أوردت صحيفة الإيكونوميست The Economist في إصدارتها بتاريخ 18 نوفمبر 2023 مقالا مطولا عن الحرب التي تدور رحاها حاليا في السودان، حيث أسمتها " الحرب المنسية" و !! حددت من له الغلبة
و في ثنايا تلك المقالة استطلعت الصحيفة آراء بعض الخبراء و المهتمين بأمر النزاعات و منهم ناثانيل ريموند و هو مراقب نزاعات
a conflict monitor
بجامعة يل الأمريكية ، و الذي قال :
"هناك أكوام من الجثث التي يمكن رؤيتها من الفضاء الخارجي.
و أضاف متحسرا على تجاهل العالم للمأساة التي تجري حاليا في السودان :
"لقد اجتذبت الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط الإهتمام العالمي، بينما في أفريقيا تمر الآثار المروعة ، الناجمة عن انهيار دولة ضخمة ، دون أن يلاحظها أحد تقريبًا.
مات السودان و لم يكتب النعي أحد !!
Sudan has died and no body wrote the obituary.”
يا لها من عبارة قاسية .. رغم أنها من باب الشفقة و ليس الشماتة ..
و مع حسن نيته ، لكن بدلا من تقرير موت السودان …ليته أورد تلك الحسرة بشكل افتراضي
In a hypothetical situation
و مازجها بالرجاء الذي لا يخيب متمثلا في ذلك ،بلسان حال السودان ، أبيات الشاعر الشفيف ..
حتى لو فقدوني ما بينعوني
بل أفراحهم تزيد !!!
ربي ديل قصدوني كون في عوني
حقق ما أريد
*****
سلام .. ديمقراطية مستدامة …عدالة
*****
وفق الراهن …
تبدو غايات بعيدة المنال ..
لكن بالعزيمة و المثابرة ..
يصبح الحلم حقيقة ..
و الرجاء خلقا سويا .
abdulrhim.khalaf@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حربنا ذات الدفع الخماسي
Five Wheels Drive
د. شهاب طه
البرهان أصبح كالذي يغسل ملابسه داخل شنطته. أمنيتي أن أعرف كيف يقضي هذا الرجل تلك اللحظات التي لا يمارس فيها الفشل. هذا ليس له علاقة بالجيش، وكل الدعم لجيش بلادنا. رجائي القرآءة بتمعن للتأكد من مصداقية القول، وأنشر بكثافة. إنها الحقيقة ولا شيء غيرها. حربنا لم يشهد لها التاريخ مثيل في العالم أجمع. حرب ذات دفع خماسي، لن تتوقف مطلقاً حتى لو تم الحسم العسكري الكامل، وأي كان نوعه، فستتواصل كحروب عرقية وقبلية وسياسية وإلى ما لا نهاية. تلك الجروح التي أوجدتها وأثخنتها هذه الحرب، لن تندمل ولن يضمدها صلح ولا أي نصر حربي كاسح. حرب تؤججها وتفاقمها خمس محركات دفع غاشمة جبارة ماحقة.
المحرك الأول:
هو الأقوى والأخطر وهو العداء السافر من قبل الكيزان للشعب الذي لم يتواقف على شيء مطلقاً سوى تحجيمهم وإزاحتهم من المشهد السياسي، لا لشيء إلا لأنهم ألدّ عداء للوطن ولثورة ديسمبر ٢٠١٨ المجيدة ويصرّون على إختزالها كلياً في نخبة سياسية ثورية، هي قوى الحرية والتغيير "قحت". وحتى يدارون على سوئهم بصناعة مليشيا الجنجويد، يقسمون قسماً غليظاً مفخخاً بأن الشعب الثائر كله ينزوي تحت عباءة "قحت" ليشكل الحاضنة السياسية للجنجويد. كذب بواح وخبث ذميم ومحاولات فاشلة تهدف لتضليل الشعب بأن قوى الثورة حادت عن مبادئها ومطلبها وأهمها "العسكر للثكنات والجنجويد ينحل". وهذا الكيد الباطل أصبح ضاغطاً لكثير من الناس لتغيير رؤيتهم تجاه الجنجويد والإنطلاق لدعمهم، وقد حدث، فقد ناقشت الكثير من المستنيرين السودانيين العاديين الغير مسيسين، وخاصة من أبناء الشمال والوسط، وأكدوا أنهم يدعمون الجنجويد ومهما كانت جرائمهم، كراهية ونكاية في الكيزان ويختمون بمقولة: "الشيطان ولا الكيزان".
