مرصد الأزهر: جرائم الإبادة المتواصلة في غزة ليست اعتباطية
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
أعلن مرصد الأزهر الشريف، أن القارئ للمشهد الديني داخل الكيان الصـهـيوني يلحظ أن جرائم الإبادة المتواصلة في غزة ليست اعتباطية، فهؤلاء الأطفال والنساء الذين استشهدوا، وتلك المستشفيات والمساجد التي قصفت لم تكن نتيجة أخطاء في تحديد الأهداف المراد تدميرها، بل كانت نتيجة تخطيط ممنهج وتربية فكرية قائمة على سفك الد ماء وتحضير ذهني نابع من كراهية عمياء لكل ما هو عربي.
وأضاف «المرصد» أنه ياتي استجابة لنصوص دينية محرفة مبتورة من سياقها التاريخي يستند إليها كبار حاخامات اليـهـود الصـهـاينة الذين يلعبون دورًا رئيسًا في تشكيل الوعي الديني والسياسي داخل المجتمع الصـ هـ يوني؛ فأحبار الـيهـود تغلغلوا في كل مكان داخل المجتمع، في المدن والمستوطنات، وفي الكنيست وأحزابه، وفي المحاكم الربانية، وفي دور العبادة، وفي المؤسسات التعليمية والأمنية وغيرها، وفرضوا كلمتهم على السياسيين من خلال الفتاوى التي تعدُّ أمرًا واجب التنفيذ من قبيل العمل بـ "لا تَحد عن الأمر الذي يخبرونك به يمينًا أو يسارًا" (לֹא תָסוּר, מִן-הַדָּבָר אֲשֶׁר-יַגִּידוּ לְךָ--יָמִין וּשְׂמֹאל)، ووصية "اجعل لك حاخامًا"، (עשה לך רב)، إحدى وصايا حاخامات في فترة المشنا والتلمود، والتي رد ذكرها مرتين في فصل "الآباء" (אבות)؛ الأولى على لسان الحاخام "يِهُوشُع بن بِراحيا"، في قوله: "اجعل لك حاخامًا، واكتسب لنفسك صديقًا". والأخرى على لسان الحبر "جَمْلِئيل"، في قوله: "اجعل لك حاخامًا، وتجنب الرِيبَة".
من هو حاخام تلك الحكومة اليمينية المتطرفة؟وتابع: «هنا نتساءل من هو حاخام تلك الحكومة اليمينية المتطر فة التي قتلت أكثر من (14128) شهيدًا، بينهم ما يزيد عن (5840) طفلًا، و(3920) امرأةَ، واستهدفت (26) مستشفى و(55) مركزًا صحيًّا، ودمرت (83) مسجدًا تدميرًا كاملًا؟كبار حاخامات الصـ هيـ ونية الدينية وعلى رأسهم الحاخام "دوف ليئور" (דב ליאור)، حاخام كتلة "عوتصماه يهوديت"، حاخام التنظيم السري اليـ هـ ودي، وصاحب مخطط تفجير مسجد قبة الصخرة، والذي يتغزل فيه الساسة الصـ هـ اينة وعلى رأسهم "نتنياهو" و"بن جفير" و"سموتريتش"، يتقربون منه ويقرّبونه إليهم ويغدقون عليه العطاء خوفًا على حياتهم من ناحيةً، وتوطيد مراكزهم السياسية من ناحيةٍ أخرى».
واستكمل مرصد الأزهر : «هم المسئولون عن تلك المجازر الوحشية فقد أفتوا لقادة العدوان على غـ زة بإباحة قصف المستشفيات هناك وقتل الأطفال والنساء مشددين على عدم وجود أي مانع شرعي وأخلاقي لإلحاق الضرر بالفلسطينيين المدنيين، مستندين في ذلك على نصوص توراتية محرفة وقواعد فقهية أصولية تسوغ تلك المجازر».
