بوابة الوفد:
2024-08-03@05:34:01 GMT

على مبارك صاحب النهضة العمرانية الحديثة

تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT

إرتبط اسمه في تاريخ مصر الحديث بالجانب العملي للنهضة والعمران، وكانت إسهاماته فيها عديدة، وأعظم ما فعله علي مبارك، وما زال أثره باقيا وحتى يومنا هذا، حيث قام بتأسيس دار العلوم، ذلك المعهد الذي لا يزال يزود المدارس بنخبة من معلمي اللغة هلا فلسطين أيضًا. وأصدر مجلة روضة المدارس لإحياء الأدب العربي ونشر المعرفة الحديثة.

وكانت أهم سماته الشخصية والإنسانية، أنه كان شديد التدين وملتزماً وصارماً في حياته، وكانت له سمات عبقرية، وكان يطلق على أسرته «عائلة المشايخ»، لأن بها عدد كبير من الشيوخ الذين كان لهم شأن كبير في تلك الفترة من تاريخ مصر، وكان محباً لعمله ويتقنه لأقصى درجة. إنه على باشا مبارك الذى تحل هذا الشهر ذكرى وفاته .

ولد علي مبارك في قرية برمبال الجديدة التابعة لمركز منية النصر حاليا و التي كانت تتبع حينذاك مركز دكرنس محافظة الدقهلية سنة  1823، ونشأ في أسرة كريمة، عندما ولد علي مبارك فرح أهل القرية كلها بمولده مجاملة لأبيه ولأمه التي لم تلد من قبله سوى الإناث، و، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، حفظ القرآن الكريم  ودفعه ذكاؤه الحاد وطموحه الشديد ورغبته العارمة في التعلم إلى الخروج من بلدته ليلتحق بمدرسة الجهادية بالقصر العيني سنة 1835 وهو في الثانية عشرة من عمره، وكانت المدرسة داخلية يحكمها النظام العسكري الصارم، وبعد عام ألغيت مدرسة الجهادية من القصر العيني، واختصت مدرسة الطب بهذا المكان، وانتقل علي مبارك مع زملائه إلى المدرسة التجهيزية بأبي زعبل، وكان نظام التعليم بها أحسن حالاً وأكثر تقدمًا من مدرسة القصر العيني.  وبعد مضى خمس سنوات اختُيِرَ مع مجموعة من المتفوقين للالتحاق بمدرسة المهندسخانة في بولاق سنة  1839 ، وكان ناظرها مهندس فرنسي يسمى "يوسف لامبيز بك، ومكث علي مبارك في المدرسة خمس سنوات درس في أثنائها الجبر والهندسة والكيمياء والمعادن والجيولوجيا، والميكانيكا، والفلك، والأراضي وغيرها، حتى تخرج فيها سنة 1844 .

ثم آختير ضمن مجموعة من الطلاب النابهين للسفر إلى فرنسا في بعثة دراسية سنة  1849، وضمت هذه البعثة أربعة من أمراء بيت محمد علي: اثنين من أبنائه، واثنين من أحفاده، أحدهما كان إسماعيل بك إبراهيم، الذي صار بعد ذلك الخديوي إسماعيل، ولذا عرفت هذه البعثة باسم بعثة الأنجال، واستطاع بجِدّه ومثابرته أن يتعلم الفرنسية حتى أتقنها، و كان مع إثنين من زملائه من المتفوقين ولم يكن له سابقة بها قبل ذلك، وبعد أن قضى ثلاث سنوات في المدفعية والهندسة الحربية، وكان معلمه في الحربية هو محمود مليجى وظل بها عامين، التحق بعدهما بالجيش الفرنسي في فرنسا للتدريب ولم تطل مدة التحاقه؛ إذ صدرت الأوامر من عباس الأول الذي تولى الحكم بعودة علي مبارك.

