سلط الكاتب الفلسطيني، نيكي قطورة، الضوء على حياة الفلسطينيين بقطاع الغزة في ظل الحصار الخانق المفروض من جانب إسرائيل، مشيرا إلى أن حالة "الإبادة الجماعية" لا تقتصر على قصف طائرات الاحتلال وآلياته، بل هي استراتيجية للاحتلال، تمثل حالة مستمرة.

وذكر قطورة، في مقال نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن كبير الجراحين في الصليب الأحمر أفاد بأن مستشفيات غزة لم يعد لديها شاش "لعلاج المرضى الذين يعانون من حروق شديدة"، مشددا على أن "الإبادة الجماعية بعدد القتلى فحسب، بل أيضا بكيفية قيام الاحتلال الإسرائيلي بدفع الأحياء ببطء نحو الموت".

وأضاف أن العالم يتحدث عن تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين 14 ألف شهيد، لكن لا يُقال سوى القليل عن أكثر من 33 ألف جريح جراء الغارات الجوية المتواصلة، ومعاناتهم من بتر الأطراف والصدمات الجسدية، والعمى، وغير ذلك من الأمراض والإعاقات التي "تتحدى الخيال"، حسب تعبيره.

وأشار قطورة إلى أن "هذه هي الآثار المركبة لحملة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على القطاع المحاصر"، مضيفا: "الأكثر إثارة للقلق من الرقم نفسه هو الانهيار الكامل لنظام الرعاية الصحية في غزة".

فقد أدى القصف الإسرائيلي لجميع المستشفيات والحصار التام المفروض على القطاع إلى منع دخول الضروريات، مثل الغذاء والماء والكهرباء والوقود، ما أدى بالتبعية إلى خنق الخدمات الطبية ومنع الأطباء بشكل كامل من رعاية الجرحى وإنقاذ حياتهم.

عنف بطيء

وبالنسبة للأستاذ في جامعة برينستون، روب نيكسون، فإن "العنف البطيء" هو قوة "فتاكة استنزافية" تحدث "تدريجيًا وبعيدًا عن الأنظار".

وهذا العنف البطيء هو أسلوب العمل الطبيعي للاحتلال الإسرائيلي، فقبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت إسرائيل تتحكم بالفعل في كمية الطعام التي تدخل غزة، إلى حد تحديد حجم "السعرات الحرارية"، ورصد الكهرباء والمياه والوقود والإمدادات الطبية الداخلة إلى القطاع، لإضعاف عموم السكان ودفعهم ببطء نحو الموت.

ويستنشق الفلسطينيون حالياً أبخرة مسرطنة ستؤدي بلا شك إلى أشكال مختلفة من السرطانات بعد سنوات، بحسب قطورة، مشيرا إلى أن نهج الاحتلال هو "التسبب في الأذى والحفاظ على السكان الفلسطينيين في حالة ضعف دائم، ومع ذلك على قيد الحياة، من أجل السيطرة عليهم".

وأضاف أن هجوم الإبادة الجماعية، الذي شنته إسرائيل على غزة خلال الأسابيع الستة الماضية، يُظهِر تقاربًا واضحًا بين عدة أنماط من الهيمنة الاستعمارية، والعديد من "سرعات" العنف، حيث يتداخل الموت السريع، في شكل غارات جوية، مع الموت البطيء، المتمثل في النية الراسخة بالفعل لتدمير غزة.

اقرأ أيضاً

فرنسا والعدوان الإسرائيلي على غزة.. شراكة صامتة في الإبادة الجماعية

وأشار إلى أن المسؤولين الإسرائيليين أعلنوا أنهم يقصفون غزة لـ "تحقيق الضرر أكثر من الدقة"، بهدف نهائي هو ضم قطاع غزة إلى الاحتلال، استمرارًا للنكبة.

ولتحقيق هذه الغاية، فإن إسرائيل لا تتسبب في أعداد غير عادية من القتلى بين المدنيين العزل فحسب، بل تعمل أيضًا على إضعاف الفلسطينيين وتهجيرهم قسراً من شمال غزة إلى جنوبها للسيطرة على أراضيهم.

