بقلم : أحمد عصيد
ونحن في خضم النقاش حول مراجعة مدونة الأسرة، لا يعرف كثير من القراء من أين جاء احتقار الكثير من الفقهاء والقضاة للنساء في أيامنا هذه، ويعتقدون بأن مواقفهم السلبية ضد حقوق النساء جاءت من تشدّدهم أو انغلاقهم فقط، والحقيقة أن فقهاء وقضاة اليوم إنما صاروا فقهاء وقضاة لأنهم درسوا وتكونوا على كتب فقهاء الأمس الذين عاشوا في حقب وأزمنة تمتدّ من الأئمة المؤسسين للمذاهب الفقهية إلى القرن العشرين، أي تاريخ فكر ديني يمتد 12 قرنا، وبما أنهم تلقوا تكوينهم في “علوم” الدين كما لو أنها مقدسة فقد أخذوا تفاسير ومواقف وأفكار الفقهاء القدامى وتشبعوا بها فصارت عندهم هي المرجع في فهم نصوص الدين والعمل بها، وما تقوله هو الحق الذي لا يناقش، فأغمضوا أعينهم عن عيوب تلك الأفكار وعن ضعف مناهجها وفقر مفاهيمها وتحيز مواقفها بسبب تداخل العوامل الذاتية والموضوعية في صياغتها.
وفيما يلي نماذج لتلك المواقف والتفسيرات والأحكام الفاضحة التي فسّر بها الفقهاء الآيات القرآنية والأحاديث.
من هؤلاء الفقهاء الفطاحل فخر الدين الرازي الذي قيل فيه “سلطان المتكلمين وشيخ المعقول والمنقول”، في كتابه “مفاتيح الغيب” يفسر الآية:”ومن آياته أن خَلق لَكم من أنْفُسكم أزواجا لِتسكُنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكَّرون”، قائلا: “قَولهُ: “خَلق لكم” دَليل عَلى أنّ النِّساء خُلِقن كَخلق الدَّواب والنبات وغَيْر ذَلك مِن المَنافع، كَما قالَ تَعالى: “خَلق لَكم ما في الأرض” البقرة: 29.
ويقصد هذا الفقيه أن الله خلق النساء مثلما خلق الحيوانات والنباتات، أي من أجل الرجال وليس لذواتهن بوصفهن بشرا، لنقرأ المزيد ونتعجب:
“وهَذا يَقتضي أنْ لا تَكون مخلوقة لِلعبادة والتكليف، فَنقول: خَلق النِّساء من النّعم عَلينا وخَلقهُن لنا وتَكْلِيفهنّ لِإتْمام النِّعْمة عَلَيْنا لا لِتَوْجيه التَّكْلِيفِ نَحْوَهُنَّ مِثْلُ تَوْجِيهِهِ إلَيْنا”.
أي أن “التكليف” هو في الأصل للرجال أما النساء فلسن مكلفات باعتبارهن بشرا بل كلفهن الله بهدف إتمام النعمة على الرجال فقط وخدمتهم وإرضائهم. وما الحكمة في ذلك يا ترى ؟ يقول:
“وأما المعْنى فَلِأنَّ المرأةَ ضعيفةُ الخَلق سَخيفةٌ فَشابهت الصَّبيَّ، لَكنّ الصّبيَّ لَمْ يُكَلّف فَكانَ يُناسبُ أنْ لا تُؤهَّل المرأةُ للتَّكليفِ، لكنَّ النِّعمةَ علينا ما كانت تَتمّ إلّا بِتكليفِهنَّ لتَخافَ كلُّ واحدةٍ منهُنَّ العَذاب فَتَنْقاد لِلزَّوْجِ”.
فالمرأة في رأيه ضعيفة الخلقة و”سخيفة” مثل الطفل، وكان لا ينبغي أن يكلفها الله بل أن يعفيها من التكليف ما دامت مثل الطفل، لكن الله حُبّا في الرجال وحرصا منه على إسعادهم وإتمام نعمته عليهم جعل النساء مكلفات لكي تخدمن الرجال مثل الإماء والعبيد، حيث استعمل الفقيه فعل “تنقاد” الذي ينطبق على البهائم والعبيد.
وأما الآية “وجَعَلَ بَيْنَكم مَوَدَّةً ورَحْمَةً” فقال بأنها وردت فيها عدة تفاسير مختلفة ولكن أول تفسير قدمه هو :” قال بَعضهم: مَودّة بالمُجامعة ورحمة بالولد”. أي أن بعض الفقهاء قالوا إن “المودة” المقصودة بين الرجال والنساء إنما هي في العلاقة الجنسية والجماع، وأما “الرحمة” فهي في الولد، وذلك حتى لا يُنزلوا من قيمة الرجل إذا قالوا إن المودة هي الاحترام، والرحمة هي العطف على المرأة ومعاملتها باحترام. وطبعا أورد المعاني الأخرى الإيجابية بعد ذلك مثل العطف والشفقة ولكن ربطها بالشيخوخة والعجز، أي عندما تصبح المرأة عجوزا ينبغي الرفق بها.