بعد عودته إلى مصر عمل بالتدريس، ثم التحق بحاشية عباس الأول مع اثنين من زملائه في البعثة، وأشرف معهما على امتحان المهندسين، وصيانة القناطر الخيرية، يقوم معهما بما يكلفون به من الأعمال،وكان قد عرض على عباس الأول مشروعًا لتنظيم المدارس تبلغ ميزانيته مائة ألف جنيه، فاستكثر عباس الأول المبلغ، وأحال المشروع إلى علي مبارك وزميليه، وكلفهم بوضع إدارة ناظر واحد، وإلغاء مدرسة الرصدخانة لعدم وجود من يقوم بها حق القيام من أبناء الوطن، وإرجاء فتحها حتى تعود البعثة التي اقترح إرسالها إلى أوروبا فتديرها.

وبعد أن تولى إدارة ديوان المدارس أعاد ترتيبها وفق مشروعه، وعين المدرسين، ورتّب الدروس، واختار الكتب، واشترك مع عدد من الأساتذة في تأليف بعض الكتب المدرسية، وأنشأ لطبعها مطبعتين، وباشر بنفسه رعاية شئون الطلاب من مأكل وملبس ومسكن، وأسهم بالتدريس في بعض المواد، واهتم بتعليم اللغة الفرنسية حتى أجادها الخريجون.

وظل علي مبارك قائمًا على ديوان المدارس حتى تولى سعيد باشا الحكم في 16 يوليو 1854 فعزله عن منصبه وعن نظارة مدرسة المهندسخانة بفعل الوشاة والاكاذيب من اعدائه ، وألحقه بالقوات المصرية التي تشارك مع الدولة العثمانية في حربها ضد روسيا، وقد انتهت هذه الحرب المعروفة بحرب القرم بانتصار العثمانيين.

وعندما تولي الخديوي إسماعيل باشا حكم مصر سنة 1863، عهد إليه قيادة مشروعه المعماري العمراني، بإعادة تنظيم القاهرة على نمط حديث، ولا يزال هذا التخطيط باقياً حتى الآن في وسط القاهرة، شاهداً على براعة علي مبارك وحسن تخطيطه. ثم أسند إليه إلى جانب ذلك نظارة القناطر الخيرية ليحل مشكلاتها، فنجح في ذلك وتدفقت المياه إلى فرع النيل الشرقي، كما عهد إليه تمثيل مصر في النزاع الذي اشتعل بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس، فنجح في فض النزاع؛ الأمر الذي استحق على مبارك أن يُكّرم عليه وفي 23 أكتوبر 1866 عينه الخديوي إسماعيل وكيلاً عاماً لديوان المدارس، مع بقائه ناظراً على القناطر الخيرية، وفي أثناء ذلك أصدر لائحة لإصلاح التعليم عُرفت بلائحة رجب سنة 1868 ثم ضم إليه الخديوي ديوان الأشغال العمومية، وإدارة السكك الحديدية، ونظارة عموم الأوقاف، والإشراف على الاحتفال بافتتاح قناة السويس.

