ما حكم من يصلي وهو تحت تأثير المخدرات، ولكنه يعي ما يفعله، هل صلاته صحيحة؟ سؤال نجيب عنه من خلال التقرير التالي. 

حكم من يصلي وهو تحت تأثير المخدرات

وقالت إن تعاطي المخدرات من أشدّ المحرّمات، وهي من الكبائر بل من أقبحها، وهي مقيسة على حرمة الخمر التي ثبتت حرمتها بالكتاب والسنة والإجماع؛ لأن علة تحريم الخمر-تغييب العقل- موجودة في المخدرات فتأخذ حكم التحريم مثلها، قال شيخ الإسلام الإمام النووي رحمه الله: "وأما ما يزيل العقل من غير الأشربة والأدوية كالبَنج وهذه الحشيشة المعروفة؛ فحكمه حكم الخمر في التحريم ووجوب قضاء الصلوات، ويجب فيه التعزير دون الحد والله أعلم" [المجموع شرح المهذب  3/ 8).

ومن أدلة تحريم الخمر التي قيس عليها: قول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، وقول سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكل مُسْكِرٍ حرام) رواه البخاري. وما روته أم المؤمنين أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ" رواه أحمد وأبو داود.

قال شيخ الإسلام الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "واستدل بمطلق قوله (كل مسكر حرام) على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شراباً، فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها، وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة، وجزم آخرون بأنها مخدرة وهو مكابرة؛ لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة والمداومة عليها والانهماك فيها، وعلى تقدير تسليم أنها ليست بمسكرة، فقد ثبت في أبي داود النهي عن كل مسكر ومفتر وهو بالفاء والله أعلم" [فتح الباري 10/ 45]، وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على حديث أم سلمة الذي رواه أبو داود: "وحديث أم سلمة أخرجه أبو داود بسند حسن بلفظ نهى عن كل مسكر ومفتر" [فتح الباري 10/ 44].

الصلاة النارية مفتاح 40 بابا للخير.. هذه صيغتها ووقتها وفضلها فتاوى وأحكام.. هل ترك دعاء الاستفتاح يبطل الصلاة؟..معنى وصف النبي بالأمِّي..علي جمعة: حرمان المرأة من الميراث ليس من الإسلام.. حكم شراء سيارة بقرض من البنك

ويجب على من ابتلي بالمسكرات أو المخدّرات الإقلاع عنها فوراً، والاستعانة بأهل الطب والاختصاص للتخلص من أعراض الانسحاب التي ترافق المقلع عنها، قال الإمام الشرواني رحمه الله: "نعم يجب عليه -المبتلى بالمخدرات- السعي في إزالة الاحتياج إليه إما باستعمال ضده، أو تقليله إلى أن يصير لا يضره تركه" [حاشية الشرواني على التحفة 9/ 168].

أمّا من لم يسعَ في ترك التعاطي والتخلص من آثاره فهو آثمٌ عاصٍ، قال شيخ الإسلام الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "يجب عليهم -من تعاطى المخدرات- التدرج في تنقيصه شيئا فشيئا؛ لأنه -التدرج- مُذهبٌ لشغف الكبد به شيئا فشيئا إلى أن لا يضره فقده، كما أجمع عليه من رأيناهم من أفاضل الأطباء، فمتى لم يسعوا في ذلك التدريج فهم فسقة آثمون لا عذر لهم" [تحفة المحتاج 9/ 168].

ومن احتاج إلى المخدّر للعلاج كالبنج عند العمليات كي لا يحسّ بألم الجرح أو القطع، فيجوز إزالة العقل به، يقول العلامة سليمان الجمل رحمه الله: "ولو احتيج في قطع نحو سلْعة -غدة بين الجلد واللحم- ويد متآكلة إلى زوال عقل صاحبها بنحو بنج جاز لا بمسكر مائع" [حاشية الجمل على شرح المنهج 5 /158].

أما من تناول شيئاً من هذه المخدرات، وبقي بكامل وعيه وإدراكه العقلي، فلا يسمى هذا الشخص سكراناً، فإن أدى الصلاة بصفتها الصحيحة شرعاً شروطاً وأركاناً، فصلاته صحيحة.

ومعنى صحة صلاته أي إسقاط الفرض عنه، فسقط عنه إثم تركها أداءً، فلا يطالب بإعادتها أو قضائها، وأما أجر الصلاة فلا يثبت له، لحديث سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا) رواه النسائي، قال شيخ الإسلام الإمام النووي رحمه الله: "وأما عدم قبول صلاته فمعناه أنه لا ثواب له فيها، وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه، ولا يحتاج معها إلى إعادة" [شرح مسلم 14/ 227].

