شاهد المقال التالي من صحافة ليبيا عن مُحارب يروي لوكالتنا كيف استباح الإرهاب أرواح المواطنين وأرزاقهم، أخبار ليبيا 24 – خـاص قصةٌ جديدة من قصص الإرهاب في ليبيا تتمحور حول المواقف البطولية التي يتحلى بها أبطال الجيش الوطني،بحسب ما نشر أخبار ليبيا 24، تستمر تغطيتنا حيث نتابع معكم تفاصيل ومعلومات مُحارب يروي لوكالتنا كيف استباح الإرهاب أرواح المواطنين وأرزاقهم، حيث يهتم الكثير بهذا الموضوع والان إلى التفاصيل فتابعونا.

مُحارب يروي لوكالتنا كيف استباح الإرهاب أرواح...

أخبار ليبيا 24 – خـاص

قصةٌ جديدة من قصص الإرهاب في ليبيا تتمحور حول المواقف البطولية التي يتحلى بها أبطال الجيش الوطني.

يبتدأ المحارب المغوار الحديث عن نفسه وسرد قصتهِ قائلاً: أنا فرجاني فرج، من منطقة القيقب بالقرب من مدينة درنة.

يتحدث المُحارب فرجاني عن المحاور التي شارك فيها رفقة الجيش الوطني، قائلاً: بدايةً شاركت

في معارك ومناوشاتٍ قرب قاعدة مطار الابرق – أي قبل انطلاق عملية الكرامة بنحو أسبوع.

وبعد أن انطلقت عملية الكرامة كنت من أوائل المحاربين الذين انضموا لصفوفها، بدأنا من قاعدة الأبرق مرورًا بمحاور عين مارة ومدينة درنة، ولكن دون أن أشارك في معارك مدينة بنغازي بسبب إصابتي.

وبالحديث عن تفاصي إصابته.. يقول فرجاني: لقد أصبت في محور درمة وبالتحديد في المدينة القديمة درنة، ومن قام بإنقاذي هو الشهيد مسعود زيدان رحمة الله عليه.

يتابع.. كان الجيش متقدمًا في محور المدينة القديمة وكنا نجري عمليات تمشيط واسعة للتأكد من خلو المنطقة من العناصر الإرهابية.. وكنت أنا من ضمن المحاربين الذين نزلوا على ارض المعركة دون مدرعات لتمشيطها بشكل أدق، وكان معي سلاح نوع بيكا، اقتربت من العناصر الإرهابية، ومن شدة قربي منهم سمعت أحدهم يقول: دعونا نفسح له المجال ليتوغل أكثر في المنطقة ومن ثمّ سنوقع به لأننا نريده حيّ… وبالفعل أنا توغلت للداخل وأصبحت في نقطة سيصعب على رفاقي إنقاذي أن حدث لي مكروه، وهو بالفعل ما حدث.. أصبت برصاصة من قناص، واحتميت بشجرة وغرقت في دمائي ولا أذكر شيء سوى أنني فقدتُ الوعي.

يتابع.. عندما استفقتُ من غيوبتي انتبهت أن رفيقي مسعود جاء لإنقاذي، وحدث اشتباكٌ مع العدو.. كنت أنا في المنتصف، طلقات مسعود من فوقي، وطلقات العدو بمحاذاتي.. وعندما قام مسعود بإنقاذي؛ تعرض لإطلاق ناري أصابه في الكتف وسقط أرضًا.

يواصل الحديث.. بعد مدة من الزمن، جاؤوا رفاقنا لإنقاذنا معًا.. أخبرتهم بأن إصابة مسعود خطيرة ويجب أن يتم نقله للمستشفى قبلي، ومن قوة النزيف الذي عانيت منه تعرضت لإغماء مجددًا، ولم استيقظ إلا وأنا على فراش المستشفى.. كنت بين الفينة والأخرى استيقظ من غيبوبتي وفي إحدى المرات رأيت الفريق الطبي يقوم بتنفيذ صدمات لرفيقي مسعود، علمت أن مصابهُ جلل.. وللأسف عدت للغيبوبة مجددًا دون أن أدرك.

يتابع الحديث لوكالتنا.. بعد ساعات عاد لي وعييّ، فور إدراكي للأمر سألت عن رفيقي وأخبروني بأنه بخير ولكن يجب أن يرتاح كلانا.. لكنني أردت الاطمئنان عليه واخبرتهم مرارًا وتكرارًا بأنه يجب أن اذهب للاطمئنان عليه، لكنهم رفضوا.. وهنا قررت أن أترك سريري واذهب عنوةً عنهم.. وعلى الفور جاء الأطباء إلي وحاولا تهدئتي وقالوا لي: إن الموت حق، ورفيق كان بطلاً واستشهد وأدعوا له بالرحمة.. لم أستطع تمالك أعصابي وانهمرت دموعي وأصبحت أبكي بشدة وأصرخ من كل قلبي حزنًا على رفيق دربي… وأصابتني نوبة حزن عميقة وفقدت الوعي.