وكان من أعظم أعمال على مبارك هو إنشائه لمدرسة دار العلوم التي أسسها سنة 1872، وكان الغرض الأصلي من إنشائها تخريج أساتذة للغة العربية والآداب للمدارس الابتدائية، كما أسس دار الكتب سنة 1870، كما قام بإنشاء مجلة "روضة المدارس" على نفقة وزارة المعارف. لكن أهم أعماله على الإطلاق إصلاح التعليم، وقد بذل في ذلك جهدًا كبيرًا حتى يمكن لي أن ألقبه "أبو التعليم المصري الحديث"، وقد ظهرت جهوده واضحة حيث قام  بجعل التعليم مدنيا  بعد أن كان عسكريًّا داخليًّا معتمدًا على القسوة والسباب. ثم عمل لائحة للمدارس  قامت بضبط شئون الإدارة والطلاب بعد أن كان الأمر فوضى مرسلاً بدون ضوابط، وسميت لائحة رجب - نسبة لشهر رجب الذي انطلق فيه هذا المشروع، وذلك يوم كان المصريون والعرب يراعون الشهور العربية ويقدِّمونها على غيرها- وذلك في 1284هـ/ 1868م، وأنفق كثيرًا من ريع الأوقاف الخيرية على التعليم، . وقام  برفع أجور المدرسين وخدم المدارس. و جعل التعليم مجانيًّا للفقراء.بعد أن كان مقصورا على الأغنياء والقادرين  كما نظم التدريس في الكتاتيب، وقد كانت هي القاعدة العريضة للتعليم آنذاك وأنشأ مدارس في معظم المدن وفتح مدارس للبنات. وقد ألف كثيرًا من الكتب المدرسية، ووضع المناهج لعدد من المدارس العليا خاصة الهندسة والحربية، واشترك مع آخرين في تأليف بعض الكتب، وأنشأ مطبعتين لطباعة الكتب المدرسية.و باشر بنفسه التعليم في أوقات كثيرة حتى زمن وزارته وبعدها، وكان يشرف على الطلاب بنفسه ويعلمهم كيف يلبسون وكيف يقرءون وكيف يكتبون، ويشرف على المعلمين وينصحهم، ، حتى إنه كان يكتب لهم بالفحم على البلاط، ويخط لهم على التراب، ويعلمهم في الخيام؛ وذلك لقلة الوسائل التعليمية آنذاك، وكان يعلمهم القواعد الهندسية بالعصا والحبل!! كما نشأ دار العلوم المشهورة اليوم بالقاهرة، وجعل لطلابها مكافأة شهرية وصلت إلى مائة قرش، وكان هذا قَدْرًا ضخمًا من المال يمنح لطالب آنذاك.

وفد قدم  على مبارك للمكتبة العربية العديد من المؤلفات الهامة والتي نذكر منها موسوعة " الخطط التوفيقية الجديدة" والتي تتألف من عشرين جزء قام المؤلف بتقسيمها إلى الستة أجزاء الأولى للقاهرة، والجزء السابع لمدينة الإسكندرية والأجزاء الأخرى تتناول باقي المدن المصرية ويعتبر هذا الكتاب مرجعاً تاريخياً وجغرافياً للباحثين نظراً لتناوله المدن المصرية منذ العصور القديمة مروراً بوصف لمساجدها وزواياها وكنائسها وغيرها.

 كما ألف كتاب " تنوير الأفهام في تغذى الأجسام " تم طبعه عام 1872، و كتاب " نخبة الفكر في تدبير نيل مصر "، "علم الدين "، وكانت  أخر مؤلفاته كتاب " آثار الإسلام في المدينة والعمران "، هذا بالإضافة لعدد من الكتب المدرسية مثل تقريب الهندسة، حقائق الأخبار في أوصاف البحار، تذكرة المهندسين، الميزان فيالأقيسة والأوزان.

وكانت نظارة المعارف في وزارة رياض باشا آخر مناصب علي مبارك فلما استقالت سنة 1891  لزم بيته، ثم سافر إلى بلده لإدارة أملاكه، حتى مرض، فرجع إلى القاهرة للعلاج، فاشتد عليه المرض حتى وافته المنية في 14 نوفمبر 1893.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مدرسة داخلية ثلاث سنوات التابعة لمركز وزارة المعارف تاريخ مصر الحديث طباعة الكتب عدد من المدارس تول اقص النهضة العمرانية مدرسة الطب نظام التعليم محافظة الدقهلية الکتب المدرسیة عباس الأول علی مبارک على مبارک بعد أن

إقرأ أيضاً:

التقنيات الحديثة تلعب دورا أساسيا في تنشئة الأجيال وتربيتها

الرعاية والتربية للأطفال هما عمليتان مكملتان ومترابطتان، لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض في تنشئة الطفل وتحقيق نموه الشامل، فالرعاية تؤمن البيئة الآمنة والمستقرة للتربية، بينما التربية تساهم في بناء شخصية الطفل وإعداده ليكون عضوا إيجابيا في المجتمع، وقد استطلعت «عمان» آراء عدد من المختصين للحديث بشكل أعمق حول مفهومي التربية والرعاية في تنشئة الأبناء.

