هل يمكن لفرنسا أن تضطلع بدور فيما يجري في غزة؟
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
لم يبقَ من السياسة العربية لفرنسا إلا ذكريات وتخبّطات. آخرها موقف فرنسا ممّا يجري في غزة والعدوان الذي تتعرض له، حيث نفث الرئيس الفرنسي ماكرون -كما يقول التعبير الفرنسي- الساخن والبارد. قال قولًا يُرضي الإسرائيليين في إسرائيل، وأرسل أنّ فكرة تحالف دولي ضد حماس ذهبت أدراج الرياح بمجرد النطق بها.
تجرأ بزيارة رام الله، وعمَّان والقاهرة، وهو ما لم يفعله رئيس غربي قبله، وقال قولًا يُرضي الشعور العام في العالم الغربي في قناة "بي بي سي"، عن ضرورة وقف القتال، والتوقف عن استهداف المدنيين، واتصل بنتنياهو ليعتذر عن سوء فهم قوله.
المهم ليس محاسبة الرئيس الفرنسي فيما هو فشَلٌ بيّن، ولكن ربما هو استخلاص لسياسة عربية لفرنسا، من رحِم بنية الدولة، أو الاستبلشمت، تكون في مستوى تاريخها وما تروم من دور طلائعي في عالم قيْد التشكل. يمكن لفرنسا أن تؤثر في مجريات الأمور، وتزِن بثقلها، ولكن وفق رُؤى جديدة، وأسلوب جديد؛ لمصلحتها أولًا، ولمصلحة الفلسطينيين ثانيًا، وللمنطقة ثالثًا. ولِمَ لا للعالم أجمع!
French President Emmanuel Macron speaks to the media during the summit between European Union leaders and leaders of the CELAC group of Latin American and Caribbean states, in Brussels, Belgium July 18, 2023. REUTERS/Johanna Geronلفرنسا رصيد من سياستها العربية، يمكن نعتها بالمتوازنة، بل الإيجابية على العموم، منها: موقف فرنسا من حرب 67، وجملة ديغول المأثورة عن إسرائيل، التي لم يغفرها له الإسرائيليون، والتي يصعب ترجمتها إلى العربية: "هذا الشعب المُعتد بنفسه، والمتسلط"، إلى احتضان فرنسا ياسر عرفات حين نطق بجملته الشهيرة، عن ميثاق المنظمة – بالفرنسية- في معهد العالم العربي بباريس (1990)، وصولاً إلى موقف الرئيس شيراك من حرب 2003 على العراق، وقبلها خطاب وزير الخارجية الفرنسية حينها دومينك فيلبان في مجلس الأمن.
كان ذلك – ربما- العهد الذهبي للسياسة العربية لفرنسا. مشروع الاتحاد من أجل البحر الأبيض المتوسط – الذي أطلقه نيكولا ساركوزي- وُلد ميتًا، فلم تعد لفرنسا إلا سياسة ثنائية، مع شركاء، أو لبيع السلاح، أو العطور، أو الاستثمار، أو فارنشيز السوربون واللوفر، في بعض دول الخليج، مع تذبذب سياستها في المنطقة المغاربية.
يمكن أن يكون لفرنسا دور غير الدور الأميركي، ربما لكي تضطلع بدور على مسرح الأحداث في عالم قيد التشكل. لكي تستعيد فرنسا ثقلها في موازين العالم الجديد، ينبغي أن تكون لها سياسة متوازنة في الشرق الأوسط، وذلك هو المدخل لكي يكون لها دور في العالم
ما طبع السياسة العربية لفرنسا مع الرئيس ماكرون، ليس انعدام الرؤية فحسب، ولكن اضطراب أسلوب كذلك، في تصريحات متضاربة ومُستفزة، من القول: "إن الإسلام في أزمة"، والمسارعة في حوار مع قناة "الجزيرة" لتدارك هفوته، ومن القول بضرورة المصالحة التاريخية مع الجزائر، والتصريح لطلبة من أصول جزائرية استقبلهم في الإليزيه، إلى السؤال عن أن وجود أمة جزائرية خليق أن يُطرح، وفي حلوله عقب انفجار ميناء بيروت (أغسطس 2021)، وحديثه إلى سكان بيروت من غير تواجد سلطات البلد، إلى خطابه المباشر إلى الشعب المغربي عقب زلزال الحوز.
