صحيفة التغيير السودانية:
2024-12-16@23:52:31 GMT

الخطر الأكبر على السودان!

تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT

الخطر الأكبر على السودان!

 

الخطر الأكبر على السودان!

عثمان ميرغني

 

التاريخ القريب يعلمنا أن الدول التي انهارت جيوشها، أو فرطت فيها بحلها وتفكيكها، دفعت ثمناً باهظاً وعانت من انفراط عقد الأمن وعدم الاستقرار، ومن التقسيم والتشرذم، ما جعلها ساحة للصراعات والحروب الداخلية، والتدخلات الخارجية.

الصومال منذ انهيار الحكومة المركزية والدولة في عام 1991، لم يعرف طعم الاستقرار وأصبح نهباً للحروب الداخلية والتفكك والتدخلات الخارجية.

العراق منذ الغزو الأميركي وحلّ جيشه في عام 2003 دخل في مرحلة طويلة من الفوضى والعنف وعدم الاستقرار، لا يزال يعاني من آثارها ويدفع فاتورتها الباهظة.

ليبيا أيضاً لم تسلم ودخلت في دوامة العنف والتشرذم وعدم الاستقرار منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي وحل وتشتت الجيش. أما اليمن فهو حالة خاصة من الصراعات والنزاعات والحروب الأهلية والقبلية المتشعبة والممتدة منذ فترة طويلة، التي تواصلت مع تنحية الرئيس علي عبد الله صالح الذي شبّه حكم بلاده بالرقص على رؤوس الثعابين.

السودان ربما لم يصل إلى هذه المرحلة، لكنه ليس محصناً منها إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، وطال أمد الحرب التي تزداد تعقيداتها ومعاناتها ومخاطرها يوماً بعد يوم، بعدما بلغت نقطة «الشر المطلق» على حد الوصف الذي استخدمته الأمم المتحدة في حديثها عن العنف الذي استشرى ووصل إلى مرحلة الإبادة على أساس عرقي وقبلي في دارفور. وفي ظل هذه الظروف المعقدة يتعرض الجيش السوداني إلى هجمة غير مسبوقة، في ظل التجاذبات والصراعات السياسية التي عصفت بالبلد ودفعت به إلى أتون هذه الحرب، وفي ظل سير المعارك الجارية وسيل التحليلات الذي لا ينقطع في وسائل التواصل الاجتماعي. فمع كل انسحاب للجيش من موقع، تضج المواقع المختلفة بالتحليلات والتأويلات والتجاذبات بين المشككين الذين يتحينون الفرص للضرب في الجيش، وبين المدافعين عنه بوصفه المؤسسة التي تحمي الوطن في وجه هجمة تهدد وحدته وتماسكه.

لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي نقمة أحياناً بسبب مشكلة النقل الأعمى والكسول بلا تمحيص أو تفكير. ففي ظل غياب الإعلام الرسمي وتفوق قوات الدعم السريع بشكل كبير على الجيش في معركة الإعلام منذ بداية الحرب وحتى اللحظة، أصبح المواطن نهباً للشائعات، وفي حيرة من أمره إزاء الأخبار والتقارير المتضاربة، والتحليلات والاجتهادات التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يعرف في بعض الأحيان مصدرها في ساحة مكشوفة توجد فيها أجهزة وأدوات أطراف خارجية.

أخطر ما في هذه المعركة هو تكرار الشعارات التي تدمغ الجيش بأنه «جيش الكيزان» أو «جيش الفلول» والتي انتقلت من بعض النخب السياسية والمدنية لتصبح لافتة ثابتة تستخدمها قوات الدعم السريع في الحرب ضد الجيش. فعلى الرغم من أنه ليس هناك من ينكر أن الإسلاميين تغلغلوا في الجيش، فإنه ليس صحيحاً أن الجيش كله أو حتى غالبيته من «الكيزان»، واستخدام هذه الشعارات بهذه الكيفية والكثافة بات ورقة لا ترمي لإضعاف الجيش في المعركة الراهنة وحسب، بل قد يستخدمها البعض حجة لتفكيكه لاحقاً. وقد كان لافتاً أن أحد الوجوه القيادية في قوات الدعم السريع تحدث علناً وفي مقطع فيديو يتباهى فيه بـ«الانتصارات» الأخيرة، عن أنه بعد الآن لا يكون الحديث عن دمج «قوات الدعم» في الجيش، بل دمج الجيش في قوات الدعم.

