غزة– قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الدكتور رامي عبدو إن الأدلة والشواهد تؤكد ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة، خلال الحرب التي تشنها على هذا القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال عبدو -في حوار خاص مع الجزيرة نت- إن جرائم الإبادة أودت بحياة زهاء 20 ألف فلسطيني، يمثلون مع عشرات آلاف الجرحى نحو 2.

5% من تعداد السكان في القطاع، فضلا عن الدمار الهائل بحق المنازل السكنية والأعيان المدنية، وكل سبل الحياة.

وفي ما يلي نص الحوار:

باعتباركم منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان، ما الذي فعلتموه إزاء ما يتعرض له سكان غزة من حرب دموية مدمرة؟

منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة سعينا إلى تفعيل كل طواقمنا لرصد التنوع الواسع من الانتهاكات، ووجدنا أن قدرتنا على حصر ورصد كل الانتهاكات والمجازر الإسرائيلية ستكون محدودة، في ظل انقطاع الاتصالات، والاستهداف الشامل لكل مناحي الحياة، وعدم قدرة طواقمنا على الحركة.

وبالتالي، وجدنا أنه من الأصوب إصدار بياناتنا بشكل يومي، وعدم انتظار انتهاء العدوان لإصدار التقارير، ونحاول قدر الإمكان تسليط الضوء على أبرز الانتهاكات، ثم نقوم بتجميع الشهادات الموثقة الواردة في بياناتنا ونرسلها إلى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، والمقررين الخاصين، وللمحكمة الجنائية الدولية.

ونرسلها أيضا إلى كل الأطراف المعنية، بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، ونطلعهم على أبرز تداعيات العدوان، في ضوء ما وجدناه من شلل في العمل الحقوقي للمنظمات الدولية والمحلية نتيجة تعقيدات لوجستية أو نتيجة أمور أخرى.

وركزنا -منذ البداية- على أن ما يمارسه الاحتلال هي جرائم إبادة، وتواصلنا مع خبراء الأمم المتحدة ومع مسؤولين وأكاديميين دوليين، لفحص هذه الجرائم، وبالفعل أكثر من 800 أستاذ بالقانون الدولي أصدروا بيانا موحدا، وأكدوا أن ما يجري هي جرائم إبادة.

مقر اليونيسيف في غزة الذي يقع ضمن تجمع لعدد من مؤسسات الأمم المتحدة (الجزيرة) اتهمتم المؤسسات الدولية بالغياب والانهيار الكامل وبشكل مفاجئ إزاء ما يحدث في غزة، هل من توضيح؟

لا شك أن كثيرا من الملاحظات أوردها الفلسطينيون بشكل أساسي على دور المؤسسات الدولية، وتحديدا الوكالات الأممية، إذ توجد في قطاع غزة 18 وكالة دولية تعمل وتهتم باختصاصات مختلفة، منها ما يهتم بشؤون المرأة والطفل، مثل اليونيسيف ومنظمات تهتم بتقديم الدعم التطويري، ومنظمات تهتم بتطوير الحماية، وفي مقدمة هذه المنظمات الدولية وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

كل هذه المنظمات لم تتحرك فعليا حتى نهاية الأسابيع الثلاثة الأولى. وحتى في إطار إصدار المواقف، نجد أن مواقفها جاءت متأخرة جدا في التحذير من جريمة الإبادة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدمة الوكالات التي وُضع كثير من علامات الاستفهام على دورها هي أونروا المسؤولة عن نحو 70% من السكان في قطاع غزة.

وللأسف، أونروا وغيرها من الوكالات الدولية الأخرى، مع الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي على القطاع، أسهمت في بث حالة من الرعب في أوساط المواطنين، عندما سحبت عرباتها وطواقمها وأغلقت مقارها في مدينة غزة وشمال القطاع، استجابة للرغبات الإسرائيلية، وهو ما أعطى مؤشرات للمواطنين أنه لا يمكن تقديم أي نوع من الحماية.

وأيضا، شهدنا منظمة الصحة العالمية التي لم تقم بجهود، فقد كان يمكن على الأقل أن توفر الحماية للمستشفيات الفلسطينية، وتدحض الادعاءات الإسرائيلية من قبيل وجود أفراد هذه المنظمة، وفحص المستشفيات وتأكيد سلامتها، فضلا عن التلكؤ في إمدادات الأدوية والمستلزمات الطبية.