ولكن على الرغم من وتيرة الموت والسلب، فإن "العنف البطيء بأشكاله المختلفة يظل ممارسة أساسيًة أيضًا"، بحسب قطورة، الذي ضرب المثل بالتقارير الواردة من مستشفيات غزة، التي لجأت إلى إجراء عمليات قيصرية وبتر أطراف دون تخدير، ما يجعل من المستحيل على المرضى في الشمال إخلاء الجنوب.

ونقل قطورة عن الجراح، غسان أبو ستة، قوله إن المستشفيات نفدت منها عمليات نقل الدم، ما تسبب في وفاة عديد المرضى بعد الجراحة، وأن الجرحى بسبب القصف الإسرائيلي "لم يعودوا يتلقون العلاج من إصاباتهم ولكنهم بدلاً من ذلك يحافظون على استقرار إصاباتهم قدر المستطاع".

وأدى نقص الوقود إلى وفاة ما لا يقل عن 5 أطفال خدج، وتهدد حياة العشرات الآخرين في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في مستشفى الشفاء المحاصر.

واجه الأطفال الموت البطيء أثناء إخراجهم من الحضانات، بينما استخدم الأطباء ورق القصدير والماء الساخن لإبقائهم دافئين.

وكما أن الإغلاق الكامل للضروريات الأساسية يدفع الفلسطينيين إلى الموت لأنهم يعانون من الزحار (التهاب في الأمعاء والقولون) بعد استهلاك المياه غير الصالحة للشرب، ومن المجاعة، وهو مظهر آخر متزايد من العنف، جرى بالتزامن مع قصف جميع المخابز.

وفي الآونة الأخيرة، انتشرت أمراض مثل الكوليرا في غزة، وأدى عدم القدرة على الحفاظ على النظافة في مخيمات اللاجئين المزدحمة ونقص الوصول إلى المياه النظيفة إلى وفاة الفلسطينيين بسبب الفشل الكلوي الذي يمكن الوقاية منه.

ويلفت قطورة إلى أن الأمثلة العديدة لـ "العنف البطيء" تستهدف أمرين بالأساس، الأول هو إضعاف الفلسطينيين وبالتالي الاستمرار في القتل البطيء بعد فترة طويلة من إعلان وقف إطلاق النار، والثاني هو التعتيم على مسؤولية إسرائيل عن الوفيات التي تنجم عن الحصار على مدى سنوات، وجعلها غير مرئية.

أسلحة كيميائية

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، أسقطت إسرائيل أكثر من 30 ألف طن من المتفجرات بالإضافة إلى الأسلحة الكيميائية مثل الفسفور الأبيض على القطاع الذي تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، ما يعني أن 2.3 مليون فلسطيني يستنشقون حالياً أبخرة مسرطنة ستؤدي بلا شك إلى أشكال مختلفة من السرطانات بعد سنوات.

ومن المرجح أن يعكس معدل الإصابة بالسرطان في غزة ذلك المعدل الذي تعاني منه فيتنام وناجازاكي وهيروشيما حتى يومنا هذا، بحسب قطورة.

اقرأ أيضاً

فنزويلا تجدد إدانتها للعداون على غزة: ننضم للدول الإسلامية ضد الإبادة الجماعية

وقُتل همام اللوح، أخصائي الكلى بمستشفى الشفاء، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى جانب أسرته، بما في ذلك طفلاه البالغان من العمر 4و5 سنوات، وفي مقابلته الأخيرة قبل مقتله، والتي نشرتها مجلة "الديمقراطية الآن"، سُئل عن سبب عدم نزوحه نحو جنوب غزة، فقال: إذا ذهبت فمن يعالج مرضاي؟.

وهنا يشير قطورة إلى أن مقتل الأطباء والعاملين بالمجال الصحي، هو في حد ذاته شكل من أشكال العنف البطيء، لافتا إلى أ، الأطباء الذين لعبوا دوراً محورياً في مجتمعاتهم لم يعودوا قادرين على تقديم الرعاية للمرضى، ما أدى إلى المزيد من الوفيات بسبب نقص العلاج بعد فترة طويلة من وقف إطلاق النار، وهو غياب محسوس بالفعل ولكنه سيظل واضحاً بعد فترة طويلة من انتهاء الحرب.

