أجاب الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، عن سبب اختلاف المذاهب الفقهية وسبب وجودها في الشريعة الإسلامية.

لماذا وجدت المذاهب الفقهية في الإسلام؟.. 36 سببا من أجل رحمة الأمة خالد الجندي وعلماء مجلس الفقه يدعون لفلسطين وأهلها.. فيديو اختلاف المذاهب الفقهية

وقال علي جمعة، في فيديو له، إن المسلمين عشقوا حرية الفكر، ورأوا أن النصوص منها ما هو قطعي فأجمعوا عليه، ومنها ما هو ظني فاختلفوا في شأنه، وإنما اختلفوا على قواعد وعلى علم وأسس وأصول، ورأوا أن هذا الاختلاف من رحمة الله على عباده.

وتابع: "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة" كان عنوان كتاب للإمام العثماني، أخذه الشيخ الشعراني، وعمل منه كتاب سماه "الميزان الكبرى" وبين في صفحات هذا الكتاب سبب اختلاف الفقهاء.

وأشار إلى أن الفقهاء يختلفون من أجل 36 سبب، ألف فيهم الشيخ على الخفيف، كتابا سماه "أسباب اختلاف الفقهاء" وألف فيه الشيخ الدهلوي كتابا سماه "الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف" وألف فيه ابن تيمية رحمه الله، كتابا سماه "اختلاف الأئمة الأعلام".

الاختيار الفقهي

من جانبه، قال  الدكتور شوقي علَّام - مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم -: إن دار الإفتاء المصرية تعاملت بذكاء وحكمة مع قضايا العصر والمسائل المستجدة باتِّباعها مبدأ الاختيار الفقهي بعدم الاقتصار على مذهب واحد من المذاهب الفقهية الأربعة بل استثمرت واستفادت من مذاهب المجتهدين العظام؛ بما يحقق مصلحة العباد والبلاد ما دام الأمر لم يكن مخالفًا للشرع الشريف.

وأوضح مفتي الجمهورية، أن الإمام الليث بن سعد -رحمه الله- يُعد من أبرز فقهاء مصر على مر العصور، ويلقِّبه المحققون بفقيه مصر، وهو يستحق هذا اللقب عالي القدر لغزارة علمه، وقد عاش في القرن الثاني الهجري وعاصر الإمام مالكًا رضي الله عنه. وقيل عنه إنه فاق في علمه وفقهه الإمام مالك بن أنس، غير أن تلامذته لم يقوموا بتدوين علمه وفقهه ونشره في الآفاق، مثلما فعل تلامذة الإمام مالك، وكان الإمام الشافعي يقول: "الليث أَفقه من مالك إِلا أَنَّ أَصحابه لم يقوموا بِه".

حكم التزام أهل بلد بمذهب فقهي

وقالت دار الإفتاء، إن اجتماع أهل بلد على مذهبٍ مُعَيَّن فيه حفاظ على وحدتهم الثقافية، والوقاية من التفرق، والحدّ من التنازع، وهي مقاصدُ تُقام عليها الدول، وتُصانُ بها مقدراتها؛ ممَّا يؤدي إلى استقرار الحقوق وانضباط المعاملات؛ خاصة في الأحكام الخلافية التي يترتب عليها ثبوتُ بعض الحقوق في قولٍ وعدمُها في قول آخر، ولو ترك للناس أنْ يحكم كلٌّ منهم بما يراه، وأن يتخير ما يشتهي من الأقوال؛ لأدَّى ذلك إلى الاضطراب في كثير من الأحيان.

وأكدت دار الإفتاء، أن من مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية تنوّع المذاهب الفقهية، وهو أيضًا من أسباب جمع الكلمة وائتلاف المجتمع ووحدة الصف؛ فإنَّ التزام أهل البلد الواحد بمذهب مُعَيَّن فيه تحقيقُ النظام ولزومُ الجماعة وتوحيدُ المرجعية؛ بالتزام أهله بما يُفْتِي به علماؤه الذين يرجعون إلى أصول مذهبهم وقواعده في تنزيل أحكامه ومسائله على وقائعهم ومستجداتهم، بما تفتضيه مصالح مجتمعاتهم، فصار المذهبُ جزءًا من ثقافة المجتمع الدينية؛ لتعلقه بكافة شؤون الإنسان من شعائر وعبادات، وعقود ومعاملات، وأعراف وعادات؛ وذلك كلّه من التيسير الذي جاءت به الشريعة للمُكلَّفين، وأسباب رفع الحرج عنهم.