ويقول الطبري في تفسير الآية نفسها المذكورة آنفا: “ومن حُججه وأدلته على ذلك أيضا خلقه لأبيكم آدم من نفسه زوجة ليسكن إليها، وذلك أنه خلق حوّاء من ضلع من أضلاع آدم”.
وفسر الطبري الآية “لتسكنوا إليها” قائلا:” فأول ارتفاق الرجل بالمرأة سكونه إليها مما فيه من غليان القوة ، وذلك أن الفرج إذا تحمل فيه هيج ماء الصلب إليه، فإليها يسكن وبها يتخلص من الهياج ، وللرجال خلق البضع منهن، قال الله تعالى : و”تذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم” فأعلم الله عز وجل الرجال أن ذلك الموضع خلق منهن للرجال، فعليها بذله في كل وقت يدعوها الزوج فإن منعته فهي ظالمة وفي حرج عظيم”.
ومعنى ما كتبه الطبري أن سكون الرجال للنساء إنما يُقصد به إطفاء غليان الشهوة الجنسية في فروجهن، ولهذا خلقهن الله للرجال، وبالتالي ليس من حق المرأة أن ترفض عندما يدعوها زوجُها للفراش وإلا أصابتها لعنات السماء.
قال الطبري في تفسير الآية “الرجال قوامون على النساء: “الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم “ بما فضل الله بعضهم على بعض } يعني بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن، وإنفاقهم عليهن أموالهم، وكفايتهم إياهن مؤنهن. وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن، ولذلك صاروا قواما عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن” .
ويحكي الطبري في تفسير سياق هذه الآية “أن رجلا لطم امرأته فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يقصها منه فأنزل الله : الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم. فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه وقال : أردتُ أمرا وأراد اللهُ غيرَه”.
ويقصد المفسر بهذا الكلام الغريب أن رجُلا صفع زوجته على وجهها فجاءت مشتكية إلى النبي، فأمر لها النبي بـ”القصاص” أي بمعاقبة زوجها، لكن نزلت في تلك اللحظة (ويا للعجب !) الآية “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ” التي تبيح للرجل ضرب زوجته لأنه ينفق عليها ويطعمها، فقال النبي معتذرا للمرأة لقد أردتُ شيئا (أي معاقبة زوجك) ولكن الله أراد شيئا آخر وهو إعطاءه الحق في أن يصفعك لأنه ينفق عليك من ماله. ولا يسأل الفقهاء ما علاقة الإنفاق بالضرب، هل السلطة الاقتصادية للرجل تعطيه الحق في الاعتداء والإهانة، وهل كون المرأة لا تربح مالا من عمل خارج البيت يجعلها ملزمة بالخضوع والطاعة والصبر على الضرب والإهانة ؟ فالمرأة لم تشتك بزوجها إلا لأنها شعرت بالظلم، والنبي لم يقرر معاقبة الرجل إلا لأنه رأى بأنه ظلمها بالعنف الذي مارسه عليها، وطبعا لتجنب محاسبة الرجل على أخطائه قام المفسرون بإسناد القرار إلى السماء باعتبار أن ما يقرره الله ينبغي عدم مناقشته.. جاء في تفسير الطبري : “وكان الزهري يقول : ليس بين الرجل وامرأته قصاص”. أي لا يمكن معاقبة الرجل بسبب شكاية من امرأته، هكذا يُصنع الظلم باسم الدين وباسم السماء، وقد كتب الطبري هذا التفسير بعد 200 سنة من وفاة الرسول الذي يتحدث عنه، ويسند إليه وإلى أصحابه الأخبار الملفقة، ومثل هذه التفاسير تظهر بوضوح كيف قام الفقهاء بتكييف معاني الآيات مع مصالحهم الذكورية.
ولهذا لا نستغرب إذا رأينا حزب العدالة والتنمية الإخواني اليوم في سنة 2023 ، يصدر بلاغا يُحذر فيه من تعديل القانون الجنائي وتجريم “بعض السلوكات داخل الحياة الزوجية” وهو يقصد ضرب المرأة من طرف زوجها أو اغتصابها عنوة، والذي يعتبرونه شرعيا تماما ومشروعا بقرار إلهي.
ولكن الغريب أن فقهاء اليوم يعلمون بأن الكثير من تلك التفاسير لم يعُد يمكن العمل بها، فلا يمكن لأية سلطة أن تقول للمرأة “من حق زوجك أن يضربك لأنه ينفق عليك ولأن الله فضله عليك”، ورغم ذلك ما زالوا يتشبثون بنفس التفاسير والأفكار التمييزية الخطيرة، لأنّ مضمون التفسير صار ثقافة تشكلت منها العقليات وتطبعت عليها السلوكات عبر الأزمنة والعصور.
ومن مظاهر تبخيس قيمة النساء ما ورد في تحريم زواجهن من غير المسلم، حيث فسر الفقهاء ذلك بتبعية المرأة للرجل وسرعة انقيادها لإرادته، يقول الكاساني في كتابه “بدائع الصنائع”: “فلا يجوز إنكاح المؤمنة الكافر، لقوله تعالى: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤمنوا”. ولأن في إنكاح المؤمنة الكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر، لأن الزوج يدعوها إلى دينه، والنساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال ويقلدونهم في الدين (…) فكان نكاح الكافر المسلمة سبباً داعياً إلى الحرام، فكان حراماً”.