ليسوا أرقاما

وعلى الرغم من أن الدورة الإخبارية والمؤسسات السياسية جردت الضحايا الفلسطينيين من إنسانيتهم وتحركت بوتيرة سريعة لتغطية الدمار في غزة، إلا أن القتلى رحلوا إلى الأبد، بينما الأشقاء والآباء والجيران وغيرهم هم أصحاب المأساة المستمرة، والذين يحزنون بالفعل على أولئك الذين فقدوا في الاعتداءات السابقة التي قادتها إسرائيل.

وخلال مسار هذه الإبادة الجماعية، ينوه قطورة إلى أن فظائع جديدة تكشفت كل يوم، تزامنا مع تكرار شعار "لا يمكن أن يصبح الأمر أسوأ من ذلك"، ومع ذلك فإن منطق هذه الإبادة الجماعية وتنفيذها يضمنان أن الأمر لا يمكن إلا أن يزداد سوءًا.

وأشار إلى أن المذبحة في غزة تتفاقم، وكلما تم تدمير المزيد من المباني السكنية كلما طال أمد بقاء الناس دون طعام أو ماء، وكلما خلقت إسرائيل المزيد من اللاجئين المشردين داخليا، وكلما أصبح "العنف البطيء" أطول وأسرع وأكثر وضوحا.

وينوه قطورة إلى أن أيا من الأمثلة التي ذكرها لا يأخذ في الاعتبار "العنف البطيء الذي أحدثته الحروب الإسرائيلية على غزة في الأعوام 2008 و2012 و2014 و2021، أو العنف التاريخي في الأعوام 1967 و1956 و1948، أو العنف اليومي الذي يواجهه الفلسطينيون بعد انتهاء الصراع الذي طال أمده".

ويختتم قطورة مقاله بالتأكيد على أنه لا يدعو إلى تقويض الدعوة الحاسمة لوقف إطلاق النار المباشر في غزة، لكنه يدعو إلى إدراك أهمية فهم توقيتات الإبادة الجماعية، والطرق التي تمتد بها إلى ما هو أبعد من اللحظة الحالية وقبلها، وفهم أنها حالة مستمرة في غزة، وليست وليدة الحرب الأخيرة فقط.

وعليه فإن وقف إطلاق النار ليس كافيا، بل إن المطالبة واجبة بإنهاء الاحتلال "إذا كنا نأمل في وضع حد صارخ للعنف البطيء للاستعمار الإسرائيلي"، حسب تعبيره.

اقرأ أيضاً

القوى الوطنية في غزة: أي جهود لا تتضمن إنهاء ووقف حرب الإبادة ستكون بلا قيمة

المصدر | ميدل إيست آي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة إسرائيل الإبادة الجماعية مستشفى الشفاء همام اللوح الفسفور الأبيض الإبادة الجماعیة إطلاق النار على غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