الحقيقة أن خطاب دمغ الجيش بأنه «جيش الكيزان والفلول» تبنته قوى منخرطة في تحالف قوى الحرية والتغيير وخارجه في إطار المعركة السياسية التي كانت دائرة إبان الفترة الانتقالية، وضمن الكلام الذي استندت إليه الدعوات لإصلاحه، وهي دعوات يشتط فيها البعض أحياناً بالحديث المبطن عن تفكيكه وإعادة بنائه. ليس هناك من يعترض على أن الجيش في حاجة إلى عملية إصلاح، فحتى العسكريون يقرون بذلك. هذا الإصلاح تستدعيه عوامل كثيرة منها ما كشفت عنه هذه الحرب من بعض أوجه القصور مثل النقص في قوات المشاة، وفي بعض أوجه التسلح والتدريب لمواجهة مختلف الظروف بما فيها حرب المدن. ومنها مسائل أكثر تعقيداً مثل كيفية إبعاده عن السياسة التي أضرت به وبمهنيته، بل وأضعفته، وفتحت أبوابه أمام تغلغل قوى سياسية تريد اتخاذه مطرقة لتحقيق طموحاتها في الوصول إلى السلطة عبر طريق الانقلابات لا عبر صندوق الانتخابات.

قضية إصلاح الجيش تتداخل وتتشابك معها أيضاً معضلة قوات الدعم السريع ومستقبلها بعد كل هذا الذي جرى. فإذا كانت قضية دمجها في القوات المسلحة صعبة وشائكة قبل الحرب، بل كانت ضمن العوامل التي أسهمت في إشعالها، فإنها أصبحت الآن أكثر تعقيداً، لا سيما في ظل التجاوزات والانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها، وأكسبتها عداء وكره قطاعات كبيرة من المواطنين الذين باتوا يرفضون تماماً فكرة الدمج أو أن يكون لهذه القوات أي دور أو وجود في الساحة. وما يزيد الأمر خطورة هو التجاذب الحاصل بين القوى السياسية المتصارعة، وتحديداً بين الإسلاميين الذين يرون فرصة لإقصاء هذه القوات وحلفائها من المشهد، وبين قوى الحرية والتغيير التي تتمسك بعملية الدمج وترى دوراً لـ«الدعم السريع» في تحقيق مقاصدها لتحجيم تغلغل الإسلاميين في القوات المسلحة، بل ولإقصائهم عن الساحة تماماً.

السودان يمر بمرحلة بالغة الخطورة في ظل هذه الحرب المستعرة التي لا أحد يستطيع الجزم بمآلاتها، وآخر ما يحتاجه الآن هو إضعاف جيشه أو انهياره بأي شكل وتحت أي ظرف. فنحن نرى اليوم بعض الحركات المسلحة تتنمر وتهدد لأنها ترى الدولة تضعف، والجيش مشغول بحربه ضد «الدعم السريع». حتى الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو التي راهن عليها البعض لدعم التحول الديمقراطي، خيبت الآمال عندما استغلت ظروف الحرب الراهنة وانشغال الجيش لتحاول قضم المزيد من الأراضي وتوسيع رقعة سيطرتها. كذلك رأت أطراف في حكومة جنوب السودان فرصة في هذه الحرب لكي تدفع بقواتها إلى منطقة أبيي المتنازع عليها، في مؤشر على أن هناك أطرافاً عدة داخلية وخارجية تتربص وتتحين الفرصة للنهش في جسد السودان الذي يبدو اليوم في أضعف حالاته.

مطالب الإصلاح مطلوبة، وكذلك دعوات ابتعاد الجيش عن السياسة، لكنها لا ينبغي أن تصبح ورقة تؤدي، بشكل أو آخر، إلى انهياره الآن أو تفكيكه في وقت لاحق، لأن ذلك سيكون أكبر خطر على البلد، والدروس كثيرة وماثلة حولنا.

الوسومالخطر السودان العنف عثمان ميرغني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الخطر السودان العنف عثمان ميرغني

إقرأ أيضاً:

طيران الجيش يقتل أكثر من 9 مواطنين ويصيب آخرين وسط السودان

طيران الجيش السوداني استهدف منازل مدنيين بمدينة مدني في غارة موجهة ضد عناصر من قوات الدعم السريع.