والغريب أن يستمر هذا الاعتبار حتى اليوم في البلدان الإسلامية رغم أن صورة المرأة تغيرت كليا بل انقلبت رأسا على عقب، كما أن شؤون العقيدة صارت شخصية ولا تتبع لوصاية الدولة أو الغير من الأشخاص، والدليل على ذلك أن زواج المغربيات بأجانب في أوروبا وغيرها من بلاد العالم لا يلزمهن باعتناق ديانات الأزواج أو اختيار إلحادهم، لأن الأزواج لا يتدخلون في عقائد نسائهم التي هي اختيار شخصي محض.
ومن الغريب أيضا ما تحدث به الفقهاء من أن الزوج المسلم ملزم باحترام عقيدة الزوجة (الكتابية) غير المسلمة، بينما اعتبروا أن الزوج غير المسلم إذا تزوج من مسلمة، “فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا؛ فالمسلم يؤمن بالأديان السابقة، وبأنبياء الله السابقين، ويحترمهم ويوقرهم، ولكن غير المسلم لا يؤمن بنبي الإسلام ولا يعترف به”، (الدكتور على فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء بمصر)، وهذا كلام يظهر لنا كيف أن فقهاء المسلمين ما زالوا غارقين في فكر وقناعات العصور القديمة، حيث ما زالوا يعتقدون بأن قضايا الدين والعقيدة على حالها كما كانت منذ ألف عام.
ونفس الشيء في الولاية على الأطفال حيث اعتبر الفقهاء القدامى بأن المرأة لا أهلية لها في ذلك لنفس الأسباب العامة التي تحرم عليها تولي المناصب والمشاركة في الحياة العامة وهي: “صعوبة مخالطتها للرجال وضعف شخصيتها وانقيادها لعواطفها وانعدام خبرتها في الأموال”، وبسبب ذلك ما زالت الدولة المغربية تعتمد تحفظات قانونية في مدونة الأسرة المغربية تجعل المرأة محرومة من الولاية على أطفالها رغم أنها هي الأكثر ارتباطا بهم وحرصا على مصالحهم من أي كان، كما أنها فاعلة في كل قطاعات الدولة بما فيها الإدارية والاقتصادية والمالية.
تقول المادة 236: “الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع”، كما أن المادة 238 تقيد ولاية الأم بـ”عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو بغير ذلك”؛ أي أن القاعدة في مسؤولية الولاية بالمدونة تبقى في يد الأب، والأم شيء ثانوي وعنصر احتياط وضعت له شروط يصعب إثباتها. ومعلوم أنّ هذه المواد تتعارض مع ذيباجة الدستور ومع المادتين 51 و54 من مدونة الأسرة، اللتان تضعان الأب والأم على قدم المساواة فيما يخص المسؤولية والواجبات المشتركة، مما يعني أنهما معا مؤهلان لمباشرة شؤون الطفل الإدارية والمالية والتربوية.
ومن التناقضات المضحكة اعتبار المشرع أن من حق المرأة الحصول على الولاية بوفاة الزوج، بينما لا يحق لها في حالة تنازله عن الولاية لها في حياته. فما هو الفرق يا ترى سوى الرغبة في الوصاية على المرأة وإهانتها ؟.
ومن العوائق التي وضعها الفقه التراثي القديم ومازالت إلى اليوم ما ورد في المادة 49 في فقرتها الأولى، على أن “لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر”، وهو ما يؤدي في حالة عمل المرأة في البيت خلال سنوات طويلة من الزواج إلى اعتبار أن الزوج وحده الذي راكم الثروة لأنه اشتغل خارج البيت، ولا حقّ للمرأة فيها حيث تُرمى في الشارع بعد الطلاق خالية الوفاض، لأنها لا تملك مالا بذمتها مستقلا عن ذمة الزوج.
ومما نستغرب له أن الكثير من آراء وتفاسير الفقهاء لم تعُد سارية المفعول اليوم في العالم الإسلامي، بينما يتم الإبقاء على أخرى مشابهة لها ولا تنفصل عنها في المنظومة الشرعية، ومن ذلك منع النساء من “الولاية العامة” أي تولي مناصب الدولة فقالوا :”لا يجوز تولي المرأة للمناصب الكبرى، وذلك لما يترتب عليها من مخالطة الرجال والخلوة وتحمل الأعباء الشاقة التي لا تلائم طبيعة المرأة”. و”طبيعة المرأة” هنا يقصد بها ما ورد في فتوى لجنة الأزهر التي أكدت على أن “المرأة بمقتضى الخلق والتكوين مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها، وهي مهمة الأمومة، وحضانة النشء وتربيته، وهذه قد تجعلها ذات تأثر خاص بدواعي العاطفة، وهي مع هذا تعرض لها عوارض طبيعية تتكرر عليها في الأشهر والأعوام من شأنها أن تضعف قوتها المعنوية، وتوهن عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به، والقدرة على الكفاح والمقاومة في سبيله، وهذا شأن لا تنكره المرأة نفسها، ولا تعوزنا الأمثلة الواقعية التي تدلّ على أن شدة الانفعال والميل مع العاطفة من خصائص المرأة في جميع أطوارها وعصورها “.