الشروع في الإبادات الجماعية خارج القانون ، ضحيتها المتعاونون كما يدعي البراؤون

بقلم / عمر الحويج

بتاريخ 29 / يوليو / 2023م في معرض كتاباتي في التحذير من الحرب اللعينه التي يقودها طرفاها فصيلا الإسلام السياسي "القصر والمنشية " ، وهم أصل الحكاية أو قل أصل البداية والنهاية ، وقد تفرقا بعدها شيعاً ومذاهباً وقبائلاً وضغايناً ومَّصّالِحاً" للإستئثار بالسلطة المتنازع عليها أيهما يفوز بها ، وخطورتها على شعب السودان إذا تواصلت . واياً كان المنتصر ، فلينتظر الشعب المجازر والإبادات الجماعية ، وقد شهدنا ، حين كان الجنجوكوز يعيش وهم المنتصر يظن ، في إجتياحاته لبوابات المدن الحضر ، وشعاب الريف المحتضر ، رأيناه ماذا فعل ؟؟ ، وما نوع الجرائم المرتكبة ، ولاداعي لتعدادها فهي تعيش وتمشى بيننا حية بجرمها وبشاعتها ، عنفها وفظاعتها ، وما زالت تحصد الأرواح والممتلكات وأسلحة يمارس بها ، عنفه وحقده ، حتى على أجساد الحرائر .
والآن وفي انتصار مصنوع (وليست ثورة ديسمبر المصنوعة ياعبد الماجد عبد الحميد) في بعض أحياء بحري المحدودة ، ظهر الإسلامويون بوجههم الداعشي القبيح ، الذي ظل يعبئهم ويجهزهم بالتحريض المتواصل ، ذلك الناطق الفعلي ، المخفي وجهه ، المطلق عنانه ، لعلي كرتي ذلك المدعو الإنصرافي ومن خلفه جماعته اللايفاتية وخلفهم جميعاً تنظيم الإسلاموكوز ، ونفذوا دون التزام ديني أو أخلاقي ، انما لبسوه ديناً وأخلاقاً بل طبقوه وكان داعشياً . وبدأ حصد أرواح الشباب "المتعاون" هكذا تهمتهم التي صاغها لهم الإنصرافيكوز ، هكذا أخذوا الشباب ، بعضهم جرجروه ، من بيته ومن طرف شارعه ، ومن حارته ومن وسط تكافله ، حين خدمته الآخرين وحتى من هو في مسجده ، إلى رصاصهم المعبأ جاهزاً للإطلاق الأعمى ، دون فرز ، ودون قانون ودون حتى مُهلَّة التشهد ، الموجه إلى صدور الأبرياء ، ويتوعدون بالصوت والصورة أهل السودان ، بأن هذه التهمة "متعاون) " ستنتقل بشرورها ، مع كل انتصار يحققونه ، او يحلمون به في الخيال ، ينتقلون به ، من حارة إلى حارة ومن زقاق إلى زقاق ، ومن بيت إلى بيت ، وحتى من بناية إلى بناية يحتلونها ، الى أشكال من احتفالات الموت والقتل برقصاتها الهستيرية ، يتبعها التهليل والتكبير ، يعرفون كيف ينوعونه ويخترعون طرقه المتشفيه ذلك القتل ، وسيكون اشكالاً والواناً ، حسب الوصف الذي سيوصفون به ضحيتهم أياً كان ، من شباب المقاومة كان ، ديسمبرياً كان ، قحاطياً كان ، جذرياً كان ، أو مواطناً مشتبهاً فيه كائن من كان ، لا مع هذا ولا مع ذاك ، وسنرى المقاطع المصورة لقطع وجز الرؤوس وتشريح الأحياء ، قبل تحويلهم إلى جثامين ، وأكل أكبادهم ، وما سهل منها مضغه ، كل ذلك سيتم ، وينشر وينتشر في لايفاتهم أمام أعيننا لنراه ، ونتعظ كما يريدون ، وأن نكون صامتين ، إن كنا طلقاء بفعل الصدفة والقدر .
***
وإلى المقال المبكر لرؤيتنا لحربهم اللعينة ومعذرة لطوله .
أتى عنوان المقال في ذلك التاريخ . 29 / يوليو / 2023م
[أوقفوا الحرب وإلا الإبادة الجماعية في شوارع الخرطوم لمن يدعي النصر من الطرفين] .

