ما أسباب تباين مواقف دول أفريقية بشأن الحرب على غزة؟ المصالح السياسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية مع إسرائيل أجبرت دول بالقارة السمراء على الصمت
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
الرئيس الكونغولى ونتنياهو
رغم دعم كثير من الدول الأفريقية للقضية الفلسطينية خلال العقود الماضية، فإن بعض هذه المواقف شهدت تغيرًا لافتًا بفعل تغليب المصالح السياسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية على إبداء مواقف تعتبرها بعض الدول "غير مفيدة".
وعكست حرب غزة الجارية تباينًا في مواقف دول القارة السمراء من الحرب، فبينما تبنت دول وجهة النظر الإسرائيلية والداعمة لها في حق الدفاع عن نفسها والقضاء على حماس، أطبق الصمت على أخرى بإيعاز أميركي وأوروبي بجانب مصالح اقتصادية وأمنية مع حكومة نتنياهو، بحسب رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وسفير مصر السابق في زامبيا، الذي أضاف لـ"البوابة نيوز " قائلًا : "يوجد طرف ثالث بأفريقيا لديه لبس فيما يتعلق بعملية حماس ورد الفعل الإسرائيلي ورابع داعم لحماس ومدين للحرب الوحشية التي تشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة".
يأت ذلك رغم التشديد على ثبات الموقف الأفريقي الداعم للقضية الفلسطينية ولقراراتها في المحافل الدولية، ورفض العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، ورفض القادة الأفارقة القاطع لاستهداف "إسرائيل" المتعمد للمجتمع المدني الفلسطيني ومؤسساته، خلال القمة الأفريقية السادسة والثلاثين التي عُقدت في أديس أبابا يومي 18 و19 من فبرايرمن العام الجاري.
وأعلن الرئيس الكيني الدكتور ويليام ساموي روتو، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي X" إكس" مساء 7 أكتوبر الماضي، أن بلاده "تنضم إلى بقية دول العالم في التضامن مع إسرائيل وتدين الإرهاب والهجمات على المدنيين الأبرياء بها".
ودعا المجتمع الدولي لـ"حشد قواه لمحاسبة مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية المشينة ومنظميها ومموليها ورعاتها وداعميها ".
وتميزت العلاقات بين كينيا وتل ابيب بشكل لافت بعد تدخل إسرائيل خلال الهجوم على مركز ويست جيت التجاري في نيروبي عام 2013 .
وتحتل كينيا المرتبة الأولى في تلقي المساعدة الفنية من إسرائيل عبر وكالة التعاون الإنمائي الدولي (ماشاف ).وتعد الشركات الإسرائيلية المستثمر الأول فى مجال البنية التحتية الفندقية بكينيا.
وعلى غرار نظيره الكيني وصف الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي في 8 أكتوبر عبر موقع التواصل X" إكس" عملية حماس ضد إسرائيل، بالهجمات الإرهابية معلنا تضامن بلاده واتحادها مع تل أبيب في مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله".
وتلعب الاتفاقيات العسكرية والعلاقات التجارية دورا مهما في تعزيز الروابط بين الكونغو وإسرائيل حيث تهيمن الشركات الإسرائيلية على قطاع التعدين في الكونغو، إلي جانب التعاون في مجالات الأمن والزراعة والبنية التحتية والتكنولوجيا الرقمية.
وتطابق هذا الموقف مع مواقف الكاميرون وغانا وتوغو وزامبيا، الذين يتم وصفهم بأنهم "حلفاء تقليديون" لإسرائيل منذ ستينيات القرن الماضي وفي مقدمة الشركاء التجاريين لها في القارة.
وفي المقابل أيدت دولة جنوب أفريقيا إحدى الشركاء التجاريين المهمين لإسرائيل في القارة بشكل مطلق الشعب الفلسطيني في غزة حيث نشر لسيريل رامافوسا، رئيس جنوب إفريقيا في 14 أكتوبر 2023، مقطع فيديو على حسابه الشخصي بموقع التواصل الإجتماعي" X، يحمل العلم الفلسطيني في يده ويرتدي الكوفية الفلسطينية،مع تعليق “نحن ملتزمون بالتضامن مع الشعب الفلسطيني".