لهذه الأسباب وضع جمهور الفقهاء القدامى شروطا تعجيزية لخروج المرأة من البيت حتى يبقى الرجل وحده محتكرا للفضاء العام، وهي شروط لم يعُد معمولا بها اليوم، لكنها تركت آثارها في النفوس والعقول، بل وما زال البعض يحنّ إليها من التيار السلفي المتطرف.
وقد أقام الفقه الإسلامي موقفه من خروج المرأة على الآية القرآنية: “وَقَرنَ فِي بُيوتكنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجاهلِيَة الْأُولى”.. وهي آية تتعلق بنساء النبي، إلا أن المفسرين والفقهاء اعتبروها تخص جميع النساء، يؤكد ذلك ما قاله القرطبي في تفسير الآية ﴿وقَرنَ في بيوتكنَّ﴾ قال: “معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة”.
وقال الألوسي في «روح المعاني» مفسرا: “والمراد على جميع القراءات أمرهن رضي الله عنهن بملازمة البيوت، وهو أمر مطلوب من سائر النساء“.
وقال ابن كثير في تفسيره للآية: “هذه آداب أمر الله بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبّع لهن في ذلك. “كما استعان الفقهاء بأحاديث منها حديث رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود عن النبي والذي يقول: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان»، ومعنى استشرفها أي “أمعن النظر إليها ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة”. وقال المناوي في شرح معنى أن المرأة “عورة” :”أي هي موصوفة بهذه الصفة، ومَن هذه صفته فحقه أن يُستر، والمعنى أنه يستقبح بروزها وظهورها للرجال، والعورة سوأة الإنسان وكل ما يستحيى منه، كنى بها عن وجوب الاستتار في حقها”. وهذا ما يفسر أن النساء وسيلة الشيطان وأداته في إغواء الرجال، يقول المناوي في “فيض القدير””: النساء أعظم حبائل الشيطان وأوثق مصائده فإذا خرجن نصبهن شبكة يصيد بها الرجال فيغريهم ليوقعهم في الزنا، فأمرن بعدم الخروج حسماً لمادة إغوائه وإفساده”. فالسبب الرئيسي إذا حسب الفقهاء لأمر النساء بلزوم بيوتهن هو كونهن مصدر الغواية والفواحش.
ويؤكد الفقهاء على هذا التلازم بين المرأة والشيطان باستعمال الحديث التالي:” لا يخلوَنّ رجل بامرأة ، فإن الشيطان ثالثهما” (رواه الترمذي في سننه)، وهو حديث استعمل بطريقة تجعل تواجد امرأة مع رجل أمرا يربط آليا بالممارسة الجنسية، وباستحالة أن يكون لهدف آخر، وهو ما يجعل حديث “رضاع الكبير” المثير للسخرية ذريعة لتحليل هذا “الاختلاط”. وقد وجد الفقهاء ترسانة كاملة من الأحاديث استعملوها لتأكيد موقفهم من ارتباط المرأة بالغواية الجنسية ومنها “ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء” وكذلك الحديث القائل: “اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” إلخ..
وقد تشدّد الفقهاء في أمر خروج المرأة إلى درجة الهوس أحيانا كما نجد في رأي بن تيمية الذي اعتبر المرأة “أولى من الصبي في الوصاية”، حيث أفتى للرجل الذي يخاف أن تخرج امرأته من غير إذنه قائلا: “إن خاف الزوج خروج زوجته بلا إذنه، أسكنها حيث لا يمكنها الخروج . فإن لم يكن له من يحفظها غير نفسه حبست معه، فإن عجز أو خيف حدوث شر أسكنت في رباط ونحوه، ولأن خروجها مظنة للفاحشة صار حقا لله، ويجب على ولي الأمر رعايته”.
هكذا بالتدريج تمّ إحكام قبضة الحريم على المرأة المسلمة وعزلها عن دينامية المجتمع وحركية الواقع قرونا طويلة.
ورغم أن الصلاة في المسجد من الحاجات الشرعية، فقد اعتمد في صلاة المرأة: «وبيوتهن خير لهن»، ولهذا اعتبروا أن الخروج للصلاة في المسجد ليس واجبا على المرأة لأن الصلاة في بيتها أفضل لها، واعتمدوا في ذلك حديث طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عن النَّبِيِّ أنه قَالَ: “الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ، إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ”.
وهكذا اجتمعت المرأة في هذا الحكم مع العبد المملوك والصبي الصغير القاصر والإنسان المريض.
يعني هذا أنّ الفقهاء لم يحرموا على المرأة الخروج للصلاة في المسجد، لكنهم قاموا بما يلزم من تعسير لثنيها عن ذلك.
وأما شروط الخروج لقضاء تلك الحاجات وقد سماها البعض “ضوابط شرعية” فهي :
ـ الشرط الأول ألا يكون قضاء تلك الحاجة ممكنا من طرف الزوج أو الأخ أو قريب من الأقرباء “المحارم”.
