قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن كثيرًا من العلماء، كالإمام القرافي وغيره قد فرَّقوا بين تصرفات النبي الكريم في أنحاء أربعة؛ وهي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد يتصرف بمقتضى كونه مبلِّغًا عن ربه، وقد يتصرف بمقتضى كونه قاضيًا، أو كونه مفتيًا، أو كونه وليًّا وإمامًا للمسلمين في حالات أخرى.


جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج "للفتوى حكاية" مع الإعلامي شريف فؤاد على فضائية قناة الناس مضيفًا فضيلته أنَّ اختصاصات الدولة -أو فقه الدولة- هي من الأمور الغائبة عن كثير من الجماعات المتطرفة والإرهابية التي تُعادي دولهم والجيوش الرسمية لبلدانهم ظنًّا منهم أن الأحكام كلها على السواء، ولم يدرك هؤلاء أنَّ هناك أحكامًا خاصة بالدولة؛ أو لم تميِّز بين تصرُّف النبي الكريم كتصرُّفه كوليٍّ للأمر وبين تصرفاته الأخرى؛ فهذه الجماعات أو المجموعات فهمت بعض آيات القرآن الكريم فهمًا خاطئًا ونزعتها من سياقها ولم تعول في الحقيقة على الظروف التي قيلت فيها ولا حتى ما جاء بعدها ولا ما قبلها ولا مسلك سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهذه أمور ضرورية في فهم النص الشرعي، ومن نماذج الفهم الخاطئ لنصوص السُّنة فهمهم لحديث "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".


وتوقَّف فضيلة مفتي الجمهورية عند ثلاثة ألفاظ في هذا الحديث الشريف وهى: "أُمِرْتُ "، "أُقَاتِلَ"، "النَّاسَ"، فعن أول لفظ وهو "أُمِرْتُ" قال فضيلته: "يقصد النبي (صلى الله عليه وسلم ) أنه المخاطب، ولم يأتِ بلفظ أُمرنا، أو أمرتكم حتى لا ينسحب الأمر على الأفراد أو الأمة"، وكأن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقعِّد قاعدةً وهي أنَّ أمر الحرب شأن من شئون الدولة أو من شأن ولي الأمر. وأضاف مفتي الجمهورية أن قرار الحرب قرار خطير جدًّا يتخذه ولي الأمر لأنه هو من يقدِّر الوضع، فليس بيد أحد وإنما بيد الإمام أو الخليفة أو بيد الدولة حصريًّا في معناها المعاصر، وهذا بإجماع العلماء قديمًا وحديثًا؛ ولذا فينبغي أن يكون تحت رايتها وسلطتها.
وأوضح فضيلته الفرق بين "أمرت أن أقتل" وبين "أمرت أن أقاتل"، قائلًا: "أقتل هو الأمر بالقتل، أما أقاتل فمِن المقاتلة والمشاركة، وهي المفاعلة التي تحدث بين طرفين، فلا بد من وجود طرفين في المسألة"، فالذي يبدأ منهما هو قاتل والثاني هو المقاتل وهو الذي يدفع عن نفسه الاعتداء، فالحديث يشير إلى دفع الاعتداء لا إلى الاعتداء بداية.
وأشار فضيلة المفتي إلى أن تفسير الأدلة الشرعية يجب أن يتم من خلال فقه لغة العرب، كلفظ "الناس" الوارد في حديث: «أُمرت أن أقاتل الناس...» بأنه ليس على العموم، بل إن "ألــــ" فيه للعهد أي الناس المعهودين، ويُفهم من الحديث أنه نزل في مجموعة معينة من الأشخاص المعيَّنين، وليس كل أحد، ولا ينسحب على كل إنسان بدليل أن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله الكريم بأنه لو جاء أحد من المشركين يستجيره فلا يقاتله، بل يبلغه مبتغاه كما في قوله عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6].
واستعرض فضيلته نموذجًا لتصرف النبي صلى الله عليه وسلم كمُفتٍ في موقفٍ رواه الشيخان في "صحيحيهما" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أنَّ هند بنت عتبة زوج أبي سفيان بن حرب أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».
وشدَّد فضيلة المفتي على أنه ينبغي عدم الوقوف عند حدود الحقوق والواجبات فقط في الحياة الأسرية، بل يجب أن تُبنى الحياة الأسرية السعيدة على التسامح والتراحم والسكن والمودة والتعاون، وأن تسود فيها المعاملة بالفضل والإحسان والرحمة بين الزوجين حتى تتلاشى في هذه العلاقة المقدسة مظاهر الأنانية وحب الذات، فضلًا عن عدم افتعال المعارك وأخذ الحقوق والتنصُّل من الواجبات.
واختتم فضيلته حواره بعرض نماذج عملية حدثت بين الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تبرهن على أن تصرفات النبي المختلفة كانت حاضرة وبقوة ومعروفة عند الصحابة الكرام، وكانت مفصحة عن المسلك النبوي، مستدلًا فضيلته بموقف سيدنا أبي بكر في الإعلان عن حرب مانعي الزكاة انطلاقًا من كونه ولي أمر المسلمين وبين مواقفه الأخرى الخاصة بالتصرفات المختلفة الأخرى كالفتوى وغيرها.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم مفتی الجمهوریة رسول الله مفتی ا

