هل يتحول البحر المتوسط إلى مركز القارة للطاقة الشمسية؟
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
السياح في مايوركا ربما سيثير إعجابهم شيء جديد في هذه الجزيرة المتوسطية. إنه اقتصادها الصغير وهو يعتمد كليا على طاقة الهيدروجين الأخضر. في قلب هذا الاقتصاد توجد محطتا طاقة شمسية تزودان جهاز تحليل كهربائي يفصل الماء إلى أكسجين وهيدروجين منتجا بذلك وقودا خاليا من الكربون. يمكن استخدام هذا الهيدروجين لتشغيل محركات الحافلات وخلايا الوقود في الفنادق والميناء وضخه في شبكة الغاز بالجزيرة.
في عصر الطاقة المتجددة تحظى البلدان التي تطل على البحر المتوسط ببعض أفضل الظروف المتاحة في الكوكب لتسخير قوى الطبيعة. هنالك إمكانيات كبيرة لاستغلال الطاقة الشمسية. فإسبانيا تتلقى في المتوسط 4575 كيلوواط ساعة من ضوء الشمس سنويا في كل متر مربع والمغرب 5563 كيلوواط ساعة أو ضعف ما تتوقع ألمانيا أن تحصل عليه. إلى ذلك قلة الكثافة السكانية تعني أن أسبانيا والبرتغال لديهما أراض واسعة لإقامة محطات الطاقة الشمسية. وأيضا صحاري شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وفي بعض أجزاء المغرب وموريتانيا تتوافر أشعة الشمس والرياح مما يجعلها مناطق جذب نادرة لتشغيل أجهزة التحليل الكهربائي التي تنتج الهيدروجين دون توقف تقريبا. يوضح ذلك بينيديكت أورتمان الذي يدير أنشطة الطاقة الشمسية بشركة «بايفا» الألمانية بقوله: «توجد عشرة مواقع فقط من هذا النوع حول العالم.» استغلال خزان الطاقة المتجددة هذا ليس فكرة جديدة. ففي أوائل العشرية الأولى من هذا القرن طرحت مؤسسة مدعومة بعشرات الشركات معظمها ألمانية فكرة تشييد محطات شمسية عملاقة (لتوليد الكهرباء) في الصحراء الكبرى. لكن التأييد الذي وجدته «ديزيرتيك» التي تأسست في عام 2009 سرعان ما تبخر بسبب تكلفة التقنية أساسا. تطوير وسائل أفضل وأرخص لحصاد أشعة الشمس يكمن خلف إحياء الفكرة. فحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة انخفض متوسط تكلفة كهرباء محطات الطاقة لأغراض الاستخدام العام (لتغذية الشبكة العامة) من 0.45 دولار للكيلوواط في عام 2010 إلى 0.05 للكيلوواط في العام الماضي، كما أن نقل الطاقة إلى الشمال حيث الحاجة إليها الآن مُجدٍ اقتصاديا أيضا‘ وقد شملت خطة «ديزيرتيك» استخدام كوابل تحت الماء وهي ذات سعة محدودة. لكن الآن في مقدور أجهزة التحليل الكهربائي الأرخص تحويل الكهرباء إلى هيدروجين من المصدر (في أماكن توليدها.) ويمكن بعد ذلك نقله كغاز أو مشتق مثلا في شكل أمونيا سائلة. يتوقع المحللون أن يكلف الهيدروجين الأخضر من شمال إفريقيا في غضون سنوات قليلة أقل من 1.5 دولار للكيلوجرام. ومن المحتمل أن يجعله ذلك أرخص من الهيدروجين الأزرق الذي يستخلص من الغاز الطبيعي ولكنه يتطلب احتجاز وتخزين الكربون الناتج. إلى ذلك من المرجح جدا أن ينشأ طلب على الطاقة الواردة من الجنوب بقدر أكبر مما كان عليه الحال أيام مبادرة ديزيرتك. وستكون الحاجة شديدة للهيدروجين ومشتقاته كمواد خام خالية من الكربون لصناعات الصلب والمنتجات الكيماوية في أوروبا. من جملة 20 مليون طن حددها الاتحاد الأوروبي كهدف للاستهلاك بحلول عام 2030 سيأتي جزء كبير من الطرف الجنوبي لأوروبا وشمال إفريقيا. لكن وضع منطقة البحر المتوسط كمصدر أساسي لتزويد أوروبا بالطاقة ليس أمرا محسوما. فأوروبا عليها إطلاق سوق مصدر جديد للطاقة على أن تكون هذه السوق محررة من القيود