ـ الشرط الثاني أن يكون الخروج بإذن زوجها أو وليها ولا يجوز لها الخروج بغير إذنه.
ـ الشرط الثالث أن تلتزم بما سماه الفقهاء “الحجاب الشرعي”.
الشرط الرابع أن تخرج متسترة مختفية وألا تظهر متزينة أو متطيبة وأن تتجنب كلما يجعلها بارزة ظاهرة.
ـ الشرط الخامس ألا ينجم عن خروجها اختلاط بالرجال أو إخلال بواجبات ومهام البيت ورعاية الزوج والأبناء.
و لابن قيم الجوزية رأي في ذلك أكثر قساوة إذ يدعو الحكام وأولي الأمر إلى معاقبة المرأة وحبسها إذا هي لم تلتزم بهذا الانمحاء أمام الرجال.
نورد هذه النصوص ونحن نعتذر للقراء عن إضاعة وقتهم في قراءة مواقف وآراء وتفاسير وتأويلات لا تنفع، ولم يعُد لها علاقة بواقع الناس البتة، لولا أنّ لها بقية أصداء في عقول البعض منا، والذين ما زلوا يعتمدونها في النظر إلى المرأة والطفل معا، والحطّ من قيمتهما.
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم على المرأة غیر المسلم المرأة فی فی تفسیر ما زالوا أن الزوج ـ الشرط فی ذلک
إقرأ أيضاً:
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
يُعد الروائي والكاتب والشاعر الأردني الفلسطيني إبراهيم نصر الله أحد أبرز الأصوات الأدبية الفلسطينية والعربية المعاصرة، بمزيج الواقعية التاريخية والخيال الأدبي المبثوث في رواياته، التي لا تؤرخ للقضية الفلسطينية فحسب وإنما تضفي عليها مسحة إنسانية عبر رواية القصة من منظور الإنسان لا منظور الإمبراطوريات.
في هذا الحوار مع "الجزيرة نت" يتحدث نصر الله عن روايته الجديدة "مصائد الرياح" وديوانه الشعري "مريم غزة"، فيقول عن روايته الجديدة إنها "تتحرّك في 3 أزمنة، زمن فلسطيني متقاطع مع الاستعمار البريطاني في الثلاثينيات من القرن الماضي، وزمن فلسطيني متقاطع مع زمن بريطاني في نهايات القرن العشرين، واختلاط الزمنين مع زمن ثالث، هو الزمن الراهن".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعراء في زمن السيولة التواصلية؟list 2 of 2مر كالنيزك وخلّف كل هذا الضجيج.. الغياب المدوي لتيسير السبولend of listووُلد نصر الله في عمان لأبوين فلسطينيين هُجِّرا من قريتهما بَريج (غرب القدس) عام 1948، وقد درس في مدارس وكالة الغوث وحصل على دبلوم تربية وعلم نفس من مركز تدريب عمان لإعداد المعلمين، ونُشر له حتى الآن قرابة 15 ديوانا شعريا و22 رواية، منها مشروعه الكبير "الملهاة الفلسطينية" المكون من 12 رواية تغطي أكثر من 250 عاما من تاريخ فلسطين الحديث، تُرجمت أعماله إلى عدة لغات، وحظيت بجوائز ودراسات نقدية ورسائل جامعية عديدة.
في روايتك الجديدة "مصائد الرياح" دلالة رمزية، فأين تأخذنا في عملك الروائي هذا؟ وما الرسائل التي تقدمها من خلاله؟هذه الرواية تتحرّك في 3 أزمنة، زمن فلسطيني متقاطع مع الاستعمار البريطاني في الثلاثينيات من القرن الماضي، وزمن فلسطيني متقاطع مع زمن بريطاني في نهايات القرن العشرين، واختلاط الزمنين مع زمن ثالث، هو الزمن الراهن.
كما أن للخيول والمرأة والرياح حيزا واسعا في هذه الرواية، بما يعنيه اقتراب هذه العناصر وتقاطعها من خلال القضية الفلسطينية من إمكانية لتوليد المعاني والدلالات، إنها أشبه ما تكون بأسئلة متجددة عابرة لقضية تبحث عن إجابات تليق بعدالتها.
في روايته "مصائد الرياح" يقدم إبراهيم نصر الله لوحة أدبية تمتزج فيها حقب تاريخية مختلفة (الجزيرة)أما البعد الإنساني فيحضر عبر علاقات الحب التي ترتكز هذه الرواية في مسارها عليها، بما في كل ذلك من أسئلة فلسفية يمكن أن نقول إنها تتأمل العالم كله، والإنسان، لا في فلسطين وحدها، أو في منافي شعبها، بل في كل مكان.
بالنسبة إلى الرسائل التي تحملها الرواية لا يستطيع الكاتب أن يتحدث عن رسائله، فهذه مساحة مخصصة للقارئ والناقد، قد يلتقيان فيها وقد يختلفان، وقد يجدان جديدا يوسّع الرواية، أو عكس ذلك.
