على مبارك صاحب النهضة العمرانية الحديثة
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
إرتبط اسمه في تاريخ مصر الحديث بالجانب العملي للنهضة والعمران، وكانت إسهاماته فيها عديدة، وأعظم ما فعله علي مبارك، وما زال أثره باقيا وحتى يومنا هذا، حيث قام بتأسيس دار العلوم، ذلك المعهد الذي لا يزال يزود المدارس بنخبة من معلمي اللغة هلا فلسطين أيضًا. وأصدر مجلة روضة المدارس لإحياء الأدب العربي ونشر المعرفة الحديثة.
وكانت أهم سماته الشخصية والإنسانية، أنه كان شديد التدين وملتزماً وصارماً في حياته، وكانت له سمات عبقرية، وكان يطلق على أسرته «عائلة المشايخ»، لأن بها عدد كبير من الشيوخ الذين كان لهم شأن كبير في تلك الفترة من تاريخ مصر، وكان محباً لعمله ويتقنه لأقصى درجة. إنه على باشا مبارك الذى تحل هذا الشهر ذكرى وفاته .
ولد علي مبارك في قرية برمبال الجديدة التابعة لمركز منية النصر حاليا و التي كانت تتبع حينذاك مركز دكرنس محافظة الدقهلية سنة 1823، ونشأ في أسرة كريمة، عندما ولد علي مبارك فرح أهل القرية كلها بمولده مجاملة لأبيه ولأمه التي لم تلد من قبله سوى الإناث، و، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، حفظ القرآن الكريم ودفعه ذكاؤه الحاد وطموحه الشديد ورغبته العارمة في التعلم إلى الخروج من بلدته ليلتحق بمدرسة الجهادية بالقصر العيني سنة 1835 وهو في الثانية عشرة من عمره، وكانت المدرسة داخلية يحكمها النظام العسكري الصارم، وبعد عام ألغيت مدرسة الجهادية من القصر العيني، واختصت مدرسة الطب بهذا المكان، وانتقل علي مبارك مع زملائه إلى المدرسة التجهيزية بأبي زعبل، وكان نظام التعليم بها أحسن حالاً وأكثر تقدمًا من مدرسة القصر العيني. وبعد مضى خمس سنوات اختُيِرَ مع مجموعة من المتفوقين للالتحاق بمدرسة المهندسخانة في بولاق سنة 1839 ، وكان ناظرها مهندس فرنسي يسمى "يوسف لامبيز بك، ومكث علي مبارك في المدرسة خمس سنوات درس في أثنائها الجبر والهندسة والكيمياء والمعادن والجيولوجيا، والميكانيكا، والفلك، والأراضي وغيرها، حتى تخرج فيها سنة 1844 .
ثم آختير ضمن مجموعة من الطلاب النابهين للسفر إلى فرنسا في بعثة دراسية سنة 1849، وضمت هذه البعثة أربعة من أمراء بيت محمد علي: اثنين من أبنائه، واثنين من أحفاده، أحدهما كان إسماعيل بك إبراهيم، الذي صار بعد ذلك الخديوي إسماعيل، ولذا عرفت هذه البعثة باسم بعثة الأنجال، واستطاع بجِدّه ومثابرته أن يتعلم الفرنسية حتى أتقنها، و كان مع إثنين من زملائه من المتفوقين ولم يكن له سابقة بها قبل ذلك، وبعد أن قضى ثلاث سنوات في المدفعية والهندسة الحربية، وكان معلمه في الحربية هو محمود مليجى وظل بها عامين، التحق بعدهما بالجيش الفرنسي في فرنسا للتدريب ولم تطل مدة التحاقه؛ إذ صدرت الأوامر من عباس الأول الذي تولى الحكم بعودة علي مبارك.