حديثي هذا ربما يكون إفتراضياً وقناعتي الفكرية والوطنية والتحليلية المتفائلة دائماً ، تتكئ على إنتصار الشعب في النهاية ، على كل قوى الشر التي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم ، وبعد كل هذه التجارب التي مرت بها بلادنا ، منذ ما بعد ثورة أكتوبر 1964 رُزِّئ السودان بقوى الشر هذه ، متمثلة في تنظيم الأخوان المسلمين (الحمد لله قبل الاستقلال لم يكونوا في الساحة ، فقط قلة من الطلاب وبعض الأفراد النخبوية ، محتكين ومتحكرين وسط ( شيخهم حسن البناء ، في دروس غسل العقول والأمخاخ وإلا ماكنا نلنا استقلالنا حتى الآن .
إلى أن فتح لهم الله بظهورهم الحقيقي بمسمى جبهة الميثاق الإسلامي في ثورة أكتوبر ١٩٦٤م ، وهذه الفترة رافقتها مرحلةالتجديد في غسيل العقول والأمخاخ ، عند ظهور شيخهم الثاني سيد قطب وكتابه "جاهلية القرن العشرين" وغيرها من كتب الحاكمية لله الظلامية ، فأكتسحتهم وزادتهم إظلاماً ، وكستهم عنفاً عدوانياً أعمى .
فأنتقلوا لمرحلة الجبهة الإسلامية القومية ، حيث التمكين الإقتصادي غير المشروع ، بعد المصالحة النميرية ، وقوانين سبتمبر ( التي لاتسوى الحبر الذي كتبت به ) 1985- 1989 ،ثم الإنقلاب المشؤوم في ٨٩ ، حيث بدأ التطبيق العملي . لدروس غسيل المخ التي تلقوها من شيوخهم السابقين والجدد ، وأصبحت ثورة الإنقاذ ( كما أسموها!!) حتى المفاصلة ، حيث بعدها كان المؤتمر الوطني ، والمؤتمر الشعبي ، وللأسف في كل هذه المراحل منذ ما بعد الأستقلال . كانوا يجرجرون خلفهم وورائهم ، حواضن ، أو بالأحرى سواتر يختبئون خلفها ، استغلوها حتى تاريخ إنقلابهم واستلامهم للسلطة كاملة غير منقوصة ، ورموا خلفهم هذه الحواضن ، وفتحوا لهم سجونهم وبيوت أشباحهم ، وحتى لم يمنعهم دين أو أخلاق أو إنسانية ، لوضع أي إعتبار لمراعاة مصاهرتهم من أسر حلفائهم المخطط لها من جانبهم ، بقصد عمدي لمصلحة التنظيم .
كانوا يبتزون الشعب ، عن طريق تدينه الصوفي المتسامح ، الذي استثمرته الطائفية هي نفسها ، كحاضنة مشبوهة لها ، لهذا التدين المتأصل في االنفوس الذي كانت تستغله إنتخابياً ، للوصول إلى السلطة ، ومن المؤسف أن قيادات الطبقة الوسطى ، الموكول لها قيادة الشعب وطبقتها ، في طريق الإستنارة والوعي والتقدم ، كانت تابعاً ذليلاً ، لهذه الطائفية ، ومن داخل هذا التحالف نجح الأخوان المسلمين ، أن يكونوا القيادة الفعلية له ، بل القاطرة التي تجر عربات هذا التحالف خلفها ، دون ممانعة أو إعتراض من الآخرين الذين إتبعوهم مغمضي الأعين ، فنتج عنه تلك النخبة التي سارت عليها مقولة النخبة التي أدمنت الفشل، وهي التي قادت السودان منذ إستقلاله عام 56 ( نخرج قليلاً من اصل المقال لنقول لهؤلاء الذين يدعون الآن إلى هدم دولة 56 كنا نحاربها لتعديلها واصلاحها لاهدمها كما ينادون الآن وهم حينهاا كانوا هم سندها وحماتها .. فلا تتبجحوا بعنصريتكم .. ياهؤلاء .)
نواصل لنقول إمتدت بهم التاريخ حتى إستلاممهم للسلطة كاملة غير منقوصة عام 89 ، وحينها أكلوا ثيرانهم الأبيض منها والأسود من جميع مسالخ حواضنهم السابقة ، طائفية وطبقة وسطى بقياداتها ، المهزومة بفعلها وتقاعسها ، وإن كان سبقهم للمحرقة ، عدوهم الأول اليسار بكل طوائفه ، وفي مقدمتهم قطعاً الشيوعيين ، الذي كان بوجوده لهم وجود .
