شكّل فوز الزعيم اليميني المتطرف في هولندا، خيرت فيلدرز، في الانتخابات العامة الهولندية، صدمة هزت الوسط السياسي في هولندا وعموم أوروبا، حيث أظهر فرز الأصوات تصدره وحزبه لائحة الفائزين لتشكيل الائتلاف الحاكم المقبل، مما قد يجعله رئيس وزراء هولندا قريبا.

ويبدو أن استطلاع الرأي الذي كشف عن فوزه الساحق، فاجأ حتى السياسي المخضرم فيلدرز، البالغ من العمر 60 عاما، بحسب ما أفادت وكالة أسوشيتد برس.

وفي أول رد فعل له، نشره عبر مقطع فيديو على منصة "إكس"، فتح فيلدرز ذراعيه، ووضع وجهه بين يديه وقال ببساطة "35!"، في إشارة إلى عدد المقاعد التي توقع استطلاع للرأي أن يفوز بها حزبه "الحرية" في مجلس النواب، المؤلف من 150 مقعدا.

ويعتبر فيلدرز من أشهر المشرعين الهولنديين، حيث أمضى 25 عاماً من حياته عضواً في البرلمان الهولندي، وذلك ضمن صفوف المعارضة.

ومن المقرر أن يصبح فيلدرز المشرع الأطول خدمة في البرلمان الهولندي في وقت لاحق من هذا العام، حيث كان عضوًا في مجلس النواب منذ عام 1998، في البداية عن حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية الذي ينتمي إلى يمين الوسط، قبل ترك الحزب وتأسيس حزبه "الحرية".

وبحسب "أسوشيتد برس"، كانت المرة الوحيدة التي اقترب فيها فيلدرز من الحكم كانت عام 2010، حين دعم الائتلاف الأول الذي شكله رئيس الوزراء، مارك روته.

وحينها لم ينضم فيلدرز رسميا إلى الائتلاف، وأسقطه بعد 18 شهرا فقط من توليه منصبه، في نزاع بشأن تدابير التقشف المتخذة.

ومنذ ذلك الحين، تجنبته الأحزاب الرئيسية، "لكنها لا تستطيع اليوم"، وفقاً لوكالة الأنباء الأميركية.

وقال فيلدرز لأنصاره المحتفلين بفوزه في حانة صغيرة في إحدى ضواحي لاهاي، التي تسكنها الطبقة العاملة الهولندية، إنه ما عاد بالإمكان تجاهل حزب "الحرية" من قبل أي حزب، بعدما بات في موقع رائع بحصوله على 37 مقعدًا، وأضاف أن حزبه من هذا الموقع "يريد أن يتعاون مع الأحزاب الأخرى".

النائب الهولندي فيلدرز يعرض رسوما للنبي محمد عرض النائب الهولندي غيرت فيلدرز رسوم كاريكاتير عن النبي محمد على التلفزيون الرسمي، في خطوة هاجمها الأزهر ووصف النائب بأنه صاحب "خيال مريض".

ويشكل عدد المقاعد التي فاز بها حزب "الحرية" أكثر من ضعف ما حققه في الانتخابات السابقة، متفوقا على معارضيه، وفق نتائج شبه مكتملة.

مناهض للإسلام.. ومهدد بالقتل

من المعروف عن هذا السياسي الشعبوي، مواقفه اليمينية المتطرفة، ومناهضته للإسلام، وخطابه الناري اللاذع ضد اللاجئين، وسبق أن أدين بإهانة المغاربة، مما عرضه لتهديدات بالقتل.

وأوضحت"أسوشيتد برس" أن "إجراءات الأمنية  مشددة" كانت تحيط بالمشرع الهولندي اليميني، خلال التصويت يوم الأربعاء، في قاعة مدينة لاهاي، حيث كان فيلدرز محاطًا بحراس أمن أقوياء البنية يقومون بعمليات تفتيش بحثًا عن أي تهديدات محتملة.

ويعيش فيلدرز تحت حماية، متنقلاً من منزل آمن إلى آخر، على مدى ما يقارب عقدين من الزمن. وسبق له أن مثل أمام محكمة كضحية لتهديدات بالقتل، وتعهد بعدم السماح بإسكاته أبدًا.