واستشهدت دار الإفتاء، بقول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".

وذكرت دار الإفتاء، أن المذاهب الفقهية المعتبرة كلها على خير؛ قال الإمام القرافي في "الذخيرة" (1/ 140-141، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال الزناتي: والمذاهبُ كلها مسالكٌ إلى الجنة، وطُرقٌ إلى السعادة، فمن سَلَكَ منها طريقًا وصَّله] اهـ.

وأوضحت، أن اجتماع أهل بلد على مذهبٍ مُعَيَّن فيه الحفاظ على وحدتهم الثقافية، والوقاية من التفرق، والحدّ من التنازع، وهي مقاصدُ تُقام عليها الدول، وتُصانُ بها مقدراتها.

كما أنَّ التزام أهل البلد بمذهب مُعَيَّنٍ ممَّا يؤدي إلى استقرار الحقوق وانضباط المعاملات؛ خاصة في الأحكام الخلافية التي يترتب عليها ثبوتُ بعض الحقوق في قولٍ وعدمُها في قول آخر، ولو ترك للناس أنْ يحكم كلٌّ منهم بما يراه، وأن يتخير ما يشتهي من الأقوال؛ لأدَّى ذلك إلى الاضطراب في كثير من الأحيان.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: المذاهب الفقهية الشريعة الإسلامية الأئمة المذاهب الفقهیة دار الإفتاء فی قول

إقرأ أيضاً:

عميد كلية بيت لحم: ما يحدث في غزة إبادة.. وصمت العالم خيانة للإنسانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور القس منذر إسحق عميد كلية بيت لحم للكتاب المقدس، إن أمس الأحد كان ثاني أحد شعانين في ظلّ الإبادة، واستقبل أهلنا في غزة هذا العيد في ظلّ هجوم على المستشفى الأهلي التابع للكنيسة الأسقفية الشقيقة والملاصقة للكنيسة، وأخبار عن تدمير مبنيين فيه وإخلاء كلّ ما في المستشفى، مشاهد تُبكي، كلّ هذا في ظلّ تهديدات خطيرة بالتهجير القصريّ.

وأضاف “اسحق” خلال الكلمة التي ألقاها بالكنيسة في فلسطين، أن الإنسانيّة في أزمة حقيقيّة، هي في أزمة منذ السقوط وأرضنا كان لها النصيب الكبير من الويلات، ولكن ما يحصل اليوم في غزة فعلاً لا يُطاق، عام ونصف من الجحيم الحقيقيّ وغياب الرحمة، ويلوموننا عندما نتكلّم عن صمت العالم أو صمت الكنائس، لا يجب أن نتوقف عن الكلام عن غزة، ففي هذا خيانة لإنسانيّتنا وإنسانيّة أهل غزة،  ألا يكفي إنكار الإبادة؟

واستطرد “إسحق” ، أنه في بداية أسبوع الآلام، لا يمكننا إلا أن نوجّه صرخة ألم وعتاب، صرخة غضب وقهر، إلى الله أولاً، ونقول له، ارحم أهل غزة، فقد نالوا من الويلات ما يكفي وأكثر. مع المزمور نقوِل: " لأنه قد شبعت من المصائب نفسي، وحياتي إلى الهاوية دنت. حسبت مثل المنحدرين إلى الجب. صرت كرجل لا قوة له. بين الأموات فراشي مثل القتلى المضطجعين في القبر، الذين لا تذكرهم بعد، وهم من يدك انقطعوا." (مزمور ٨٨).

وتابع" إسحق" : وهي صرخة ألم وغضب إلى العالم العربي، وإلى العالم الغربي الكاذب الذي يتغنّى بالمواثيق والمعاهدات، عالم يفتقد إلى الرحمة، إلى الضمير والإنسانيّة، واليوم نصرخ كما صرخنا قبل ألفي عام: "أوصنا،" أي خلّصنا. خلّصنا من الموت والدمار، من الخوف، من الأنانيّة والطمع، من التطرّف، من الإبادة، من الوحشية وغياب والرحمة، خلّصنا وخلّص عالمنا، خلّص غزة واليمن والسودان وسوريا واوكرانيا و كل مكانٍ فيه موت ودمار.