وأما إن صلى وكان فاقداً للإدراك العقلي بسبب تناول المخدرات، فصلاته غير صحيحة، وعليه إعادتها بعد أن يستعيد إدراكه العقلي إن أفاق قبل خروج وقتها وإلا وجب قضاؤها؛ لأن الوضوء ينتقض بزوال العقل، كما أن المصلي في هذه الحالة لا يدري ما فعل في صلاته، قال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله تعالى: "بخلاف ذي السكر أو الجنون أو الإغماء المتعدي به إذا أفاق يجب عليه قضاء ما فاته من الصلوات زمن ذلك لتعديه، فإن لم يعلم كونه مسكراً، أو أكره عليه فلا قضاء عليه لعذره" [مغني المحتاج  1/ 314].

وعليه؛ فمن تعاطى المخدرات ولم يفقد إدراكه العقلي وصلى؛ فصلاته صحيحة، فإن زال عقله وإدراكه بسبب المخدرات وصلى؛ فصلاته غير صحيحة، ويجب عليه إعادتها أو قضاؤها.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: المخدرات الكبائر رحمه الله

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس.. سواء المطيعون أو العصاة

قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إن حفظ الله لعباده، المستمد من اسمه "الحفيظ"، يشمل كل الناس، مطيعون لله كانوا أو عصاة، فالإنسان وهو يعصي الله محفوظ، وعادة ما تجد أن العصاة أو الخارجين على حدود الله لديهم نعم أكثر، مما يدل على أن هذه النعم ليست شيئا في الحسبان الإلهي، وأن الدنيا للمطيع وللعاصي، فالله تعالى يمهل العاصي، ليس تربصا به ولكن لعله يتوب أو يرجع، وفي كل شيء تجد تطبيقا عمليا لقوله تعالى في الحديث القدسي: " إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبي".

وبيِن الإمام الطيب، خلال حديثه اليوم بثامن حلقات برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» لعام ٢٠٢٥، أن لاسم الله "الحفيظ" معنيان، الأول هو الضبط، ومعناه ضد النسيان أو السهو، فيقال "فلان حافظ للقرآن عن ظهر قلب"، أي لا يمكن أن يخطئ في كلمة من كلماته، والمعنى الثاني هو "الحراسة"، من الضياع، ولا يكون ذلك إلا بحفظ من الله، لافتا أن حفظ الله للأرض والسماء يعني الإمساك والتسخير، فهو تعالى يمسك السماء أن تقع على الأرض رحمة بعباده وحتى يتحقق لهم التسخير بالصورة الكاملة التي تفيد الإنسان وتعينه على أداء رسالته في هذه الحياة.

وأضاف شيخ الأزهر أن حفظ الله تعالى يشمل كذلك القرآن الكريم، فهو سبحانه وتعالى الحافظ للقرآن الكريم من التحريف والتبديل والضياع، مصداقا لقوله تعالى: " إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وهو القرآن وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ "، وهذا هو التأكيد الأكبر بأن القرآن لم يعبث به في حرف واحد، فقد وصلنا كما بلغه النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهو بين يدينا كما قرئ بين يديه "صلى الله عليه وسلم" دون أي تحريف أو تغيير.

واختتم فضيلته أن الإنسان مطالب، بجانب حفظ الله تعالى له، أن يعمل هو على حفظ نفسه وعقله، فهما أهم ما لديه من نعم الله تعالى، فهو مطالب بحفظ نفسه من المعاصي ومن تصلب الشهوات، ومطالب أيضا بحفظ عقله من المعلومات والمحتويات الضارة، والتي منها على سبيل المثال، ما قد ينتج عنه التشكيك في الدين أو العقيدة، وبهذا يكون بإمكان الإنسان أن يحفظ نفسه وعقله.

شيخ الأزهر يدعو لمواجهة المخططات غير المقبولة لتهجير الفلسطينيين

شيخ الأزهر يهنئ خادم الحرمين وولي العهد بذكرى يوم التأسيس

شيخ الأزهر بمؤتمر الحوار الإسلامي: «موقف أمتينا العربية والإسلامية ضد تهجير الفلسطينيين مشرف»

مقالات مشابهة

  • تكبيرات عيد الفطر 2025 وعدد ركعات الصلاة
  • إبراهيم عليه السلام رمزٌ وقدوةٌ في البراءة من أعداء الله، لا التطبيع معهم!
  • مسجد قباء أول مسجد أسس في الإسلام يحمل في جنباته عبق السيرة النبوية
  • شيخ الأزهر: الله حفظ القرآن الكريم من التحريف والتبديل والضياع
  • شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس.. سواء المطيعون أو العصاة
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • الفصل فى عدم دستورية عقوبة القيادة تحت تأثير المخدرات.. اليوم
  • خالد الجندي: هذه الكلمة من أحب الألفاظ إلى الله
  • «الضويني»: الأزهر منحة ربانية منّ الله بها على الأمة لتعبر عن روح الإسلام
  • الزعاق: الإسلام جعل علم الفلك علم استقرائي .. فيديو