ضمن مشروعك الثقافي الممتد زمنيا "الملهاة الفلسطينية".. أين تجد هذه الرواية موقعها الإبداعي؟إنها رواية الأجيال الجديدة، الجيل الثالث والجيل الرابع، فلسطينيا، في منافيهما، ومكانهما ومكانتهما ودورهما في تحولات القضية الفلسطينية منذ نهايات القرن العشرين حتى اليوم، أي أنها بمعنى آخر رواية الأحفاد، وهذه هي المرة الأولى التي يكون فيها للأحفاد هذه المساحة الواسعة في الملهاة، بعد أن كُرست كثير من روايات الملهاة للأجداد والآباء.
لذا، وبشكل من الأشكال كانت رواية ملحة في هذا المسار السّردي الذي يستحق في اعتقادي أعمالا كثيرة تتأمله، خاصة أن مستقبل فلسطين مرهون بالأحفاد وما يمكن أن يقدموه، سواء عبر استمراريتهم في مواصلة نضال من سبقوهم أو في ابتكار أشكال أخرى من النضال، ونحن اليوم، كما كنا بالأمس أمام أجيال خلاقة.
مصائد الرياح رواية بقدر ما لها علاقة بفلسطين والأحفاد، كما أشرتُ، بقدر ما هي معنية بتشابك القضايا التي يوحدها الوجود الإنساني، أو تلتقي في هذا الوجود
كيف يطوّر الكاتب إبراهيم نصر الله مُنتجه الرّوائي؟ وما أدواتك إلى ذلك؟ وأين تجد أنك قدمت الجديد النوعي في "مصائد الرياح"؟بالتجربة والمعايشة الطويلة للفكرة وطبقاتها والخبرة وتعزيز الكتابة بروافد ثقافية متجددة، تسعى لهضم جديدِ العالم في الأدب والفنون والعمل التحضيري لكل عمل، وهناك تحضير دائما لأكثر من عمل في الوقت نفسه، بحيث يمكن القول إن بعض الأعمال مرّ على التحضير لها أكثر من 15 سنة أحيانا ولم تُكتب بعد، كما حدث من قبل مع أعمال أخرى مثل "ثلاثية الأجراس" 29 عاما، و"زمن الخيول البيضاء" 22 عاما، و"قناديل ملك الجليل" 15 عاما، وهذا يتيح لك أن ترى البشر والأحداث من زوايا متعددة ونامية، أو متوالدة، وحين ينضج عمل تماما، وأحس بأن ميلاده قد حان أبدأ بكتابته.
رواية "قناديل ملك الجليل" من سلسلة روايات ملحمة الملهاة الفلسطينية صدرت لأول مرة عام 2011 (الجزيرة)مصائد الرياح رواية بقدر ما لها علاقة بفلسطين والأحفاد، كما أشرتُ، بقدر ما هي معنية بتشابك القضايا التي يوحدها الوجود الإنساني، أو تلتقي في هذا الوجود، لكن هذه الرواية معنية باقتراحات فنية ومشروع فني له علاقة بالسرد وجوهر السّارد، وهو الرّاوي العليم، وهذا ما جعلها واحدة من "ثلاثية الراوي العليم".
في ظنّي أنه من الصعب جدا أن تكتب عملا أدبيا عن أي قضية وتقدم جديدا فيه إن لم يكن هناك اقتراح فني في داخله، و"مصائد الرِّياح" ربما تكون تمثيلا لهذا.
في ديوانك الجديد أيضا "مريم غزة" إنسان ومكان.. كيف نقرأ هذه المقاربة منذ الحرف الأول في هذا العمل الشعري؟وُلِد ديوان "مريم غزة" بعد 7 أكتوبر 2023، وصدر في أكتوبر من هذا العام، بالعربية، عن دار طباق في رام الله، وبالإنجليزية (عدد من قصائده) عن دار عالم الشعر في نيويورك، وبالنسبة لسؤالك عن الإنسان والمكان، ففي اعتقادي أنهما كيان واحد في غزة، خلال هذه الحرب العالمية التي تُشن عليها، وهذا واحد من أعظم وأعلى مراحل تجلي العلاقة بين الإنسان الفلسطيني ووطنه والوطن الفلسطيني وإنسانه.
"مريم غزة" رحلة إبداعية ترافق مسارات البشر في حياتهم وموتهم وأحلامهم حيث يواجه الشعر القتل والتدمير (الجزيرة)هناك قول فلسطيني ورد في روايتي "أعراس آمنة" أو "أعراس غزة" حين تُرجمت، يقول "لقد خَلق الله الإنسان من تراب المكان الذي وُلِد فيه، وتراب المكان الذي سيموت فيه".
الإنسان في غزة يقول إنه خُلِق هنا ويموت هنا، والوطن يقول إنه خُلِق من هذا الإنسان أيضا.
الإنسان في غزة يقول إنه خُلِق هنا ويموت هنا، والوطن يقول إنه خُلِق من هذا الإنسان أيضا
مع ترجمة روايتك "زمن الخيول البيضاء" إلى اللغة التركية، كيف تُثري الترجمات إبداع الكُتّاب؟ وإلى أي مدى توصل قضيتك الثقافية ورسالتك الإبداعية إلى القراء؟هذه العام صدرت "زمن الخيول البيضاء" بالتركية والإسبانية والمقدونية، وترجمت إلى الفرنسية ولم تصدر بعد، وإضافة لزمن الخيول صدرت ترجمات لسبعة كتب أخرى بلغات مختلفة، لذا، فهي سنة الترجمة بالنسبة لكتبي، إذ لم يسبق أن صدر هذا العدد في عام واحد.