وكذلك تلكأ برنامج الغذاء العالمي بشكل كبير في أداء عمله، وقدم شاحنات المساعدات الإنسانية بشكل متأخر، ووصلت أولى هذه الشاحنات بعد أسبوعين عبر معبر رفح البري مع مصر، رغم أنه يمتلك مخازن موجودة في مدينة غزة، وفي جنوبها، هذه المخازن لم تعمل لأن البرنامج قام بسحب موظفيه، ولم يسهم في الضغط على السلطات الإسرائيلية من أجل أن يقوم بتوزيع الأغذية على المواطنين.

وبالتالي، معظم هذه الوكالات الدولية لم تقم بأي أدوار، ولم تمارس أي مهام، بل على العكس كان دورها في مراحل متأخرة فقط للتحذير من الكارثة الإنسانية.

ما انعكاس هذه الحالة على الواقع، وهل شجع موقف هذه المؤسسات إسرائيل على سفك مزيد من الدماء؟

تصرف المؤسسات الدولية شجع وأعطى الضوء الأخضر للاحتلال الإسرائيلي أن باستطاعته أن يفعل ما يريد من دون أن يكون هناك موقف مسؤول وموحد لهذه المؤسسات العاملة في فلسطين، وشهدنا غيابا كبيرا لها في الأيام الأولى للحرب، ومنها أونروا التي لن ينسى الفلسطينيون لها إغلاق مقارها وإجلاء موظفيها من غزة وشمالها نحو جنوب القطاع، وهو ما أشعر سكان هذه المناطق أنه لا تتوفر لهم حماية دولية، وأن هناك غطاء دوليا لتهجيرهم والحرب التي تشن عليهم.

والأمر ذاته فعلته منظمات دولية وأممية أخرى كاليونيسيف والصحة العالمية، رغم آلاف القتلى الأطفال والاعتداء على المستشفيات والطواقم الطبية وقتلهم واعتقالهم، وآخر ذلك اعتقال رئيس مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية، وما حدث فجرا في المستشفى الإندونيسي في شمال القطاع.


هل غطت المؤسسات الأهلية الفلسطينية الفراغ الذي أحدثه غياب المؤسسات الدولية، وهل تمتلك مقومات للقيام بدور أكبر إزاء ما يتعرض له قطاع غزة؟

بدت هذه المؤسسات المحلية أيضا عاجزة، فلم تستطع تقديم أي شيء للمواطنين، لأنها جزء من حالة الاستهداف الشامل، فالمنظمات الدولية لم تستطع تقديم أي أدوار، وتخلت عن مهامها، وبالتالي لا يوجد أي نوع من الحماية، والأخطر من ذلك أن مسؤولي هذه المنظمات المحلية اختفوا من الساحة بشكل مريب، وبعضهم تلكأ في إصدار تقارير ميدانية عما يجري على الأرض، أو تردد ولم يقم بذلك، باستثناء مواقف بدأت تظهر متأخرة، لكن في الأسبوعين الأولين للحرب الإسرائيلية على غزة، وحسب ما فهمه المواطنون يبدو أنه كانت هناك توجيهات من الممولين بعدم القيام بأي أدوار.

وأيضا المنظمات العاملة في الشأن الإغاثي تضررت بشكل كبير، ليس بفعل قرار ربما، وإنما بفعل عدم توفر إمكانات لوجستية للحركة، وعدم توفر المواد، بسبب الحصار الإسرائيلي الذي أعدم الحركات المالية وأوقفها بشكل كامل، فضلا عن عدم توفر الواردات الغذائية والإغاثية.

يضاف إلى ذلك أن المنظمات بالمجمل أصيبت بالصدمة، ولم تستطع التحرك وفقدت التواصل مع موظفيها، بفعل غياب خدمات الاتصالات والإنترنت، وربما ترافق ذلك مع توجيهات لجهات مانحة بعدم التحرك ميدانيا وإصدار مواقف.

