4 آلاف شهيدة.. نساء غزة عواتك ورياحين في مواجهة اللهب
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
تقف بين الركام تندب حظها العاثر، وتنادي أسماء بنيها الذي أنهى اللهب الإسرائيلي حياتهم على حين فجأة، وحولهم إلى أسماء طافحة بالحزن والألم، هنا يرتفع الصوت المبحوح مفعما بالنشيج؛ محمود، معتز، براء، آيات.
يتردد النداء قبل أن تكرر: "بدي أشوفهم" ولات حين لقاء، فقد تراكم البيت المعمور على سكانه وتلاقت أطنان الأسمنت والحديد على قاطنيه، ليكتب اللهب قصة أخرى لأم ثكلت أبناءها في لحظة.
وليست تلك الأم المكلومة إلا وجها من آلاف الأوجه الناطقة بمأساة المرأة الغزية، نكبة وترملا وثكلا، وصمودا ومقاومة، ورحلة حياة منجبة للأبطال والمقاومين.
وإذ بكت تلك الأم أبناءها الذين درجوا أمامها في البيت سنين عددا، فإن السيدة وفاء العرجة، تبكي هي الأخرى جنينها الذي انضاف إلى لائحة الشهداء وهو في شهره السابع، بعد أن أرغمتها القنابل والنزوح على السير عدة كيلومترات انتهت بإجهاضٍ عبر عملية قاسية، أنقذت حياتها لكنها ألحقت الجنين بمن سبقه من البراعم الموءودة جراء القصف والتدمير الإسرائيلي في غزة.
"الله يرضى عليك ويسهل عليك".. وداع مؤثر من أم لابنها الشهيد بقصف إسرائيلي على غزة "رحت عند الأغلى من أهلك" pic.twitter.com/qj03VrcB0E
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) November 15, 2023
ولا تبدو الخيارات كثيرة أمام حوامل غزة، فمن نجت بروحها من القصف قل أن تنجو من الولادة المبكرة أو الإجهاض الذي قد يقود الأم والجنين إلى الشهادة في آن واحد.
ومن بين قرابة 2.2 مليون من سكان مدينة غزة، فإن 49% منهم نساء، وأغلبهن ما زلن في سن الشباب والإنجاب، مما يفاقم من أوضاعهن الصحية والنفسية جراء القصف والتشريد ويوميات الموت المسافر بين الأزقة والركام.
وتبدو قصص الحوامل واحدة من أفظع عناوين المأساة التي تعيشها الغزيات، حيث يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان عدد الحوامل بأكثر من 50 ألفا، بتن معرضات أكثر من غيرهن للموت أو الإجهاض وما يترتب عليه من مآس صحية متعددة، وتزداد المأساة ألما، حينما تتحول المستشفيات إلى مقانص للموت يتناثر الموتى بين ممراتها وفي غرفها، بدون أن تحميها ظروفها الإنسانية.
وفي النزوح كما في الإقامة تتعدد مهام النساء فهن مرضعات الصبية حليب المقاومة والصمود، في دورة زمنية لا تعرف لها بداية، حيث لا يمكن أن يميز هؤلاء ظلام الليل عن النهار بسبب الحمم والدخان والفزع الذي لا يدع للاجئين سِنة ولا نوما، ومع ذلك فإن المئات من السيدات النازحات تحولن إلى فريق إنقاذ إنساني، حيث يشرفن ويقمن بإعداد وجبات الطعام لمئات الآلاف من النازحين في تضامن إنساني عريق في غزة.
العواتك المقاومات.. أغاريد الشهادة وألحان الصمودلم تكن جميلة الشنطي أولى شهيدات غزة، وإن كانت أرفعهن منصبا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تقود المقاومة في غزة، حيث قضت النائبة والوزيرة السابقة في حكومة القطاع، وأول سيدة تدخل المكتب السياسي لحماس، قبل أن ينهار عليها بيتها إثر قصف إسرائيلي، لتحلق في مدارج الشهادة بعد عمر من النضال والمقاومة.
تنتمي الشنطي إلى جيل نسائي مقاوم، دفع من عواتكه لحد الآن أكثر من 3920 شهيدة وفق آخر تحديث لحصيلة لأعداد الشهداء أصدرها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
ويزداد عدّاد الشهادة كل يوم بأسماء جديدة من نساء وفتيات غزة، ومن كل قطاعات المجتمع وتخصصاته المهنية.
ومن بين قصص المأساة النسائية تبرز الصحفية الفلسطينية آيات خضورة التي وثقت آخر أوقات حياتها عبر مقطع فيديو، متوقعة أن يكون وقد كان، لتتحدث عن الموت المرتقب جراء القنابل الفوسفورية التي يلقيها الاحتلال على مشروع بيت لاهيا وعلى مختلف مناطق غزة.
وفي يوميات الثكل النازف، تقود الأمهات الفلسطينيات المقاومة ويشاركن في التصدي العسكري للاحتلال. وتظهر المقاطع المتداولة أكثر من حالة لنساء فلسطينيات يحتفين بالنصر أو غنم سلاح جندي إسرائيلي، أو أخريات يتحدثن عن العودة المأمولة.