فتاوى حاخامات اليهودوأشار إلى أنه قد لعب حاخامات اليـهـود بفتاويهم المتطرفة دورًا كبيرًا في استثارة قادة الاحتلال وجنوده لارتكاب المجا زر الوحشية بحق الفلسطينيين دون وخزٍ للضمير الإنساني أملًا في تحقيق المخططات الصـ هـ يونية الساعية إلى تهجير الفلسطينيين وإقامة إسرائيل التوراتية الكبرى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حاخامات اليـهـود المسجد الأقصى غزة الإبادة حاخام ا
إقرأ أيضاً:
ليست 54 سنة.. إنها قرون طويلة جدا
أعادتني رسائل تهنئة بعث بها أصدقاء من دول عربية يهنئون عُمان بمناسبة عيدها الوطني جاء في بعضها أن منجزات سلطنة عمان كبيرة جدا مقارنة بتاريخ تأسيسها قبل «54» سنة فقط!.. أقول أعادتني تلك الرسائل ـ وأنا أصحح للأصدقاء أن هذا الرقم يحتاج إلى إضافة عدة أصفار على يمينه حتى يستطيع أن يحيط بعمر عُمان الضارب في أعماق التاريخ ـ إلى ما كتبته مغردة عمانية معروفة قبل حوالي ثماني سنوات وهي تصحح لقناة تلفزيونية «خليجية» كتبتْ في سياق بث مباشر كان يغطي قمة مجلس التعاون في تلك السنة أن سلطنة عُمان تأسست سنة 1971، وسارعت المغردة بالرد على تلك القناة على موقع تويتر مطالبة منها الاعتذار فورا وتصحيح الخطأ؛ فسلطنة عمان، كما كتبت، لم تتأسس سنة 1971 بل سنة 1970!
أفهم جيدا الدلالة الوجدانية التي تعنيها سنة 1970 عند العمانيين، واللبس الحاصل بين عمر «النهضة» التي قادها السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، وبين العمر الحضاري لعُمان الذي يمتد لآلاف السنين من الحضور الإنساني الفاعل في سياق الحضارات الإنسانية، وعمر النظام السياسي الذي ما زال قائما إلى اليوم؛ وربما كان سبب اللبس هو وجود رقم «54» إلى جوار العيد الوطني ما يجعل البعض يعتقد أن هذا الرقم يمثل عمر الدولة كما هو الحال عند بعض الدول التي تأسست حديثا بالفعل.. لكن تلك الدلالات الوجدانية وذلك اللبس لا يُعفينا من العمل جميعا على فهم وتكريس الصورة الحقيقية لبلادنا في الداخل وفي الخارج، فعُمان لم تتأسس قطعا في عام 1970 ولا في عام 1744 عندما تأسست الدولة البوسعيدية التي تكمل بعد يومين 280 سنة على تأسيسها ما يجعلها من بين أعرق الأسر الحاكمة في العالم، ولا في اللحظة التاريخية التي انتصر فيها العمانيون على الاستعمار البرتغالي ودحروه ليس من الخليج العربي ولكن من المحيط الهندي وبذلك انتهت تماما وإلى الأبد الحقبة التاريخية التي عرفت باسم «حقبة الكشوفات الجغرافية»، ولم تتأسس سنة 132هـ/749م عند مبايعة الإمام الجلندى بن مسعود إماما على عُمان رغم أن هذا التاريخ هو بداية للنظام السياسي في عُمان والذي ما زال قائما إلى اليوم بعد أن شهد تطورات كبيرة هي في الحقيقة عمر التطور الإنساني وانتقاله من طور معرفي إلى آخر. وهذا النظام السياسي هو الأقدم في العالم ولم ينقطع، تقريبا، منذ 1275 سنة وأصبح له تقاليد عريقة راسخة ونظريات في الحكم وفي انتقاله، وفي العدالة الاجتماعية، وفي الحقوق والواجبات، ويمكن الحديث عن عقد اجتماعي واضح وإن لم يكن مكتوبا، ولكنّ المنظرين الذين درسوا النظام السياسي في عُمان عبر التاريخ استخلصوا الكثير من ركائز هذا العقد الاجتماعي والفلسفة التي يقوم عليها.