واستطرد قائلاً: بسبب إصابتي وتعرضي لنزيف حاد ودخول الرياح لرئتي.. قام الأطباء بتركي أنبوبٍ لخروج الرياح، وعندما صرخت حزنًا على صديقي خرجت كل الرياح.. وأخبرني الطبيب بأن رفيقي أنقذني مرتين.

وفي ختام قصتي.. أوجه رسالتي على كل الجهات المختصة، أسألكم الاهتمام بملف الجرحى، والالتفات لذوي الشهداء، وان تتقوا في وطننا الحبيب خيرًا

المصدر: صحافة العرب

كلمات دلالية: الجيش موعد عاجل الدولار الامريكي اليوم اسعار الذهب اسعار النفط مباريات اليوم جدول ترتيب حالة الطقس

إقرأ أيضاً:

علي أبو ياسين: ما يسيل الآن في غزة ليس دما بل أرواح هامت تبحث عن محبيها

يمضي الممثل والمخرج الفلسطيني الغزي علي أبو ياسين أيامه في الحرب على غزة موثقا ومسجلا تفاصيل الإبادة في غزة منشغلا أيضا بمكابدة أيام طويلة للحفاظ على ما يبقيه وعائلته على قيد الحياة في مكان يبدو فيه الموت الثابت الوحيد في غزة.

ويرى أبو ياسين الذي بدأ حياته المهنية عام 1990 أن ما يحدث في غزة لا يشبه أي دراما سابقة أنتجتها أعظم شركات الإنتاج وأنها تمثل المشهد الأعظم للتوحش الذي لا يشبهه شيء.

ويقول الحاصل على جائزة أفضل ممثل في مهرجان تونس عام 2004 عن شخصية "أبو عرب" إن ما يشغل المبدع الفلسطيني في غزة الآن انتهاء هذا الفصل الأكثر دموية وإن النكبة في غزة تتجاوز في فصول مأساتها ما حدث في النكبة الأولى عام 1948.

الجزيرة نت حاورت الكاتب والمخرج الفلسطيني علي أبو ياسين للحديث عن انشغالاته اليومية في الحرب على غزة وتفاصيل المشهد اليومي فيها لمن يعايشها.

على مدى 30 عاما وأكثر وأنت في المسرح وعلى المسرح تكتب له، أسألك عن المسرحية الدموية في غزة ماذا تقول عنها ضمن سياق عملك الدرامي؟

لا أستطيع أن أربط أو أشبّه المسرح بما يحدث الآن في غزة لأن المسرح هو الفرح والوعي والثقافة والرقي والإنسانية والجمال والبناء.

أما ما يحدث هنا فهو على العكس تماما من المسرح؛ هو الهدم والدمار والبشاعة والتخريب وقتل كل شيء بدءا بالإنسان ومرورا بالمباني. إن المنظر العام لغزة هو "سينغرافيا" لدمار هائل لا يوصف صنع بأيد إسرائيلية وأميركية بمنتهى الحقد والكره والقهر الذي يعكس ما وصل إليه الإنسان من جبروت وقهر لأخيه الإنسان.

نشعر بأننا نعيش في غابة كبيرة سقطت فيها كل الشعارات والقيم والمبادئ التي نسمعها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل ومجلس الأمن وهيئة الأمم والمحاكم الدولية التي لا تنفذ قراراتها إلا على الضعفاء. منذ 8 أشهر ونحن نباد على مرأى من العالم الذي لا يحرك ساكنا سوى من بعض الأصوات الحرة هنا وهناك وبعض الدول الأوروبية وقليل جدا من الدول العربية التي انتصرت لإنسانيتها ولنا، وهي من تعطينا بعضا من الأكسجين الذي يساعدنا على البقاء ويعزز صمودنا.

ما يسيل الآن في غزة ليس دما فقط ولكنه لحم التصق بالإسمنت وأرواح هامت تبحث عن محبيها وعقول ذهبت بلا رجعة وأطفال انزوت في خيامها لا تعلم بعد لماذا هي وحيدة بعد أن فقدت كل أفراد عائلتها.