والحقيقة أنني انتظرت صدور الطبعة التركية لأن محاولات سابقة مع دور النشر كانت تتعثر بين حين وحين، بسبب أن الجزء الأول من الرواية يتحدث عن الحقبة العثمانية في فلسطين، لكن صدورها عن واحدة من أعرق دور النشر التركية، وبترجمة الدكتور مصطفى إسماعيل كان أمرا مهما بالنسبة لهذه الرواية.
ترجمة رواية "زمن الخيول البيضاء" للإسبانية (الجزيرة)من التجربة العامة التي تتعلّق بكتبي وغيرها من الكتب العربية، كما تتعلّق بكتب أخرى تُترجم إلى لغتنا العربية، فإن كل ترجمة هي ميلاد جديد للعمل الأدبي، ليس داخل اللغة نفسها فحسب، بل في داخل كل من سيقرأ هذا العمل الأدبي، وإذا أضفنا لذلك أن ما نكتبه صادر من داخل تجربة وطنية إنسانية تجاوز عمرها المائة عام، فإن ذلك أمر يضاعف أهمية فعل الترجمة.
في بداية الشهر الماضي وقّعتُ ديواني "فلسطيني"/مريم غزة، بترجمة الدكتورة هدى فخر الدين، في عدد من اللقاءات في أميركا، وقرأت منه، وكنت سعيدا ومتأثرا بالطريقة التي تمّ فيها استقبال القصائد، والسرعة التي نفدت فيها الطبعة الأولى، خلال 5 أيام فقط.
كل ترجمة هي ميلاد جديد للعمل الأدبي، ليس داخل اللغة نفسها فحسب، بل في داخل كل من سيقرأ هذا العمل الأدبي
كيف يمكن للكلمة أن تواصل معركتها في الصراع مع المحتل؟ ما عناصر قوتها؟ ومن أين تستمد صمودها؟تواصِل بإيمانك بالقضية التي تدافع عنها، وإيمانك بقوة الكلمات، وإيمانك بأن البشر يتأثرون ويُغيِّرون، وإيمانك بهذا الشعب الذي لم يستسلم.
هذا الشعب يواصل صموده رغم كل هذه التضحيات، لذلك من المرعب أن ترى بعض الكُتّاب يستسلمون تحت ذرائع كثيرة.
في الحكاية الفلسطينية لا توجد حلول وسطى، ولا مكان للتأرجح.
في الحكاية الفلسطينية لا توجد حلول وسطى، ولا مكان للتأرجح
ما عوامل النهوض بالمشروع الثقافي للقضية الفلسطينية؟ وما أهم المسارات التي يجب أن نبدأ بها أو نواصل فيها؟سؤال كبير، رغم أن المشروع الثقافي الفلسطيني مستمر وصاعد منذ ما قبل النكبة حتى الغد. ولكن، ربما على كل كاتب أن يطرح هذا السؤال على نفسه، وأن يجد الإجابة عنه، لا عبر إجابة مكونة من عدد من الكلمات، بل عبر مشاريع يقوم بها ويكرس نفسه لها.
العالم الثقافي ليس ضدنا، فأن يوقع خلال هذا الشهر أكثر من 5 آلاف كاتب على وثيقة لمقاطعة الكيان الصهيوني ثقافيا، فهذا أمر مذهل، ودائما أسجِّل لحركة المقاطعة دورها في القيام بالكثير على المستوى الثقافي والأكاديمي، قبل أكتوبر 2023 وبعده.
يلزمنا هذا الإجماع الواسع فلسطينيا وعربيا أيضا، لأن العالم الثقافي عالميا يتفوق علينا في هذا المجال في وقوفه الواضح جدا مع فلسطين.
العالم الثقافي ليس ضدنا، فأن يوقع خلال هذا الشهر أكثر من خمسة آلاف كاتب على وثيقة لمقاطعة الكيان الصهيوني ثقافيا، فهذا أمر مذهل
تضامنت أرواح كليمنجارو مع فلسطين في تجربة واقعية وروائية.. كيف تجد امتداد هذه الأرواح مع فلسطين؟ربما لا تكون كلمة "تضامن" هي الأنسب، لأن العلاقة بيني وبين هذه القضية لا تقوم على هذا الوصف، فهي خيار يوشك أن يكون عمره 50 عاما أمضيتها في الكتابة، وروايتي "أرواح كليمنجارو" رواية قريبة جدا لقلبي، ليس فقط لأنها تمسّ تجربتي المتمثلة في صعودي جبل كليمنجارو، بل بمن صعدتُ معهم الجبل، هؤلاء الأطفال الذي تحدّوا إصاباتهم وبتر أطرافهم وقرروا الصعود.
