هذه الأسئلة وغيرها بحثت صحيفة "اندبندنت التركية" عن أجوبة لها. تاريخ 20 نوفمبر (تشرين الثاني) يعد مهماً في السياسة التركية، ففي مثل هذا اليوم من عام 1961 تم تشكيل أول حكومة ائتلافية في البلاد على يد رئيس الوزراء آنذاك عصمت إينونو، وضمت هذه الحكومة وزراء من حزب العدالة وحزب الشعب الجمهوري، لكن منذ عام 2002 يحكم تركيا حزب واحد، وخلال السنوات الخمس الماضية كانت السلطة بيد "تحالف الشعب" الذي يضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وبحسب بعض المحللين السياسيين، فإن نظام "50+1"، الذي بُني للقضاء على الائتلافات، جلب معه تحالفات سرية.

من وجهة النظر هذه فإن تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان للصحافيين عند عودته، أخيراً، من زيارة ألمانيا لافتة للنظر، إذ أوضح أنه يريد تغيير نموذج "50+1" في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقال إن "تغيير هذا النظام سيكون مناسباً جداً، فإذا تم تمرير إجراء انتخاب المرشح الذي يحصل على الغالبية، فستكون الانتخابات الرئاسية متسلسلة، ولن تسبب أي جهد ولن تؤدي إلى مسارات خطأ، وفي الوقت الحالي يقود نظام 50+1 الأطراف إلى الطريق الخطأ، وليس من الواضح يد من بجيب من، ومن يدري ماذا سيأتي بعد ذلك؟ وعلى رغم هذا فإنه عندما يكون النظام هو أن المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات يتم انتخابه، من حيث عدد الأصوات، يتم الانتهاء من الانتخابات بسرعة".

لماذا بات مرفوضاً؟ بعد هذه الكلمات مما لا شك فيه أن السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن المعارضة هو لماذا بدأ الرئيس أردوغان يجد أن نظام "50+1" مرفوضاً؟ بعض أطراف المعارضة ترى أن أردوغان يحاول بذلك أن يتخلص من التحالف الذي يربطه بحزب الحركة القومية، وبهذا الخصوص يقول رئيس "الحزب الديمقراطي" غولتكين أويسال: "عندما بدأ أردوغان يخسر، أنشأ شريكاً من شأنه أن يوفر توازناً في نظام 50+1، والآن هذا الشريك لا يكفي، يبحث أردوغان عن شركاء آخرين، لكن كل شريك سيكون عبئاً عليه".

في الحقيقة ليست هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها موضوع "50+1"، بل سبق أن تطرق إلى هذه القضية الرئيس أردوغان خلال بث مشترك لـ14 قناة تلفزيونية قبل الانتخابات الرئاسية في مايو (أيار) الماضي، ورداً على سؤال حول ما إذا كان سيكون هناك نظام عكس "50+1" للانتخابات الرئاسية، قال "إذا كانت هناك أحزاب سياسية ستشارك في مثل هذا الهيكل أو مثل هذا الترتيب، فلا يمكن أن يحدث هذا، وربما يحدث وأنا أؤيد ذلك".

وهناك من يرى أن أردوغان يريد حشد دعم لدستور جديد للبلاد، وقد أشار إلى ذلك قبل الانتخابات بستة أشهر، حيث ذكر أن حكومته ستتخذ خطوة في هذا الاتجاه، مشيراً إلى أن العمليات الانتخابية ستكون "أكثر راحة" بعد التعديلات الدستورية، إذا ما نوع الصورة التي يمكن أن يجلبها التغيير المحتمل لتركيا؟ الأستاذ في جامعة بيلغي إسطنبول إمره أردوغان يقول "لو أننا ذهبنا إلى نظام الغالبية المطلقة من الجولة الأولى في الانتخابات، يمكن أن يحصل المرشح الأوفر حظاً على 24 في المئة من الأصوات، وبذلك سيكون هناك 76 في المئة من الشعب لا يريده، وهذا يوضح أن هذا النظام الذي نسميه (اللقطات الأولى) يقوض التمثيل، وإذا تم انتخاب رئيس بهذه الطريقة سيؤدي إلى خلق مشكلات، وسيكون هذا النظام ضاراً بعمل ونوعية الديمقراطية، لذلك أنا لست متأكداً من مدى جدية عرض أردوغان".