ما يحدث في غزة لا يشبه أي دراما سابقة أنتجتها أعظم شركات الإنتاج؛ إنه المشهد الأعظم للتوحش الذي لا يشبهه شيء ولا يستطيع القلم وصفه مهما بلغت البلاغة والفصاحة باللغة. ببساطة ما يحدث لا يوصف وسوف نحتاج بعد الحرب لعشرات السنين بحثا وتشخيصا لما حدث وستظل آثاره باقية لأجيال قادمة.

متوالية الحرب تكتب قصصا موجعة عن مشاهداتك في الحرب، ماذا عنك وأنت ضحية أيضا ترقب الضحايا وتكتب عنها؟

نحن لا نعيش حياة البطولة ولا نفكر بذلك أصلا ولذلك بالمقابل لا نتعامل مع أنفسنا أننا ضحايا؛ فلم تعد هذه المصطلحات تخطر ببالنا ونحن نعيش منذ عشرات السنين حالة حرب في متوالية لا تنتهي.

أنا وأسرتي ما زلنا بخير حتى الآن وهذا حظ كبير حظينا به حتى اللحظة لأنني أعتقد أن الناس في غزة تعيش مصادفة وتموت مصادفة.

لا أشعر بأنني ضحية مقابل من فقدوا كل أفراد عائلاتهم أو عائلات ما زالت تحت الركام أو عشرات المفقودين أو الآلاف الباقين ممن بترت أطرافهم، أو الآلاف مثلهم ممن لا يستطيعون تلقي العلاج وأعداد لا تحصى ممن لا يجدون قوت يومهم.

أعتقد أنه في غزة لا أحد يشعر بأنه الضحية مقابل ما يشاهد من عذابات الآخرين. دوما نشعر بالتقصير وأننا بألف خير ولم نقدم شيئا بعد مقابل كل هذا الكم من التضحيات التي لا تنتهي ولا حصر لها.

نكبة لا تضاهى في نص من نصوصك استدعيت المخرج حاتم علي في مسلسل التغريبة بين نكبتي 48 والماثلة اليوم في غزة، كيف تراهما معا؟

أعتقد أن المخرج الكبير حاتم علي كان محظوظا حينما قدم التغريبة الفلسطينية بصياغة وليد سيف إذ كان من الممكن الاقتراب دراميا مما حدث في نكبة ٤٨ بقسوة مرارتها وعلقم الهجرة ونتائجها التي ما زالت ممتدة إلى الآن، ونجح حاتم ووليد بتقديم عمل درامي يحاكي ما حدث ويبقى وثيقة مهمة للأجيال القادمة.

أما ما يحدث الآن في غزة فأعتقد أنه لن يستطيع أحد بالمستقبل من مخرجين وكتاب مهما بلغ من عبقرية أن ينقل ما يحدث الآن في غزة  دراميا، ونكبتنا الآن تضاهي عشرات المرات ما حدث سنة ٤٨، وليس كل ما حدث ويحدث ينقل عبر الفضائيات ووسائل الإعلام. ما يحدث ليس إبادة جماعية فقط ولكن أكثر من ذلك بكثير، فمن مات فقد مات ولكن المشكلة الكبرى فيمن بقي.

نكتب لنوثق رسمت سيناريو لغزة ما بعد الحرب "آخر يوم في العام"، ففي كتاب يوميات الحرب في غزة كتبت عن الذكريات، فهل تأمل بعمل مسلسل الغزاوي على غرار الكنعاني؟

لا أمل عندي الآن ولا أفكر بتقديم أي مسلسل، فما يشغلنا الآن أنا وكل من يقيم في غزة هو كيف نوفر وسائل الصمود والبقاء لعائلاتنا وكيف نحاول أن ننجو بهم من كل هذا الموت الذي يحيط بنا.

الحرب تفرض علينا أفكارها؛ النبيلة أحيانا والمشوهة أحيانا أخرى، الدراما والمسلسلات والمسرحيات تنتظر جانبا حتى انتهاء الحرب ووقتئذ ننظر خلفنا وتحتنا وفوقنا وأمامنا ونفكر ماذا نحن فاعلين. الآن أكتفي بالكتابة فقط لأنني أؤمن أن من الضروري أن نوثق إبداعيا ما يحدث حتى يبقى وثائق من يوميات ومشاهد الحرب لنا وللأجيال القادمة.

يوم تحت الحرب ماذا عنك أنت الآن وأنت تعيش فصول غزة الدموية، كيف يمر يومك؟

يمر يومي كأي مواطن يعيش في غزة.

نصحو بالصباح أنا والعائلة نفكر بالسؤال اليومي والأصعب: ماذا سوف نطبخ اليوم في ظل عدم وجود لحمة ودجاج ونظل نتداول ما بين معلبات البازلاء أم الفاصولياء وندور في حلقة مفرغة وينتهي بنا الحال بأكلة تفرض نفسها عليك بالغالب بتّ لا تطيق سماع اسمها.