وضعتم مرارا في بياناتكم الرسمية ما ترتكبه إسرائيل في إطار جرائم الحرب، ما تعريف هذه الجرائم؟

لا شك أن إسرائيل ارتكبت في قطاع غزة طيفا واسعا من الانتهاكات والجرائم، ولا أعتقد أنه يوجد مكان في هذا العالم شهد مثل هذه الجرائم من حيث الكم والتنوع، ونستطيع أن نجزم بشكل قاطع أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية، وهذه الإبادة من حيث تعريفها تتضمن مفردات أساسية، 3 من هذه المفردات الواضحة قامت إسرائيل بتنفيذها، وفي مقدمها عمليات القتل الجماعي، وشهدنا من هذه العمليات الاستهداف المباشر لتجمعات المدنيين، ليس فقط في شمال القطاع، بل في كل أرجائه شمالا وجنوبا.

هل يجيز القانون الدولي استخدام الاحتلال المياه والطعام والإمدادات الطبية كأسلحة حرب في إطار حصار مطبق تفرضه على غزة؟

هذه مفردة ثانية من مفردات الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، عبر ممارسة سياسة التجويع والتعطيش لسكان القطاع بشكل متعمد ومعلن، من خلال وقف إمدادات الغذاء والمياه كليا لمناطق شمال القطاع، وكميات شحيحة سمحت بمرورها وجاءت في وقت متأخر لسكان جنوب القطاع، إضافة إلى منع إمدادات الوقود، الذي يُعتمد عليه لتشغيل المستشفيات والمرافق الحيوية.

ولم تكتف بذلك، بل استهدفت بشكل مباشر كل سبل الحياة في كل قطاع غزة، وعلى وجه الخصوص في مدينة غزة وشمالها، كالمخابز، ومطحنة الدقيق الوحيدة، ومحطات معالجة المياه وخزانات المياه، والأراضي الزراعية.

وهذا يقودنا إلى المفردة الثالثة من الإبادة الجماعية، وهي عمليات التهجير القسري سواء من مدينة غزة وشمال القطاع نحو جنوبه، أو حتى تهجير السكان من منازلهم داخل المدينة الواحدة، سواء جراء القصف أو بناء على توجيهات وإنذارات.

وبالتالي، وبشكل جازم مارست إسرائيل الإبادة الجماعية، مما نتج عنها هذا العدد الكبير من الضحايا، فنحن نتحدث عن نحو 20 ألف قتيل فلسطيني، بينهم على الأقل 7800 طفل، وقد أحصينا حتى هذه اللحظة حوالي 17 ألفا و500 قتيل فلسطيني، وهناك المئات لا يزالون تحت الأنقاض، وهذا يعني أن عدد الشهداء والجرحى يمثل 2.5% من الغزيين، أي ما يعادل 11 مليون مواطن عربي من أصل العدد الكلي لسكان الدول العربية.

كيف تابعتم الجرائم الإسرائيلية ضد المستشفيات كأعيان مدنية سواء بالاستهداف المباشر أو بإجبار طواقمها والمرضى والنازحين إليها على إخلائها؟

القانون الدولي الإنساني في كل مواثيقه يؤكد عدم استهداف الأعيان المدنية، وعدم استهداف أسس الحياة بما فيها المستشفيات، واتفاقية جنيف الرابعة في مادتها الـ18 والـ19، حددت بشكل لا لبس فيه عدم جواز استهداف المستشفيات بأي حال من الأحوال.

لكن ما فعلته إسرائيل ربما لم يتوقعه القانون الدولي الإنساني وهو أن تقتحم قوات المستشفيات وتقتل المرضى وتحاصر المستشفيات وتنتهج التجويع ضد من فيها، وتدمرها، وتستخدم الأطباء والمرضى دروعا بشرية، هذا ما فعلته إسرائيل مثلا في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وأوضح أن استهداف المستشفيات جاء في إطار سياسة إسرائيل لتدمير أسس الحياة في غزة.

أثبتت إسرائيل أنها لا تريد أي مظهر من مظاهر الحياة في شمال قطاع غزة، وتعتقد أن المستشفيات جزء من قطاع الخدمات للسكان، وتريد إيصال رسالة واضحة للسكان أنه حتى المستشفيات في حال توجهتم إليها إذا مرضتم أو جرحتم أو تعرضتم لأي أذى، فإنها لم تعد تعمل، وتهدف من وراء ذلك إلى دفع الناس للنزوح الإجباري عن مناطق شمال القطاع.