المؤسسات التربوية والتعليمية

قالت أسماء بنت عبد الله البلوشية، من لجنة دعم الأعضاء في جمعية الاجتماعيين العُمانية: يمكن تعريف المؤسسات التربوية بأنها البيئة أو الوسط الذي يساعد الأجيال على النمو في مختلف جوانب شخصياتهم وتفاعلهم مع من حولهم، والتكيف مع مختلف الأوضاع والظروف، ومن أبرز المؤسسات التربوية في المجتمع هي الأسرة والمدرسة والأصدقاء، إلى جانب المسجد ووسائل الإعلام والأندية وغيرها من الجهات المختلفة التي تؤثر على تربية الأجيال سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. موضحة أنه يأتي دور هذه المؤسسات التربوية والتعليمية فيما يلي: الأسرة «المنزل»: فهي اللبنة الأولى التي يتكون منها نسيج المجتمع، حيث إنها الوسط الطبيعي الذي يشعر الطفل بالرعاية والعناية منذ سنوات عمره الأولى، ومنها حث الإسلام على تكوينها والاهتمام بها لما لها من أثر أساسي في بناء شخصية الطفل وتحديد معالمه منذ الصغر. وعلى صعيد آخر تعتبر الأسرة من أهم المؤسسات التربوية الاجتماعية، كما أن الأجيال تستقي من الأسرة العقيدة والأخلاق والأفكار والعادات والتقاليد وغيرها من السلوكيات إيجابية كانت أو سلبية.

ومن الجانب الديني يأتي دور المسجد: حيث يعد المسجد جامعا أو جامعة، لنشر الوعي في المجتمع وهو يعتبر أفضل مؤسسة تتم فيها تربية الأجيال وتنشئتهم ليكونوا جيلا صالحا في المجتمع حاصلا على التوعية الشاملة، بالإضافة إلى المدرسة التي أنشأها المجتمع للعناية بالتنشئة الاجتماعية من خلال تربيتهم وتهيئتهم وإعدادهم للحياة، حيث إنها تعمل على نقل الجانب المعرفي والثقافي من المعلمين إلى الطلاب بما يتوافق مع استيعابهم وقدراتهم المختلفة، ليكون الناتج جيلا متعلما ومثقفا. والمدرسة تعمل أيضا على استكمال ما تم البدء فيه من تربية منزلية للطفل، ثم تقوم على تصحيح المفاهيم المغلوطة وتعديل السلوك الخاطئ، وكذلك الأندية: فهي مؤسسات تكون في الغالب «ثقافية ورياضية واجتماعية»، وتكون ملتقى للأجيال حيث إنها تقوم بتقديم إمكانات هائلة لحياة اجتماعية يتفق عليها الأفراد باختياراتهم وطواعيتهم. وللأندية أشكال مختلفة في تنشئة الأجيال مرتبطة بمستوى وعي وثقافة المجتمع. ومنها ما يكون مخصصا للرياضة البدنية وممارسة الألعاب والأنشطة المتنوعة، ومنها ما يكون مخصصا للعناية بالجوانب الثقافية والأنشطة الأدبية والفعاليات الفكرية، ومنها ما هو اجتماعي حيث يهتم بخدمة المجتمع وتلبية احتياجاته.