وأدانت الجزائر بشدة الهجمات الإسرائيلية على غزة،مشيرة إنها تنتهك القانون الإنساني الدولي، وسار على الدرب كل من ليبيا وتونس وموريتانيا والتي لا تعترف بإسرائيل.
وعلى نفس المنوال دعا الرئيس عمرو سيسوكو إمبالو رئيس غينيا بيساو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، معربًا عن قلقه إزاء تصاعد العنف والخسائر في الأرواح.
ما وراء الصمت
ويعزي المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري رخا أحمد حسن، صمت بعض الدول الأفريقية تجاه الحرب إلى تأثرها بموقف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وليس من منطلق تأييد إسرائيل، لارتباطها بصفقات تسليح مع الولايات المتحدة، والمساعدات الاقتصادية التي تقدمها الدول الغربية لها فاقتضت مصلحتها العامة الصمت حتى لا تضع نفسها في حرج وكذلك لا تزعج حلفائها في الولايات المتحدة وأوروبا، ومنها ما يزال ملتبسا عليه أمر عملية حماس ورد فعل إسرائيل مثل إثيوبيا التي تربطها علاقات راسخة وممتدة مع إسرائيل. على حد تعبيره
وكذلك ساحل العاج(كوت ديفوار) التزمت الصمت تجاه الحرب فى غزة رغم أنها أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لإسرائيل في القارة الأفريقية.
وهو ما يتفق معه السفير السنغالي الدكتور أبوبكر سار، حيث يرى أن من "يدعمون إسرائيل في حق الدفاع عن نفسها والحرب على غزة يحافظون على مصالحهم القومية؛ فكل دولة تراعي مصالحها وفقا للأطر التي تحددها، وأن كل دول أفريقيا لها موقف موحد فيما يخص حل الدولتين"،وشدد أبوبكر على أن الصمت أو الحياد يعكس رفض اتخاذ موقف بشأن هذه الأزمة خصوصا، بعد تصوير إسرائيل والغرب "حماس" على أنها "داعش".
ويلفت رخا إلى أن صمت بعض دول أفريقيا جاء بعد ضغط حكومة نتنياهو على مجموعة الدول الفرنكوفونية عن طريق فرنسا وكذلك الدول الأفريقية ذات النفوذ البريطاني
وبلغ حجم الصادرات الإسرائيلية للدول الإفريقية في عام ٢٠٢١ طبقا لبيانات معهد الصادرات الإسرائيلي نحو ٥٠١ مليون دولار دون احتساب تجارة الماس والصادرات العسكرية والأمنية التي غالبا ما تكون سرية.
ويعد هذا المبلغ متراجعا مقارنة بقيمة الصادرات في عامي ٢٠١٨ و٢٠١٩ والتي بلغت ٦٤٨ مليون دولار و٥٢٧ مليون دولار على التوالي.
كما انخفضت التجارة مع جنوب أفريقيا من حوالي 250 مليون دولار في عام 2014 إلى أقل من 190 مليون دولار في عام 2018.
