الجزيرة:
2024-06-29@10:27:04 GMT

ألمانيا.. مؤتمر عن الإسلام دون دعوة ممثلي المسلمين

تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT

ألمانيا.. مؤتمر عن الإسلام دون دعوة ممثلي المسلمين

برلين- دعت وزارة الداخلية الألمانية إلى مؤتمر للإسلام، في حين أن غالبية الحضور لا يرتبطون بمؤسسات تمثل المسلمين.

ويركز المؤتمر على "مكافحة معاداة السامية ومعاداة المسلمين في فترات الانقسام الاجتماعي" حسب عنوانه، لكن المجلس الأعلى للمسلمين، الذي عادة ما يمثل الصوت المسلم في أحداث مشابهة، لم تتم دعوته.

واستمر المؤتمر على مدى يومي 21 و22 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ولم تكن هناك أي كلمة افتتاحية خاصة بالهيئات التي تجمع المسلمين، ولم يظهر صوتها في النقاشات الرسمية إلا في اليوم الثاني مع شخصية وحيدة هي عمر كونتيش، عن اتحاد المساجد المالكية، وذلك من بين 11 متحدثا، في حين حضرت بعض الشخصيات المسلمة في الورشات التي لم يسمح للإعلام بتغطيتها.

يقول الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين، عبد الصمد اليزيدي، للجزيرة نت "لا ندري سبب عدم دعوتنا، لكننا لا نبالي بذلك، وحتى عندما ندعى نحن من نقرر هل نشارك أم لا بناء على البرنامج".

وأضاف اليزيدي أن وزارة الداخلية الألمانية في تخبط واضح، ليست لديها رؤية، والمؤتمر كان مسرحية لمحاولة تبرئة ألمانيا وجزء كبير من المجتمع الذي له ميولات يمينية متطرفة معادية للسامية وللإسلام.

وربطت تقارير غياب المجلس لكونه يضم بين أعضائه المركز الإسلامي في هامبورغ، الذي تعرض مؤخرا لحملة تفتيش واسعة بحجة الاشتباه بمخالفته النظام العام ودعمه لحزب الله اللبناني. وقال المركز في بيان إنه على يقين أن نتائج البحث لن تؤدي إلى تأكيد الشكوك بحقه.

عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين (الجزيرة) صلوات الجمعة وإسرائيل

ركزت وزيرة الداخلية نانسي فايزر، بشكل كبير على "مواجهة معاداة السامية في المجتمعات المهاجرة". وقالت في كلمة مطولة إن "ضمان أمن إسرائيل ومواجهة معاداة السامية وحماية اليهود في البلد هي مصالح عليا لألمانيا".

وأضافت الوزيرة إن "معاداة السامية المتعلقة بإسرائيل" منتشرة في المجتمع، ولا توجد فقط عند من يمثلون الأغلبية، ولكن كذلك بين المسلمين في ألمانيا، ثم إن الأبحاث تؤكد هذه النتائج.

كما دعت المسؤولة الحكومية المجتمعات الإسلامية في ألمانيا إلى "التحدث بصوت عال وواضح ضد معاداة السامية وإدانة الإرهاب في صلوات الجمعة وكل التجمعات".

وقالت إنه "لا يكفي للمنظمات الإسلامية زيارة معبد يهودي أو اتخاذ موقف ضد معاداة السامية، دون إيصال ذلك إلى المساجد والمجتمعات المحلية ونشره عبر الإنترنت"، قائلة إن مثل هذا الموقف "لن تكون له قيمة إلا إذا تم نقله على نطاق واسع وصريح".

وخصصت الوزيرة جزءا كبيرا من وقتها للحديث عن حركة حماس، وقالت إنه لا "توجد كلمة (لا) عند الحديث عن هجمات حماس الإرهابية الفظيعة" حسب قولها، وشددت على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

وعندما تحدثت الوزيرة عن الجانب الفلسطيني، اكتفت بالحديث عن "معاناة وموت الفلسطينيين في الحرب"، لكنها قالت إنهم "ضحايا الإرهاب الذي اقترفته حماس"، دون أي إشارة إلى مسؤولية الجانب الإسرائيلي.