وحينها إستغنوا عن التستر خلف الآخرين في تدينهم كوسيلة لإبتزازهم بالدين ، وإنما إستدعوا الدين نفسه ، وحملوه معهم قسراً وقهراً ، كوسيلة إبتزاز للشعب لتثبيت سلطتهم ، وفعلوا ما فعلوا في شعب السودان بهذا الإستغلال للدين في سياستهم التي مكنتهم من ثلاثينيتهم ، التي أول ما أساءت للدين نفسه .
وحتى لا أذهب بعيداً عن موضوعي الأساسي ، وإن كانت هذه الفذلكة ضرورية ، لأدخل بها في حديثي الموجه في الأساس ، للذين يؤيدون هذه الحرب اللعينة وبالذات من غير مشعليها من اسلاميّ الطرفين ، الجيش بتوجهه الكامل الإسلاموي ، الذي لن يرضى بغير عودته الكاملة لسلطته البائدة ، والدعم السريع الجنجويدي ، بتوجه مستشاريته الإسلاموية ، التي نجح جناح فيها ، من تحويل خدعتها الأولى ، من الدفاع عن الديمقراطية والحكم المدني ، بعد أن “قنع من خير فيها” بعد إكتشاف الشعب والخارج أنها أكذوبة لتمرير الأجندة الخفية ، وهي إن أمكن الهدم الكامل ، لدولة السودان القديمة دولة 56 دون إلتفات لكيف تحكم ومن يحكم ، كما هي مشغولية الحركة السياسية ، وإنما بالنفاذ عبر هذا الهدم المعني والمعنوي ، إلى تكوين نواة دولة (الأفروإسلاموية) مع دول الساحل الإفريقي بعد أن تصبح دولتهم العنصرية في دارفور ، رأس الحربة لهذه الدولة الموسعة الموحدة بأطرافها الموزعة والمشتتة -كما يتصورون مستقبلاً ، وهم كما صنفتهم من قبل ، الطرفان قد خرجا من صلب ومنبت واحد ، إختلفا فقط في إحتكار السلطة ، كجناحين من الإسلاميين ، وهم من يقودون الجيش "إسلامويو القصر" ، ومن يقود الجنجويد وهم "إسلامويو المنشية" ، وإن شُكَّت كوشتينتهم ، فاختلط بينهم ، الحابل بالنابل والشائب بالعائب ، وأخت نسيبة في الواقع والكوتشنة بالولد السائب ، وكله تمام ، لإخفاء الأثر والنوايا الخبيثة كعهدهم بالتمام .
ولكي أدخل مباشرة في موضوعي ، فالخير كل الخير ، يا جماعة الخير ، في وقف هذه الحرب الخبيثة ، وأن تنتهي بالتفاوض ، لا بمنتصر ومهزوم ، وبكل الطرق الممكنة ، لايقاف عجلة سيل الموت المنهر تحسباً ، أولاً بالضغط الشعبي ، بوحدة القوى التي صنعت ثورة ديسمبر المجيدة ، بشرط أن يتوقف مركزي الحرية والتغيير ، بتغريده خارج السرب ، التي لا زالت تمارسه حتى الآن ، رغم الحرب ولا أدري ، ألم يستوعبوا عواقبها بعد ..٠ أم ماذا ؟ وهي العواقب الماثلة والقادم أفظع فيما أتصوره ، مع الضغط الدولي والإقليمي ، حتى لو بجراحة تدخل عسكري عن طريق مجلس الأمن الدولي ، فعدو عاقل خير عدو جاهل ، لانها أخف ضرراً من إبادة جماعية ينويها الطرف المنتصر في الحرب ، يجب النجاح في وقف الحرب .. وإلا .
إذا انتصر ، أحد الطرفين ، على الآخر ، ولا أحتاج أن ينط لي أحد من الطرفين . ليقول الجيش هو المنتصر ، والآخر جنجويدي ليقول لي نحن نحتل 90% من مدن العاصمة المثلثة ، ومع يقيني ، أن هذه الحرب العبثية ، سوف تتوقف بفعل طبيعة عبثيتها ، لكن لنذهب إلى ماذا سيحدث عند إنتصار أحدهما على الًآخر ، أقول لكم ما سنلاقى ربما ليس افتراضاً :