وأشار "إسحق"، إلي أن الألم والمذابح، الخوف والهلاك، كلّها جزء من خلفيّة قصة الانجيل في بداية أسبوع الآلام. يبدأ اليوم أسبوع الآلام، ونرافق يسوع في الأسبوع الأخير من حياته على هذه الأرض. أسبوع مليء بالتحديات والتناقضات، وطبعًا الآلام. بدأ بالاحتفال والتظاهر وانتهى بقيامة من الموت، لكن ليس قبل أن يمرّ بالآلام.

واضاف “عميد كلية بيت لحم”، أن المُلفت في هذا الأسبوع هو التناقض بين الأحد الأول وما تلا ذلك من مجادلات ومحاكمة وإعدام، وبدأ الأسبوع باحتفال، فيه تنصيب ملوكي، ونكهة الانتصار، وإن كان بنكهة أخرى، لأنه دخل على حمار لا مركبات الحرب. كان هناك تفاؤل حقيقيّ بقرب الانتصار.

وأكد الدكتور منذر، أن المشكلة أننا في يأسنا وخوفنا وقهرًا كثيرًا ما لا نعرف ما نحتاج، نريد أن نواجه العالم بأسلوب العالم، أن نستبدل ممالك العالم بممالك مشابهة، فعلاً التناقض غريب، فكيف اختلفت الأمور وانقلبت في أيامٍ قليلة.

وتابع “إسحق” : في رحلتنا في الأسبوع الأخير من حياة المسيح على الأرض، الاثنين إلى الخميس، سنرى المسيح يتصادم مع أهل القدس وحكامها، ما أسميه المؤسستين الدينيّة والدنيوية، والشعب التائه بين هذا وذاك! فهو أعلن، لا تعطوا لقيصر أكثر مما يستحق، وقدّم طريقًا جديدًا للملك – طريق التضحية وخدمة الآخر. وسنراه ملكًا يغسل أرجل تلاميذه – لا العكس

واستطرد ، وفي هذه الأيام، تصادم أيضًا مع المؤسسة الدينية، معلنًا أن لا شريعة سوى شريعة المحبة، ومشدّدًا أن القلب النقي وفعل الخير ومساعدة القريب هي جوهر الإيمان. وتكلّم أيضًا عن روح الله الذي فينا الذي يرشدنا للحق – لا عن وكالة الدين والشريعة أو عن دور إفتاء تفكّر عن الإنسان وتتحكم بقراراته أو تفرضها، وتسخّر الدين للسيطرة على البشر، ومن أجل المصالح الشخصيّة. كان فكره راديكاليّا ومتحرّرًا للغاية، حتى بمعايير اليوم.

وأشار “إسحق” إلي أن دخول المسيح إلى القدس كان لمواجهة مملكة العالم أو الإمبراطورية، أو فكر قيصر، هي تعبير لفكرة السيطرة والتحكم بالآخر وموارده وتسخيره من أجل مصالحك ونمو امبراطوريتك، تحت مسمّى نشر السلام والحضارة والرقي أو حتى الديموقراطية.

وأضاف “إسحق ” أن المؤسسة الدينية هي فكرة الشريعة الدينية الدنيوية التي تتحكم بالإنسان وحريته وعقله تحت مسمى تحقيق إرادة الله وشرعه على الأرض. هي تفويض الإنسان نفسه وكيلاً لله على الأرض لفرض الشرائع الدينية – افعل، ولا تفعل؛ يجوز ولا يجوز؛ محلل ومحرم؛ طاهر ونجس،  بقصد إرضاء الله، وتفويض الإنسان نفسه وكيلاً على الأرض ليقول هذا لي بحقّ إلهي، واليوم، نتذكر أنه دخل القدس ملكًا – ليتحدى أولاً مفهوم الـُملك بفكر الإنسان، وليبدأ بتأسيس مملكة جديدة على هذه الأرض؛ مملكة فيها الملك يركب على حمار، متواضع ووديع، يَخدِمُ لا يُخدم، يُضحّي من أجل شعبه، لا يطلب من شعبه أن يُضحّي من أجله. مملكة الحرية وسلام الإنسان مع الله والناس؛ مملكة الحقّ والعدل والمصالحة. دخل القدس ليعلن نفسه السيّد والربّ (لا قيصر!)، ولينشر شريعة المحبة والتضحية، دخل متحديًّا، فلاقى الموت والآلام.