كما قالت في معرض حديثها عن "معاداة المسلمين في ألمانيا"، إنه "لا يجب بأي حال من الأحوال تحميل المسلمين في ألمانيا مسؤولية الإرهاب الإسلامي"، وإن "إحساس عدد من المسلمين بوقوعهم ضحايا لهجمات تستهدف المسلمين هو حقيقة يومية في ألمانيا".

وأشارت إلى نتائج بحث رسمي حول انتشار الإسلاموفوبيا في ألمانيا، جاء فيه أن نصف الألمان يعترفون بمعاداة المسلمين، لكنها قالت إنها لا تتفق مع كل ما جاء فيه.

اتهامات خطيرة للإسلام

وأثارت تصريحات الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف كثيرا من الجدل، عندما قال إن "هناك جذورا لكراهية المسلمين لليهود في الدين الإسلامي"، زاعما أن هذه الكراهية هي جزء من التعليم في عدة أجزاء من العالم الإسلامي، كما ادعى أن القرآن يرسم صورة "مشوهة جزئيا" عن اليهودية، مطالبا المسلمين بمواجهة تاريخهم.

وفي تصريحات خطيرة، قال وولف "يجب أن يكون واضحا للجميع أننا لا نعيش في المدينة المنورة في القرن السابع، حيث أمر النبي محمد بقتل وطرد اليهود، بل على أعتاب عام 2024″، حسب ما نقلت عنه عدة وسائل إعلام ألمانية.

وانتقدت هيئة "مجلس الإسلام لأجل ألمانيا"، تصريحات فولف، وقال رئيسها برهان كيسيجي إن تصريحات وولف "تعتمد على قراءات منحازة ومشوهة للمصادر الإسلامية"، وكتب على "إكس" (تويتر سابقا) أنه لا يمكن العثور على ما يوصف بمعاداة الإسلام للسامية في التاريخ الإسلامي.

وتابع برهان أن هذا الكلام يعارض نظرة الإسلام للإنسانية، لافتا وجود ظاهرة حديثة تستغل نصوصا من التراث لأجل إظهار أنها معادية للسامية، وهي "الظواهر التي لا يجب إعطاؤها مساحة بحكم أنها تخدم الخطابات العنصرية".

من جانبه علق اليزيدي أن كلمة فولف "مخزية وفضيحة"، مستدركا للجزيرة نت "أعتقد أن هذا ليس رأيه، ولكن الضغط الذي وقع عليه بحكم أنه كان أول من قال إن الإسلام ينتمي إلى ألمانيا وبحكم أنه كان دائما متوازنا".

كما لم تكمل وزيرة الداخلية أشغال اليوم الأول، وانصرفت بعد قراءة خطابها الذي كان طويلا، مما أدى إلى انتقادات كبيرة، خصوصا ممن لم يتفقوا مع ما جاء في كلمتها. ونقلت قناة دويتشه فيله عن مصادرها أن عددا من المشاركين أحسوا كما لو أنهم "أطفال مدارس"، وأن فايزر بدت كما لو أنها معلمة في فصل دراسي.

الرئيس الألماني السابق كريستيان فولف يلقي كلمة خلال مؤتمر عن الإسلام (وكالة الأنباء الأوروبية) أين ممثلو المسلمين؟

لم تتم دعوة الاتحاد الإسلامي التركي المعروف اختصارا بـ"ديتيب"، وهو أكبر اتحاد إسلامي في البلاد، يرعى نحو 900 مسجد، ويتوفر على قرابة ألف إمام يتم تكوينهم في تركيا، ومئات الآلاف من الأعضاء. وتتهم برلين دائما هذا الاتحاد بكونه ذراعا دينية لتركيا، لكنه ينفي أن يكون تابعا للسياسات التركية.

