48 يوما من الموت والدمار.. استراحة محارب بغزة أم هزيمة مبطنة في تل أبيب؟
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
كأنما خرجوا من قبورهم، مسرعين يملؤون الشوارع والحارات، مندفعين في اتجاهات شتى -سيرا على الأقدام أو على متن العربات التي تجرها الخيول والحمير- وكأنما يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ضحوة السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي الدقائق الأولى من بدء الهدنة، كان الجميع يسارع الخطى ويسابق الزمن، وكانت الشوارع المدمرة تكتظ بآلاف الوجوه الحائرة التي تضج بالألم والوجع والصمود، فقد استغرق القبض على هذه اللحظة التائهة 48 يوما من الموت والدمار إلى جانب طوفان من الدم والدموع قبل أن تدخل الهدنة حيز التنفيذ فجر اليوم الجمعة، بعد 7 أسابيع من اللهب والدم الفوار، والموت المنصب على الرؤوس من قاذفات النار، أو من "مسافة الصفر".
لم تكن كلفة الوصول إلى هذه الهدنة -التي ستستمر 4 أيام- سهلة ولا ميسورة، فقد كلفت الغزيين زمنا داميا سيكون الأطول في تاريخ حروبهم مع إسرائيل، كما دفعوا من ثرائهم البشري قرابة 15 ألف شهيدا، أكثرهم من براعم الحياة الموؤودة، إذ قضى اللهب الإسرائيلي على 6100 طفل، وترك بصماته على الأجساد بأكثر من 36 ألف جريح.
أما عمائر غزة ومنارات مساجدها وكنائسها، فقد تحول أغلبها إلى أكوام من الركام والألم والحنق.
ولأن الهدنة كانت ضرورة إنسانية للغزيين، وكانت بالنسبة لإسرائيل خيار ما قبل إعلان الهزيمة في الوصول إلى مواطنيها في غزة، وفق تقدير الطرف الثاني، فقد كانت الساعات الأخيرة قبل إعلانها أكثر لهبا ودمارا، لتكون توقيعا داميا على سريان الهدنة بعد التوقيع على إعلانها.
فرحة في ألم
يمكن لسكان غزة أن يفرحوا قليلا بهذه الهدنة، فستتوقف -ولو لأيام- أصوات القنابل المدمرة، ويمكن لبعض سكان الوسط والجنوب النازحين العودة إلى منازلهم لانتشال جثث من تحت الأنقاض، أو لتفقد بيت يصعب تمييزه من بين ملايين أطنان الركام الذي أحدثه القصف المدمر.
ولأن عودة أهل الشمال لبيوتهم التي طردوا منها سردية ترفضها قوات الاحتلال، فقد تعهدت بمنعهم وبالتصدي لهم إذا حاولوا ذلك، في مسعى لفرض الأمر الواقع، وهو ما يعني إمكانية انتكاس الهدنة والعودة إلى الحرب التي لا يريد الطرفان أن تلتهب من جديد، نظرا لعمق الخسائر وصعوبة المواجهة.
حماس وإسرائيل.. من الرابح أكثر؟
تعتبر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) -وفق ما أكده أبو عبيدة المتحدث باسم جناحها العسكري كتائب القسام- أن ما وافقت عليه إسرائيل من هدنة هو نفسه ما عرضته الحركة قبل 3 أسابيع، مما يعني ضمنيا أن إسرائيل أضاعت وقتا كثيرا لتعترف ضمنيا بأن آمالها في تحقيق انتصار غير ممكنة، أما وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، فيقدم رواية أخرى ويقول إن ما تم الاتفاق عليه أفضل مما قُدم لإسرائيل قبل أسبوع.
ولم يكن التمنع من الوصول إلى الهدنة خيارا إسرائيليا فحسب، بل كان حتى وقت قريب خيارا غربيا عاما، إذ تعالت أصوات رسمية من دول عديدة تدافع عن حق إسرائيل في مواصلة عملياتها من أجل محق حماس، وإبادة "الإرهاب" القادم من غزة.
كما ظلت إسرائيل ترفض السماح بأي هدنة أو توقف للقتال قبل عودة المحتجزين، قبل أن تبدأ الصورة في الانقلاب، وتضج شاشات العالم بصور المأساة والدمار الذي فجرته القنابل الإسرائيلية على رؤوس الأطفال والمرضى في المنازل والمستشفيات والمساجد.