ثم تجلس مع الجيران جلسة كل يوم وتتحدث حديث كل يوم وتشاهد الوجوه نفسها كل يوم، وإذا كنت ميسور الحال تذهب إلى السوق ليس للتسوق فقط ولكن من باب كسر الروتين وتغيير الجو لأن السوق بالغالب به كل شيء ولا يوجد به شيء، فعند غياب اللحم يصبح لا شيء بالسوق.

في المساء كما في الصباح الوجوه ذاتها والكلام ذاته؛ روتين قاتل. ما يهوّن دقائق الحرب القاتلة حياتي مع القراءة والكتابة، وما زلنا ننتظر وننتظر وننتظر أن تتوقف الحرب ونعود إلى منازلنا.

أطفال غزة الأطفال في غزة شغلوا حيزا في أعمالك.. ما مشاعرك تجاههم الآن؟

الأطفال أجمل شيء في الدنيا وأنا شخصيا أعشق الأطفال وعندي أكثر من 10 أحفاد، وأفكر بهم طوال الوقت.

الأطفال هم من هوّن علينا أيام الحرب، فابنة بنتي حور التي تبلغ من العمر سنة وشهرين كانت ضحكتها في الصباح الباكر تمدّني بالقوة لتجعل يومي أفضل وتنسيني صوت "الزنانة". وكان حضن واحد في المساء من ابن ابني حمود ابن الأربع سنوات كفيلا بأن يجعل ليلتي أقل رعبا وأكثر احتمالا. من يمدنا بالصمود والقوة بالحرب هم من كان أكثر ضحاياها وهم الأطفال! أكثر من 14 ألف طفل استشهدوا بحرب الإبادة التي يشنّها علينا المحتل. الأطفال هم فرحنا وحزننا، هم أجمل ما فينا، هم الصدق والطهارة والبراءة بأجمل صورها، من لا يحب الأطفال ليراجع إنسانيته، فما بالك بمن لا يملك قلبا ويقتل طفلا قد يكون مبتسما وقتئذ.

المبدع يعي دوره ما رسالتك للمبدعين العرب وأي دور تراه ملقى عليهم تجاه غزة؟

لا رسائل أوجّهها للمبدعين لأن من يحمل صفة مبدع يعي تماما دوره والمطلوب منه في هذه اللحظة التاريخية الفارقة والحساسة بتاريخ الإنسانية. وما يحدث في غزة يبث مباشرة عبر الفضائيات، وكل مبدع حقيقي يعي دوره تماما سواء المبدع العربي أو الغربي أو من كوكب آخر، فصفة مبدع تعني الإنسانية والحب والسلام بأبهى صورها ويجب أن يكون لهم موقف واضح ضد كل المجازر اليومية التي نتعرض لها. المبدعون عليهم واجب ودور بإيصال رسالتهم ولا أحد حرا ما دمنا لسنا أحرارا.

نص "حلاق الحرب"

الحلاّقون منتشرون بكل مكان يخطر أو لا يخطر على البال، خاصة أن الحلاّق لا يحتاج سوى لكرسي بلاستيك ومقص ومشط صغير وشفرة وبشكير وفرشاة صغيرة لتنظيف الشعر المتساقط من الزبون.

يصبح الحلاق جاهزًا لاستقبال أعظم الشخصيات والقيادات والفقراء والمتسولين والمشردين، فجميعهم يجلس على الكرسي نفسه ليتخلص من شعره خاصة في ظل صعوبة الاستحمام الذي أصبح ترفا من كماليات حياة النزوح، لقد أضحى الشعر الكثيف للرأس والذقن سمةً غالبة لشكل الرجال، وتربة خصبة لتجمع الغبار والحشرات وما إلى ذلك، فنتيجة التكدّس البشري الهائل بالجنوب ومناطق النزوح وقلة عدد صالونات الحلاقة حيث ترك الحلاقون صالوناتهم الفخمة خلفهم وتوجهوا إلى ما بعد وادي غزة وأصبحت الجلسة المريحة للزبون والكالونيا ونوع الصابون وجودة البشكير ونوع المقص وشكل الحلاق ونظافة المحل وتعقيم المواد أمورا غير ذات أهمية ولم تعد تسترعي انتباه الزبون أصلًا.