أزمة شرعية حقيقية بينما يعتقد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوتش علي شار أوغلو أنه إذا أصبح شخص لم يتم انتخابه بدعم من أكثر من نصف السكان رئيساً للسلطة التنفيذية، فإن ذلك سيخلق نقاشاً مباشراً حول الشرعية في تركيا، وفي مثل هذه الحالة قد يكون هناك خطر من أن الانتخابات في تركيا لن يكون لها معنى، لأن السبب الوحيد لعدم وجود أزمة شرعية حقيقية في تركيا في الوقت الحالي هو نموذج "50+1".

ويقول شار أوغلو "المعارضة في الواقع في نفس القارب مع حزب العدالة والتنمية وأردوغان، لأنه مثلما أن حزب العدالة والتنمية ملزم الحكم فقط من خلال تحالف، فإن المعارضة هي نفسها، ولا أعتقد أن المعارضة سترغب في إلغاء هذا النظام، لأن ذلك سيجلب لها خسارة جديدة، وتغيير هذا النظام سيكون بالنسبة لتركيا كارثة غير عادية، بأن يحكمها نظام رئاسي لا يحظى بدعم الغالبية".

ويوضح "أنا لا أبالغ عندما أقول كارثة، والسبب أن الناس الآن صامتة ومتقبلة لحكم أردوغان لأن هذا ما فرضته الديمقراطية، وهذا اختيار أكثر من نصف الشعب، لكن إذا تغير نظام 50+1 لن يصمت أحد، باعتقادي أن النظام الحالي هو الأفضل لأنه يعني أن هناك أكثر من 50 في المئة من الشعب خلف الرئيس، وأعتقد أن إلغاء هذا النظام لن يحدث على الإطلاق".

في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، ادعى الوزير السابق وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية فاروق جيليك أن نظام "50+1" متعب للانتخابات، موضحاً أن علم الاجتماع والاقتصاد في تركيا لا يمكنهما التعامل مع هذا النموذج. وقال جيليك "من يحصل على 40 في المئة أو أكثر من الأصوات في الجولة الأولى يجب انتخابه"، هذا الطرح حينها أدى إلى انتقادات متعددة، لأن أصوات حزب العدالة والتنمية انخفضت إلى ما دون 50 في المئة، وهذا العرض يؤدي إلى أن الحزب إذا حصل على أصوات تبلغ 40 في المئة وحده يمكنه التخلي عن التحالف مع حزب الحركة القومية، وبالفعل أُجري بحث في هذا الاتجاه.

وفي نوفمبر عام 2021، ظهرت هذه القضية مرة أخرى خلال اجتماع بين الرئيس أردوغان ورئيس حزب السعادة تمل كرم الله أوغلو، حيث قال حينها: "لقد فهمنا أن نموذج 50+1 تقطعت به السبل".

وبعد أيام قليلة من هذا الاجتماع قال وزير العدل وعضو المجلس الاستشاري الأعلى جميل جيجك، إن نظام 50+1 تسبب في الاستقطاب بتركيا.

في ذلك الوقت رد زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي بشكل قاس على ذلك، حيث قال "أساس الشرعية الديمقراطية للنظام القائم في تركيا هو نموذج 50+1، نحن بهذا النموذج لا ننتخب النواب، ولا ننتخب رؤساء البلديات، بل ننتخب رئيساً يمثل الجمهورية بأكملها، من السخف بالنسبة لنا أن نتعاطف مع الذين ينتقدون هذا النموذج".

كما قال نائب رئيس المجلس الرئاسي للسياسة القانونية محمد أوتشوم إن مجرد "مناقشة نموذج 50+1 يعد تجزئة لإرادة الشعب، والذين لا يريدون هذا النموذج هدفهم تحطيم إرادة الشعب والسيطرة على تركيا بحرية".

مقارنة سياسية أما الأستاذ في جامعي كوتش علي شار أوغلو، فيجري مقارنة بين النظام السياسي الحالي والسابق في تركيا، فيقول "في سبعينيات القرن الماضي لم يكن هناك حزب الحركة القومية، ولو كان النموذج حينها نفس النموذج الحالي لن يتمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على غالبية برلمانية، وكذلك سيكون منصب الرئاسة في خطر بالنسبة له، ومع ذلك في الماضي لم يكونوا في حاجة إلى انتخابات رئاسية، وعندما حصل حزب العدالة والتنمية على 34 في المئة من الأصوات كان قادراً على حكم البلاد كحزب مهيمن".