تذكرون ليلة 22 يوليو 1971م عند فشل إنقلاب هاشم العطا . ( أعدت ذكراها بقصة قصيرة قبل إسبوع ، نشرتها في هذا الموقع وأخريات ) وكان عنوان تقديمها لكم ( عائد عائد يانميري) وكان هذا هتاف الناس الفرحى بعودته ، ولكن في الطرف الآخر ، آخرون من الناس الحزانى لعودته ، ومعهم كثيرون من هم ليسوا فرحى وغير حزانى ايضاً راحوا تحت الرجلين ، قضوا شهوراً في السجون ، (يحضرني ذكر الشاعر صاحب الأغنية الشهيرة ، ياضابط السجن ، من وحي مظلوميته ، التي تغنى بها الراحل عبدالرحمن عبدالله ، وكل ذنب الشاعر المظلوم تشابه إسمه مع مطلوب آخر ، وذاك الذي حملوه مع “رأس النيفة” لعشائه وأسرته ، حين سأله زملائه الجدد في المعتقل ، ولم يكن يعرف سبباً غير الذي حدثهم به) .
فقد كانت ليلة 22 يوليو ، إبادة جماعية وإن كانت ليست مباشرة بما سيأتي الظلاميون ، فقط أعقبتها ، إعدامات لقادة الإنقلاب وقادة مدنيين لم يحملوا سلاحاً غير فكرهم في الرأس ، الذي ازالوه لهم عقاباً لتطاوله عليهم ، أما غير ذلك فقد أخذت الإبادة الجماعية شكلها المعقول ، حيث لم تتوطت ثقافة الإبادة بعد ، وأكتفت بأخذ المواطنين من بيوتهم وشوارعهم وأزقتهم لتدخلهم السجون وتواصلت المطاردة أياماً وشهوراً بل وسنين عدداً ، وفي حادثة أخرى شبيهة ، تذكرون أيضاً (عائد عائد يانميري) بعد هزيمة المرتزقة كما أسموهم يومها ، وهم لم يكونوا إلا الجبهة الوطنية ، من أحزاب الأمة والإتحاديين والأخوان المسلمين ذات نفسهم الحاليين ، وأيضاً فتحت السجون هذه المرة وكانت الأكثرية نصيب المشاركين فعلياً ، إلا أن آخرون لا دخل لهم غير سحنتهم ولسانهم ، فضاعوا كذلك تحت الرجلين ، جئت بسيرتها ، في قصة قصيرة لي على لسان أب يقول عن إبنه المقتول حين سألوه عن سبب مقتله ، ( إبني لم يقتله سلاحه ، إبني قتله لسانه) .
لماذا أحكي بهذا التطويل الممل لأنه كان ضرورياً للمقارنة والتحذير مع التنبيه للقسوة التي يتميز بها النازيوإسلامويين ، فما أسميتها إبادة جماعية فقد كانت محدودة ومقصورة بالنسبة للمواطنين ، فلم تتعدى السجن دون تعذيب أو بيوت أشباح أو إغتصاب ، أما ماسيحدث من هؤلاء النازيوإسلامويون ، غداً عندما ينتصر الجيش ، وتسمعون نداء “عائد عائد يابرهان” فليستعد كل من لم يؤيد الجيش الكيزاني وبإسم الوطنية ، ولو بحسن نية ، فهو إرتكب جريمة الخيانة العظمى وعقوبتها الإعدام ، ولأن لا وقت لديهم للمحاكمات "تذكرون إعدام ضباط رمضان "والقوائم جاهزة لديهم يتصدرها قحاتة وجذريين ومن والاهم ، ولن تتوقف عندهم ، إنما ستتواصل ممتدة لكل من ساهم في إسقاط حكمهم ، من قوى ثورة ديسمبر العظيمة ، ولن ينجو منهم أحد ، حتى الأطفال الذين حملوا الأعلام وجاءوا برفقة ذويهم ، أما الأخطر الذي جعلني أطلق تصوري هذا ، لأن هذه المرة ، ليس الإرسال إلى السجون والإحالة للصالح العام ، وإنما ” التنفيذ الفوري ذبحاً من الوريد إلى الوريد .. وأين؟ حيث التنفيذ عاجلاً وليس آجلاً ، داخل البيوت وفي شوارع العاصمة المثلثة ، طولاً وعرضاً ، وأُسِّرَّكم أمراً ، أن المدعو الإنصرافي المخفي نفسه ، وهل يُخفي الشر في سماهو !! ، ستجدونه وقد إنتقل من مقره الأمريكي إذا كان موقع إنطلاقه بطائرة خاصة ، وبخدماته الذي قدمها للتنظيم ، قادر على إمتطائها، ومعه أحدث أداة للقتل السهل الممتنع ، ليرسل بها إلى الله ، عدداً لايستهان به من قتلاه بيديه الإثنتين مباشرة ، كما يردد في لايفاته بشكل غير مباشر ، وهو يأمر الجيش الكيزاني بالخطط العسكرية التي يتم تنفيذها فوراً دون إبطاء أو مراجعة .