الرواية تحكي قصة يوسف ونورة اللذين يصعدان جبل "كليمنجارو" بتنزانيا بصحبة متطوعين ليثبتوا للعالم قدرتهم على هزيمة المحتل (الجزيرة)أما الأرواح التي ساندتهم، وهي لأناس من عدة قارات وعدة أديان من الإسلام إلى المسيحية إلى البوذية وغيرها، فهي الأرواح التي نأمل أن تتعدد وتتكاثر وتكون جزءا في السعي للحياة الحرّة التي يحيا هذا الشعب ويموت من أجلها.
روايتي "أرواح كليمنجارو" رواية قريبة جدا لقلبي، ليس فقط لأنها تمسّ تجربتي المتمثلة في صعودي جبل كليمنجارو، بل بمن صعدتُ معهم الجبل، هؤلاء الأطفال الذي تحدّوا إصاباتهم وبتر أطرافهم وقرروا الصعود
في "طيور الحذر" تتبع بطل الرواية منذ يكون جنينا في بطن الأم.. لماذا اخترت هذا النوع من الخيار الأدبي؟لكل رواية منطقها الفني، وإذا لم تستطع أن تملك هذا المنطق فإن بناءها الحكائي ينهار.
"طيور الحذر" تعرض حياة الطفولة بجمالها وتعقيداتها وتشير للحذر الذي يتعلمه الأطفال كي لا يصبحوا أسرى للأحداث التاريخية والقيود المجتمعية (الجزيرة)طيور الحذر كانت بحاجة لهذه البداية، ولولا ذلك لما كان ممكنا أن تُفهم النهاية، أو يُفهم مسار الشخصية والعالم الذي حولها.
كيف تنظر إلى الجوائز الأدبية؟ وما دورها في التحفيز وتسليط الضوء على الأعمال النوعية؟الجوائز ليست ظاهرة عربية، إنها ظاهرة عالمية، إيجابية عموما، ولكن على الكاتب أن يُقرر في لحظة ما، ما الجائزة التي يمكن أن يقبل بها، وما الجائزة التي عليه أن يرفضها، والجوائز التي يمكن رفضها مع اتساع عملية التطبيع مع الصهيونية.
كيف يمكن للروائي أن يصنع من الواقع خيالا روائيا مؤثرا؟ليتني أملك إجابة، فهذا السؤال أطرحه على نفسي مع كل عمل جديد أفكر في كتابته، إذ مع كل كتاب جديد تكتشف أنك تكتب للمرة الأولى وتكون مرتبكا.
ليست الثقة في القدرة على الكتابة هي التي تكتب الروايات، بل الشك في هذه القدرة هو الذي يجعلنا نكتب شيئا مختلفا دائما.
تأثرت في وقت مبكر بالأفلام السينمائية.. كيف يمكن التأثر سينمائيا في ظل زخم كبير من يوميّات الكفاح والجراح؟لا تناقض أبدا، فالفن حليف الحقيقة في جوهره، ودائما اعتبرت الفيلم الجيد رواية بصرية، وهذا النوع يوازي أحيانا الرواية الجيدة المكتوبة، لذا، فإن مشاهدة عمل سينمائي من هذا النوع فيه غنى وكثافة وأبعاد متجددة عبر هذه اللغة البصرية. منذ طفولتي تعلّقت بالسينما، ولم أزل حتى اليوم أشاهد على الأقل 4 أفلام أسبوعيا من السينما المتنوعة، وأحيانا أشاهد كل يوم فيلما، من اليابان وكوريا حتى كولومبيا والأرجنتين.
هناك تعدد جمالي في السينما وتطوّر فني يفوق أحيانا ما تقدّمه الروايات، ولذا أعتبر السينما مصدرا أساسيا في ثقافتي وكتابتي.
هناك تعدد جمالي في السينما وتطوّر فني يفوق أحيانا ما تقدّمه الروايات، ولذا أعتبر السينما مصدرا أساسيا في ثقافتي وكتابتي
يبحث العديد من الأدباء الشباب عما يمكن أن نسميه خرائط الطريق إلى الإبداع، بِمَ تنصحهم؟يستطيع أي كاتب أن يوجّه النصائح، ويقدّم الوصايا، لكن العالم لا يأخذ بالوصايا، ربما كان آخر ما قرأته لهمنغواي، فيه الكثير، فهو يقول "إنسَ (ككاتب) مأساتك الشخصية. نحن جميعا غاضبون منذ البداية، يجب أن تتأذى بشدة قبل أن تتمكن من الكتابة بجدِّية. لكن حال تعرُّضك للأذى اللعين، استخدمه، ولا تغش به".
قلت "أنا لا أقاتل كي أنتصر، ولكن كي لا يضيع حقّي"، كيف وُلدت هذه المقولة؟ ومتى؟ وماذا ترى في الانتظار الطويل للانتصار؟هذا القول وُلِد أثناء كتابتي لرواية "زمن الخيول البيضاء"، وجاءت ضمن تطوّر واحد من أهم أحداث الرواية، في لحظة مفصلية، أمّا ما يجيب على الجزء الثاني من سؤالك، فهي ربما جملة أخرى وردت في الرواية ذاتها أثناء مواجهة الفلسطينيين للاستعمار الإنجليزي والهجمة الصهيونية قبل النكبة، والتي تقول "عمر الرجال أطول من عمر الإمبراطوريات، ولم يحدث أن ظلت "دولة" ما منتصرة إلى الأبد".