نفوذ إسرائيليزادت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية التى تقيمها إسرائيل مع دول الإتحاد الإفريقي الـ 54 باستثناء الدول الـ" 9 " ليبيا، تونس، الجزائر،مالي،النيجر،موريتانيا،جزر القمر،جيبوتي والصومال" من نفوذها داخل القارة والتعاون مع دولها فى مجالات عديدة على رأسها الطاقة والمياه والزراعة والتكنولوجيا بجانب المجال الأمني والعسكري وصفقات الأسلحة، وفقا لمعهد الدبلوماسية والعلاقات الخارجية بجامعة فيخامان الاسرائيلية
وأدي هذا النفوذ إلي تباين فى مواقف الدول الأفريقية ازاء حرب إسرائيل على غزة، والزام بعضها بإتباع سياسة الصمت ،للحفاظ علي هذه العلاقة المعقدة مع تل أبيب. كما ورد فى دراسة مركز " legrandcontinent" للدراسات الجيو سياسية بباريس المنشورة بتاريخ 24أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأرجعت الدراسة صمت تشاد ذات الأغلبية المسلمة تجاه الحرب الدائرة فى غزة للنفوذ والمصلحة الإقتصادية والأمنية مع تل أبيب،خصوصا بعد عقد العديد من الصفقات التي لم يتم الكشف عنها فى أعقاب افتتاح الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي سفارة بلاده بمنطقة رامات جان بالقرب من تل أبيب فى مطلع فبراير الماضي.ومنها إمداد تشاد بالأسلحة لمساعدتها في حربها ضد المتمردين الإسلاميين في الشمال.
ووفق الدكتور سامح عباس أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة قناة السويس المصرية فإن "الحكومات الإسرائيلية عكفت خلال العشرين عاما الماضية على بسط نفوذها في القارة من خلال التعاون الأمني والعسكري وكذلك الاستفادة من التكنولوجيا الزراعية التي تمتلكها، فتوغلت في الشرايين الحيوية لهذه الدول من خلال التعاون الاستخباراتي والزراعي والطاقة وكذلك الأسلحة، حيث تقوم بتسليح الشرطة في الدول الأفريقية بمدفع رشاش صغير من نوع أوزي".
د.سامح عباسويحدد سامح أهداف إسرائيل من وراء ذلك قائلًا في تصريحات لـ"البوابة نيوز": "زيادة نفوذ إسرائيل بأفريقيا يساعدها على الضغط من أجل تغيير الموقف الثابت لدول القارة في المحافل الدولية والذي يدعم بشكل كبير القضية الفلسطينية، رغم العلاقات التجارية والأمنية مع إسرائيل وعلى رأس هذه الدول جنوب أفريقيا التي تتمتع بعلاقات تجارية وتدين بقوة الحرب الإسرائيلية على غزة وتدعم موقف حماس.
.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حرب غزة القارة السمراء
إقرأ أيضاً:
تعرّف على الرئيس الذي ساهم بقطع علاقات 20 دولة أفريقية مع إسرائيل
شكلت مواقف موريتانيا في تاريخها الحديث تجاه القضية الفلسطينية محورا أساسيا في سياستها الخارجية، وخاصة خلال فترة حكم الرئيس المختار ولد داداه، أول رئيس للبلاد والذي قادها منذ استقلالها سنة 1960 وحتى الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1978.
كانت مواقف داداه محورية في توجيه علاقات البلاد الدولية، مسلطا الضوء على دعمه الثابت للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرر.
وقبل أن نستعرض ما قام بها أول رئيس لموريتانيا من جهود كبيرة للوقوف في وجه التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، سنمر على مواقف الرجل عموما من القضية الفلسطينية وكيف كانت محددا رئيسا لبوصلة علاقات موريتانيا الخارجية في عهده، وكيف ساهم داداه في تقديم القضية للعالم، إضافة إلى ذكر نماذج من الدعم الذي قدمته موريتانيا للفلسطينيين خلال فترة حكمه.
حضور القضيةيقول أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة نواكشوط الدكتور محمد المختار سيدي محمد الهادي في حديثه للجزيرة نت إن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في تفكير النخبة الموريتانية حتى قبل حصول البلاد على استقلالها سنة 1960، فقد عارض ممثل مستعمرة موريتانيا أحمد ولد ببانه قرار التقسيم وصوت ضده في البرلمان الفرنسي صيف عام 1948.
إعلانغير أن مواقف الرئيس المؤسس المختار ولد داداه الداعمة للقضية الفلسطينية كانت أكثر تأثيرا وأبلغ تعبيرا، فموريتانيا حينها كانت دولة ناشئة تتقاذفها أمواج الاستقطاب الإقليمي وإكراهات الاعتراف الدولي، مما يضفي بعدا قيميا ودلالة خاصة على مواقفها من قضايا الاستقلال والتحرر، ولا سيما القضية الفلسطينية.
ولعل هذا، بحسب محمد المختار، ما حدا برئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير للعب على هذا الوتر الحساس، حيث سعت عبر عدد من الوسطاء إلى التواصل مع الرئيس الموريتاني، لكن ولد داده رفض ذلك.
ويشير وزير الإعلام الموريتاني السابق محمد محمود ولد ودادي في حديث للجزيرة نت إلى أنه في الخمسينيات ومع بداية انتشار الوعي السياسي في موريتانيا، كان هناك تطلع إلى معرفة أوضاع العالم العربي وبدأ الناس يتداولون ما يصلهم من أخبار عن شعب فلسطين وتشريده.
ومباشرة بعد الاستقلال أعلن الرئيس المختار ولد داداه أن موريتانيا تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، منددا بتقسيم فلسطين ورافضا أي اعتراف بإسرائيل.
وهكذا يرى الوزير ودادي أن القضية الفلسطينية هي قضية موريتانيا الوحيدة التي يدافع عنها كل الموريتانيين من دون استثناء، ولم يكن غيرُها مطروحا إلا حماية استقلال موريتانيا نفسها.
ويقول الرئيس الراحل المختار ولد داداه في مذكراته التي صدرت عام 2006 تحت عنوان "موريتانيا على درب التحديات": "خلال حرب 1967 قطعنا علاقاتنا مع أميركا وطردنا الأميركيين من بلادنا بمن فيهم أعضاء هيئة السلام التي كانت تقدم مساعدات فنية لبلادنا، وذلك احتجاجا على دعم الولايات المتحدة بكل الوسائل للعدوان الإسرائيلي على الشعوب العربية الشقيقة، وكنا حينها لم ننضم للجامعة العربية".
ويضيف الرئيس "لقد دامت قطيعتنا مع أميركا عامين ونصف العام وانتهت في ديسمبر/كانون الأول 1969 إثر وساطة دول صديقة وبعد تشاور مع الجزائر ومصر.. ليستقبلني بعدها بود الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في العام 1971 وكنت حينها رئيسا لمنظمة الوحدة الأفريقية".
إعلانوفي ذات السياق، يقول ولد داداه: "في خضم حرب 1973 أرسل إلي نيكسون رسالة يلتمس فيها مساندتي لجهوده في حل الصراع في الشرق الأوسط، وجاء في الرسالة:" "إنني لا أزال أتذكر لقاءنا في سبتمبر (أيلول) 1971 وما جرى بيننا من تبادل صريح للآراء، وكل ثقة بأنكم ستساندون جهودي الرامية إلى إيجاد تسوية نهائية للنزاع تصون حقوق كل شعوب الشرق الأوسط".
وعلى ذكر حرب 73، يورد ولد داداه أن الرئيس المصري أنور السادات كان على اتصال مستمر معه بخصوص ملف الشرق الأوسط كما كان سلفه عبد الناصر، وكانا يهنئانه دائما على الدور الذي يقوم به على المستوى الأفريقي لصالح القضية الفلسطينية.
ويشير إلى أن السادات كشف له في سرية تامة في مايو/أيار 1973 عن نيته مهاجمة إسرائيل أي قبل شهور من الهجوم، وأكد له ذلك مرة أخرى خلال لقائهما في مؤتمر دول عدم الانحياز المنعقد بالجزائر في سبتمبر/أيلول الموالي.
"وبالطبع لم أبح بهذا السر قبل الآن"، يقول ولد داداه إن السادات أرسل إليه بعد ذلك مساعده الجنرال حسني مبارك وعرض عليه إرسال قوات من الجيش المصري لمساعدة موريتانيا في حربها ضد جبهة البوليساريو، لكن الرئيس الموريتاني رفض، واعتبر أن على مصر أن تكرس كل قدراتها العسكرية للحرب مع إسرائيل.
يوضح الباحث المختص في الشؤون الأفريقية إسماعيل الشيخ سيديا للجزيرة نت أن ما مكن المختار داداه من الدفاع عن القضية الفلسطينية أنه كان محاميا بارعا وأفريقيا تحرريا؛ وله صداقة قوية وعلاقات شخصية مع الزعماء الأفارقة الأوائل.
كما استطاع التحاور مع العواصم الغربية والشرقية الكبرى، وتمكن خلال رئاسته لمنظمة الوحدة الأفريقية (المنظمة الأم للاتحاد الأفريقي الحالي) من جمع مجلس الأمن الدولي لأول مرة في مقر المنظمة بأديس أبابا.
إعلانوكان الرئيس المختار ولد داداه من القادة الفاعلين في منظمة دول عدم الانحياز، وفي هذا الصدد يورد في مذكراته أنه "بفضل الجمهورية الإسلامية الموريتانية أسمعت المقاومة الفلسطينية صوتها لأول مرة في قمة لدول عدم الانحياز عام 1970 في لوزاكا حيث انتخبت نائبا للرئيس وأتاحت لي رئاستي للجلسة الختامية أن أعطي الكلمة لممثل فلسطين رغم المعارضة الشديدة من عدد من أعضاء المنظمة".
يذكر الوزير ودادي أنه في عام 1969 وصل موريتانيا أول مبعوث رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو سعيد العباسي (أبو فهد) ففتح مكتبا للمنظمة في نواكشوط، بعد أن أمّنت له الحكومة مكتبا ومنزلا وسيارة، ومبلغا ماليا سنويا، ثم أصبح المكتب سفارة دولة فلسطين في نواكشوط.
وانطلق من إذاعة موريتانيا صوت الثورة الفلسطينية بالعربية والفرنسية، ليُسمع في أجزاء واسعة من القارة، حيث شكل هذا المكتب -حسب ودادي- مركز انطلاق النشاط الفلسطيني إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وكان أبا لجميع المكاتب التي أنشئت بعد ذلك في عواصم القارة.
ويؤكد الشيخ سيديا أن الرئيس ولد داداه قام بعدة حملات شعبية كبرى للتبرع لصالح الفلسطينيين؛ وألغى عنهم تأشيرة دخول موريتانيا وسهل لهم الولوج للجنسية الموريتانية مع نيلهم حقوق المواطنين الموريتانيين بمجرد الوصول.
وبدوره، يؤكد الكاتب الصحفي رياض أحمد الهادي للجزيرة نت أن موريتانيا قدمت في عهد ولد داداه الدعم السياسي والاقتصادي للفلسطينيين، كما قام بتنظيم ورعاية مؤتمرات وندوات في موريتانيا ودول أفريقية لتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني وتعزيز التضامن الأفريقي مع القضية الفلسطينية.
يتحدث الرئيس الموريتاني عن الدور الذي لعبه في انحسار التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، إذ يقول في مذكراته: "لعبت الجمهورية الإسلامية الموريتانية عام 1973 دورا في المسار الذي أدى إلى قطع غالبية الدول الأفريقية لعلاقاتها مع إسرائيل".
إعلانويكمل ولد داداه: "لقد عملت بلا كلل طيلة 20 سنة لشرح القضية الفلسطينية لنظرائي الأفارقة وخصوصا الناطقين بالفرنسية وهي مهمة لم تكن سهلة مطلقا نظرا لقوة الدعاية الإسرائيلية، بيد أنهم جميعا قد تفهموا مع طول الوقت القضية الفلسطينية وقبلوا معطياتها المتمثلة في الظلم السافر المثير للسخط الذي يعاني منه الفلسطينيون الرازحون تحت نير احتلال لا يرحم".
ويعتبر الدكتور محمد المختار أن الرئيس ولد داده حشد التأييد للقضية الفلسطينية في القارة الأفريقية من خلال الدفاع المستميت عنها في كل المحافل والمؤتمرات الأفريقية.