التنظيمية وبها العديد من اللاعبين المتنافسين. المسألة مثل «أحجية البيضة والدجاجة»، تقول كريستين فيستفال عضو المجلس التنفيذي للرابطة الألمانية لصناعات الطاقة والمياه: فزيادة الطلب والإمدادات في وقت متزامن عملية توازن دقيقة. واقع الحال، الشركات تتردد في الالتزام باتفاقيات شراء طويلة الأمد للهيدروجين المنتج إذا لم تكن متأكدة من توفره وتسعيره. هذا بدوره لا يشجع المنتجين على اتخاذ قرارات استثمار حاسمة. كما لا يساعد على ذلك عدم الاستقرار السياسي في شمال إفريقيا الذي يزيد من المخاطر وبالتالي تكلفة رأس المال. مع ذلك المشكلة الأكبر هي ربط كلا جانبي السوق الذي يبدأ بتأسيس روابط مادية. ستكون هناك حاجة في البداية لنقل معظم الهيدروجين بواسطة السفن ربما في شكل أمونيا (من الصعب نقل الهيدروجين السائل الذي يجب حفظه عند 253 درجة مئوية تحت الصفر). لكن سعة السفن محدودة. ويقدر جيمس نيبون الباحث المشارك بمدرسة فلورنسا للقواعد التنظيمية أنه حتى إذا أمكن فنيا إعادة تخصيص كامل أسطول الغاز الطبيعي المسال الحالي لنقل الهيدروجين سيكون بمقدوره ترحيل حوالي 6.5 مليون طن فقط سنويا. وهذا يعني الاعتماد على خطوط الأنابيب. تختلف آراء الخبراء حول إمكانية ترقية شبكات نقل الغاز الموجودة لنقل الهيدروجين وتكلفة إقامة خطوط أنابيب جديدة. ربما تحول الاضطرابات الجيوسياسية دون الاستثمار في خطوط الأنابيب وأيضا إنتاج الهيدروجين. فكل الممرات الثلاث التي حددها الاتحاد الأوروبي لنقل الهيدروجين في حوض البحر الأبيض المتوسط تمر عبر مناطق بها مشاكل. من الناحية المثالية يمكن أن يتجه الهيدروجين الذي يضخ بالأنابيب من موريتانيا عبر الصحراء الغربية. لكن تلك المنطقة موضع نزاع. هنالك بديل قيد النظر وهو مسار بحري عبر جزر الكناري.
واقع الحال خطوط الأنابيب بعد تشييدها تكون عرضة للتدخلات السياسية.
في نوفمبر 2021 قادت توترات دبلوماسية إلى وقف تدفق الغاز عبر خط أنابيب أوروبا– المغرب الذي يربط حقول الغاز المغربية بإسبانيا عبر أراضي جارتها. في أوروبا الأمور لا تقل تعقيدا. فمن الممكن أن تَعْلَق اتفاقية خط أنابيب تحت الماء يربط برشلونة ومارسيليا في خلاف بين ألمانيا وفرنسا حول اعتبار الطاقة النووية «خضراء» أم لا. تتمثل فكرة الاتفاقية في نقل الهيدروجين من أسبانيا بواسطة البنية التحتية الحالية عبر فرنسا إلى ألمانيا. إلى ذلك «اير ليكيد» وهي أكبر شركة لإنتاج الغازات الصناعية تسعى بشدة لحشد المعارضة ضد مشروع من شأنه أن يقلل من قيمة شبكتها الخاصة بأنابيب الهيدروجين. ليس لدى أوروبا خيار سوى مواجهة هذه المشاكل إذا أرادت تحقيق أهدافها الطموحة في خفض انبعاثات الكربون. لقد تم اتخاذ بعض الخطوات منها تدشين المفوضية الأوروبية لعدَّة مبادرات من بينها مسرِّع الهيدروجين وإشاعة استخدام الغاز وبنك الهيدروجين الأوروبي وذلك بهدف إطلاق تداوله. والأهم أن المفوضية سمحت بتدفق الدعومات المالية من خلال التخفيف من ضوابط العون الحكومي بحيث تستطيع البلدان الأعضاء دعم جهود الشركات للتخلص من الكربون. كما خُصصت أموال أيضا لخطوط أنابيب الهيدروجين مثل الخط الرابط الذي يمتد بطول 3300 كيلومتر من الجزائر وتونس إلى النمسا وألمانيا. وستستفيد مشروعات الهيدروجين في شمال إفريقيا من استثمار مؤسسات كالبنك الأوربي لإعادة التعمير والتنمية. تريد بعض البلدان الأعضاء أن تتحرك بسرعة. فإسبانيا والبرتغال شرعتا في تنفيذ استراتيجيات وطنية طموحة