هل ستكون تشاد الحليف الغربي القادم الذي سيسقط في أفريقيا؟
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
نشرت صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن التحديات الأمنية والاقتصادية والتطورات السياسية التي قد تكون مؤثّرة في مستقبل التحالفات الدولية للتشاد.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن المشاعر المعادية لفرنسا تزايدت بشكل حاد في منطقة الساحل بعد فشل التدخل العسكري الفرنسي الطويل في وقف العنف الجهادي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
واجتاحت موجة من الانقلابات المنطقة منذ سنة 2020، طالت كلا من مالي وبوركينا فاسو والنيجر. حاول الذين صعدوا تبرير أفعالهم بوصفها من الضروريات الأمنية، وقد اتخذت هذه البلدان من فرنسا كبش فداء لتعزيز شعبيتها.
وسرعان ما طُرد الجنود الفرنسيون، على الرغم من أن ذلك لم يعزز الوضع الأمني. ويقع المقر الرئيسي لعمليات فرنسا في تلك البلدان في قاعدة دائمة في عاصمة تشاد، نجامينا، وهي أقرب حليف لها في المنطقة منذ فترة طويلة. وتصل في الوقت الراهن قوافل كبيرة من الجيش الفرنسي المنسحبة من النيجر إلى المدينة.
وذكرت الصحيفة أن كثيرين يشعرون بالقلق من احتمال طرد فرنسا من تشاد. وحسب مسؤول غربي، تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة انخفاض الدعم لفرنسا وارتفاع شعبية روسيا. ويخشى آخرون من أن التوتر والتهديدات السياسية على حدود تشاد يمكن أن تتحول إلى حرب أهلية. في هذا السياق، أوضح كاميرون هدسون من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن أن "الوضع بمثابة برميل بارود سوف ينفجر".
وهذا من شأنه أن يشكل كابوسا جيوسياسيا لأن تشاد تشكل نقطة فاصلة بين عدة اضطرابات في المنطقة الأوسع: على غرار الحرب الأهلية والإبادة الجماعية في السودان؛ والعنف الجهادي في منطقة الساحل؛ والفتنة في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا حيث ينشط مرتزقة مجموعة فاغنر الروس في كلا البلدين.
وأضافت أن محمد إدريس ديبي حكم تشاد منذ نيسان/ أبريل 2021، عندما قُتل والده إدريس ديبي في ساحة المعركة على يد المتمردين. كان الرجل الأكبر سناً قد استولى على السلطة في تمرد مسلح في سنة 1990. ولم يثر استيلاء ابنه على السلطة غير الدستوري استياء فرنسا. وسرعان ما توجه رئيسها إيمانويل ماكرون لحضور الجنازة وأكد علنا أن فرنسا ستتدخل لوقف هجمات المتمردين في المستقبل.
ولطالما دعمت فرنسا الحكام المستبدين في تشاد مقابل الجنود التشاديين الذين يقاتلون إلى جانب فرنسا في المنطقة والقواعد الفرنسية في البلاد. وامتد هذا الدعم ليشمل الطائرات الفرنسية التي تقصف قواعد المتمردين. وفي سنة 2021 قدمت فرنسا معلومات استخباراتية عن حركات التمرد ونفذت طلعات جوية تهديدية، لكن لم يطلب من حكام تشاد توجيه ضربات مباشرة.
وأوردت الصحيفة أن ديبي الابن في البداية وعد بمرحلة انتقالية مدتها 18 شهرا لإجراء الانتخابات مع عدم ترشحه. لكن في تشرين الأول/أكتوبر 2022، مدّد الفترة الانتقالية لمدة سنتين وأعلن أنه مؤهل للترشح. على إثر ذلك، خرجت جماعات المعارضة الغاضبة للتظاهر في الشوارع. وقتلت قوات الأمن التشادية 128 شخصا على الأقل في يوم واحد واحتجزت مئات آخرين.
ومن المقرر إجراء استفتاء دستوري في كانون الأول/ ديسمبر وإجراء انتخابات أواخر العام المقبل. لكن من غير المرجح إلى حد كبير أن يخسر ديبي الانتخابات. وعاد زعيم المعارضة الرئيسي، سوسيس ماسرا، الذي غادر تشاد بعد إراقة الدماء في السنة الماضية ولاحقه النظام بمذكرة اعتقال دولية، في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر بعد توقيع اتفاق مع حكومة ديبي.
وأوضحت الصحيفة أن كثيرين يخشون من أن يكون السيد ماسرا، الذي يعاني من نقص الدعم المالي ويفتقر لدعم واشنطن أو باريس، قد تم اختياره من قبل النظام، مع وعد بمنصب حكومي. قد يشكل انقلاب القصر تهديداً أكبر لديبي من صناديق الاقتراع. لم يكن الرئيس هو الخيار المتفق عليه لتولي السلطة عندما توفي والده. وتنتمي الزمرة الحاكمة في تشاد إلى قبيلة الزغاوة في الشرق، التي لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من سكان تشاد.