عُمان التي تحتفل بعد غدا بعيدها الوطني ليست وليدة التحولات السياسية التي حدثت في المنطقة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أو حتى في القرن العشرين الذي شهد تغيرات جذرية في حدود المنطقة، وليست وليدة جريان النفط، إنها كيان حضاري قديم ضارب في أعماق التاريخ يقدره بعض دارسي التاريخ بحوالي عشرة آلاف سنة، كانت عُمان فيه حاضرة بفاعلية، ومساهمة في الحراك الإنساني الذي صنع اللحظة التي تعيشها البشرية اليوم. وهذا ليس كلاما من أجل بناء الروح المعنوية عشية العيد الوطني إنه حقيقة تاريخية لها أسسها ولها جذورها ولها حقائقها المكتوبة في المدونات ومنقوشة على الصخور الصلدة ولها، أيضا، مرجعياتها الآثارية التي يعرفها أهل الآثار والتاريخ.. ومن يعد إلى المدونات القديمة السومرية والأكادية والأغريقية والفرعونية وكل الحضارات الإنسانية القديمة يستطيع أن يفهم التواصل الذي كان بين عُمان وبين تلك الحضارات، والتفاعل الإيجابي الذي كان بينها.. وعندما جاء الإسلام وبعث الرسول الكريم برسالة إلى أهل عُمان بعثها إلى ملكيها عبد وجيفر ابني الجلندى يقول في تلك الرسالة: «إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما إن تقرا بالإسلام، فإن ملككما زائل عنكما». كانت عُمان في تلك الفترة البعيدة قد أصبحت كيانا سياسيا له حدوده وتقاليده، وخاطبه الرسوم الكريم على هذا الاعتبار فلم تكن الرسالة إلى قبيلة من قبائل العرب أو حي من أحيائه بل إلى «مملكة» قائمة تحولت من القبيلة إلى «الدولة» وهذا التحول يأخذ فترة زمنية طويلة نسبيا ما يعني أن الكيان الحضاري العماني كان في ذلك الوقت قد أكمل مسيرة طويلة جدا.
نحتاج اليوم إلى تكريس هذا الفهم ليس للأجيال العمانية الشابة فقط ولكن للعالم أجمع فهذا السياق بكل معطياته هو مفردة من مفردات القوة الناعمة التي تمتلكها عُمان، وتاريخها الذي تشابك مع الكثير من التحولات التي جرت عبر التاريخ الإنساني مصدر إلهام للجميع إذا ما استطعنا أن نوصله للعالم الذي يعتقد الكثيرون فيه أن منطقة الخليج هي وليدة طفرة النفط! حتى أن الدلالة التي تعنيها «دول الخليج» بالنسبة للغرب هي الدول التي تأسست نتيجة ظهور النفط، وهذا فهم خاطئ للتاريخ، ورؤية عامة جدا له ولا بد أن تتغير وهذا التغير يبدأ من الداخل، من قناعاتنا وخطاباتنا.
ويجدر بنا أن نقرأ ونفهم جيدا ما قاله حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في خطابه في شهر فبراير من عام 2020 حيث قال «لقد عرف العالم عُمان عبر تاريخها العريق والمشرّف، كيانا حضاريا فاعلا، ومؤثرا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال على إعلاء رايتها وتحرص على أن تظل رسالة عُمان للسلام تجوب العالم، حاملة إرثا عظيما، وغاياتٍ سامية، تبني ولا تهدم، وتقرب ولا تباعد، وهذا ما سنحرص على استمراره، معكم وبكم، لنؤدي جميعا بكل عزم وإصرار دورنا الحضاري وأمانتنا التاريخية». هذا النطق السامي ينصف عُمان ويضعها في السياق التاريخي الذي تستحقه.. وعلينا أن ننطلق جميعا منه لتكريس عراقة عُمان التاريخية وبناء الصورة التي نريد للعالم أن يعرفها عن عُمان.