لتحويل شبه جزيرة أيبيريا إلى مركز للهيدروجين الأخضر. لكن ألمانيا التي سيلزمها استيراد ما يصل إلى 70% من الهيدروجين اللازم للتخلص من الانبعاثات الكربونية التي تطلقها صناعاتها الثقيلة هي الأكثر حرصا على ازدهار إنتاجه. لقد خصصت سلفا أكثر من 8 بلايين يورو (8.6 بليون دولار) لمساعدة شركاتها على التحول إلى الطاقة الخضراء. ولإظهار حماسها ابتدرت وزارة الخارجية الألمانية قبل عامين أو نحو ذلك «دبلوماسية هيدروجين» شملت فتح عدة «سفارات هيدروجين» في البلدان الرئيسية. ومؤخرا جدا أنشأت وزارة الشؤون الاقتصادية الألمانية منصة «اتش تو جلوبال» لتداول الهيدروجين. يظهر أن ألمانيا تقرّ بوجوب «أن تعطي لكي تأخذ»، وهي كما يبدو ليست فقط سعيدة بتشييد محطات طاقة شمسية ومزارع تحليل كهربائي في إفريقيا ولكنها أيضا على استعداد للمساعدة في إيجاد وظائف محلية وترقية شبكات الكهرباء وبناء محطات لتحلية المياه (أجهزة التحليل الكهربائي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه النقية). في الوقت المناسب ربما يصل الأمر بألمانيا حتى إلى القبول بإمكانية هجرة أجزاء من صناعتها الثقيلة إلى حيث يُنتج الهيدروجين. يقول سيمون تاجليابيترا وهو زميل أول بمركز بروجل للأبحاث: «الخارطة الصناعية دائما تتعقَّب خارطة الطاقة». مثل هذه المشروعات حيوية إذا أرادت ألمانيا تجنب تجربتها مع روسيا والغاز الطبيعي. يقول اندرياس جولثاو الأستاذ بجامعة ايرفورت: «لتجنب تكرار ذلك مع الهيدروجين ألمانيا بحاجة إلى بناء شراكات حقيقية». إذا مضى كل شيء حسب الخطة وبلغ «دينامو الجنوب» مستوى الكفاءة المطلوبة ستنتعش أماكن مثل مايوركا ليس فقط بسبب سواحلها وحياتها الليلية ولكن أيضا بفضل الطاقة التي يمدها بها التحليل الكهربائي للهيدروجين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الطاقة الشمسیة نقل الهیدروجین الغاز الطبیعی خطوط الأنابیب شمال إفریقیا
إقرأ أيضاً:
عمالقة التكنولوجيا يوسعون الاعتماد على الطاقة الحرارية الأرضية
يعقد عمالقة التكنولوجيا شراكات مع شركات الطاقة الحرارية الأرضية الناشئة، في سعيهم إلى تزويد مراكز البيانات كثيفة الاستهلاك للطاقة بمصادر طاقة نظيفة وموثوقة.
وذكرت منصة أويل برايس الدولية اليوم أنه تم إبرام العديد من الصفقات خلال العام الماضي، حيث تتطلع شركات التكنولوجيا الكبرى إلى التفاخر بملامح منخفضة الانبعاثات لاستخدامها للطاقة، أما الطاقة الأخرى المنخفضة الكربون والتي تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع فتأتي من توليد الطاقة النووية وبحسب المنصة تم عقد صفقات عديدة في هذا المجال أيضًا.
وفي وقت سابق من هذا العام، قامت شركة كونستيليشن إنيرجي، للطاقة النووية في الولايات المتحدة بتوقيع أكبر اتفاقية لشراء الطاقة على الإطلاق مع شركة مايكروسوفت، مما يمهد الطريق لإعادة تشغيل محطة ثري مايل آيلاند يونت 1 النووية.
وأضافت المنصة أن قدرة توليد الطاقة النووية المبنية حديثا ليست واردة في الوقت الحالي وذلك على عكس الطاقة الحرارية الأرضية، التي يمكن أن توفر طاقة نظيفة بشكل أسرع من الموافقة على بناء مفاعل نووي جديد وإطلاقه للتشغيل التجاري.
اقرأ أيضاًنائب رئيس جامعة أسوان يشهد الجلسة الختامية لمشروع تنمية قدرات الطاقة الحرارية الأرضية في مصر
المشاط: محطة أبيدوس قصة نجاح جديدة تُضاف لقدرات مصر المتنامية في مجال الطاقة المتجددة
أهم الابتكارات في تكنولوجيا كفاءة إمداد الطاقة