مفتي الجمهورية:- قرار الحرب يتَّخذه وليُّ الأمر أو الدولة بمعناها المعاصر حصريًّا وهذا بإجماع العلماء- الجماعات المتطرفة لم تميز بين تصرف النبي كولي للأمر وبين تصرفاته الأخرى- اختصاصات الدولة -أو فقه الدولة- هي من الأمور الغائبة عن كثير من الجماعات المتطرفة والإرهابية- موقف سيدنا أبي بكر الحازم في محاربة مانعي الزكاة كان بوصفه وليًّا لأمر المسلمين وليس كمفتٍ

 

قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن كثيرًا من العلماء، كالإمام القرافي وغيره قد فرَّقوا بين تصرفات النبي الكريم في أنحاء أربعة؛ وهي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد يتصرف بمقتضى كونه مبلِّغًا عن ربه، وقد يتصرف بمقتضى كونه قاضيًا، أو كونه مفتيًا، أو كونه وليًّا وإمامًا للمسلمين في حالات أخرى.

جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي، موضحا أنَّ اختصاصات الدولة -أو فقه الدولة- هي من الأمور الغائبة عن كثير من الجماعات المتطرفة والإرهابية التي تُعادي دولهم والجيوش الرسمية لبلدانهم ظنًّا منهم أن الأحكام كلها على السواء، ولم يدرك هؤلاء أنَّ هناك أحكامًا خاصة بالدولة؛ أو لم تميِّز بين تصرُّف النبي الكريم كتصرُّفه كوليٍّ للأمر وبين تصرفاته الأخرى؛ فهذه الجماعات أو المجموعات فهمت بعض آيات القرآن الكريم فهمًا خاطئًا ونزعتها من سياقها ولم تعول في الحقيقة على الظروف التي قيلت فيها ولا حتى ما جاء بعدها ولا ما قبلها ولا مسلك سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهذه أمور ضرورية في فهم النص الشرعي، ومن نماذج الفهم الخاطئ لنصوص السُّنة فهمهم لحديث "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".


وتوقَّف مفتي الجمهورية عند ثلاثة ألفاظ في هذا الحديث الشريف وهى: "أُمِرْتُ "، "أُقَاتِلَ"، "النَّاسَ"، فعن أول لفظ وهو "أُمِرْتُ" قال فضيلته: "يقصد النبي (صلى الله عليه وسلم ) أنه المخاطب، ولم يأتِ بلفظ أُمرنا، أو أمرتكم حتى لا ينسحب الأمر على الأفراد أو الأمة"، وكأن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقعِّد قاعدةً وهي أنَّ أمر الحرب شأن من شئون الدولة أو من شأن ولي الأمر. وأضاف مفتي الجمهورية أن قرار الحرب قرار خطير جدًّا يتخذه ولي الأمر لأنه هو من يقدِّر الوضع، فليس بيد أحد وإنما بيد الإمام أو الخليفة أو بيد الدولة حصريًّا في معناها المعاصر، وهذا بإجماع العلماء قديمًا وحديثًا؛ ولذا فينبغي أن يكون تحت رايتها وسلطتها.

وأوضح الفرق بين "أمرت أن أقتل" وبين "أمرت أن أقاتل"، قائلًا: "أقتل هو الأمر بالقتل، أما أقاتل فمِن المقاتلة والمشاركة، وهي المفاعلة التي تحدث بين طرفين، فلا بد من وجود طرفين في المسألة"، فالذي يبدأ منهما هو قاتل والثاني هو المقاتل وهو الذي يدفع عن نفسه الاعتداء، فالحديث يشير إلى دفع الاعتداء لا إلى الاعتداء بداية.

وأشار المفتي إلى أن تفسير الأدلة الشرعية يجب أن يتم من خلال فقه لغة العرب، كلفظ "الناس" الوارد في حديث: «أُمرت أن أقاتل الناس...» بأنه ليس على العموم، بل إن "ألــــ" فيه للعهد أي الناس المعهودين، ويُفهم من الحديث أنه نزل في مجموعة معينة من الأشخاص المعيَّنين، وليس كل أحد، ولا ينسحب على كل إنسان بدليل أن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله الكريم بأنه لو جاء أحد من المشركين يستجيره فلا يقاتله، بل يبلغه مبتغاه كما في قوله عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6].