ويظهر مقطع فيديو متداول سيدة نازحة تثبت ابنتها الصغيرة وتؤكد لها أن العودة حلم قريب "جدك يبلغ من العمر 80 عاما، وقد نزح مرتين، وأنت تبلغين من العمر 8 أعوام، وقد نزحت مرة واحدة.. الله معنا، ونحن أقوياء، وسننتصر ونعود إلى ديارنا، إن شاء الله، ورغم كل الشهداء والأسرى والجرحى والصعاب، ولن نستسلم أبدا".
تحليل نفسي عظيم لـ أم وابنتها من غزة وهم يخرجون مهجرين من ارضهم وبيوتهم ❗️????????
ماشاء الله على الايمان والقوة والوعي والتربية واليقين ❤️????
والله أنا عيني دمّعت ???? pic.twitter.com/GV4VLuiaNu
— Dina ????????⚜️ دينا (@Dina_2096) November 21, 2023
وتضيف المرأة نحن نازحون صحيح؛ ولكن هناك شعور في داخلي، أنني سأعود إلى بلدي ويقيني في الله كبير".
وخلال الأيام الماضية نقلت وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من اللقطات المؤثرة والصور المعبرة من أرجاء غزة، من بينها صور تلك الأم الغزية التي نزحت من شمال القطاع إلى جنوبه تحمل حقيبتين على ظهرها وتجر طفليها سيرا على الأقدام لمدة 5 ساعات وفي أجواء بالغة الخطورة.
غزة..
توثيق؛ نازحة من حي الصبرة: "طبّعوا أكثر.. إحنا إلنا الله" #فيديو pic.twitter.com/0yjoOpFdBV
— موقع عرب 48 (@arab48website) November 9, 2023
ومثلها آلاف الأمهات والفتيات اللائي طردهن الاحتلال وأجبرهن على مغادرة بيوتهن حاملين القليل من الأمتعة والكثير من الألم، هذا على افتراض بقائهن على قيد الحياة ونجاتهن من الموت المحقق تحت موجات القصف التي لا تتوقف ليلا ولا نهار.
وقد توقف الكثيرون أمام حالة الحاجة إنعام، تلك التسعينية الغزية التي عاشت النكبة الأولى طردا وتهجيرا وهي في عز شبابها، في العام 1948، ثم عاشت "فصولها" مرة أخرى في العدوان الحالي وقد احدودب ظهرها وبلغت من الكبر عتيا، ومع ذلك اضطرت للسير مشيا على الأقدام لمسافات طويلة.
عمرها أكبر من كيانهم ومنذ عام 1948 ما زالت تلاحقها النكبات..
الحاجة أنعام????❤️ pic.twitter.com/IR6riHabBn
— زينب عواضة (@Zeinab__Awada) November 10, 2023
مناجم البطولةيرى كثير من الفلسطينيين أن العواتك الغزيات يمثلن منجم البطولة والفداء، فأغلبهن يلتقين أخبار استشهاد فلذات أكبادهن بالحمد والزغاريد، ويغرسن قيم المقاومة في الأجيال منذ نعومة الأظافر التي تحفر الصخر وتواجه اللهب.
وعلى تعاقب الأجيال، ظلت النساء في فلسطين عنصرا خالدا من المقاومة، يخلد التاريخ والأدب أدوارهن وفق ما يروي الشاعر الفلسطيني توفيق زيَّاد في ديوانه الأم:
لا تعذُلي! لولا حليبك في دمي… ما شرف القيد الملوث معصمي
لولاه ما ضج الطغاة ولا شكا… ليل العبيد توثبي وتقحمي
ولأن ليل العبيد -كما يقول قادة المقاومة وأنصارها- يتمزق أمام سطوة المقاومة، والطغيان الإسرائيلي يتخرق بين الحين والآخر بأيدي المقاومين والعواتك الصابرات، ستظل نساء غزة شجرة زيتون لا تسقط إلا لتنبت من جديد، وواحة ليمون مقاوم، وكل ليمونة ستنجب طفلا، ومحال أن ينتهي الليمون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: pic twitter com أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
اليد العليا لرجال الله
ردد رجال حزب الله بسواعدهم المتوضئة وبأيديهم العليا، ما قد تكون أعظم حكمة في التاريخ الإنساني “لست مهزومًا ما دمت تقاتل”، وبنداء الأمين والأب والقائد “لبيك يا نصر الله”، شنّت المُقاومة الإسلاميّة قبل أيام وللمرّة الأولى في تاريخ الصراع- هجوماً جويًّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة النوعيّة على قاعدة الكرياه (مقرّ وزارة الحرب وهيئة الأركان العامّة الصهيونية، وغرفة إدارة الحرب، وهيئة الرقابة والسيطرة الحربية لسلاح الجو) في مدينة “تل أبيب” المحتلة، ثم استكملت ضرب بقيةٍ من أهم أهداف قلب كيان العنكبوت مساءً، إذ عادت الصواريخ للإغارة على مباني الكرياه، كما استهدف رجال الله شركة صناعات الأسلحة الصهيونية “IWI” بـ”تل أبيب” وأصابوا الأهداف بدقة.
