيما يخص القضية الفلسطينية في الإجابة عن التساؤل الموجود أعلاه، وهو: كيف تفكر الدولة الإسرائيلية؟
التساؤل مبني على فرضية أن النتيجة النهائية في إدارة العرب والمسلمين لهذا الصراع الممتد عبر أكثر من جيل مقتصرة على أنه لم نستطع تحقيق هدفنا من الصراع وهو استرجاع حقوقنا الإسلامية التاريخية، أو على الأقل العيش الكريم للإنسان الفلسطيني، أو حتى مساعدته في حقه بتقرير مصيره الذي هو أحد مبادئ تأسيس منظمة الأمم المتحدة، هذا معناه أننا نستخدم نفس أساليب ونفس أدوات الصراع، وبالتالي النتيجة نفسها، فماذا لو حاولنا تغيير الأدوات، ولو من باب المحاولة.لنفترض أن هذه المحاولة هي: بمثابة نوع من تمرين أو تدريب في برنامج تطوير الذات القائم على اعتراف الفرد بوجود نقص في مهارة معينة لديه، وبالتالي يريد تطويرها كي يغير من حاله.
في علم المنطق الذي يعتبر إحدى أدوات التفكير الرصين لدى السياسيين فإن النتيجة أو ما يعرف في السياسة بالمخرجات التي يصل إليها أي نظام كان، سواء النظام السياسي أو النظام الإداري إنما هو بفعل «المدخلات»، فإذا كانت المدخلات صحيحة نتوقع المخرجات سليمة وعاكسة لصحة المدخلات وقوتها، أما غير ذلك فالمدخلات تحتاج إلى مراجعة.
وبما أن كل طرق التعامل الإسلامي والعربي مع إسرائيل لم تحقق أي نجاح حتى الآن، رغم مرور ثمانية عقود على الصراع، فأظن أنه من المنطق مراجعة أدوات إدارة العرب للصراع، منها: طريقة تفكيرنا السياسي وعدم الاقتصار على منطق القوة في معالجة هذه القضية، وإن كان هو الجزء الأهم، ولكن علينا تنويع أدواتنا واستخدامها وفق الوقت المناسب، وعدم اعتبار كل من اجتهد في إيجاد منهج جديد في الإدارة «خائناً» للقضية.
العنف والتعصب لم يخدما ولم يفيدا «أعدل قضية» في تاريخ الإنسانية بقدر ما تكون نتيجتها أو مخرجاتها المزيد من الخسائر في الأرض الفلسطينية، وهذا هو السيناريو المتداول حالياً، فأحد شروط إسرائيل إيقاف الحرب هو السيطرة على غزة. ما أقصده، إدارتنا للقضية تحتاج إلى فكر سياسي واع يبتعد عن «التشنجات» والصوت العالي.
تداعيات الأزمة أو الحرب التدميرية الحالية التي تقوم بها إسرائيل، تذكرنا (كما تنقل لنا كتب التاريخ) بما حدث في العام 1948، حيث إن المتطرفين اليمينيين من مؤسسي الدولة الإسرائيلية كانوا يبذلون جهداً لتفريغ الأرض الفلسطينية من شعبها وإحلال اليهود القادمين من مختلف بقاع الأرض مكانهم. أما الفلسطينيون الذين رفضوا الهجرة وقتها فاتهموا بالخيانة، مع أن الزمن أثبت صحة قرارهم اليوم، وهذا حالنا العربي نتهم من يختلف عنا بـ«الخيانة» وبعد خسارة كل شيء نردد كلمة «لو»، حصل في 1967 وحصل أيضاً في 1979 مع الرئيس أنور السادات.
«ردة الفعل» وليس الفعل هي سمة السياسة العربية، إلا قلة من الدول من ضمن تلك الدول: دولة الإمارات العربية المتحدة التي بات لها تأثير ملحوظ في دبلوماسيتها الخارجية في ملفات محددة؛ لأنها غيرت أدوات إدارة الصراع مع الآخر وليس إسرائيل فقط. وتعامل الدبلوماسية الإماراتية مع الوضع الحالي في غزة لم يتغير عما كان في السابق التي تعتبر القضية الفلسطينية مبدأ أساسياً في سياستها الخارجية، ولم تقتصر إدارتها للأزمة الحالية على التنديد والاستنكار، وإنما العالم يشهد على جهودها الدبلوماسية في المنظمات الدولية وفي مواقفها مع أهل غزة بالأفعال وليس الكلام.
التحرك نحو بذل الجهود الفكرية لفهم طريقة تفكير القيادة الإسرائيلية التي استطاعت أن تتحول من «كيان سياسي» كان من المفترض أن يختفي في وسط الدول العربية والإسلامية، إلى أن تكون دولة قوية يحسب لها حسابات ليس في الإقليم فقط وإنما في الدول الأوروبية أيضاً، ومن ثم تعزيز معرفتنا إن كان هناك تياران سياسيان (يميني ويساري) في إسرائيل مختلفان في إدارتهما لهذا الصراع، أم هي سياسة توزيع أدوار؟!
ليس من المنطق ولا من المكانة السياسية ما وصلت إليه الدول العربية بأن تكون إدارة واحدة من أعقد الأزمات في العالم بطريقة المشاعر والأحاسيس؛ لأن العلاقات الدولية لا تقوم على منطق (الحب والكره) وإنما بالتفكير الاستراتيجي.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
انطلاق الدورة العادية 163 لجامعة الدول العربية على مستوى المندوبين
في خدمة مميزة نقدم بث مباشر لـ انطلاق أعمال الدورة العادية الـ 163 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين.
وقال بشير جبر، مراسل القاهرة الإخبارية من غزة، إن قطاع غزة شهد خلال الساعات الماضية ليلة دامية من الغارات الإسرائيلية التي طالت مختلف مناطق القطاع، في تصعيد يوصف بأنه من الأعنف منذ بداية العدوان، والطائرات الحربية الإسرائيلية لم تغادر الأجواء.
وأضاف: شنت قوات الاحتلال غارات مكثفة على أحياء متفرقة، أبرزها في مدينة خان يونس جنوب القطاع، حيث استُهدفت منطقة المواصي، ما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، بينما تواصل سيارات الإسعاف عمليات البحث وسط الدمار الهائل.
وتابع خلال رسالة على الهواء مع منى عوكل، أنه في مدينة رفح، ما تزال أصوات الانفجارات تُسمع بشكل متقطع، نتيجة قصف إسرائيلي يهدف إلى تدمير ما تبقى من الأحياء الغربية للمدينة، مشيرا إلى أن هذه العمليات تأتي ضمن خطة واضحة لإخراج رفح عن الخريطة الجغرافية للقطاع، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية متفاقمة، كما شهدت مدينة خان يونس مجزرة مروعة، حيث قُصفت عائلة شبير بشكل مباشر، ما أدى إلى استشهاد تسعة من أفرادها، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وأكد أن شمال القطاع شهد استهداف مبنى تابعًا لبلدية جباليا النزلة، ما أدى إلى تدمير المبنى بالكامل، إلى جانب تدمير نحو 15 آلية ثقيلة كانت تستخدم في أعمال الإنقاذ ورفع الأنقاض، وتأتي هذه الغارات في إطار سياسة ممنهجة لتدمير البنية التحتية ومنع أي جهود إنسانية أو لوجستية لمساعدة السكان، كما تفاقمت الأزمة بشكل غير مسبوق، فالقطاع يواجه مجاعة حقيقية نتيجة انعدام الغذاء والماء، مع استمرار الاحتلال في منع دخول المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس.