لا يمكن الجواب عن هذا السؤال لأنه ينطلق من مغالطة. فلا يمكن أن يوصف الغرب كله بالتوحش إلا إذا لم يكن في الجماعة التي تسمى غربا ضحايا للتوحش مثلنا.

ولا يمكن  أن نوصف نحن الذين نعتبر أنفسنا ضحايا التوحش لو لم يكن في الجماعة التي ننتسب إليها نخن متوحشون مثلهم. فتكون النسبتان إليهم هم وإلينا نحن مضاعفة: حلف صنف التوحش في العالم وعدم حلف صنفي الضحايا فيه.



إذن من المسؤول عن صنفي التوحش ليس الغربي وحده بل صنفا الضحايا في الشرق والغرب أي صنفا الضحايا: وهم ليسوا مسؤولين عنه إلا بوصفه حصيلة تخل عن فرض عين هو شرط الإيمان أولا وشرط الانتساب إلى الخيرية ثانيا (آل عمران 104 ـ 110):فشرط الإيمان مضاعف هو الأمر بالمعروف ويكون بالعقل الراجح، وشرط العمل الصالح هو النهي عن المنكر ويكون بالإرادة الحرة.

وإذن فالداء الذي يعاني منه المتوحش هو عين الداء الذي يعاني منه ضحية التوحش: الفرق الوحيد هو أن الأول يأمر بالمنكر والثاني لم ينه عنه. والعلة أن الأول ينسى أنه يمكن أن ينفعل وأن الثاني ينسى أنه يمكن أن يفعل.

فإذا ذكر الأول إمكان الانفعال بالظلم تخلص من التخوش وصار إنسانا لا يفعل بغيره إلا ما يخشى أن يفعل به من غيره.

وإذا ذكر الثاني إمكان الفعل تخلص من الخضوع وصار إنسانا لا ينفعل بل يتفاعل بصورة تحول دون التوحش: وتلك هي معاني الإنسانية.

فلو لم ينس المسلمون الأنفال 60 وعلة إرادة الله أن يهلك قرية بكاملها لأن مترفيها وهم قلة منها توحشت ففسقت فيها فحق عليها القول فدمرها الله تدميرا؟

ولنبدأ بالجماعة: ماذا تقول الآية التاسعة من الحجرات؟

"وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ".

فالمتحوش هو من تغلب الباغي على مقاومته بالقوة العسكرية: فيكون متوحشا وقد نسي أنه قد يهزم ببغي أقوى منه فيصبح ديدنه المزيد من التوحش. هذا في نفس الجماعة ثم بين الجماعات.

وذلك هو ما وصفت عندما بينت مسؤولية المتوحش ومسؤولية ضحيته فأرجعتها إلى نسيان ما يمكن أن يحصل للأول لما يهزم وللثاني لما ينتصر: وكيف يؤدي ذلك إلى معنى الأنفال 60.

فكيف ينصح القرآن الكريم تجنيب تدمير القرية ما دامت الآية 16 من الإسراء أي السورة التي تصف مآل المترفين الذين تقاومهم الأمة في هذه اللحظة المقاومة التي ستعيد للأمة دورها الكوني:  "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًاء".

فبماذا تكون الآية التاسعة من الحجرات ناصحة للأمة للتغلب على البغي سواء كان داخليا أي في نفس الجماعة أو جارحا لأن الإسلام لا يميز بين الأمرين لأنه يعتبر البشر كلهم إخوة (النساء1) ولأنه يعتبرهم سواسية (الحجرات 13).

نعود إلى الآية التاسعة:  تقدم نصيحتين كلتاهما مضاعفة:الأولى التدخل بالحسنى لتوعية الباغي ونصرة المبغي عليه، والثانية المصالحة بينهما بعد هذه النصرة التي توقف البغي.

لذلك فسلوك المقاومة ليس الانتقام من الباغي لأن ذلك يعني أنها تسلك مثله. وذلك هو التوحش سواء كان فعلا في المنفعل أو رد فعل من المنفعل في الفاعل: وبذلك يتميز الفتح عن الغزو فعلا وانفعالا.

إذن: ينبغي ان يكون التمسك بهذه المبادئ منطق المقاومة: وذلك ما فعل محرر القدس صلاح الأيوبي تأسيا بما فعل الرسول يوم فتح مكة. لم ينتقم من البغاة بل أدبهم ثم عفا عنهم بأخلاق الإسلام.

سيقول لي الكثير ما لك يارجل: أنت تبيع فروة النمر قبل صيده. انتظر حتى تنتصر حماس ثم انصحهم. من يقول ذلك لا يفهم معنى الانتصار والهزيمة.

المقاومة انتصرت على سلاحي الباغي: القوة العسكرية والقوة الرمزية. فالعدو لم يكن باغيا بقوته العسكرية فحسب بل بقوته الرمزية. وهو قد فقد الأولى يوم 7 ـ 10 وفقد الثانية خلال الأربعين يوما التي تلتها.