واستعرض نموذجًا لتصرف النبي صلى الله عليه وسلم كمُفتٍ في موقفٍ رواه الشيخان في "صحيحيهما" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أنَّ هند بنت عتبة زوج أبي سفيان بن حرب أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».

وشدَّد المفتي على أنه ينبغي عدم الوقوف عند حدود الحقوق والواجبات فقط في الحياة الأسرية، بل يجب أن تُبنى الحياة الأسرية السعيدة على التسامح والتراحم والسكن والمودة والتعاون، وأن تسود فيها المعاملة بالفضل والإحسان والرحمة بين الزوجين حتى تتلاشى في هذه العلاقة المقدسة مظاهر الأنانية وحب الذات، فضلًا عن عدم افتعال المعارك وأخذ الحقوق والتنصُّل من الواجبات.

واختتم حواره بعرض نماذج عملية حدثت بين الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تبرهن على أن تصرفات النبي المختلفة كانت حاضرة وبقوة ومعروفة عند الصحابة الكرام، وكانت مفصحة عن المسلك النبوي، مستدلًا فضيلته بموقف سيدنا أبي بكر في الإعلان عن حرب مانعي الزكاة انطلاقًا من كونه ولي أمر المسلمين وبين مواقفه الأخرى الخاصة بالتصرفات المختلفة الأخرى كالفتوى وغيرها.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتى الجمهورية التسامح صلى الله علیه وسلم مفتی الجمهوریة رسول الله مفتی ا

إقرأ أيضاً:

أستاذ علوم سياسية: النبي محمد أسس دولة المدينة بتخطيط استراتيجي

قال الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، إن سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خلق مجتمعا متماسكا في دولة المدينة، يدعم مواجهة المخاطر في أوقات الحرب والسلم.

استثمار الفرص

وأضاف أستاذ العلوم السياسية، خلال تغطية خاصة لقناة «الناس» حول الهجرة النبوية المباركة، اليوم الأحد: «سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، بنى الدولة على دراسة عناصر القوة ونماها، وعناصر الضعف وتقويتها، وبالتالي قام باستثمار الفرص ومواجهة التهديدات».

وأوضح: «سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أسس دولة المدينة على تقييم علمي، على أسس التخطيط الاستيراتيجى الحديثة التي نتعامل بها في وقتنا».

تغطية خاصة عن الملامح الحضارية للهجرةِ النبويةِ

وتقدم «قناة الناس» لجمهورها الكريم تغطية خاصةً عن الملامح الحضارية للهجرةِ النبويةِ وأهم الدروس المستفادة منها، على مدار اليوم الأحد وتستضيف القناة نخبة متنوعة من كبار العلماء والدعاة يتخللها باقة مختارة من البرامج التراثية النادرة وفقرات من الإنشاد والمديح النبوي.

وتستعرضُ القناة فيها الدروس المستفادة من هجرة سيدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، في كل حياتنا الاجتماعية والعملية.

مقالات مشابهة

  • أخاف ألا أقيم حدود الله.. هل تضمن هذه الجملة قبول الخلع؟
  • تعرف على موعد صيام عاشوراء 2024 والادعية المستجابة
  • أستاذ علوم سياسية: النبي محمد أسس دولة المدينة بتخطيط استراتيجي
  • هل يجوز أداء العمرة عن النبي؟.. أمين الفتوى يجيب
  • «الإفتاء» توصي بدفع أموال تكاليف الفرح للفقراء والمحتاجين
  • حكم إجبار المرأة على الزواج.. «البحوث الإسلامية»: جناية
  • مفتي الجمهورية: الهجرة النبوية رسخت مبادئ الوسطية والتسامح وسيادة القانون
  • مفتي الجمهورية: الهجرة النبوية رسَّخت مبادئ الوسطية والتسامح وسيادة القانون
  • مفتي الجمهورية: الهجرة النبوية تمثل حدثًا تاريخيًّا فارقًا في الإسلام
  • أوقاف الشرقية تحتفل بحلول العام الهجري الجديد 1446