ويقول شار أوغلو "اليوم عندما نقول (دعونا نلغي التحالفات)، فهذه عبارة كبيرة جداً، لأن هذا القرار يتخذه الناخبون، فلا يمكن القضاء على التحالفات إلا من خلال تفضيلات الناخبين، وتفضيلات الناخبين في تركيا منقسمة، وبغض النظر عما فعله إلا أن حزب العدالة والتنمية هو في الواقع الحزب الأكثر نجاحاً في تركيا، فهذه البلد ليست دولة يمكن حكمها بسهولة".

ويضيف "هناك من يرى أن نظام 50+1 يزيد من شرعية الرئيس، ويضمن الاستقرار السياسي، ويقلل من خطر التحالفات، ويعكس تماماً إرادة الشعب، ووجهة النظرة المقابلة ترى أن هذا النموذج يعطي كثيراً من السلطة للرئيس، ويضعف السيطرة البرلمانية، ويزيد من الاستقطاب السياسي، ويعوق التعددية السياسية، وبالنسبة إلى المعارضة فهي ترى أنه في نظام من دون نموذج 50+1 يجب تعزيز الفصل بين السلطات، وزيادة سلطات البرلمان وتعزيز نظام قانوني قوي، وفي هذا السياق أعتقد أن أردوغان بدأ يرى أن حزب الحركة القومية يشكل عبئاً، وأنه يخطط للتخلص من هيمنته، وأيضاً يخطط لتأمين انتخابات 2028 من الآن".

لكن أستاذ العلوم السياسية إمره أردوغان يختلف بشدة مع هذا الرأي، ويقول "لا أرى أي خلاف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وأردوغان وبهجلي، الذين يقولون هذا هم نفس الأشخاص الذين يقولون إن دخول حزب الحركة القومية الانتخابات بمفرده هو انتحار، لكن الحقيقة هي أن حزب الحركة القومية راض عن الوضع الحالي، وبصفتي شخصياً أتابع حزب الحركة القومية فهو سعيد لأن الخطوط الحمراء التي وضعها لم يتم تجاوزها، ومن هذه الخطوط هي عدم إجراء أي مشاورات مع حزب الشعوب الديمقراطي، أما تصريحات أردوغان الأخيرة في شأن احتمالية تغيير نموذج 50+1 فأعتقد أنه أطلقها مثل (بالون يحلق) ليرى ما هو رد الفعل عليه ومدى التفاعل معها.

ما هو نظام "50+1"؟ نظام أو نموذج "50+1" يعني صوت واحد أكثر من 50 في المئة من الأصوات الصحيحة في الانتخابات، وقد تم تطبيق هذا النموذج للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية في 10 أغسطس (آب) 2014 وتم انتخاب رجب طيب أردوغان رئيساً من الجولة الأولى بنسبة 51.79 في المئة، وذلك بعد 7 سنوات من الاستفتاء الذي أجري في أكتوبر (تشرين الأول) 2007، حيث تمت الموافقة على انتخاب الرئيس من قبل الشعب بدلاً من البرلمان بنسبة 68.95 في المئة

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: حزب العدالة والتنمیة الانتخابات الرئاسیة حزب الحرکة القومیة فی الانتخابات هذا النموذج فی المئة من من الأصوات هذا النظام فی ترکیا أکثر من نظام 50 1 أن حزب أن هذا

إقرأ أيضاً:

الحركة السياسية لم تفهم الدرس بعد !