ها نحن نرى شروع الإنسانية قاطبة في الانتقال من السلبية والخضوع لأكاذيب المافيات المسيطرة على العالم لتدافع عن مبدأي القرآن اللذين يؤسس عليهما مشروع وحدة الإنسانية: الأول هو مضمون الآية الأولى من النساء، والثاني هو مضمون الآية 13 من الحجراتلم يعد أحد يصدق أن ضحية الهولوكوست يمكن أن يجعل ذلك علة لهلوكوست بمساعدة من هلكستوه. وهذه شهادة الشعوب جل الشعوب الغربية، كلهم فهموا أنهم هم أيضا صاروا ضحايا للقائلين بسردية الهولوكوست ومعاداة السامية التي يقبلوها ليجعلوه إسلاموفوبيا بكذبتي الإرهاب وتبرئة توشح الباغي.

ذلك هو النصر الأكبر الذي كان يعوق البشرية من فهم ثورة الإسلام: ما حصل في طوفان الأقصى نصران وليس نصرا واحدا: نصر القضية الفلسطينية: ومن ثم فاسترداد حقوقهم أصبح قاب قوسين أو ادنى:  نصر الأمة كلها: ومن ثم فالخطاب القرآني صار مسموعا لدى شعوب المعمورة كلها.

فالكذبتان تبخرتا وأصبح الهدي القرآني مطلب كل المبغي عليهم في العالم لأن المافيات التي سيدها دين العجل بمعدنه وبخواره خسرت المعركتين.

ذلك هو النصر المبين: عند من يفهم الثورة الكونية التي هي بصدد الحصول بفضل تسونامي أبطال المقاومة رغم تخاذل الحكام والنخب العربية بل بفضل تخاذلهم، فهو قد بين لشعوبهم أنهم يمثلون بغي المافيات الأصغر المسلط على شعوبهم بوصفهم أدوات البغي الأكبر المسلط على البشرية كلها إذ حتى شعوب الغرب صارت مغلوبة على أمرها مثلنا، فالمظاهرات الشعبية في الغرب ليست لسند فلسطين فحسب بل هي كذلك للتعبير عن وعي بما كان مكبوتا عندهم وانفجر لما رأوا مفعوله يجري أمام أعينهم فأيقظ فيهم الخير الكامن في كل وعي كل إنسان حر.

وما حصل في الغرب سيحصل مثله في شعوبنا التي فسدت فيها معاني الإنسانية حكاما ونخبا وقد يبدأ في شكل مركه أخاك ليس بطلا كما يحدث في البداية.

ولهذه العلة ذكرت الآية 9 من الحجرات: فلا بد من التعامل معهم بمنطق اذهبوا فأنتم الطلقاء أي محاولة إصلاح الباغي بدل الانتقام منه ثم بالتدريج إنهم أدوات تستعملهم وتحمي بغيهم على شعوبهم.

ولولا ذلك لما اعتبرت الإسلام مستقبل الإنسانية: فعندي يقين بأن الكثير من شباب الغرب ومثقفيه  الصادقين سيبدأون في قراءة القرآن بعين أخرى وبذلك يتحقق ما وصفته الآية 48 من المائدة بالتسابق في الخيرات علة لواقع التعدد الديني شرطا في الإيمان الحر بعد المقارنة الحرة.

فيحصل ما يسميه القرآن تبين الرشد من الغي المؤدي إلى استحالة الإكراه في الدين وهو مضاعف: يبدأ بالكفر بالطاغوت وينتهي إلى الإيمان بالله الحق وذلك هو الدين الواحد عند الله أي الإسلام (البقرة 256)، لذلك فالتضحية التي يقدمها الفلسطينيون عامة وغزة خاصة ليست مقابل تحرير فلسطين التي اعتبرها قد حصلت بل هي لأنقاذ الإنسانية من توحش المافيتين التي تحكم المسلمين والتي تحكم العالم: فكل شعوب العالم ستفهم حقيقة الإسلام دين السلم العالمية:

فتلك هي الرسالة الخاتمة: بدأت بشعار تحرير الإنسانية من عبادة العباد بعبادة رب العباد شعار الفتح الذي أطاح بالمافيتين الفارسية والبيزنطية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب المتحالفين على استعباد البشرية.وتستأنف بشعار توحيد الإنسانية التي تخلت شعوبها عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفا من مافيات كونية وإقليمية أوهى من بيوت العنكبوت عندما يفهم البشر حقيقة القيم القرآنية.. وها نحن نرى شروع  الإنسانية قاطبة في الانتقال من السلبية والخضوع لأكاذيب المافيات المسيطرة على العالم لتدافع عن مبدأي القرآن اللذين يؤسس عليهما مشروع وحدة الإنسانية: الأول هو مضمون الآية الأولى من النساء، والثاني هو مضمون الآية 13 من الحجرات، ذلك هو الانتصار  الحقيقي والأتم الذي أنسبه إلى طوفان الأقصى وأبطال المقاومة: وهو تسونامي كوني حققته أقلية آمنت صادقة بقيم القرآن وشروط العمل بمقتضاها فشابه سلوكهم الجهادي غاية والاجتهادي أداة سلوك من حرروا الإنسانية من عبادة العباد بعبادة رب العباد: لم يكن شعار الفتح  خدعة لأنه في آن "يترجم إلى لكم ما لنا وعليكم ما عليننا"..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الفلسطينية فلسطين مواقف رأي حرب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة یمکن أن ذلک هو لم یکن

إقرأ أيضاً:

رئيس بلدية إسطنبول يأسف لـ”تخاذل” الغرب في الردّ على اعتقاله

إسطنبول (زمان التركية) – انتقد رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، ضعف ردود الفعل الصادرة عن الزعماء الغربيين إزاء اعتقاله، معتبرًا أن “الجغرافيا السياسية أعمتهم عن اتخاذ موقف حازم”.