وتابع : وهكذا حاكمه العالم والدين “الخميس والجمعة”، وقتله، وما زلنا نعيش ضحايا لذات الأمور - الاستعمار تحت مُسمّى الدين - ما زلنا ضحايا منطق الحقّ للقوة، ومنطق تفويض الإنسان لنفسه وكيلاً لله على الأرض من أجل المصلحة الذاتية وإقصاء وحتى إبادة الآخر، وإعطائها مسميات دينية تبدو سامية، في القدس، حتى ابن الله يُصلب، وما زلنا في إيماننا نصرخ له "أوصنا"، لأننا نرفض الخضوع لليأس، ما زال أطفال فلسطين يصرخون "أوصنا"،  وإن صمتت غزة، بيت لحم والقدس ورام الله والناصرة تصرخ عنهم وعنّا "أوصنا"، اليوم هكذا نقاوم، بأن نقف شامخين حاملين هذه الشعنينة بوجه الظلم صارخين إلى السماء "أوصنا".

واستطرد ، ليكن لنا إيمان اليوم، لنصرخها بإيمان “أوصنا” وكأتباع ليسوع هنا في ذات المكان وبعد ألفي عام، لنتذكر أن خلاصنا ليس مرتبطًا بإنسان ما، أو مملكة بشريّة ما، أو منظومة فكريّة بشرية، وإلا فسنبقى ننتظر، الخلاص الذي أتى من أجله المسيح هو أولاً خلاص الإنسان من دينونة الخطيئة، ومن سطوة الخطيئة على حياتنامن الأنا، من الكبرياء، من العظمة، أتى ليموت على الصليب، وليرينا طريقًا أفضل، بل وليقوينا لحياة أفضل بقوة روحه. فنعيش بنهج المحبة؛ الخير؛ الصدق؛ العدل هذه قيمنا، هذه مفرداتنا هذا هو خلاص المسيح. دخل المسيح إلى القدس ليصالحنا مع الله، في الصليب، صليب المصالحة مع الله أولاً، ومن ثمّ مع أخينا الإنسان، لهذا نصرخ أوصنا. هنا نهج الخلاص.

واختتم  الدكتور القس منذر إسحق عميد كلية بيت لحم للكتاب المقدس، كلمته قائلا، سنبقى نصرخها حتى نرى القيامة، عندما سنراه ملكًا مقامًا منتصرًا، على أشرس أعداء البشرية جمعاء، أي الموت. سنراه بقيامته يدشّن مملكةً تحدت قياصرة العالم؛ مملكة انتشرت وعاشت؛ كانت وما زالت وستكون، مملكة ابن الإنسان؛ "فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ، سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ "، مملكة العدل والبرّ والحقّ، آمين تعال يا ربّ بروحك والمس أراضينا، لكي نرى حقّك وعدلك في أرضنا، وابدأ فينا في ذواتنا في قلوبنا - آمين.

مقالات مشابهة

  • حكم صلاة المأموم مع الإمام في صف واحد.. الإفتاء تجيب
  • وقت صلاة الضحى وعدد ركعاتها وفضلها.. الإفتاء توضح
  • حكم كتابة الأذكار على كفن الميت.. الإفتاء توضح
  • جدل الشريعة الإسلامية يتجدد في برلمان الأردن.. وتحريض واسع ضد الإخوان
  • المسافة المسموح بها بين الصفوف في صلاة الجماعة.. الإفتاء توضح
  • فضل الصلاة في الصف الأول.. الإفتاء تكشف ثوابها
  • مؤلم ما يحدث في الفاشر مثلما كان مؤلما حينما حصل في قرى الجزيرة والدندر والخرطوم
  • عميد كلية بيت لحم: ما يحدث في غزة إبادة.. وصمت العالم خيانة للإنسانية
  • توتر ومشاحنات تحت القبة بعد رفض تضمين عبارة “مع مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية”
  • هل تجوز صلاة النوافل في جماعة؟ دار الإفتاء تجيب