سيارات تابعة لأونروا والهلال الأحمر الفلسطيني ترافق قافلة المساعدات نحو المخازن في جنوب قطاع غزة (الجزيرة) متى تمكن محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، وما الذي يمنع ذلك حتى اللحظة؟

يمكن أن تحدث هذه المحاسبة في حال توفرت الإرادة السياسية الدولية، الغائبة عن محاسبة إسرائيل، وآليات القانون الدولي معطلة وعاجزة، ويتحكم بها حلفاء إسرائيل بشكل كبير، وتستخدم لدغدغة العواطف وتمييع مساءلة إسرائيل، والحال لا يمكن أن يتغير طالما بقيت الهيمنة على القرار الدولي في يد حلفاء إسرائيل.

ولعلنا نستذكر أن الولايات المتحدة هددت بفرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية، ونتج عن ذلك توافقات على جلب كريم خان رئيسا للمحكمة، الذي يتساوق لحد ما مع الرواية الإسرائيلية، ويماطل في اتخاذ إجراءات حقيقية من أجل محاسبة إسرائيل.

هل هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة يصنف ضمن مقاومة الاحتلال وفق القانون الدولي؟

أود الإجابة عن هذا السؤال من زاوية ما تقوله إسرائيل عن حقها في الدفاع عن نفسها، فالهجوم الذي حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي قامت به جماعة مسلحة في منطقة تحتلها إسرائيل، ولا تعيش في دولة أخرى حتى تقوم إسرائيل بعمليات الدفاع عن نفسها.

استخدام إسرائيل مفهوم الدفاع عن نفسها كغطاء لارتكاب كل هذه الجرائم في غزة لا ينسجم والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، فحق الدفاع عن النفس يكون بين دولة ودولة، وليس بين دولة احتلال ومجموعات وفصائل مقاومة، وبالتالي هذه الحرب الإسرائيلية -من الأصل- ساقطة ولا شرعية لها ولا قانونية لها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المؤسسات الدولیة الإبادة الجماعیة القانون الدولی جرائم إبادة هذه الجرائم شمال القطاع فی قطاع غزة مدینة غزة الدفاع عن فی إطار فی غزة

إقرأ أيضاً:

بين السرقة والتدمير.. مواقع أثرية من ضحايا إبادة إسرائيل لغزة

على مدار أكثر من 15 شهرا، حوّل الجيش الإسرائيلي البلدة القديمة الواقعة في قلب مدينة غزة التي ضمت إرثا حضاريا يمتد لمئات السنين إلى شاهد على حرب إبادة جماعية لم تستثن حتى الحجر.

نيران الإبادة التي امتدت على طول القطاع ودمرت 88% من بناه التحتية بما يشمل المنازل والمؤسسات الحيوية، وفق تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، حوّلت المعالم الأثرية للبلدة القديمة إلى أنقاض.

كذلك تعرضت بعض القطع الأثرية النادرة التي كانت تتربع في صدارة متحف "قصر الباشا" الأثري للسرقة من الجيش الإسرائيلي الذي توغل برًّا في المنطقة وأحالها دمارا، وفق ما قالته مديرة المتحف ناريمان خلة للأناضول.

وتتكون البلدة القديمة في غزة من 4 أحياء رئيسية هي الشُّجاعية والدرج والتفاح والزيتون، تعرضت بشكل متعمد لاستهداف إسرائيلي مكثف خلال أشهر الإبادة، ووثق تقرير سابق للجزيرة نت بالصور والفيديوهات الخاصة أهم تلك المعالم التاريخية والأثرية المتضررة جراء الحرب والتي تزيد على 200 موقع.

بعض المواقع الأثرية لم يكتف الجيش الإسرائيلي باستهدافها جوا بالقصف بل عمد إلى تجريف أجزاء واسعة منها بالكامل في محاولة لطمس الهوية الفلسطينية، بحسب خلة.

إعلان

وأشارت خلة إلى أن أبرز المواقع التي تعرضت للدمار خلال العملية البرية للجيش الإسرائيلي التي طالت البلدة في ديسمبر/كانون الأول 2023 كان "قصر الباشا" والمسجد العمري وحمام السمرة وكنيسة "بيرفيريوس" وبعض البيوت الأثرية.