المحرك الثاني:
التصنيف الأرعن، من قبل الجنجويد وداعميهم، لقبائل الشمال النيلي على وجه الخصوص، وبقية شعوب الوسط والشرق على وجه العموم، بأنهم كلهم فلول، أي أعضاء مسجلون في تنظيم الحركة الإسلامية، مباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم. ذلك أضافة لعداء الجنجويد السافر لأهل دارفور الأصليين "الزرقة" ومن ثم أهل النوبة والأنقسنا
المحرك الثالث:
الكثير من أهل السودان أصبحوا يعتقدون إعتقاداً لا يتزحزح أن أفراد قبيلتي الرزيقات والمسيرية كلهم جنجويد دون فرز، وهو تعميم خطير يسهم في إذكاء نار العنصرية ويزيد من احتمالية نشوب الحروب الأهلية
المحرك الرابع:
هي القناعة التامة لجماهير عريضة أن الجيش السوداني هو مليشيا كيزانية خالصة وبذلك التعميم يجارون الكيزان فيي إتهامهم الخبيث التعميمي لقوى الثورة، تحت مسمى قحت، بأنها كلها حاضنة سياسية داعمة للجنجويد. ذلك يضعف همة الجيش ويطيل زمان المعركة
المحرك الخامس:
هو البرهان نفسه وقد أصبح كالذي يغسل ملابسه داخل شنطته. صاحب وخادم الفشلين المخيفين في المجالين السياسي والعسكري. عديم البصيرة وتحسس المخاطر والرؤية المستقبلة. الداعم الأكبر للجنجويد وحاميهم ومُعظّم جبروتهم ومثبت أقدامهم في العاصمة وكل مفاصل الدولة. رضخ لحميدتي وهو يهين ويذل ويطرد الكثير من قادة القوات المسلحة والأجهزة النظامية. البرهان دكتاتور أهوج تقليدي، من النوعية التي عفى عنها الزمان، وآهِمٌ يتخيل أن هناك حكومة فاعلة تحت كنفه تدير البلاد. منذ انقلابه على الديمقراطية الوليدة في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، تسبب في فراغ دستوري مهول، ولم ينجح مطلقاً في تشكيل حكومة شرعية مسؤولة، بل احتكر واختزل كل السلطات في شخصه. ينصب نفسه مدعياً عاماً يتهم معارضيه بالخيانة الكبرى ثم يكون هو القاضي الذي يصدر الأحكام الجزافية بحرمانهم من حقوقهم الدستورية وإلغاء هوياتهم الوطنية ويؤكد منعهم من أي مناصب دستورية في المستقبل القريب والبعيد. يصّور للشعب أنه البطل الذي سيسحق المارد الذي صنعه بيده، متجاهلاً أن ثورة ديسمبر ما قامت إلا لمنع هذه الحرب مسبقاً. بانقلابه على الثورة أطلق صفارة البدء لهذه الحرب وأصبح المسؤول الأول عنها. لا زال مذعناً لسدنة النظام البائد ويُصرّ على إعادة تمكينهم. ينفي من لا يرتاح لهم من النخب ويصطفي من هم في مزاجه. لا يزال أصنجاً لا يستمع للنصح لينشئ مجلساً استشارياً يضم مائة عضو من النخبة الوطنية الخالصة المخلصة والمستقلة، علّه ينجح في بناء المسار السياسي المطلوب والمفترض إيجاده كمسار موازٍ للمسار العسكري في الوضع الكارثي الراهن.