ورغم غيابه، أشارت وزيرة الداخلية إلى الاتحاد، وقالت إنها "مصدومة" من زيارة مسؤول من طالبان لمسجد كولونيا التابع لـ"ديتيب"، رغم تبرؤ هذا الأخير من الزيارة وتأكيده أن جمعية أفغانية هي من نظمتها. وعلاوة على التردد الدائم من برلين لدعوة "ديتيب"، فإن وصف أردوغان لحماس بـ"حركة تحرر وطني" زاد التوتر مع الألمان.

وحاولت الجزيرة نت التواصل مع "ديتيب"، وبعثنا له استفسارا مرتين على البريد المتعلق بالتواصل مع الصحفيين، لكننا لم نتوصل بأي رد.

ورغم أن المجلس الأعلى للمسلمين دائم التنسيق مع السلطات الألمانية، فهو بدوره لم يعد مرحبا به، وقد تعرض مؤخرا لحملة إعلامية كبيرة لمجرد دعوته غداة هجوم حماس إلى وقف أعمال العنف من كل الأطراف.

برهان كسيجي، رئيس مجلس الإسلام في ألمانيا (الجزيرة)

يقول اليزيدي "مجلسنا يسعى لإيقاف الردة الحاصلة على الدستور الألماني القائم على الحقوق والواجبات، وعلينا أن نسعى للتماسك المجتمعي في هذا البلد، وأن نوقف الظلم بحق المدنيين في أي مكان".

وتابع "لكن في هذا المؤتمر، دعيت شخصيات معروفة بعدائها للإسلام، لكي تتحدث على المنصة عن موضوع معاداة السامية. هذه محاولة لإبداء التعاطف مع المواطنين اليهود من خلال تحميل مسؤولية العداء للمسلمين، رغم أن المسلمين بريئون من هذا، والإسلام في تاريخه كان متصالحا مع جميع الطوائف، كما عاش اليهود حياة آمنة في عدة بلدان مسلمة بشهادة اليهود".

وحضر المؤتمر كذلك الإسرائيلي أحمد منصور، الذي يقدم نفسه خبيرا في الحركات الإسلامية، له آراء تنتقدها عدد من الشخصيات والمنظمات الإسلامية في ألمانيا. كما حضرت لمياء قدور، عن حزب الخضر، التي تقدم نفسها كصوت مسلم ليبرالي، وأسست قبل سنوات جمعية للترويج لإسلام ليبرالي، وهو نموذج تدعمه ألمانيا بقوة لتوافقه مع سياساتها الداخلية الخاصة باندماج المهاجرين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأعلى للمسلمین معاداة السامیة المسلمین فی فی ألمانیا

إقرأ أيضاً:

المشروع الصهيوني ومشاريع تفكيك العالم الإسلامي

المتابع للحرب الأهلية الكارثية التي تتوسع يوميا في السودان، وما يبدو فيها من مظاهر تفكيك الدولة وتمزيق المجتمع الذي يجري على قدم وساق وبشكل منهجي، لا بد وأن يقفز إلى ذهنه مشاريع التقسيم، التي يقترب منها العقل العربي بحذر طوال القرن الماضي، وذلك منذ "سايكس بيكو" التي وضعت الأساس لهذا التقسيم، فها هي تكمل المشوار وصولا للتفتيت!

وإذا التفت شرقا أو غربا، في محاولة تلمس أوضاع العالم العربي والإسلامي، ستجد قريبا من المشهد الدامي في السودان، مشاهد أخرى أخذت خطوات متقدمة في نفس المسار، وإن لم تبلغه بعد بهذه الصورة، كما نرى في الصومال، والعراق، ولبنان، وسوريا، وليبيا، واليمن.

