ذاكرة الكتب.. طه حسين يرصد تاريخ الجزيرة العربية فى «مرآة الإسلام»
تاريخ النشر: 11th, July 2023 GMT
كتاب مرآة الإسلام هو أحد أشهر الأعمال والمؤلفات التى صدرت للأديب والمفكر الدكتور طه حسين. حتى إن البعض عدها أحد أفضل كتاباته وأجملها لغويًا، وقد لاقى ترحابًا عظيما بين جموع المثقفين حتى يومنا هذا. يتناول دكتور طه حسين حياة العرب منذ أواسط القرن السادس للميلاد، حيث مثلوا أمة متخلفة قياسًا إلى الروم والفرس اللتين مثلتا قوتين عظميين تسلطتا على العالم فى ذلك الوقت، وقبل أن ترتقى أمة العرب مع ظهور الإسلام.
أخبار متعلقة
ذاكرة الكتب .. فى مناسبة عيد استقلالها عن التاج البريطانى: كتاب يبحث فى تاريخ أمريكا حتى القرن العشرين
ذاكرة الكتب.. الفريق عبدالمنعم واصل يروى مراحل الصراع العربى الإسرائيلى منذ بدايته
ذاكرة الكتب.. صلاح سالم يكتب عن جلاء الإنجليز عن مصر وردود الأفعال فى بريطانيا وإسرائيل
فى رحلة شائقة لحياة النبى وأصحابه يمزج عميد الأدب العربى الحكايات بالوقائع بالأحداث التاريخية فى أسلوب سردى ممتع لا يخلو من التحليل العلمى والقراءة المادية للوجود الاجتماعى والفكرى والأدبى لبيئة الإسلام وما جاورها، لتدرك شعوب الأمة الإسلامية تراثها بالنظر العقلى والفهم المستنير متجاوزين الخرافات والأساطير وصولا إلى الإيمان الثابت. ففى هذا الكتاب يحاول طه حسين استعراض شكل الحياة فى الجزيرة العربية قبل مجىء الإسلام. فحدثنا عن الديانات التى كانت منتشرة فى ذلك الوقت وما هى القوى الكبرى التى كانت مسيطرة، وكيف كانت الحالة الفكرية والمجتمعية فى ذلك الزمان. ويستعرض لنا الكاتب ما أحدثه دخول الإسلام من تغيرات فى الأفراد والمجتمعات.
ولا يغفل الكاتب أن يحدثنا عن القرآن وإعجازه، وكيف غير قلوب المسلمين والسنة كمصدر أساسى ومهم للتشريع. وقام طه حسين فى هذا الكتاب بتسليط الضوء على ما واجهه المجتمع المسلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما حدث من انقسامات ونزاعات للعديد من الأسباب السياسية والنزعات الفكرية التى أدت إلى ظهور العديد من الفرق والفئات التى تسببت بعد ذلك فى العديد من الأحداث الفارقة. وكعادة عميد الأدب العربى فإنه يجذبك بلغته الراقية وأسلوبه الشيق الممتع وتسلسل الأحداث الرائع الذى يجعل الملل صعبًا على القارئ. ولكن الأمتع فى كتاب مرآة الإسلام هو ذلك الأسلوب الروائى، الذى اتبعه فى السرد بطريقة تجعل القارئ أكثر تأثرًا واندماجًا مع أحداث الكتاب.
ويتطرق «طه حسين» إلى المراحل التى مرت بها الدعوة الجديدة منذ بزوغها حتى استطاع النبى بناء دولته بالمدينة ونعِم المسلمون بالاستقرار فى عهده وعهد خليفتيه «أبى بكر» و«عمر».
غير أن الأمور ساءت كثيرًا بعد ذلك؛ فكانت فتنة مقتل «عثمان» كالشرارة التى أحرقت الأخضر واليابس. وما يميز «طه حسين» أنه لا يكتفى بالعرض فقط، وإنما يحلل الأحداث الكبرى، ولا سيما الفتن والثورات، بحيث يخلع عليها أسبابًا تبدو منطقية من وجهة نظره؛ فعزا ثورتى «الزنج» و«القرامطة» اللتين كادتا أن تعصفا بالدولة- لأسباب اجتماعية واقتصادية خطيرة.ويقول عميد الأدب العربى فى كتابه: «ولا أكاد أشك فى أن وثنية أهل مكة لم تكن صادقةً ولا خالصةً، وإنما كانوا يتَّجرون بالدين كما كانوا يتَّجرون بالعروض التى كانوا يجمعونها من الجنوب ومن أنحاء الجزيرة العربية لينقلوها إلى أقطار أخرى من الأرض كانت محتاجةً إليها. فهم كانوا أذكى قلوبًا وأنفذ بصيرةً وأكثر ممارسةً لشؤون الحياة فى قريتهم تلك وفى غيرها من المواطن التى كانوا يختلفون إليها بتجارتهم. وهم كانوا بحكم ممارستهم للتجارة يتَّصلون بأمم متحضِّرة فى الشام ومصر وفى العراق وبلاد الفرس أيضًا. وكانوا يرون مذاهب هذه الأمم فى الحياة ومذاهبهم فى الدين أيضًا؛ فلم يكن من الممكن أن يؤمنوا لهذه السخافات التى كان يُؤمن بها العرب الوثنيون.