قصر الباشا مزج بين العمارتين المملوكية والعثمانية ولكن أحالته إسرائيل إلى ركام فلم يبق منه إلا بقايا بعض الجدران التي صنعت من الحجارة الرملية في العهد المملوكي (الأناضول) قصر الباشا

مثّل "قصر الباشا" الواقع في حي الدرج آخر النماذج من القصور المتبقية في قطاع غزة على مر الحضارات.

هذا القصر الذي كان يمزج بين العمارتين المملوكية والعثمانية أحالته إسرائيل إلى ركام؛ فلم يبق منه إلا بقايا بعض الجدران التي صنعت من الحجارة الرملية في العهد المملوكي والصخرية والجيرية في العهد العثماني.

وعلى أطلال هذا المعلم الأثري، نصب نازحون فلسطينيون خيامهم وحولوا الموقع إلى مأوى بعدما دمرت إسرائيل منازلهم خلال حرب الإبادة.

خلة تروي بحزن تاريخ "قصر الباشا" الذي ضربه التدمير الإسرائيلي المتعمد، قائلة إن "عمر هذا القصر يعود لنحو 900 سنة، إلى نهاية الدولة المملوكية (1260-1516​) وبداية العثمانية (1516-1917)".

ومع مرور الزمن ونظرا للتغيرات التاريخية التي مرت بها المنطقة، تم تغيير وظيفة هذا القصر من إدارة حكم مدينة غزة وسن القوانين إلى وظائف شرطية وتعليمية، بحسب خلة.

وفي عام 2010 تم تحويل جزء من مبنى القصر إلى متحف يجمع عددا من القطع الأثرية التي تعود إلى عصور مختلفة كاليوناني والروماني والبيزنطي والإسلامي، وفق قولها.

قالت خلة إن الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية للمنطقة "هدم وجرف معظم مبنى قصر الباشا، وسرق بعض القطع أو القطع الأثرية الموجودة داخله".

وبينما لم تشر خلة إلى القطع الأثرية التي سرقها الاحتلال، أفاد مراسل الأناضول بأن الجزء الذي كان يقع فيه المتحف تم تجريفه بالكامل.

قصر الباشا قبل التدمير وبعده (الفرنسية) المسجد العمري

المسجد العمري أُسس قبل أكثر من 1400 عام، ويعد من أكبر مساجد غزة وأعرقها تعرض هو أيضا للقصف والتجريف الإسرائيلي.

إعلان

كذلك يعد العمري ثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجدين الأقصى وأحمد باشا الجزار في عكا، ويوازيه بالمساحة جامع المحمودية في يافا، إذ تبلغ مساحته 4100 متر مربع أما مساحة فنائه فتصل إلى 1190 مترا مربعا.

تقول خلة إلى الجيش الإسرائيلي عمد خلال الفترة نفسها في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى "تجريف المسجد العمري وقصفه".

المسجد العمري قبل التدمير وبعده (الفرنسية)

وأوضحت أن أبرز ما استهدفته إسرائيل بالمسجد كان قسم المكتبة التي تعود للعهد المملوكي وضمت بين جنباتها "المخطوطات والكتب النادرة التي كانت تستخدم بين الباحثين والأكاديميين الفلسطينيين".

حمام السمرة

في السياق، تعرض أيضا حمام السمرة لتدمير إسرائيلي متعمد خلال الإبادة الجماعية، وبذلك تكون إسرائيل قد دمرت آخر الحمامات التاريخية في القطاع.

وتقول خلة إن "حمام السمرة (الحمام التاريخي) الوحيد المتبقي في مدينة غزة قام الاحتلال الإسرائيلي بهدمه بالكامل".

(الجزيرة)

وأعربت عن آمالها في إعادة تأهيل وبناء المواقع الأثرية بغزة "بسواعد المواطنين ووزارة الآثار ودعم المؤسسات الدولية".

وأشارت إلى أن تلك المواقع تمثل تاريخ الفلسطينيين، ولا بد من "الحفاظ عليها للأجيال القادمة لدراستها".

كنيسة بريفيريوس

لم تسلم دور العبادة لدى المسيحيين أيضا من الاستهداف الإسرائيلي المتعمد خلال الإبادة التي أسفرت عن سقوط ضحايا في صفوفهم.