حدث كهذا، لا يحتاج فقط لقراءة متعمقة، في قدرات المقاومة وتصميمها وإرادتها، ولا في كفاءة استخباراتها ونجاحها المبهر، لكنه أيضًا يحتاج إلى العودة لمسيرة المعارك منذ يوم الثامن من تشرين الثاني 2023م اليوم الذي قرر فيه حزب الله فتح جبهة لإسناد المقاومة في غزة، القرار الذي كان يعني تبعات هائلة وبلا حدود على الحزب وبيئته وعلى لبنان، وكان أيضًا يحمل من النذر ما كان يراه الجميع، لكن الحزب الذي عاملنا طوال تاريخه بوجه واحد لم يكن له أن يتغير، مهما كانت الدموع والآلام والدماء المبذولة في سبيل قضية القدس.
في جبهة جنوب لبنان اليوم، تنمو على أيدي وفي قلوب رجال الله، علامات فارقة تشي بميلاد نور جديد للأمة كلها، بعد أن سادها الظلام وحكمتها الخيانة وملأها المنافقون. هذه المرحلة لا بد وأن تنتهي بفعل كل هذه التضحيات الذكية التي قدمها ثلة من الأمة، شريفة عزيزة، وهذا النور الذي سيحرق التيه قد حان موعده، وما رآه الناس في ما تسمى “قمة عربية”، واللسان يعجز عن وصفها، هي آخر تصرف منحط في جعبة حكام التطبيع الذين لم يجرؤ منهم أحد على ذكر مائتي ألف ضحية يذبحون أمام عيونهم، بينما نجح الخونة ونجح إعلامهم في تحويل سؤال الساعة المصيري إلى: “ماذا قدمت المقاومة؟”، في ظل كل هذه التضحيات.
ما قدمته المقاومة –بنبل وبساطة- هي أنها أثبتت مرة أخرى وجديدة أنها الخيار العربي الوحيد النبيل، ما قدمته المقاومة هي أنها تقترب في صمودها الأسطوري من الأحلام لا الوقائع اليومية المعاشة، ما قدمه حزب الله باستمراره في الحرب بعد استشهاد أقدس شهداء الحزب سماحة القائد السيد حسن نصر الله، أنه عدّل هياكله واستوعب المفاجأة التي أضيفت إليها قوى عديدة من خارج المنطقة، وكأننا أمام حرب عالمية مخابراتية لتمزيق حزب الله وحده.
إن ابتعدنا عن المرجفين، وهو أمر ضروري ونظيف كذلك، ونظرنا إلى الطرف الشريف الذي يحمِي لواء كرامتنا وعزنا منذ 1982م وإلى اليوم، سنجد كلمة “اليد العليا” التي خطها رجال الله لسماحة الأمين العام نعيم قاسم حقًا وصدقًا هي عنوان معركة طوفان الأقصى على الجبهة اللبنانية، منذ اللحظة الأولى لم تفقد المقاومة “المبادرة العسكرية”، ولم تترك للعدو فرصة أن ينقل الصراع إلى حيث يريد، والأهم أن التصعيد بالسلاح كان رهنًا بإشارة سماحة السيد حسن نصر الله، وكانت الجبهة كلها تعمل كخيوط واحدة متماسكة وفائقة التنظيم تصْلي العدو نارًا تلظى، في كل صباح.
وكان رد سماحة الأمين على كلمة رجال الله مفهومًا ومنطقيًا في فلسفة حزب الله، فهؤلاء المجاهدون الأبطال هم الفخر والمجد والشرف، هم بالضبط -كما وصفهم الأمين- صرخات النار وعطاءات الدم ومستقبل الأجيال والأوطان.. المقاومة بالنسبة لنا خيار نصر إلهي، ليس محل جدل أو يحل لمناقشة، وشعث نعل مقاوم ومساند في البيئة الحاضنة أقدس وأطهر وأعظم من تيجان كل العرب وسلطانهم وأموالهم وشعوبهم المحايدة.
في اليوم المشهود، وفي “تل أبيب” حاضرة الكيان، تمكن حزب الله من أن يصل بصواريخه إلى قدس الأقداس، الكرياه، مباني القيادة والسيطرة والاتصال على قوات الجو، لأول مرة في تاريخنا، وأن ينشب مخالبه الحادة فيها، ويثبت بعد 56 يومًا من القتال أن المقاومة تملك كفاءة وصلابة الفعل الذي لا يقف أمامه شيء، وأنها قادرة يوم 13 تشرين الثاني، وقادرة في أيام كثيرة بعده، هذه الرسالة التي يجب أن تصل وأن تُفهم. إن حزب الله قرر حين رأى الخطر، أن يستجمع كل إيمانه وكل طاقته وكل إرادته، وأن يقف ضد العدو.. وهكذا يفعل الرجال.