والدكتور طه حسين أديبٌ ومفكِّر مِصرىّ، يُعَدُّ عَلَمًا من أعلام التنوير والحركة الأدبية الحديثة، قاد مشروعًا فكريًّا شاملًا، استحقَّ به لقبَ «عميد الأدب العربى». وُلِد دكتور «طه حسين على سلامة» فى نوفمبر ١٨٨٩م بقرية «الكيلو» بمحافظة المنيا. فَقَدَ بصرَه فى الرابعة من عمره إثرَ إصابته بالرمد، لكنَّ ذلك لم يَثْنِ والِدَه عن إلحاقه بكُتَّاب القرية؛ حيث فاجَأَ الصغيرُ شيخَه «محمد جاد الرب» بذاكرةٍ حافظة وذكاءٍ متوقِّد، مكَّنَاه من تعلُّم اللغة والحساب والقرآن الكريم فى فترة وجيزة. وتابَعَ مسيرته الدراسية بخطوات واسعة؛ حيث التحَقَ بالتعليم الأزهرى، ثم كان أول المنتسِبين إلى الجامعة المصرية عامَ ١٩٠٨م، وحصل على درجة الدكتوراه عامَ ١٩١٤م، لتبدأ أولى معاركه مع الفكر التقليدى؛ حيث أثارَتْ أطروحتُه «ذكرى أبى العلاء» مَوجةً عالية من الانتقاد.
ثم أوفدَتْه الجامعة المصرية إلى فرنسا، وهناك أَعَدَّ أُطروحةَ الدكتوراه الثانية: «الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون»، واجتاز دبلوم الدراسات العليا فى القانون الرُّومانى. وكان لزواجه بالسيدة الفرنسية «سوزان بريسو» عظيم الأثر فى مسيرته العلمية والأدبية؛ حيث قامَتْ له بدور القارئ، كما كانت الرفيقة المخلِصة التى دعمَتْه وشجَّعَتْه على العطاء والمُثابَرة، وقد رُزِقَا اثنين من الأبناء: «أمينة» و«مؤنس».
وبعد عودته من فرنسا، خاض غِمار الحياة العملية والعامة بقوة واقتدار؛ حيث عمل أستاذًا للتاريخ اليونانى والرومانى بالجامعة المصرية، ثم أستاذًا لتاريخ الأدب العربى بكلية الآداب، ثم عميدًا للكلية.
وفى ١٩٤٢م عُيِّن مستشارًا لوزير المعارف، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية. وفى ١٩٥٠م أصبح وزيرًا للمعارف، وقاد الدعوة لمجانية التعليم وإلزاميته، وكان له الفضل فى تأسيس عددٍ من الجامعات المصرية. وفى ١٩٥٩م عاد إلى الجامعة بصفة «أستاذ غير متفرِّغ»، وتسلَّمَ رئاسة تحرير جريدة «الجمهورية». ورحل طه حسين عن دُنيانا فى أكتوبر ١٩٧٣م عن عمرٍ ناهَزَ ٨٤ عامًا، قضاها معلِّمًا ومؤلِّفًا وصانعًا من صنَّاع النور.
ثقافة كتاب مرآة الإسلام ذاكرة الكتب الدكتور طه حسينالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: شكاوى المواطنين ثقافة عمید ا
إقرأ أيضاً:
«مركز جمعة الماجد» ينظم محاضرة عن الكتب المؤثرة
دبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةنظم مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، يوم الخميس الماضي، محاضرة افتراضية بعنوان «الكتب المؤثرة في التراث الفكري العربي»، قدمها فهد علي المعمري، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمكتبات والمعلومات، والباحث في التراث الشعبي، حيث تحدّث في محاضرته عن المكتبة العربية والإسلامية من خلال الكتب المؤثرة في الفكر العربي، وبدأ المحاضرة بتعريف عام شمل أهمية التأليف عند العرب والمسلمين، وإثراء الحركة الفكرية والثقافية وتأثيرها على الحضارات الأخرى، وكيف كان لها التأثير في ذلك. ثم عرَّف بالكتاب المؤثر الذي أحدث ضجةً بسبب محتواه، فأقبل عليه العلماء والقراء للدراسة والنقد والتحليل، مؤكداً ذلك بأدوات قياس تأثير الكتاب من خلال الشروح والتفاسير والحواشي والتصحيح والتذييل أو الإكمال أو التتمات، وكذلك الاختصار والتهذيب والتعليق، وأخيراً الترجمة.
كما تطرق المحاضر إلى أهمية هذه المؤلفات في إطالة عمر الكتاب وإثراء محتواه، ذاكراً أمثلة على بعض الكتب المؤثرة مثل الشروح، وجاء مثالاً على ذلك كتاب «سيبويه»، وذكر عشرات الشروح التي أقبل عليها العلماء. كما أشار إلى كتاب «يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر» للثعالبي كنموذج للكتاب المؤثر في الذيل أو التكملة أو التتمات.
وضرب مثلاً آخر للكتاب المؤثر من خلال بناء المحتوى على ذات المحتوى، الذي بدأ فيه الكتاب الأول، وأحياناً العنوان ذاته، واختار كتاب «الأوائل» الذي بدأ تأليفه في منتصف القرن الثالث الهجري وانتهى في القرن الخامس عشر الهجري، ذاكراً أربعة وعشرين عنواناً.