مدني: التغيير

قتل أكثر من تسعة مدنيين وأصيب آخرون في غاره جوية نفذها طيران الجيش السوداني الأحد بحي الكريبة في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة- وسط السودان.

وتكرر مؤخراً سقوط الضحايا المدنيين جراء قصف طيران الجيش على مناطق سكنية وأعيان مدنية في مواقع تشهد معارك بينه وبين قوات الدعم السريع في سياق الحرب المندلعة منذ 15 ابريل 2023م.

اثار القصف

وأكدت مصادر متطابقة لـ(التغيير)، أن العدد المحتمل للقتلى أكثر من تسعة مدنيين وربما ارتفع إلى 15 شخصاً بخلاف الإصابات الخطرة.

وبسبب الغارة تهدمت العديد من المنازل، كما دمرت المظلات المسقوفة بـ”الزنك” التي طارت في الهواء وأصابت مواطنين وتسببت في هلع وذعر المدنيين بالحي.

 

شاهدة عيان

وفي تسجيل صوتي تلقت (التغيير) نسخة منه كشفت مواطنة أصيبت في الغارة أن القصف استهدف منزلها ومنازل أخرى.

قصف

وقالت: شقيقي أصيب في رأسه أما أنا فأصبت في يدي، تهدم منزلي ومنزل شقيقي ودكان الغاز والمظلات كما ان الأسرة التي كانت تسكن بيت م. ع توفي جميع أفرادها في القصف ولا نعرف عددهم.

وأضافت المواطنة في التسجيل الصوتي: توفي كذلك بائع رغيف كان يجلس في الشارع ولقي إسكافي أيضاً مصرعه وسائق (درداقة)، أحد الأشخاص ويدعى م كسرت رجله أو قطعت لا أعلم فقد شاهدت الدماء فقط، شقيقي ضرب في رأسه ولا أعرف عنه شيئاً الآن.

ونقل المصابون إلى حي عووضة شرق مدني لتلقي العلاج بعد الإصابات الخطيرة في الأيدي والأرجل والرقبة بسبب الشظايا، بالإضافة للصدمات النفسية التي تعرض لها المصابون.

القصف

ونفّذت الغارة الساعة التاسعة والنصف صباح الأحد بحي الكريبة، وتشير متابعات (التغيير) إلى أن القصف استهدف في الأساس منزلاً لقوة من قوات الدعم السريع كانت تقيم فيه غير أن الغارة أصابت أهدافاً أخرى لمنازل مدنيين.

وختمت المصابة تسجيلها بالقول: نحمد الله على سلامة أرواحنا، أرسلوا هذا التسجيل لكل من يعرفنا، نحمد الله على قضاء الله، لو سمعتم خلاف هذه المعلومات في الإعلام أرجو ألا تصدقوها، نسأل الله أن يسلمنا ويحفظ منازلنا من السرقة فقد أضحت مكشوفة بعد تهدم الجدران والغرف بسبب القصف.

الوسومالجيش الدعم السريع السودان الطيران الحربي الكريبة حرب 15 ابريل 2023م عووضة مدني ولاية الجزيرة

مقالات مشابهة

  • طيران الجيش يقتل أكثر من 9 مواطنين ويصيب آخرين وسط السودان
  • "كلهم اغتصبوني.. كانوا ستة"! شهادات مروعة عن جرائم قوات الدعم السريع في السودان
  • تصعيد ميداني بين الجيش و الدعم السريع و تحشيد كبير حول الفاشر ومدني
  • الجيش السوداني يحبط هجوما على الفاشر للدعم السريع
  • وول ستريت جورنال: حرب السودان تتحول تدريجيا إلى حرب دولية
  • الوساطة التركية.. ماوراء مهاتفة (البرهان – أردوغان)؟
  • الجيش السوداني يُعلن مقتل القائد العسكري"جمعة إدريس" غربي البلاد
  • السودان: استمرار الاشتباكات المسلحة في الخرطوم بحري وشهود يؤكدون تقدم الجيش
  • جدّة – ميتر لرصد الانتهاكات في السودان
  • مسؤول: قوات الدعم السريع تهاجم المستشفى الرئيسي في الفاشر بالسودان