أما إذا كان النداء في الشوارع “عائد عائد ياحميدتي” وكان الإنتصار لصالحه فالقوائم جاهزة ممتلئة باسماء الفلول المحصورة قوائمهم لديهم ، ومن خلفهم الذين صدقوا أنه سيأتي لهم بالديمقراطية والحكم المدني ، بما فيهم جموع الديسمبريين والذين لم يصدقوا ، فكلهم في الموت سواء ، فهم يريدون دولة الأفروإسلاموية ، فيما يعني كل من يمشي على قدميه مصيره أيضاً كالسابقين لهم ، وهم اللاحقين الذين علموهم السحر "أمسح أكسح قشوا ما تجيبو حي أكلو ني" ، وأُسِّر لكم أمراً ، الآخر عبد النعم الربيع ، ستجدونه وقد إنتقل من مقره اللندني . بطائرة خاصة ، وهو قادر قدرة صديقه اللدود ، ومعه أحدث أداة للقتل السهل الممتنع ، ليعطي كل من يلقاه أمامه ، طلقة في رأسه ، كما قال عند إغتيال والي غرب دارفور خميس أبكر .
ليس هذا سيناريو من الخيال ، ولكنه نابع من عمق تجارب بلادنا المنكوب بالقتل الجماعي المجاني ، فتمنوا معي أن تتوقف هذه الحرب العبثية ، بالتفاوض ولا ضير ان يظل طرفاها المجرمان في الصورة مؤقتاً ، والشعب قادر على تغيير وإزالة هذه الصورة . بثورته التي ستزداد قوة ومنعة وصلابة وتصميماً بعد الحرب ، وبعد تحطيم إطار هذه الصورة المؤقتة ، بمحوها من جذورها ، وسينفذ شعاراته ، ولكن هذه المرة ، عنوة "وبسلميته" إقتداراً ، لتصبح سارية المفعول فوراً دون مماحكة أو تأجيل ، ثم يعقبها العقاب القانوني في محاكمنا الداخلية ، بعد إصلاح إعوجاجها ، أو محكمة العدل الدولية أيهما أنسب وأصلح ، وشعاراته المعلومة هي:
الجيش جيش الشعب ، لا جيش الكيزان
والعسكر للثكنات
والجنجويد ينحل .
ولا مفر فالإبادة الجماعية من أمامكم ، والنازيوإسلامويون من الطرفين خلفكم .
إذن ناضلوا من أجل وقف الحرب .. و تنادوا بأعلى أصوأتكم لا للحرب .

omeralhiwaig441@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • عام على الإبادة الجماعية.. هكذا اغتال الاحتلال اقتصاد غزة ودمر منازلها
  • نهضة رواندا … امة موحدة تنهض من ركام الإبادة الجماعية
  • الشروع في الإبادات الجماعية خارج القانون ، ضحيتها المتعاونون كما يدعي البراؤون
  • فنزويلا تدعو لمسيرة دعماً لفلسطين وتنديداً بـ"الإبادة الجماعية"
  • 13 كاتبا فلسطينيا يقدمون شهاداتهم عن عام الإبادة الجماعية
  • حزب الله يترقّب: الحرب طويلة
  • كيف أصبح التعليم في غزة بعد عام من حرب الإبادة الإسرائيلية؟
  • «الثقافة الجديدة» توثق عامًا على الإبادة الجماعية في غزة بعدد أكتوبر
  • المالديف تطلب الانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل
  • عن كثب.. ما هي جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل؟