لكن والدة ديبي ليست من الزغاوة ويكاد يكون من المؤكد أن إخوته غير الأشقاء لديهم تطلعاتهم الرئاسية الخاصة. كما أنه أثار الكثير من الانتقادات عندما أقال عدداً كبيراً من الجنرالات. وعلى الرغم من حياده رسميًا في الحرب الأهلية في السودان، إلا أن ديبي دعم ضمنيًا قوات الدعم السريع، وسمح لدولة الإمارات العربية المتحدة بإرسال أسلحة جوًا إلى المجموعة عبر مطار في أمدجراس، مسقط رأس عائلة ديبي. وفي الوقت نفسه، من الواضح أن الإمارات العربية المتحدة، التي ادعت أن الرحلات الجوية تحمل مساعدات إنسانية وليس أسلحة، قدمت قدرا كبيرا من الدعم المالي لحكومة ديبي.
وأضافت الصحيفة أن العديد من أفراد النخبة الحاكمة في تشاد لديهم علاقات عائلية وقبلية وثيقة مع جماعات الزغاوة المتمردة في منطقة دارفور بالسودان. وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلنت أقوى هذه الجماعات الحرب على قوات الدعم السريع. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات داخل دوائر الزغاوة الحاكمة في نجامينا. وحسب دبلوماسي غربي فإن "دعم قوات الدعم السريع يهدد بإثارة انقسامات أسرية وعسكرية".
وحسب إنريكا بيكو من مجموعة الأزمات الدولية، وهي خلية تفكير تتخذ من بروكسل مقرا لها، فإن ديبي يواجه العديد من التهديدات، لكنه يثبت أنه لاعب سياسي ماهر بشكل مدهش. لا يعني انقلاب القصر بالضرورة اندلاع حرب أهلية أو إجبار الفرنسيين على الرحيل، مع أنه قد يزيد من خطر حدوث أي من الاحتمالين. ومن المرجح أن يؤدي الانقلاب العسكري الذي دبره ضباط من غير الزغاوة إلى إراقة الدماء على نطاق واسع وطرد الفرنسيين. وتشير بيكو إلى أن بعض العرب، حتى داخل الائتلاف الحاكم، غير راضين عن قيادة ديبي.
ومن المرجح أن يغزو المتمردون البلاد من الخارج للإطاحة بديبي. لقد كان المتمردون من ليبيا هم الذين قتلوا والده في سنة 2021، بينما أشارت برقيات استخباراتية أمريكية مسربة في وقت سابق من هذه السنة إلى أن مرتزقة فاغنر كانوا يساعدون المتمردين التشاديين الجنوبيين في جمهورية إفريقيا الوسطى للإطاحة بديبي.
وأكدت الصحيفة أنه ربما تفسر مثل هذه التهديدات السبب وراء بحث ديبي عن طرق جديدة لتعزيز سلطته. في تشرين الثاني/ نوفمبر، وافق البرلمان المجري على نشر ما يصل إلى 200 جندي في تشاد، بدعوى مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. ويشك بعض المحللين في أن هذا الانتشار يهدف في الواقع إلى مساعدة ديبي في تأمين حقول الذهب في الشمال أو ربما حتى حمايته من الانقلاب.
وقد أدى الاتفاق مع خليفة حفتر، أمير الحرب الذي يسيطر على شرق ليبيا، مؤخرًا إلى شن رجال حفتر هجمات على قواعد المتمردين التشاديين في ليبيا. ويتمتع ديبي أيضًا بعلاقات دافئة مع ماكرون، الذي زاره مؤخرًا في باريس. وتشير هذه العلاقة، إلى جانب وضع تشاد باعتبارها الحليف الأخير لفرنسا في منطقة شاسعة ومضطربة، إلى أن فرنسا قد تستخدم القوة الجوية مرة أخرى ضد جحافل المتمردين الذين يهاجمونها من ليبيا. وفي جنوب تشاد، وعلى الرغم من مكائد فاغنر المزعومة، يبدو أن ديبي قد عزز علاقات جيدة بشكل مدهش مع فوستين آرشانج تواديرا، رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، الذي وافق على السماح للقوات التشادية بتعقب المتمردين في بلاده.