وأكدت البلوشية أن التقنيات الحديثة تلعب دورا أساسيا في تنشئة الأجيال وتربيتها، سواء من خلال الأجهزة اللوحية أو الألعاب أو عن طريق البرامج المعدة والموجهة للطفل من مختلف قنوات شبكات التواصل الاجتماعي. وينعكس هذا التأثير في عدة جوانب من حياة الأجيال بشكل خاص والمجتمع بشكل عام. ولا يخفى على الجميع أن هذه التقنيات الحديثة تعتبر سلاحا ذا حدين، بسبب الغزو الفكري من الخارج، ففي الزمن السابق كانت الوسائل التربوية التي يسلكها أولياء الأمور محدودة ومعروفة وكانت الأجيال جميعها متشابهة ولا تختلف في التفكير أو الثقافة. ولكن مع تقدم الزمن وبروز عصر التكنولوجيا، بات هناك جيل لديه أفكار وقناعات مختلفة عما سبقه من الأجيال وبصورة واضحة، فالتقنيات الحديثة أصبحت من المؤثرات والعوامل الرئيسية في التربية ولها تأثير ملموس في حياة الناشئة في عصرنا هذا. فطفل الأجيال السابقة يختلف عن طفل هذا العصر من حيث الطباع والسلوك وكذلك في العادات والتقاليد. بسبب ما يتابعه هذا الجيل سواء الرسوم المتحركة أو البرامج أو حتى في الألعاب المتطورة تقنيا. مشيرة إلى الجانب الإيجابي في التقنيات الحديثة حيث تعد مصدرا للتعلم، وبابا للمعرفة، ومسارا للبحث والتجربة، فتصبح الآثار الإيجابية أكثر ظهورا وبروزا، ولكن عندما يتم استخدام هذه التقنية لممارسة ألعاب العنف والتنمر الإلكتروني، فهي تضيف العنف والانفعالات وزعزعة في شخصية الطفل، وتنعكس على حياته الاجتماعية سلبا بلا شك.

ممارسات ناجحة

من جهتها قالت فهيمة بنت حمد السعيدية- من لجنة الدراسات والبحوث بجمعية الاجتماعيين العمانية: يعتبر مصطلح الرعاية والتربية من المصطلحات المرتبطة ببعضهما البعض رغم اختلافهما؛ ويُنظر للرعاية على أنها جزء من كُل، فهي جزء بسيط من التربية؛ حيث أشار جان جاك روسو في كتابة «الطفولة من المهد إلى الرشد» إلى أنه «حين ينجب الأب أبناءه وينفق عليهم ليغذيهم، فما يقوم إلا بثلث واجبه نحوهم». وتشير الرعاية إلى توفير الأسرة للمتطلبات والاحتياجات الأساسية للأبناء والعناية بهم ومتابعتهم؛ من خلال توفير المأكل والمشرب والمسكن، والاهتمام بصحة الأبناء، ومتابعة واجباتهم واستذكار دروسهم، وإظهار الأبناء بأحسن مظهر، كما تتضمن الرعاية كذلك توفير بيئة آمنة وصحية تحافظ على سلامة الأبناء. أما التربية فهي بناء وتشكيل شخصية الأبناء؛ من خلال اهتمام الأسرة بغرس القيم والأخلاق والمبادئ الحسنة، وتقديم التوجيه والإرشاد، وتعزيز السلوكيات والعادات المجتمعية الإيجابية، والاهتمام بالوجدان والروحانيات، وما يتطلبه ذلك من ترسيخ لبعض القناعات والمعارف والأفكار الإيجابية، وتنمية للمهارات، وتوجيه للاهتمامات لدى الأبناء، وتشجيعهم على التعلم والنمو الشخصي. وبشكل عام يتطلب من الآباء والأمهات الموازنة بين رعاية الأبناء وتربيتهم.