بعد عودته إلى مصر عمل بالتدريس، ثم التحق بحاشية عباس الأول مع اثنين من زملائه في البعثة، وأشرف معهما على امتحان المهندسين، وصيانة القناطر الخيرية، يقوم معهما بما يكلفون به من الأعمال،وكان قد عرض على عباس الأول مشروعًا لتنظيم المدارس تبلغ ميزانيته مائة ألف جنيه، فاستكثر عباس الأول المبلغ، وأحال المشروع إلى علي مبارك وزميليه، وكلفهم بوضع إدارة ناظر واحد، وإلغاء مدرسة الرصدخانة لعدم وجود من يقوم بها حق القيام من أبناء الوطن، وإرجاء فتحها حتى تعود البعثة التي اقترح إرسالها إلى أوروبا فتديرها.
وبعد أن تولى إدارة ديوان المدارس أعاد ترتيبها وفق مشروعه، وعين المدرسين، ورتّب الدروس، واختار الكتب، واشترك مع عدد من الأساتذة في تأليف بعض الكتب المدرسية، وأنشأ لطبعها مطبعتين، وباشر بنفسه رعاية شئون الطلاب من مأكل وملبس ومسكن، وأسهم بالتدريس في بعض المواد، واهتم بتعليم اللغة الفرنسية حتى أجادها الخريجون.
وظل علي مبارك قائمًا على ديوان المدارس حتى تولى سعيد باشا الحكم في 16 يوليو 1854 فعزله عن منصبه وعن نظارة مدرسة المهندسخانة بفعل الوشاة والاكاذيب من اعدائه ، وألحقه بالقوات المصرية التي تشارك مع الدولة العثمانية في حربها ضد روسيا، وقد انتهت هذه الحرب المعروفة بحرب القرم بانتصار العثمانيين.
وعندما تولي الخديوي إسماعيل باشا حكم مصر سنة 1863، عهد إليه قيادة مشروعه المعماري العمراني، بإعادة تنظيم القاهرة على نمط حديث، ولا يزال هذا التخطيط باقياً حتى الآن في وسط القاهرة، شاهداً على براعة علي مبارك وحسن تخطيطه. ثم أسند إليه إلى جانب ذلك نظارة القناطر الخيرية ليحل مشكلاتها، فنجح في ذلك وتدفقت المياه إلى فرع النيل الشرقي، كما عهد إليه تمثيل مصر في النزاع الذي اشتعل بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس، فنجح في فض النزاع؛ الأمر الذي استحق على مبارك أن يُكّرم عليه وفي 23 أكتوبر 1866 عينه الخديوي إسماعيل وكيلاً عاماً لديوان المدارس، مع بقائه ناظراً على القناطر الخيرية، وفي أثناء ذلك أصدر لائحة لإصلاح التعليم عُرفت بلائحة رجب سنة 1868 ثم ضم إليه الخديوي ديوان الأشغال العمومية، وإدارة السكك الحديدية، ونظارة عموم الأوقاف، والإشراف على الاحتفال بافتتاح قناة السويس.
وكان من أعظم أعمال على مبارك هو إنشائه لمدرسة دار العلوم التي أسسها سنة 1872، وكان الغرض الأصلي من إنشائها تخريج أساتذة للغة العربية والآداب للمدارس الابتدائية، كما أسس دار الكتب سنة 1870، كما قام بإنشاء مجلة "روضة المدارس" على نفقة وزارة المعارف. لكن أهم أعماله على الإطلاق إصلاح التعليم، وقد بذل في ذلك جهدًا كبيرًا حتى يمكن لي أن ألقبه "أبو التعليم المصري الحديث"، وقد ظهرت جهوده واضحة حيث قام بجعل التعليم مدنيا بعد أن كان عسكريًّا داخليًّا معتمدًا على القسوة والسباب. ثم عمل لائحة للمدارس قامت بضبط شئون الإدارة والطلاب بعد أن كان الأمر فوضى مرسلاً بدون ضوابط، وسميت لائحة رجب - نسبة لشهر رجب الذي انطلق فيه هذا المشروع، وذلك يوم كان المصريون والعرب يراعون الشهور العربية ويقدِّمونها على غيرها- وذلك في 1284هـ/ 1868م، وأنفق كثيرًا من ريع الأوقاف الخيرية على التعليم، . وقام برفع أجور المدرسين وخدم المدارس. و جعل التعليم مجانيًّا للفقراء.