أسلوب ماكرون- وهو كما نعتته مجلة لوبوان، الفرنسية- مضطرب. قد يكون للرجل نوايا حسنة، ولكن، كما يقول التعبير الفرنسي: "إن الجحيم مرصوف بالنوايا الحسنة".
ينبغي إنقاذ الدبلوماسية الفرنسية، وأول ما يتوجب إنقاذه منها هو تصريحات جزافية، لا تصدر عن تحليل عميق من لدن الخبراء والمختصين والعارفين. بل يجب تجنب التصريحات، لشيء يرتبط بالعمل الدبلوماسي وهو السرية إلى أن يتهيأ إنضاج مسار، أو توجه.
ومن دون شكّ، إن لرئيس الدولة دورًا في وضع التوجهات الخارجية لبلد وفي رسم دبلوماسيتها، ولكن السياسة الخارجية في الدول الديمقراطية، تخضع كذلك لتوجهات، تحرص عليها البنيات العامة، من دفاع، ومخابرات خارجية ووزارة خارجية.. في المركز وعبر تمثيلياتها في العالم.
الغاية من هذا المقال ليست المشاركة في حوار "فرنسي فرنسي" حول دور فرنسا في الشرق الأوسط، يجري من خلال ما يرشح منه على أعمدة بعض الصحف ذات التوجه اليميني كما لوبوان ولوفيغارو، ولكن يهمني هنا أن تقوم سياسة عربية لفرنسا، كي لا يبقى المجال لفاعل، ندرك اليوم نتائجه بعد أن تولى رعاية "مسلسل السلام"، منذ مؤتمر مدريد 1991.
لم تقم الولايات المتحدة- كما قدّمت نفسها- بدور "الوسيط النزيه" ولا احترمت مقتضى "الأرض مقابل السلام"، وإنما المرجعية للإدارة الأميركية التي تجُبّ ما قبلها هي اتفاقية أبراهام، مع تصريحات لخدمة الشفاه حول "حل الدولتين"، وتحويل النزاع إلى مجرد نزاع عقاري، يحقق فيه الفلسطينيون صفقة، ويقتضون منها ثمنًا "مجزيًا" في شكل مؤدب للترانسفير؛ تعويلًا منها على أن الزمن، والتعب، و"الواقعية" ستدفع الفلسطينيين إلى "الارعواء" ويغادرون فلسطين أو ما تبقى منها، عن طيب خاطر، مع دعم "الأشقاء" المادي والمعنوي.
هذا هو إطار السياسة الأميركية لـ "حل" القضية الفلسطينية، ليس بمعنى إيجاد حل لها، ولكن القضاء عليها وإفراغها كما تُحَلُّ شركة أو حزب باسم الواقعية. "طوفان الأقصى" عصف بذلك كله، وأضعف دور الولايات المتحدة، وبالأخص بعد اصطفافها التام مع المعتدي.
يمكن أن يكون لفرنسا دور غير الدور الأميركي، ربما لكي تضطلع بدور على مسرح الأحداث في عالم قيد التشكل. لكي تستعيد فرنسا ثقلها في موازين العالم الجديد، ينبغي أن تكون لها سياسة متوازنة في الشرق الأوسط، وذلك هو المدخل لكي يكون لها دور في العالم.