ومن المؤسف أنك إذا أردت أن تتصور ما يتعرض له العالم العربي والإسلامي، من أزمات سياسية، ومشكلات اقتصادية، وتهديدات أمنية واستراتيجية، وكوارث مجتمعية، وحروب أهلية، فإن أيسر طريق لذلك هو أن تلتقط المنظار الصهيوني، لتلقى منه نظرة ولو سريعة على ما يجري بساحات المنطقة المختلفة، فهو المنظار الأدق، الذي يمكنه أن يجعلك تشاهد كل ذلك بكل وضوح، كما يكشفه لك بسهولة ويسر!

كان سعي الغرب دائما للسيطرة على منطقتنا مصحوبا بالعمل على تقسيمها، الذي يقتضي اليوم العمل على تفتيت المفتت، وتجزئة المجزّأ من الأقطار الإسلامية، وذلك لتحويل الشرق الإسلامي إلى جزر منعزلة، على أسس دينية ومذهبية وعرقية
فالحقيقة التي لا تخطئها العين، أن عملية الزراعة القسرية للكيان الصهيوني في منطقتنا، حرصت منذ البداية على جعل كل ظروف منطقتنا على مقاسه، ومتوافقة مع تطلعاته، وملبية لطموحاته، فضلا عن جعل الكيان الصهيوني هو مركزها، وفي موقع الصدارة من بنيتها، والحاكم الرئيس على مستقبلها، وأن تكون علاقته بها علاقة الخادم بالمخدوم، وكأنما دول المنطقة كلها اختراع جديد، ليس له وظيفة سوى خدمة إسرائيل، كما أنها مجرد مرافق اقتصادية وتجارية وزراعية لخدمتها، والسهر على حمايتها. أما حكامها فهم مجرد حراس للدفاع عن إسرائيل، وشعوبها هم مجرد عبيد طوع أمرها، يسارعون في تلبية رغباتها ونزواتها، ولا تكون مبالغا -وفق الرؤية الصهيونية- إذا قلت: إن إسرائيل دولة صُنعت لها أمة.

لهذا فإن كل الأهداف والخطط التي وضعت لمنطقتنا، ولا سيما منذ حملة "بونابرت" التنويرية! إنما كانت تعمل على زراعة هذا الكيان، وأنها كانت ولا زالت تعمل على تدعيم مركزه، وتوظيف كل التحولات والتداعيات والانهيارات لصالحه، فضلا عن أن كل الإجراءات والأنشطة المعنية بالمنطقة إنما تعمل على تكريس هذه الحقيقة.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم ضخ موارد كبيرة لأجل نجاح هذا المشروع، وكرست لأجله موارد هائلة، وأنفقت أموالا طائلة، وصدرت لأجله آلاف المشاريع والخطط والقرارات، وتدخل في القلب من ذلك مشاريع تفكيك دول المنطقة وتمزيق مجتمعاتها، لكي تكون على مقاس الكيان الجديد، وفي هذا الإطار يمكن أن ندرك طبيعة وأبعاد قرار تفكيك الدولة العثمانية في اتفاقية "سايكس بيكو" ١٩١٦، التي جاءت مصاحبة ومتزامنة مع وعد "بلفور" ١٩١٧، بتأسيس الكيان الصهيوني في المنطقة.

فلقد كان سعي الغرب دائما للسيطرة على منطقتنا مصحوبا بالعمل على تقسيمها، الذي يقتضي اليوم العمل على تفتيت المفتت، وتجزئة المجزّأ من الأقطار الإسلامية، وذلك لتحويل الشرق الإسلامي إلى جزر منعزلة، على أسس دينية ومذهبية وعرقية، وأن تكون الخلافات بينها محتدمة على الدوام، فذلك في نظرهم هو الضمانة الوحيدة لأمن إسرائيل، التي بدورها تضمن استمرار هذا التفتيت، حتى تقوم بوظيفتها في المنطقة على الوجه الأكمل.