وفي عام 2009، رفضت الحكومة البريطانية السماح له بزيارة البلاد، معتبرة أنه يشكل تهديدًا "للوئام المجتمعي وبالتالي الأمن العام".

وكان فيلدرز قد تلقى دعوة لزيارة بريطانيا من قبل أحد أعضاء المجلس الأعلى بالبرلمان، مجلس اللوردات، لعرض فيلمه الذي تبلغ مدته 15 دقيقة بعنوان "فتنة"، والذي ينتقد القرآن.

وأثار الفيلم احتجاجات عنيفة في جميع أنحاء العالم الإسلامي عام 2008 لربطه آيات قرآنية بلقطات لهجمات إرهابية.
 
ولاحقا، خفف فيلدرز من حدة خطابه المناهض للإسلام، من أجل استمالة الناخبين، وسعى بدلاً من ذلك إلى التركيز بدرجة أقل على ما يسميه "نزع الأسلمة" عن هولندا، وبدرجة أكبر على معالجة القضايا الساخنة، مثل نقص المساكن وارتفاع تكلفة السكن، والأزمة المعيشية، والحصول على رعاية صحية جيدة.

ومع ذلك، لم يخلُ برنامج حملته الانتخابية من الدعوة لإجراء استفتاء على خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي، و"وقف اللجوء" و"منع المدارس الإسلامية والمصاحف والمساجد"، على الرغم من أنه تعهد، ليلة الأربعاء، بعدم انتهاك القوانين الهولندية أو دستور البلاد الذي يكرس حرية التعبير والاعتقاد.

ويعتبر فيلدرز مؤيداً قوياً لدولة إسرائيل ومؤيد لنقل سفارة هولندا إلى القدس، مقابل إغلاق البعثة الدبلوماسية الهولندية في رام الله، الخاضعة للسلطة الفلسطينية.

وأثار فوزه مخاوف كبيرة في هولندا، لاسيما لدى الأحزاب اليسارية، التي نظمت، الخميس، تظاهرات احتجاجاً على فوزه، حيث تجمع نحو ألف شخص في مدينة أوتريشت غربي هولندا. وكانت هذه التظاهرة واحدة من احتجاجين مقررين مساء الخميس- حيث جرى تنظيم مسيرة "ضد الفاشية" في أمستردام.

حزب يميني مناهض للمسلمين يفوز بالانتخابات التشريعية في هولندا تصدر الحزب اليميني المتطرف المناهض للإسلام بزعامة، غيرت فيلدرز، الانتخابات التشريعية التي جرت في هولندا الأربعاء، وفق ما أظهرت استطلاعات الرأي لدى خروج الناخبين من مكاتب الاقتراع، في فوز كبير يهدد بإحداث زلزال سياسي ليس في هولندا فحسب بل في أوروبا بأسرها وربما أبعد منها.

وقال أعضاء أحزاب يسارية أن هذه التحركات "هدفها الإظهار للهولنديين أننا لن نترك أحدا في وضع حرج أبدا، ونناضل من أجل حقوق الجميع"، بحسب المنظمين.

وحلت كتلة اليسار خلف حزب فيلدرز بفارق كبير، حيث حصلت على 25 مقعدا، في مقابل حصول حزب اليمين الوسط على 24 مقعدا، وهي نتيجة كارثية لحزب رئيس الوزراء المنتهية ولايته مارك روته، بحسب فرانس برس.

ونقلت الوكالة  الفرنسية عن جودي كرغولي، وهي طالبة صحافة سورية عمرها 25 عاما، قولها إن الفوز الذي حققه فييلدرز  قد ولّد لديها "الكثير من الخوف، لأن حزب الحرية حزب عنصري بشكل علني ويرغب في خفض أسلمة هولندا".

وأشارت إلى أن العديد من أصدقائها لاجئون يحملون تصاريح إقامة ويخافون على مستقبلهم، حيث سبق أن أكد حزب الحرية على وجوب إلغاء تصاريح الإقامة لأن "أنحاء من سوريا أصبحت الآن آمنة".