طبعًا المسألة أكثر من إعلان نوايا، ولكن في رسم سياسة متأنية، تُحلّل أكثر وتُصرّح أقل، وتعتمد إنضاج مسارات، من خلال الاستماع إلى المعنيين والتنسيق مع الفاعلين الإقليميين. فرنسا هي الدولة الغربية التي من شأنها -أقول من شأنها- أن تكون لها سياسة عربية متوازنة. أرى أنه من العبث البحث عنها في واشنطن، أو لندن أو برلين، لأسباب معروفة، واتضحت بجلاء في الآونة الأخيرة.
لا ينبغي إيصاد الباب أمام فرنسا، فهي البلد الوحيد في الغرب- (نسيت إسبانيا، ولكن ليس لإسبانيا مقعد في مجلس الأمن، ولو أن لها رصيدًا تاريخيًا وجغرافيًا) – الذي يمكن أن يحمل هواجس الفلسطينيين، من أجل حل عادل ودائم وشامل.
لكن رصيد فرنسا التاريخي لا يكفي ما لم تُعِدْ فرنسا النظر في صحيفتها الداخلية، أو ورقة اختبارها كما يقول التعبير الفرنسي. السياسة الخارجية هي استمرارية للسياسة الداخلية، ولا يمكن لفرنسا أن تضطلع بدور في الشرق الأوسط والعالم العربي، بل العالم الإسلامي، بسياسة داخلية تفتيشية- (من محاكم التفتيش) – حيال مواطنيها المسلمين، تتعقب لباسهم، وطعامهم، وحريتهم.
دور فعال لفرنسا في الشرق الأوسط مهم لفرنسا، ومهم للفلسطينيين، وللعرب. لا يمكن لفرنسا أن تجد عمقًا إستراتيجيًا إلا في العالم العربي وأفريقيا.
بين فرنسا والولايات المتحدة شرخ من عدم الثقة؛ فما إن استقلت الولايات المتحدة عن بريطانيا بدعم من الثوار الفرنسيين، وأفكار فلسفة الأنوار، حتى عاد الابن العاق لحضن الوطن الأم، وأصبح من يحمل عنها ميراثها. تمثل فرنسا بالنسبة للأميركيين ما يمُجُّه كل قوي، الاعتراف بالدَّيْن. هل تنتهز فرنسا فرصة تاريخية قد لا يجود التاريخ بمثلها كي تكون وفيّة لتراثها وقيمها وتاريخها لتضطلع بدور في الشرق الوسط وفق مقتضيات العدالة والإنصاف!
الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (غيتي) aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی الشرق الأوسط تضطلع بدور فی العالم العالم ا دور فی
إقرأ أيضاً:
التوعية بدور الصحة المدرسية بينقل
نظمت ممرضات الصحة المدرسية بولاية ينقل فعالية بعنوان "ولنا في حياتكم بصمة" بقاعة جمعية المرأة العمانية.
هدفت الفعالية إلى إبراز الدور المحوري الذي يقوم به ممرضو وممرضات الصحة المدرسية في الحفاظ على صحة الطلبة وتعزيزها.
وركزت على التوعية بالنظافة الشخصية والصحة العامة، والتحقق من سلامة البيئة المدرسية والتغذية السليمة، بالإضافة إلى الكشف عن الأمراض والعيوب الصحية، وتقديم الإسعافات الأولية ورعاية الطوارئ، وتوفير خدمات الاستشارة والتوجيه الصحي.
واستهدفت الفعالية أولياء الأمور والمجتمع المحلي بهدف توعيتهم بأهمية هذا الدور، حيث تخللتها إحصائيات شاملة عن الإنجازات التي حققها ممرضو الصحة المدرسية من فحوصات وتحويلات وتطعيمات للطلبة.
وقدمت ممرضات المدرسة عرضا مرئيا يعرض إنجازات الصحة المدرسية مصحوبًا بإحصائيات شاملة لما تم تحقيقه في المدارس.
وتضمنت الفعالية افتتاح المعرض الصحي المصاحب، حيث اشتمل على عدد من الوسائل والمطويات والمجسمات التوعوية.