وهذا ما يرجع بنا إلى مخطط المستشرق اليهودي الأمريكي "برنارد لويس" الذي نُشر في مجلة وزارة الدفاع الأمريكية، والذي تم التصديق عليه في الكونجرس الأمريكي في ثمانينيات القرن الماضي عام ١٩٨٣، ذلك المشروع الذي اقترح إعادة تفتيت العالم الإسلامي، من خلال إضافة أكثر من ثلاثين كيانا سياسيا، بدعوى حل مشكلة الأقليات الدينية والمذهبية والثقافية! فضلا عن تلغيم العلاقات بينها، عن طريق المشكلات الجغرافية والديموغرافية، مثل الحدود والمياه وغيرها.

والكيانات الجديدة المقترحة هي: دولة بلوشستان المقتطعة من باكستان وإيران، ودولة بشتونستان المقتطعة من باكستان وأفغانستان، دولة كردستان المقتطعة من العراق وإيران وتركيا وسوريا، وتحويل إيران إلى أربع دويلات هي: إيرانستان، أذربيجان، وتركمانستان، وعربستان، وتقسيم العراق إلى دويلتين: إحداهما شيعية حول البصرة، والثانية سنية حول بغداد، وتقسيم الأردن إلى دويلتين: إحداهما للبدو والثانية للفلسطينيين، وتقسيم سوريا إلى خمس دويلات: مسيحية، وشيعية، وسنية، ودرزية، وعلوية، وتقسيم لبنان إلى كانتونات: إحداهما للموارنة والمسيحيين الآخرين، وثانيهما للسنة، وثالثهما للشيعة، ورابعهما للدروز، وتقسيم مصر إلى دويلتين: إحداهما سنية والثانية قبطية، وتقسيم السودان إلى دويلتين: زنجية في الجنوب وعربية في الشمال، وتقسيم المغرب العربي بين: البربر والعرب، وتقسيم موريتانيا بين: العرب، والزنوج، والمولدين، وضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، وإعادة تقسيم السعودية إلى الكيانات التي كانت قائمة قبل وحدتها 1933.

اتخذت من هزيمة الربيع العربي نقطة انطلاق جديدة، قامت من خلالها بالدفع باتجاه إصابة شعوبه باليأس من التطلع للديمقراطية، أو الكرامة الإنسانية، أو العدالة الاجتماعية، وذلك حتى تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: فإما الاستبداد والقمع، وإما تفكيك الدول وتمزيق المجتمعات، حيث لا ديمقراطية ولا عدالة اجتماعية ولا كرامة إنسانية
لا شك أن الحقائق على الأرض اليوم تؤكد أننا أمام حقيقة كبرى، وهي أن تقسيم دولنا وتمزيق مجتمعاتنا هو أخطر المشاريع التي يجري العمل عليها بقوة، وأنها لا تزال تتلقى كل الدعم من المراكز الدولية الكبرى، كما يتم الدفع بها بكل قوة من قبل أطراف عدة، كلها تلتقي حول ضرورة التفكيك والتمزيق.

وللمفارقة فقد أخذت مشاريع التفكيك قوة دفع هائلة على أنقاض الربيع العربي، الذي تحول من حلم وفرصة لنهضة الأمة إلى كابوس يبدد أحلامها، ويضعها بشكل أكبر في موقع الخادم المطيع للمشروع الصهيوني، ولكل مستلزماته واحتياجاته.

فقد اتخذت من هزيمة الربيع العربي نقطة انطلاق جديدة، قامت من خلالها بالدفع باتجاه إصابة شعوبه باليأس من التطلع للديمقراطية، أو الكرامة الإنسانية، أو العدالة الاجتماعية، وذلك حتى تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: فإما الاستبداد والقمع، وإما تفكيك الدول وتمزيق المجتمعات، حيث لا ديمقراطية ولا عدالة اجتماعية ولا كرامة إنسانية! وهو ما يتضح اليوم في كل من سوريا، واليمن، وليبيا، والسودان، فضلا عن العراق، ولبنان، والصومال.