موضحة أن أفضل الممارسات والنماذج الناجحة في توفير الرعاية والتربية للأبناء تبدأ من توفير الأسرة بيئة آمنة ومستقرة ماديا واجتماعيا ونفسيا للأبناء؛ يشعر فيها الأبناء بالأمان، وتشجعهم على التعلم والنمو بشكل صحي ومتوازن مع فهم الوالدين أن لكل طفل احتياجات تختلف عن الطفل الآخر. يليها أن يكون الوالدان قدوة حسنة في كافة نواحي الحياة بحيث يتصرفان بما يتماشى مع القيم والمبادئ التي يريدان غرسها في الأبناء مثل الاحترام، والأمانة، والتعاون، والمثابرة؛ بحيث يتعلم الأبناء أهمية هذه القيم في حياتهم اليومية من خلال النماذج والقدوات في محيطهم الاجتماعي. يليها الحوار وبناء الثقة المتبادلة بين الوالدين والأبناء، التي يساهم في تعرف الآباء والأمهات على مشكلات الأبناء، ودعم الأبناء سواء من خلال المشورة أو مجرد الاستماع في التعامل مع هذه المشكلات، مما يساعد الأبناء على تجاوز التحديات، والشعور بالقبول والدعم، وتعزيز التماسك الأسري، وبناء علاقة قوية مع الوالدين. ومن الممارسات الناجحة في توفير الرعاية والتربية للأبناء أيضا الاهتمام بتنظيم الأنشطة الأسرية المشتركة مع الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والرحلات، ومشاهدة بعض البرامج على التلفزيون أو المنصات الرقمية التي تساعد على تطوير مهارات الأبناء، وتعزيز الروابط الأسرية، وتشجيع الأبناء على التفاعل الاجتماعي والاستقلالية من خلال إسناد بعض المهام والقرارات لهم. وأيضا يعد تشجيع الأبناء على التعلم المستمر من خلال توفير موارد تعليمية متنوعة، مثل الكتب، والدورات، والأنشطة الثقافية من الممارسات الناجحة في توفير الرعاية والتربية للأبناء، لمساهمتها في مساعدة الأبناء على اكتشاف مواهبهم ونقاط قوتهم، وتوجيه اهتماماتهم نحو الاستغلال الأمثل لإمكانياتهم ومهاراتهم الرياضة والتعليمية والاجتماعية وغيرها من المهارات.

كما يعد موضوع تدريب الأبناء منذ سنواتهم الأولى على وضع القواعد والحدود مع تفسيرها من الممارسات الناجحة في توفير الرعاية والتربية للأبناء، فهي تساعد على توجيه سلوك الأبناء، وتدريبهم علة تحمل المسؤولية، واحترام الآخرين. بالإضافة إلى ذلك يساهم تدريب الأبناء على التعبير عن ذواتهم اجتماعيا وانفعاليا باعتباره من الممارسات الناجحة في توفير الرعاية والتربية للأبناء ووقاية الأبناء من الوقوع في العديد من المشكلات، ويعزز من قدرتهم على إدارة مشاعرهم وتفاعلاتهم مع الآخرين.

تحديات

وأفادت هنية بنت سعيد الصبحية - من لجنة الدراسات والبحوث بجمعية الاجتماعيين العمانية بأنه مما لا شك فيه أن الأسرة العمانية تواجه العديد من التحديات الرئيسية في توفير الرعاية والتربية السليمة للأبناء، ويمكن تحديد هذه السياقات وتلخيصها في سبعة أبعاد تتمثل في التحديات النفسية والاجتماعية، والثورة التكنولوجية، والضغوط الاقتصادية والمادية، والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي تتعرض لها الأسرة ونقص الوقت، وقلة الوعي والتعليم في تربيتهم والإلمام بذلك، وأخيرا نقص الدعم المجتمعي.

وأضافت الصبحية: نظرا للضغوط النفسية والعاطفية التي يتعرض لها الآباء فإنها تؤثر على قدرتهم في على تقديم الرعاية الفعالة لأبنائهم، وتحديدا ضغوط العمل والحياة اليومية وكيفية الموازنة بينها، وهنا يمكن تحديد دخول المرأة لسوق العمل، مع العمل لساعات طويلة، إذ يمكن الإشارة إلى أن دور المربية أو ما يسمى بعاملة المنزل أحد التحديات المؤثرة والكبيرة على تربية الأبناء ورعايتهم حيث إن الوالدين يأتيان من العمل منهكين ومتعبين ويحتاجون للراحة فيمكثون أوقاتا قليلة مع أبنائهم وهذه تعتبر غير كافية في السنوات الأولى لمرحلة طفولة الأبناء، كما يعد غياب الوالدين أحد التحديات التي حلت محلها العاملة أو المربية فيكون التعلق بها أكثر من الأم والأب. مؤكدة أن الثورة التقنية والاعتماد المفرط عليها يؤدي إلى قلة التفاعل الاجتماعي بين الأطفال وآبائهم، مما يؤثر على جودة رعايتهم وتربيتهم، وقد أشرنا إلى أن الاعتماد على الشاشة وعدم لقاء الأطفال بذويهم يقلل من الاعتماد على أنفسهم وعدم تفاعلهم مع المحيط الاجتماعي من ذويهم فتستغل التكنولوجيا بشكل سلبي عليهم وأحيانا يمثل تسليم الشاشة للطفل الحل الأسهل للوالدين، ناهيك عن الاضطرابات الأخرى التي قد تؤثر على شخصية الطفل مستقبلا. وجديرا بالذكر أن الأسرة تواجه أحيانا ضغوطا اقتصادية تؤثر على نوعية الحياة والقدرة على تلبية احتياجاتهم، وأحيانا تفرض على نفسها نمطا معينا من الاستهلاكيات وفيما بعد لا تستطيع الاستمرار على تلبية الاحتياجات ولا تستطع التعامل مع ذلك، بسبب مظاهر الاستهلاكية المفرطة في المجتمع والمقارنات التي تعيشها الأسرة العمانية والأسر ككل فإنها لا محالة تؤثر عليها في تربية النشء، وبذلك تشكل إحدى التحديات العقيمة التي تجعل الطفل طفلا استهلاكيا.