بعد أن كان مقصورا على الأغنياء والقادرين كما نظم التدريس في الكتاتيب، وقد كانت هي القاعدة العريضة للتعليم آنذاك وأنشأ مدارس في معظم المدن وفتح مدارس للبنات. وقد ألف كثيرًا من الكتب المدرسية، ووضع المناهج لعدد من المدارس العليا خاصة الهندسة والحربية، واشترك مع آخرين في تأليف بعض الكتب، وأنشأ مطبعتين لطباعة الكتب المدرسية.و باشر بنفسه التعليم في أوقات كثيرة حتى زمن وزارته وبعدها، وكان يشرف على الطلاب بنفسه ويعلمهم كيف يلبسون وكيف يقرءون وكيف يكتبون، ويشرف على المعلمين وينصحهم، ، حتى إنه كان يكتب لهم بالفحم على البلاط، ويخط لهم على التراب، ويعلمهم في الخيام؛ وذلك لقلة الوسائل التعليمية آنذاك، وكان يعلمهم القواعد الهندسية بالعصا والحبل!! كما نشأ دار العلوم المشهورة اليوم بالقاهرة، وجعل لطلابها مكافأة شهرية وصلت إلى مائة قرش، وكان هذا قَدْرًا ضخمًا من المال يمنح لطالب آنذاك.
وفد قدم على مبارك للمكتبة العربية العديد من المؤلفات الهامة والتي نذكر منها موسوعة " الخطط التوفيقية الجديدة" والتي تتألف من عشرين جزء قام المؤلف بتقسيمها إلى الستة أجزاء الأولى للقاهرة، والجزء السابع لمدينة الإسكندرية والأجزاء الأخرى تتناول باقي المدن المصرية ويعتبر هذا الكتاب مرجعاً تاريخياً وجغرافياً للباحثين نظراً لتناوله المدن المصرية منذ العصور القديمة مروراً بوصف لمساجدها وزواياها وكنائسها وغيرها.
كما ألف كتاب " تنوير الأفهام في تغذى الأجسام " تم طبعه عام 1872، و كتاب " نخبة الفكر في تدبير نيل مصر "، "علم الدين "، وكانت أخر مؤلفاته كتاب " آثار الإسلام في المدينة والعمران "، هذا بالإضافة لعدد من الكتب المدرسية مثل تقريب الهندسة، حقائق الأخبار في أوصاف البحار، تذكرة المهندسين، الميزان فيالأقيسة والأوزان.
وكانت نظارة المعارف في وزارة رياض باشا آخر مناصب علي مبارك فلما استقالت سنة 1891 لزم بيته، ثم سافر إلى بلده لإدارة أملاكه، حتى مرض، فرجع إلى القاهرة للعلاج، فاشتد عليه المرض حتى وافته المنية في 14 نوفمبر 1893.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مدرسة داخلية ثلاث سنوات التابعة لمركز وزارة المعارف تاريخ مصر الحديث طباعة الكتب عدد من المدارس تول اقص النهضة العمرانية مدرسة الطب نظام التعليم محافظة الدقهلية الکتب المدرسیة عباس الأول علی مبارک على مبارک بعد أن
إقرأ أيضاً:
مرغم: على الدبيبة المسارعة في الاتصال بالإدارة السورية الجديدة لبناء الدولة الليبية الحديثة
رأى محمد مرغم، عضو المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، أنه يجب على الدبيبة المسارعة في الاتصال بالإدارة السورية الجديدة لبناء الدولة الليبية الحديثة
وقال مرغم، في منشور عبر «فيسبوك»: “على الدبيبة المسارعة في الاتصال بالإدارة السورية الجديدة “.
وختم موضحًا أن “التباطؤ في هذا المسار يؤخر الاستفادة من أهم حليف لمسار بناء الدولة الليبية الحديثة في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية والأمنية”.
الوسوممرغم