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية يطمئن على الحالة الصحية للإمام الأكبر شيخ الأزهر

اطمأن الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، على الحالة الصحية لفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بعد تعرضه لوعكة صحية خفيفة، داعيًا الله عز وجل أن يمنّ عليه بتمام العافية والشفاء العاجل.

هل يحق لنا إطلاق أي اسم آخر على الله عز وجل؟.. شيخ الأزهر يجيبشيخ الأزهر: لولا أسماء الله الحسنى لكثرت التصورات عن رب العزة

وأعرب مفتي الجمهورية، عن خالص أمنياته لفضيلة الإمام بدوام الصحة والعافية، مؤكدًا مكانته العلمية والدعوية الرفيعة ودوره البارز في نشر الوسطية وخدمة قضايا الأمة.

وتضرع المفتي إلى الله عز وجل بقوله:
"اللهم يا رب العالمين اشف إمامنا الطيب وأقرَّ عيون محبيه برجوعه سالمًا معافى.
اللهم اجعل ما أصابه رفعة في درجاته، وتمحيصًا لذنوبه، وبشِّره بلطفك الخفي وخيرك العظيم. 
اللهم ارزقه مزيدًا من التوفيق والهداية، وبارك في جهوده، واشرح صدره، واجعل راية الأزهر الشريف بقيادته خفَّاقةً تهدي الحائرين، وتنير الدروب للأجيال القادمة".

كما توجه الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، إلى الله -سبحانه- بالدعاء أن يمن على شيخنا وإمامنا -فضيلة الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب- بالشفاء العاجل، وأن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يجري الخير والهدى على يديه؛ مؤكدًا على مكانة الأمام الأكبر في قلوب الجميع.

وتابع وزير الأوقاف: والدعاء موصول أن يتم الله الشفاء العاجل لفضيلة الإمام الأكبر، وأن يجعله ذخرًا للوطن وللإسلام – آمين.

مقالات مشابهة

  • ملتقى الأزهر: شهادات غير المسلمين في النبي إرث إنساني يجسد العدل والرحمة
  • مفتي الجمهورية يطمئن على الحالة الصحية للإمام الأكبر شيخ الأزهر
  • خالد الجندي: النبي كان يتشاور مع أصحابه في كل الأمور
  • مفتي الجمهورية: الإسلام دين الرحمة الشاملة.. ويجب ترك التنافس على الأمور الدنيوية
  • مفتي الجمهورية: الدعاء بالرحمة للأحياء والأموات مشروع في الإسلام
  • مفتي الجمهورية: الخلافة وسيلة لتحقيق مقاصد الحكم
  • مفتي الجمهورية يكشف حكم قراءة القرآن جماعيًا.. فيديو
  • مفتي الجمهورية: احترام الوقت من دلائل الإيمان .. فيديو
  • مفتي الجمهورية: النبي عاش بين غير المسلمين وعاملهم بالعدل والإحسان
  • مفتي الجمهورية: اليأس ليس من صفات المؤمن.. والتشاؤم لا أصل له في الإسلام