ومن المسائل المثيرة للقلق لديبي هو احتمال حدوث رد فعل سلبي من الحرب الأهلية في السودان، الأمر الذي يلقي بظلاله على حكمه ذلك أن نهاية الحرب في السودان يمكن أن تجلب المزيد من المشاكل له. ففي حال هزمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني الرسمي، فقد يحاول بعض رجالها تصفية الحسابات في تشاد. ويكاد يكون من المؤكد أنهم سيلاحقون اللاجئين أو المقاتلين الذين فروا عبر الحدود. وإذا خسرت قوات الدعم السريع، فقد تتدفق أعداد كبيرة من المقاتلين المسلحين إلى تشاد. وربما يتوجهون مباشرة إلى نجامينا للاستيلاء على السلطة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومات الغربية غضت الطرف عن نظام ديبي السلطوي، تماما كما فعلت مع نظام والده، لأنها تخشى أن يؤدي انهيار النظام إلى حرب أهلية أو صعود نظام موالي لروسيا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة فرنسا تشاد ديبي فرنسا تشاد ديبي النفوذ الغربي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع الصحیفة أن فی السودان فی منطقة فی تشاد فی سنة
إقرأ أيضاً:
الأدب والفن بين الدمار والإبداع
فى إحدى الأمسيات، كنت أنا وبعض الأصدقاء نناقش تأثير الحرب الاسرائيلية المدمرة على أهل غزة. فتساءلنا عن أهوال المجازر هناك وحجم الألم الذى قد نرى أثره فى الأدب والفن القادم. فى خضم الحديث، تذكرنا تأثير الحروب عبر التاريخ على الفن والأدب، وكيف أن المآسى الكبرى أفرزت أعمالًا خالدة. ومن بين تلك اللحظات التاريخية، دار الحديث عن حركة «فن وحرية» فى مصر وتأثير السريالية فى فرنسا.
فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، كانت فرنسا تعيش حالة من الصدمة الجماعية، مما دفع الفنانين والأدباء إلى البحث عن أساليب تعبيرية جديدة تتجاوز المألوف. ظهر فى هذا السياق أندريه بريتون، الذى عُرف بلقب «أبوالسريالية»، ليقود حركة فنية وأدبية تهدف إلى تحرير الخيال من قيود الواقع. استخدمت السريالية أحلامًا وصورًا رمزية لتجسِّد مشاعر الألم والمعاناة التى ولَّدتها الحرب
فى القاهرة، وفى خضم التحولات السياسية والاجتماعية فى أواخر الثلاثينيات، وُلِدت جماعة «فن وحرية» لتكون صدى للسريالية فى مصر. فى عام 1938، أصدرت الجماعة بيانها الأول «عاشت الفنون المنحطة»، معلنة تمردها على الفن التقليدى الذى كان خاضعًا لسلطة الصالونات الرسمية والنخب البرجوازية.
تألفت الحركة من شخصيات مصرية بارزة مثل رمسيس يونان، كامل التلمسانى، وجورج حنين. رأى هؤلاء الفن كأداة لتحرير الإنسان وكسر القيود التى فرضتها الظروف السياسية والاجتماعية. جاءت أعمالهم الفنية والأدبية لتصور الإنسان ككيان ممزق، يعانى من واقع قاسٍ فرضته الاستعمار والفقر.
فى لوحاتهم وأعمالهم الأدبية، استخدم أعضاء جماعة «فن وحرية» الرموز السريالية لتجسيد الدمار الذى أحاط بهم خلال الحرب العالمية الثانية. جسّدت لوحاتهم الموت والحطام، لكنها حملت أيضًا رؤى قيامة جديدة من قلب الخراب. على غرار السرياليين فى فرنسا، رأى هؤلاء الفن وسيلة لكشف الحقائق القاسية عن الفجوة الطبقية والاضطهاد الاجتماعى. دفع رمسيس يونان ثمن مواقفه بالسجن والنفى، لكنه ظل وفيًا لفنه وأصدر كتابات وترجمات مهدت الطريق أمام الأجيال القادمة. وبرع كامل التلمسانى فى التعبيرية والتكعيبية، وقدم أعمالًا تركز على قضايا اجتماعية مثل تسليع الجسد ومعاناة الطبقات المهمشة. أمّا جورج حنين، الشاعر السريالى، فقد ساهم فى نشر الفكر السريالى فى مصر من خلال أعماله الأدبية ومقالاته الجريئة.
لاشك أنّ تجربة «فن وحرية» أظهرت الفن قادرا على أن يكون سلاحًا فى وجه الظلم والاستبداد، كما أن المأساة يمكن أن تكون شرارة للإبداع الذى يخلّد لحظات الألم، ويمنح الضحايا صوتًا يعبر عن معاناتهم.
فى غزة اليوم، كما فى مصر وفرنسا سابقًا، قد يولد من بين الأنقاض جيل جديد من المبدعين يستطيع أن يحول الحطام إلى لوحات أدبية وفنية، تُعبّر عن آلامهم وآمالهم، وتقف شاهداً على مأساة غزة وصمود أهلها البواسل.