من اللافت أن غالبية هذه الدول (ليبيا والعراق وسوريا واليمن) هي التي تصدرت التصدي لرفض اتفاقيات كامب ديفيد، بين مصر وأمريكا وإسرائيل منذ زيارة السادات لإسرائيل عام ١٩٧٧، وأدارت عملية إخراج النظام المصري من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز، وكأنها تعاقب اليوم على هذا الرفض!

لكن هل يعني ذلك أن مشروع التفكيك والتمزيق أصبح قدرا لا مفر منه، وأنه يصب فقط في جهة مصالح خصوم أمتنا وأعداء حضارتنا؟ أم أنه -برغم خطورته- يمكن مقاومته وتحويله لفرصة جديدة، لإعادة بناء منطقتنا لصالح شعوبها، وفي إطار المشروع العام لنهضة أمتنا، واستئناف مسيرة حضارتنا؟

كشفت "طوفان الأقصى" حقائق جديدة لم تكن معروفة من قبل، ووضحت للعيان أن مشاريع التفكيك والتمزيق يمكن أن تكون خصما من مشاريعهم، ولا سيما مشروعهم المركزي؛ إسرائيل الكبرى
لقد كشفت "طوفان الأقصى" حقائق جديدة لم تكن معروفة من قبل، ووضحت للعيان أن مشاريع التفكيك والتمزيق يمكن أن تكون خصما من مشاريعهم، ولا سيما مشروعهم المركزي؛ إسرائيل الكبرى. ففي الوقت الذي لم يتلق الشعب الفلسطيني ولا المقاومة في غزة أي قدر من المساعدة من دول مركزية، تريد أن تتبوأ مركز القيادة الإقليمية، بل إنها صبت كل مساعدتها تجاه إسرائيل، وتفوقت أحيانا على الدول والحكومات الغربية، الأب الشرعي للكيان الصهيوني، وحلت محلها في مساحات تعذر عليها الدخول فيها! فإن الدول المفككة والمجتمعات الممزقة، تكاد تكون هي مصدر النيران الوحيد في وجه العدوان الوحشي على غزة، وهي تصب حمم الغضب الشعبي على المشروع الصهيوني، الذي لم يعش لحظات خطر تهدد وجوده مثلما يعيشها الآن.

ولن يقف الأمر عند ذلك، إذا نهض المخلصون من أبناء أمتنا، واستوعبوا خطر التفكيك والتمزيق بشكل صحيح، وأدركوا قوة دفعه ومحركاته الرئيسة بشكل دقيق، فإنهم يمكنهم حينئذٍ أن يُفشلوه، بل ويتخذوا من تفاعلاته قاعدة انطلاق كبرى، لإعادة بناء المنطقة على أسس جديدة تكفل نهضتها، وتدعم حصانتها وسيادتها، وتضمن حماية أمنها القومي، وتقف بها من جديد في قلب المحاور الفاعلة على الساحات الدولية.

مقالات مشابهة

  • ألمانيا ومنظمة التعاون الإسلامي تدينان مصادقة حكومة الاحتلال على “شرعنة” بؤر استيطانية بالضفة الغربية
  • دعوة ملغومة للحلفاء العرب
  • الملك يراسل المجلس العلمي الأعلى بخصوص مدونة الأسرة
  • غدًا.. انطلاق مؤتمر الاستثمار المصري-الأوروبي بمشاركة واسعة من ممثلي الحكومات والمؤسسات متعددة الأطراف والقطاع الخاص
  • الغدير كمحطة تزود للمستقبل
  • ألمانيا.. الجنسية فقط لمؤيدي "حق إسرائيل في الوجود"
  • الحروب الثقافية وحرب غزة.. كيف صاغ السابع من أكتوبر مفهوم الأمة؟
  • أكذوبة” معاداة السامية..كيف يتم اختلاقها وترويجها ؟
  • اندفاع الأمريكيين نحو الإسلام بسبب العدوان على غزة يثير تساؤلات إسرائيلية
  • المشروع الصهيوني ومشاريع تفكيك العالم الإسلامي