وأشارت إلى أن التغيرات في القيم والمعايير الاجتماعية تؤثر على طرق التربية والرعاية، مما يتطلب من الآباء التكيف مع هذه التغيرات. على سبيل المثال الاستخدام التكنولوجي وطرق التواصل مع الأطفال والأسر أحيانا مما ينشئ صراعا بين الطفل وأسرته كون الأسرة غير قادرة على التكيف وتوفير ما دخل عليها من أجهزة كهواتف وشاشات وغيرها أيضا الصراع الذي تعيشه الأسر أحيانا لاختلاف ثقافة الأم عن ثقافة الأب فيواجه الطفل صراعا في اتباع أي من الوالدين إذا لم يتفقا على الطريقة السوية للتربية الفعالة للطفل. وكذلك دخول ثقافة تربية المربية في الأسرة ولغتها التي تؤثر على اللغة والهوية والدين وكل ما هو مرتبط بتربية ورعاية الطفل.

وكما أوضحنا أن العديد من الآباء والأمهات يعمل لساعات طويلة، مما يقلل من الوقت المتاح لهم للتفاعل مع أطفالهم واللعب معهم أي أنه لا يوجد وقت كاف للمكوث مع الطفل حيث غالبية جلوس الطفل مع العاملة أو المربية أو على الشاشات. قد يكون هناك نقص في الوعي والمعرفة لدى الآباء حول أفضل طرق التربية والرعاية، مما يؤدي إلى استخدام أساليب غير فعالة وغير سوية. وهذا يحتاج لفهم حالة الطفل ويكون الوالدان غير مدركين لأنواع الذكاء عند طفلهم أو غير واعيين بالمتخصصين والمستشارين إذا حصلت مع طفلهم أي مشكلة أو سلوك غير سوي وربما لا يدركون أهمية ذلك.

مقالات مشابهة

  • التقنيات الحديثة تلعب دورا أساسيا في تنشئة الأجيال وتربيتها
  • الجمهوريون هم من إخترعوا مصطلح “دولة 56”
  • خبير يكشف عن موعد انتهاء الملء الخامس لسد النهضة وكمية المياه المخزنة حتى الآن
  • بشأن سد النهضة.. مصر: «سنقف بكل قوة ضد من يهدد حقوقنا والوسائل كثيرة جدًا»
  • «نسائية دبي» تكرم حرم القنصل المغربي
  • «قضاء أبوظبي» و«محاكم دبي» تتبادلان الخبرات
  • مع توجه المدارس لـالدمج في التعليم.. كيف نعلّم الطفل تقبل الآخر؟
  • ولي العهد: يسرنا تقديُم ملف الترشح لاستضافة كأس العالمُ 2034 والذي يعكس جانبا من النهضة الشاملة بالمملكُة
  • إطلاق مبادرة «المنح الدراسية» لمستفيدي صندوق الشهداء
  • النهضة يختبر قدراته ودّيا أمام نادي عُمان استعدادا للموسم الجديد