الحل الأوحد: هو التدخل الأممي. بالنظر لكل هذه المعطيات الكارثية وجب اللجؤ للتدخل الأممي بقبول من كل حكماء السودان وساسته ونخبه وشعبه، دون تعنت. وجب التدخل الخارجي على طريقة لجان تحكيم أممية أجنبية، تماماً كالحكم الأجنبي لمباراة هلال مريخ. لجان برعاية مجلس الأمن وتكون قرارتها ملزمة لكل الأطراف وأولها وقف العدائيات وأن يعود كل فرد لموطنه الأصل. وجب التدخل الأممي لأن ليس هناك أي إمكانية للحول الوطنية مهما تصور الناس وأبدع في إختراعها فهي لن تنجح لإنعدام الثقة التام والعجز الرهيب في التوافق على شخصية أو نخبة سياسية تكون محل ثقة وهي تلك الثقة التي حرص الكيزان على إبادتها بطبع وشم التخوين كل جبهة كل وطني غيور.
يا عبدالفتاح البرهان، لطالما نصحتك بالاستعانة بالأمم المتحدة. وفقاً للمادة ٢٠ من ميثاق الأمم المتحدة والتي تكفل لك الحق بطلب عقد جلسة طارئة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتلك تعني مخاطبة مندوبي كل دول العالم، لمناقشة تداعيات الحرب الإستنزافية الكارثية التي تشارك فيها دول وجهات عديدة لتنفيذ التصفية العرقية والابادة الجماعية بواسطة مليشيا الجنجويد وهي تنتشر على مساحات شاسعة وقُرى متناثرة وتتخذ المدنين كرهائن لتُصعب مهمة الجيش في القضاء عليها في المستقبل القريب وتظل الناس تشاهد أبشع المجازر تُرتكب ضد الأبرياء من ذويهم وجيرانهم ومواطنيهم، كفريسة سهلة في أيدي الجنجويد. ومع ذلك يفضل الغشماء من الناس إستمرار هذه المآسي بديل تدخل الأمم المتحدة ولذلك لإعتقادهم الراسخ أنها ما خلقت إلا من أجل إفناء السودان بنزع إسلامه وتفتيته وتهجير شعبه لكي لا يصبح دولة عظمى تشكل تهديداً رهيباً للعالم الغربي. وذلك إعتقاد لا يمت للواقع بصلة لأن هذا الدفع الخماسي الغاشم هو وحده الذي سيفني سوداننا في ظل تعقيد الأزمات والغباء المطلق في التعصب الدينيي والعرقيي والسياسي وإحتكار القرار حصرياً للجهلاء.
التدخل الأممي حق قانوني ينتزعه السودان من خلال الأمين العام للأمم المتحدة لإعادة الأمن وحفظ الأرواح ويطالب بتشكيل لجان أممية لتقصي الحقائق والأوضاع الإنسانية والأمنية وإعداد مذكرة عاجلة لمجلس الأمن لإصدار القرارات الملزمة لجميع الأطراف السودانية. بالرغم من أن القرار النهائي بشأن تشكيل تلك اللجان الأممية يتم عبر إجراءات خاصة بالأمم المتحدة، ولكن، حتى ندحض نظريات المؤامرة حول نوايا الغرب، الذي يزعم البعض أنه يهيمن على الأمم المتحدة، نؤكد حق السودان في التدخل لتحديد معايير الخبراء أو المتخصصين المطلوبين في اللجان المكلفة. الحراك الإيجابي الاستباقي بتكليف الأمم المتحدة أفضل من أن تتدخل قسرياً بموجب البند السابع. ولائك للوطن لا يحتاجك أن تظهره بصخب وضجيج أهوج بل بصبر وحكمة بالغة لتقدم ما يفيد، ولا يحتاج لتخوين الآخرين، بل بإيجاد العذر لضحالة فهمهم.
sfmtaha@msn.com
٩ نوڤمبر ٢٠٢٤