وقد أسهمت مشاهد الدمار الوحشية في تعرية الرواية الإسرائيلية، وأعادت تشكيل الرأي العام الغربي تجاه ما يجري في غزة، إذ كانت تلك المشاهد أصدق مما تقدمه إسرائيل، وأفصح مما تشكو منه حماس.
كما أن حجم الخسائر التي تعرض لها الجيش الإسرائيلي ومن مسافة الصفر، وحجم خسائره في الأرواح والعتاد، كان هو الآخر دافعا لإعادة التفكير والانحناء أمام عواصف الضغط الداخلي والخارجي وخسائر الميدان.
ويجمع المحللون على أن الهدنة تمثل فرصة للطرفين، فبالنسبة للطرف الفلسطيني، يمكن الحديث عن مكاسب سيحققها من خلال هذه الهدنة وأبرزها:
استراحة محارب: تُمكّنه -وهو الطرف الأقل إمكانات عسكريا بطبيعة الحال- من التقاط الأنفاس إلى حين، في وقت ستتوقف فيه مرحليا حرب الإبادة والتجويع التي تفرضها إسرائيل على غزة التي سيُتاح لسكانها تلبية بعض حاجياتهم الضرورية من خلال حجم المساعدات والعون الإنساني الذي سيعبر إليهم من المعابر الموصودة منذ 47 يوما.
عرض حصيلة المأساة: حيث سيتمكن الفلسطينيون من إظهار صورة الدمار الذي تعرض له قطاعهم الباسل، وهو ما سيضيف مزيدا من الهزيمة السياسية والدبلوماسية لإسرائيل التي تخرقت روايتها تجاه ما يجري كثيرا، مثل ما تخرقت أمام القسام صلابة كتائبه وجنوده في الميدان.
إعادة التموقع والتقييم: يمكن لمقاومي القسام ومختلف الحركات المقاومة إعادة بناء وترتيب مواقعهم من جديد من أجل الاستعداد لما بعد الهدنة، من حرب أو تهدئة.
إسرائيل.. ماذا تحقق من أهداف العدوان؟
على الجانب الإسرائيلي -الذي يتحكم في الجو ويملك التفوق العسكري- لا يمكن الحديث عن انتصار، بل العكس يمكن القول إن إعلان الهدنة هو:
إعلان إخفاق لحكومة الحرب بقيادة نتنياهو الذي كان مصرا على إعادة الأسرى من دون قيد ولا شرط، وها هو ينزل عن الشجرة، ويضطر للإفراج عن عدد من الأسرى من الفلسطينيين مقابل الإفراج عن بعض المدنيين من الأسرى لدى حماس، كما أن هدف القضاء على حماس لا يبدو هدفا قريب المنال، فقد أبانت القسام خلال العدوان أنها قادرة أيضا على إحداث مزيد من توازن الرعب، إن لم يكن إمالة الكفة في بعض الأحيان.
رضوخ للضغط، الذي فرضه أهالي المحتجزين والشارع العام في إسرائيل الذي انتقل من حنق الانتقام إلى مخاوف تمدد الحرب التي زرعت بوادر أزمة اقتصادية عميقة في إسرائيل، زيادة على الأزمة السياسية التي تفجرت بشكل كبير، ودفعت خصوم نتنياهو إلى غرس أظافرهم بشكل عنيف في أدائه السياسي.
إخفاق أمام الداعمين الغربيين، إذ ظهر أن إسرائيل عاجزة حتى الآن عن تحقيق أهدافها التي نالت بموجبها الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين الآخرين.
مأزق البقاء العسكري في غزة، حيث توجد القوات العسكرية في مناطق سكنية، وهو ما فرض على جيش الاحتلال إعادة تموضع قواته خوفا من مهاجمتها من الفصائل أو السكان، زيادة على استبدال بعضها بأخرى، وهو ما يعني تكاليف وخيارات عسكرية لم تكن في الحسبان.
هدنة الأيام الأربعة.. آمال ومخاوف
يتحدث مختلف المراقبين للمشهد الدامي في غزة عن آمال كبيرة في تمديد الهدنة، ومن الداخل الإسرائيلي بشكل خاص تحدث أحد أعضاء حكومة نتنياهو عن إمكانية تمديدها إلى 10 أيام. أما قطر الوسيط في الهدنة، فلديها مساع وآمال بتحويلها إلى هدنة طويلة الأمد أو وقف مستمر لإطلاق النار.