وتعمّد الجيش في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 استهداف كنيسة القديس "بريفيريوس" بمدينة غزة، ثالت أقدم كنيسة في العالم إذ يعود البناء الأصلي فيها لعام 425 للميلاد.

هذا القصف أسفر عن مقتل 19 شخصا لجؤوا إلى مبنى الكنيسة هربا من الغارات الإسرائيلية.

وأوضحت خلة أن القصف المتعمد للكنيسة كان محاولة إسرائيلية "لطمس الهوية الفلسطينية بالكامل وتهجير الفلسطينيين من أرضهم".
بدوره، يقول المسيحي رامز الصوري (47 عاما) الذي فقد 12 فردا من عائلته خلال قصف الكنيسة من بينهم 3 من أبنائه "تعرضت الكنيسة لهجمة صاروخية أدت إلى استشهاد عدد كبير من أبناء المجتمع المسيحي".

كنيسة القديس بريفيريوس بعد الدمار (الأوروبية)

وأوضح أن ضحايا القصف الإسرائيلي للكنيسة كانوا من "المدنيين السالمين والمسالمين الذين لجؤوا إليها".

إعلان

وذكر أنه بالنسبة لأبناء المجتمع المسيحي بغزة، فالخيار الوحيد الذي كان مطروحا أمامهم خلال الحرب هو التوجه إلى الكنيسة باعتبارها "ملاذا آمنا لأي شخص كان يحاول النجاة بنفسه وأطفاله".

وأشار إلى أن توجه المدنيين للاحتماء بالكنائس والمساجد خلال الحرب يأتي من باب أنها من "المحرمات" التي يحظر استهدافها، لكنه استدرك قائلا "للأسف، لم يكن هناك محرمات لدى الاحتلال".

ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي كان معنيا بإلحاق الأضرار المادية بالكنسية والبشرية في المجتمع المسيحي.

وعلى مدى عقود تناقصت أعداد المسيحيين في غزة بفعل الهجرة، وقبل الإبادة الجماعية كان عددهم لا يزيد على ألفي شخص، حسب مؤسسات مسيحية.

ويتبع نحو 70% من مسيحيي قطاع غزة طائفة الروم الأرثوذكس، بينما يتبع البقية طائفة اللاتين الكاثوليك.

وخلال الإبادة الإسرائيلية المستمرة بالقطاع تضررت 3 كنائس بشكل كبير، كذلك استهدف الجيش الإسرائيلي المركز الثقافي الأرثوذكسي في حي الرمال الجنوبي غربي مدينة غزة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن إسرائيل دمرت خلال أشهر الإبادة 206 مواقع أثرية وتراثية في القطاع.

وبدعم أميركي ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير/كانون الثاني 2025 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

وفي 19 يناير/كانون الثاني الماضي بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل للأسرى بين "حماس" وإسرائيل، يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، مع اشتراط التفاوض بشأن المرحلة التالية قبل انتهاء المرحلة الراهنة.

مقالات مشابهة

  • الأورومتوسطي: الاحتلال يواصل سياسة الإبادة والتجويع في غزة
  • بين السرقة والتدمير.. مواقع أثرية من ضحايا إبادة إسرائيل لغزة
  • متظاهرون يغلقون الطريق المؤدي لحفل “الأوسكار” احتجاجاً على الإبادة الجماعية بغزة
  • الإعلام الحكومي: استئناف العدو حصار غزة استمرار لحرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني
  • الأورومتوسطي: إغلاق معابر غزة تصعيد خطير يكرس التجويع كأداة إبادة جماعية
  • الأورومتوسطي .. قطع المساعدات الإنسانية يؤكد النية المبيتة لاستمرار جريمة الإبادة وسط صمت دولي
  • تقرير: قطع المساعدات الإنسانية عن غزة استمرار لجريمة الإبادة وسط صمت دولي
  • الصليب الأحمر الدولي يحذر من مخاطر انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بغزة
  • إسرائيل تُقرر وقف إدخال كافة البضائع والإمدادات إلى قطاع غزة
  • الخارجية الروسية: زيلينسكي خطر على المجتمع الدولي ويحرض بشكل غير مسئول لحرب كبرى