هنا تجد الحلاقين منتشرين في الأسواق وإذا ذهبت إلى شارع البحر تجدهم يتجولون على طول الشارع وأمام بوابات المدارس، حتى بإمكانك مصادفتهم داخل المستشفيات. وهنا تبدأ حكايتي مع ما شاهدت من حوار بين زبون وحلاق داخل مستشفى شهداء الأقصى. فقد كنت أنتظر صديقا تواعدت معه داخل المستشفى أمام مدخل الاستقبال. من شدة الازدحام والتزاحم أمام المدخل المكتظ نتيجة إحضار الشهداء والجرحى وبكاء ذويهم وصراخهم ووقوف مجموعة من الرجال طوال الوقت أمام باب الاستقبال للقيام بأداء صلاة الجنازة على أرواح الشهداء قبل دفنهم. أخذت جانبًا بانتظار صديقي بجوار حلاّق شاب نحيف جدا يحلق لرجل خمسيني أنحف منه. في البداية استغربت وجود حلاّق في هذا المكان الممتلئ بالشهداء والمصابين وعشرات الصحافيين والمصورين الذين ينقلون الأخبار إلى كل أصقاع الدنيا. كيف خطر على بال هذا الشاب أن يتخذ من هذا المكان موقعا لممارسة مهنة الحلاقة، وسرعان ما اكتشفت أن المستشفى نفسه فيه عدد كبير من النازحين المنتشرين في باحات المستشفى، سواء في داخل الممرات أو بالخارج، وطبعا هؤلاء جميعًا مع الموظفين والزائرين والبائعين بحاجة إلى حلاقة رؤوسهم، الأمر الذي ذهب باستغرابي ودهشتي بلا رجعة في زمن أصبحت فيه تلك المشاعر عملة نادرة.. إنه زمن الحرب يا أصدقائي الأعزاء.

نعود لما حدث بين الحلاّق والزبون. فجأة وأنا أراقب أداء هذا الشاب المبتكر للرزق ولصراعه مع قسوة شروط الحياة، وإذا بالرجل يلتقط بعض خصال من شعره الأبيض المتساقط ويتساءل: شعر من هذا؟! فيجيبه الحلاق شعرك يا عمي الحاج.. ينكر الرجل ما رأى ويقول هذا ليس شعري.. شعري لونه أسود قاتم، هذا الشعر لونه أبيض. فيرد الحلاق والله ياحاج هذا شعرك.. كل شعرك أبيض أبيض. فيجيبه الرجل كيف هذا ومتى حصل؟! أنا أعرف شعري جيدًا، طوال حياتي لونه أسود، متى تغيّر لونه؟! هل لديك مرآة يا بني؟! مدّ الحلاّق يده إلى جيب شنطة سوداء بجواره، أخرج منها مرآة صغيرة وناولها للرجل الذي يبدو أنه لم ينظر إلى وجهه بالمرآة منذ أشهر عدة. بمجرد أن وقعت عيناه على المرآة ذهب في نوبة بكاء. عندها توقف الحلاّق عن مواصلة عمله، وهنا أيضًا توقف كل شيء حولي، لم أعد أسمع صراخ المكلومين ولا حركة سيارات الإسعاف لدرجة أنني نسيت موعدي مع الصديق الذي أتيت من أجله. غادرت بوابة المستشفى بصمت يشبه البكاء.. ابتعدت قدماي عن المكان وبدا كل شيء أبيض اللون بلون دموع ذلك الرجل الخمسيني على كرسي الحلاقة.. مضيت في طريقي لا أعرف أين ستأخذني قدماي.

مقالات مشابهة

  • اصطدام مروع بين شاحنة عسكرية وتاكسي نواحي سلا يزهق أرواح 6 أشخاص
  • عقيل: لا يجري الحديث عن الانتخابات إلا لإشغال الليبيين عن الانتباه لما يخطط لبلادهم من سوء
  • رئيس الجمهورية يترحم على أرواح الشهداء
  • بعد هجمات ضد مدنيين.. الجيش النيجيري ينصب كمين لمجموعة إرهابية
  • علي أبو ياسين: ما يسيل الآن في غزة ليس دما بل أرواح هامت تبحث عن محبيها
  • استقالة مدير مركز الامتحانات بسبب “الغش”
  • أسامة يروي عطش المارة بـ«كولمان» في شبين الكوم.. مبادرة تخفف من حر الصيف
  • مدير المركز الوطني للامتحانات: قدمت استقالتي من منصبي بسبب انتشار الغش في الامتحانات
  • داخلية الدبيبة: وحدات الجيش بمنطقة رأس اجدير ستقوم بمساندة قوات الداخلية للمحافظة على الأمن العام
  • مرصد الأزهر: تضافر جهود المكافحة الميدانية والفكرية ضرورة لاستئصال وباء الإرهاب