ويوضح أن جهود الرئيس تلك كانت الدافع الرئيسي وراء قطع 20 دولة أفريقية علاقاتها مع إسرائيل، وهي: غينيا، تشاد، مالي، النيجر، الكونغو برازافيل، بوروندي، زائير، توغو، نيجيريا، الكاميرون، ساحل العاج، السنغال، أنغولا، موزمبيق، إثيوبيا، بنين، كينيا، رواندا، بوتسوانا، الرأس الأخضر. ولم يبقَ لإسرائيل يومها تمثيل دبلوماسي في أفريقيا إلا في 5 دول هي: جنوب أفريقيا التي يحكمها نظام التمييز العنصري، ودول صغيرة هي ليسوتو، مالاوي، سوازيلاند، وموريشيوس".
يرى الوزير ودادي أن تأسيسَ منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، التي كان الرئيس المختار أحد مؤسسيها، سهّل مهمته في حشد الدعم للقضية الفلسطينية، حيث صارت القمم والمؤتمرات الأفريقية منابر رسمية تُطرح فيها جميع القضايا، ومناسباتٍ يحضرها الصحفيون والمثقفون وصناع الرأي.
فطُرحت علنا القضية الفلسطينية بأبعادها السياسية وجذورها التاريخية وطبيعةِ إسرائيل العدوانية، مما ساهم في إنارة الرأي العام الأفريقي تجاه القضية.
وتؤكد حادثة يرويها ولد داداه في مذكراته إيمانه الكبير بمنظمة الوحدة الأفريقية، وأنه ربما كان أيضا أفريقيا أكثر من الأفريقيين، فقد رفض عام 1970 حضور حفل عشاء كبير نظمه الرئيس الأميركي نيكسون على شرف رؤساء الدول، ومُنح خلاله الرئيس الموريتاني مقعدا إلى جانب رئيس الولايات المتحدة. لكنه رفض الحضور احتجاجا على رفض نيكسون مقابلة الرئيس الدوري يومها لمنظمة الوحدة الأفريقية، رئيس زامبيا كينيث كاوندا.
إعلانويورد الرئيس المختار أنه كان الوحيد أيضا في هذا الموقف رغم الجهود التي بُذلت لثنيه، سواء من الوفد الموريتاني أو الوفود الأفريقية أو ممثلية الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ويضيف: "قال لي بعضهم إن الجلوس إلى جانب الرئيس الأميركي قد ينال صاحبه وزنه من الدولارات، غير أني أعتبر أن الشرف والكرامة لا يُقدران بثمن".
يعتبر الوزير ودادي أن إسرائيل قدمت نفسها للدول الأفريقية في الستينيات، على أنها دولة صغيرة محاصرة من 100 مليون عربي، مما يجعلها جديرة بالعطف والتأييد، وفي الوقت نفسه دولة نموذجية للشجاعة والتنمية ينبغي لأفريقيا الاقتداء بها، خاصة في تقنياتها الزراعية واستخراج المعادن الثمينة، مع قدرتها على توفير الأمن للزعماء الأفارقة وامتلاكها أجهزة التجسس والتنصت المتطورة لحمايتهم.
لكن سنوات من الوجود الإسرائيلي المكثف -يضيف ودادي- أثبتت أن الخبراء الزراعيين الإسرائيليين في أفريقيا لم يفيدوا الزراع الأفارقة في شيء، بل تدهور الإنتاج في المناطق التي دخلوها، وتكشفت فضيحة سرقتهم للكثير من سلالات البذور الزراعية الأفريقية الشهيرة.
وحصل الأمر نفسه في مجال الثروة المعدنية، حيث تبين أنهم سرقوا الألماس وحولوه للصناعات الإسرائيلية التي أصبحت من أكثر مثيلاتها ازدهارا في العالم. أما الحراسات الشخصية فقد كانت غطاءً لإقامة شبكات تجسس، ولم تغنِ شيئا عن الانقلابات العسكرية، بل ساعدت في بعضها كما وقع في الكونغو وإثيوبيا وليبيريا".