جاء ذلك في مقال نشره بصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أشار فيه إلى أن اعتقاله لقي دعمًا واسعًا من قِبَل زعماء ديمقراطيين اجتماعيين ورؤساء بلديات داخل تركيا وخارجها، من أمستردام إلى زغرب، فضلًا عن تضامن المجتمع المدني.

وأضاف: “أما الحكومات المركزية في العالم، فقد لزم معظمها الصمت، في حين لم تكتفِ واشنطن سوى بالإعراب عن (قلقها إزاء الاعتقالات والاحتجاجات الأخيرة) في تركيا. أما القادة الأوروبيون، فلم يصدر عنهم رد فعل قوي، باستثناءات قليلة”.

وأشار إمام أوغلو إلى أن التطورات العالمية الأخيرة، بما في ذلك مساعي حل النزاع الأوكراني، والتغيرات في السلطة داخل سوريا، والدمار في قطاع غزة، زادت من الأهمية الاستراتيجية لتركيا، خصوصًا بالنظر إلى دورها المحوري في بناء بنية أمنية أوروبية. ومع ذلك، شدد على أنه “لا ينبغي للجغرافيا السياسية أن تحجب الحقائق الأساسية”.

من جانبه، صرّح زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، أوزغور أوزيل، لعدد من وسائل الإعلام الأجنبية، بأن رد الفعل الغربي تجاه الأحداث في تركيا كان ضعيفًا، وهو ما دفع الرئيس رجب طيب أردوغان إلى توبيخه، متهمًا إياه بـ”الشكوى من بلاده أمام العالم”.

في المقابل، أعرب وزير العدل التركي، يلماز تونغ، أمس الخميس، عن أسفه إزاء تصريحات بعض ممثلي المجتمع الدولي الذين اعتبروا اعتقال إمام أوغلو ذا دوافع سياسية، مشيرًا إلى أن هذه المواقف تعكس ازدواجية المعايير. وأكد أن التحقيقات الجارية بحق إمام أوغلو ومسؤولين آخرين لا تحمل أي خلفيات سياسية، على الرغم من محاولات المعارضة الإيحاء بعكس ذلك.

كما انتقد تونغ مزاعم تربط القضية مباشرة بالرئيس رجب طيب أردوغان، مشيرًا إلى أن الكثير من الأطراف التي تتداول هذه الادعاءات لا تمتلك أي اطلاع على وثائق القضية، مؤكدًا أن البلاد تواجه موجة من المعلومات المضللة حول الملف.

ووفقًا لتونغ، فإن إمام أوغلو يواجه اتهامات تشمل التلاعب في المناقصات، وغسيل الأموال عبر شركات وهمية مرتبطة ببلدية إسطنبول، وغيرها من الجرائم المالية.

بدوره، كشف وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، أن عدد المعتقلين خلال الاحتجاجات غير القانونية الداعمة لإمام أوغلو تجاوز 1800 شخص في أنحاء البلاد، بينهم 260 شخصًا تم احتجازهم رسميًا.

وتواصلت الاحتجاجات منذ 19 مارس الجاري في إسطنبول ومدن أخرى،

Tags: احتجاجات تركيااعتقال اكرم امام اوغلوبلدية اسطنبولمشكلة المعارضة في تركيا

مقالات مشابهة

  • الخارجية الروسية: لن ننسى ولن نغفر كل شيء بسرعة للشركات الأوروبية التي انسحبت من سوقنا
  • لافروف: أوروبا تسعى لإطالة عمر "نظام زيلينسكي"
  • الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يُلقي خطبة عيد الفطر في أكبر جوامع ألبانيا ومنطقة البلقان
  • الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي: العيد يوم للتسامُح وتعزيز أواصر الأخوة والمودة
  • حماس تعلن موافقتها على المفترح المصري لوقف إطلاق النار
  • حملة مسعورة للإعلام الصهيوني على عُمان
  • الغرياني: الليبيون يأكلون الجيفة.. والحكومة مسؤولة عن الكارثة!
  • بسبب "أكاذيب وزير الصحة"..استقالة المسؤول عن اللقاحات في أمريكا
  • كيف نزع ترامب القناع عن عملية التغليف التي يقوم بها الغرب في غزة؟
  • رئيس بلدية إسطنبول يأسف لـ”تخاذل” الغرب في الردّ على اعتقاله