ورغم ارتفاع التفاؤل بشأن التمديد، فإن مخاوف الانتكاسة عالية جدا، خاصة أن الرهان على الحرب ما زال الخيار الأهم، أو الخيار الوحيد لدى القادة العسكريين الإسرائيليين، ولدى نتنياهو من أجل إنقاذ نفسه وحكومته اليمينية التي كانت أول من أشعل وقود طوفان الأقصى عبر سلسلة من الاستفزازات المسجد الأقصى والضفة الغربية، وهو ما قد يدفعه إلى مزيد من التهور، كما أن ثقة حماس بإسرائيل معدومة، ويمكن أن تعود هي الأخرى إلى الحرب عند تقييم ما تراه عدوانا أو خروقات إسرائيليا للهدنة.
وبمختلف الاحتمالات المعززة لأحد هذين الخيارين، فإن مجرد بدء سريان إعلان الهدنة سيطفئ بعض نيران الحرب، وسيخفت الحديث عنها، كما أنه سيدفع الوسطاء بشكل عام إلى سعي حثيث لإطالة أمد الهدنة.
وبين مختلف تلك السياقات، تبقى الأيام الـ48 الصفحات الأكثر أسطورية في صمود ومقاومة الفلسطينيين لاحتلال يصب عليهم الموت من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ويسقونه لهب "الطوفان" من مسافة الصفر.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: فی غزة کما أن وهو ما
إقرأ أيضاً:
“السنوار 2”.. من هو الأسير الذي يخشى الاحتلال إطلاق سراحه؟
#سواليف
تبدي أوساط في #حكومة #الاحتلال تخوفها من إطلاق سراح عدد من #قادة #الأسرى #الفلسطينيين، في إطار #صفقة مرتقبة لتبادل الأسرى، خشية أن يتحول أحدهم إلى ” #سنوار_جديد “.
وفي الوقت الذي تتصدر فيه #صفقة_تبادل #المحتجزين الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين، النقاش العام في “إسرائيل”، فقد طرح مسؤول إسرائيلي اسما من بين الأسرى الأمنيين الذين يقضون أحكامًا طويلة في السجن، وحذر من أنه يمكن أن يتحول إلى قائد جديد، كبديل لرئيس حركة #حماس في غزة، يحيي السنوار.
ونقلت صحيفة “معاريف” عن اللواء دوفيدو هراري، رئيس قسم جمع المعلومات في وحدة الاستخبارات بمصلحة السجون، قوله، إن “بين الشخصيات البارزة من حركة حماس، #الأسير_إبراهيم_حامد، رئيس الجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية في الانتفاضة الثانية، والمُدان بعشرات أحكام بالسجن المؤبد”.
ويشير هراري إلى الأسير “عباس السيد من طولكرم، الذي قاد الهجوم على فندق بارك في نتانيا، والأسير حسن سلامة من غزة، المسؤول عن الهجمات الكبرى في القدس في التسعينيات، إضافة إلى محمد عرمان، الذي كان وراء الهجوم في مقهى مومنت في القدس”.
ومن جانب حركة فتح، يبقى مروان البرغوثي الشخصية الرمزية الأكثر أهمية في الشارع الفلسطيني، وإلى جانبه يُذكر ناصر عوف من نابلس، الذي كان شخصية قيادية في فترة الانتفاضة الثانية، وفق الجنرال الإسرائيلي.
ووفقًا لبيانات مصلحة السجون، فإنه يوجد حاليًا نحو 10 آلاف أسير “أمني” فلسطيني، 40% منهم ينتمون إلى حركة فتح، و40% آخرين إلى حركة حماس، وحوالي 10% إلى حركة الجهاد الإسلامي، والبقية ينتمون إلى الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية.
ولفت هراري إلى التغيير داخل السجون والتشديد الكبير على الأسرى قائلا: “منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حدث تغيير دراماتيكي، فلقد فصلنا بين الأسرى، وقطعنا كل قدرتهم على إدارة أي نوع من بناء القوة في السجون، وكل قدرة نقل الرسائل، والهواتف، والزيارات، وكل قدرة لتوجيه أسرى آخرين، وإدارة عمليات القيادة والانتخابات داخل السجن”.