وأنا ، اشاهد ما قيل أنه مؤتمر تحالف السودان التأسيسي بنيروبي ، انتابتني حالة من الحسرة الممزوجة بالغضب على حال النخب السياسية التي تدعي انها تأخذ بزمام الشعب للتحول الديمقراطي وإقامة الحكم المدني . الحسرة متأتيه من أن هذه النخب السياسية تعيد إنتاج نفسها دون أن ينعم عليها الله سبحانه وتعالي بإتساع افقها وازالة الغشاوة التي غشت بصيرتها منذ عهد الإستعمار حتى لحظتنا هذه. لم تتعظ هذه القوى السياسية من إخطاءها التي جعلت العسكر يحكمون السنوات الطوال العجاف بدءاً من عهد عبود ، مروراً بعهد النميري ، ومن بعده البشير ، انتهاءاً بالبرهان . شاهدت مهزلة مؤتمر اسمرا للقضايا المصرية وكيف أن القوى السياسية بضيف أفقها وعدم حرصها على النضال سعياً وراء الحلول السهلة الآنية للتخلص من الخصوم وضعت يدها في يد حركات مسلحة كانت دوماً تمتطي ظهرها للوصول لإهدافها ومن ثم إدارة الظهر لها نست تلك القوى السياسية كيف خلا بها جون قرنف بعد أن منحته حق تقرير المصير على طبق من ذهب وكانت النتجية أن ذهب الجنوب إلي الأبد وبقى الخصم الذي كانت تحلم بإسقاطه ببندقية قرنق. ولم تنتبه هذه القوى السياسية لان عبدالعزيز الحلو ينفذ نفس السناريو الذي طبقه من قبل استاذه قرنق حين تخلى عن دعم الديمقراطية الثالثة التي جاءت بحلفاءه لسدة الحكم وإستمر في محاربة الحكومة الديمقراطية ليضعفها ويهبها لقمة سائغة لعساكر الجبهة الإسلامية. وهكذا فعل عبد الواحد محمد نور. واستمروا في إضعاف القوى المدنية حتى بعد ثورة 19 ديسمبر.
الان هل يعقل أن تستبدل هذه القوى المدنية الحكم العسكري الحالي بحكم عسكري أخر، هل يعقل أن تأخذ جماهيرها من تحت سطوة البرهان لتضعهم تحت سطوة حميدتي؟!
الأزمة الحالية في السودان ازمة عميقية الجذور ولايمكن حلها بضيق الأفق وإستعجال النتائج والأخذ بأي وسيلة على سبيل الميكافيلية لان ذلك لن يزيد الأزمة إلا سؤاً وتعقيداً . لابد أن تتعافى الأحزاب السياسية والقوى المدنية من المرض الذي أنتشر في كل مفاصلها سواءً كان بفعل قيادتها أو بفعل نظام الإنقاذ أو بفعل القوى الخارجية. هذه أحزاب منقسمة على نفسها تتصارع عضوية كل حزب مع بعضها البعض ، أحزاب لا تمارس الديمقراطية ولا تملك برنامجاً ولا رؤية إستراتيجية لحل مشاكل البلد ولكن حال البلد والشعب لا يسمح بأي تأخير لتقديم حل ينتج عنه الحد الأدنى من الإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي وهذا الحل لايمكن أن يكون إلا بإتفاق كل القوى السياسية والمدنية على برنامج الحد الأدنى المطلوب لذلك الإستقرار دون الخوض في أي نظريات فلسفية ايدولوجية ولابد من التخلص من نظرية إقصاء الإسلاميين فإن شئنا أم ابينا جزء أساسي من الحركة السياسية في السودان ولديهم نفوذهم الذي لا ينكره إلا مكابر . إذا نجحنا في ذلك فلن تكون هناك حجة. للعسكريين بتولى زمام الحكم وحتى لو اصروا عل الحكم فإنهم سيجدون قوى سياسية متحدة قوية تقف في وجههم.

المحامي/ أحمد صلاح الدين عووضة

ahmedsalaheldinawouda@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • اقرأ غدًا في «البوابة».. شباب مصر.. صفحات مضيئة فى تاريخ الحركة الطلابية المصرية
  • اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية .. الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال (الجبهة الثورية)
  • “اللواء البراشي” يحسم الجدل ويوجه بتوقيف رجل المرور الذي ظهر في الفيديو المثير واحالته للتحقيق وانفاذ العدالة فورًا
  • تركيا.. تصاعد الأزمة بين أردوغان ورجال الأعمال
  • الحركة السياسية لم تفهم الدرس بعد !
  • اعتقال شخص هاجم أردوغان في سوريا!
  • حزب أردوغان يستحوذ على بلديات حزب الرفاة من جديد
  • نائب يدعو الى استخدام البطاقة الوطنية في الانتخابات القادمة
  • باباجان يدعو أردوغان لإجراء انتخابات مبكرة بأقرب وقت ممكن
  • مصدر صدري: مقتدى “لم يستقر بعد على مشاركة التيار في الانتخابات القادمة”