وتابعت الشابة السورية: "أنا شخصيا جئت من سوريا وأعرف معنى الفرار من الحرب إلى بلد آمن، لكن لم أعد أشعر بالأمان الآن لأن عددا كبيرا من الهولنديين يريدون رحيلنا".

من جانبه، قال حبيب القدوري، الذي يقود منظمة هولندية تمثل المغاربة الهولنديين، إن "الضيق والخوف هائلان".

وأضاف: "فيلدرز معروف بأفكاره حول المسلمين والمغاربة. ونخشى أن يصورنا كمواطنين من الدرجة الثانية"، بحسب صحيفة "غارديان" البريطانية.

دافع "قاري" لليمين المتطرف

ويشكل فوز فيلدرز دافعاً قوياً لأحزاب اليمين المتطرف في مجمل أنحاء أوروبا. وقالت "أسوشيتد برس" إن فوز المشرع الهولندي "سيسرع المحرك الانتخابي لليمين المتشدد في أوروبا"، بعد ما وصفته بـ "النكسة الكبرى" لليمين المتشدد التي شهدتها بولندا الشهر الماضي.

وبحسب الوكالة، توالت التهاني، الخميس، من جميع الجهات، حيث يتمتع اليمين المتطرف ببعض النفوذ في القارة (أوروبا) بعد الفوز غير المتوقع والذي وصفته بـ "الهائل".

وخيّم الأمل مرة أخرى على الشعبويين القوميين المحافظين، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو المقبل.

وقالت أليس فايدل، زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتطرف، خلال تهنئتها لفيلدرز، إن "الأمل بات يفوق اليقين" مضيفة أن "أوروبا كلها تريد تحولا سياسيا".

وبعد هذا الفوز، يأمل اليمين المتطرف، بأن يمضي قدمًا في قارة أوروبا، حيث أدت الحرب الروسية في أوكرانيا، والهجرة الفوضوية والقاتلة على حدودها، وانتشار الفقر بسبب التضخم، إلى التأثير على اختيارات الناخبين، وتحويل أي انتخابات إلى اختبار صعب حيث تكون النتيجة غير مؤكدة أبدًا.

ووسع حزب "البديل من أجل ألمانيا"، اليميني المتطرف، الشهر الماضي، من قاعدته الشعبية المهيمنة في شرق المانيا، الشيوعي سابقًا، وذلك من خلال تقديم عرضين قويين في الغرب.

وقد وضعت استطلاعات الرأي الأخيرة الحزب في المركز الثاني على مستوى البلاد بدعم يبلغ حوالي 20 بالمئة، أي حوالي ضعف شعبيته، عما كانت عليه خلال الانتخابات الفيدرالية 2021.

وفي وقت سابق، كانت سلوفاكيا قد تحولت بالفعل إلى شعبوية مع فوز حزب "سمير" الذي يتزعمه، روبرت فيكو، في الانتخابات العامة وتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب قومي متطرف.

وكانت الآمال كبيرة في أن يؤدي التصويت في بولندا في أواخر أكتوبر إلى تعزيز هذا الارتفاع، لكن حزب "القانون والعدالة" المتطرف خسر السيطرة على الحكومة البولندية لصالح ائتلاف معتدل.

خروج صعب

وذكّرت وكالة أسوشيتد برس بحالة مارين لوبان في فرنسا، التي كانت تحلم بالإمساك بالسلطة لأكثر من عقد من الزمان، وأضافت "هي ترى الآن أن المثابرة يمكن أن تؤتي ثمارها. وهي سعيدة بوجود حليف قوي آخر لديه كراهية مماثلة للاتحاد الأوروبي".

وقالت لوبان، الخميس، لراديو فرانس-إنتر، بشأن فوز فيلدرز "هذا يظهر أن المزيد والمزيد من الدول داخل الاتحاد الأوروبي تعارض الطريقة التي يعمل بها.. ونأمل أن نتمكن مرة أخرى من السيطرة على الهجرة التي يعتبرها العديد من الأوروبيين ضخمة وفوضوية".

الخلافات بشأن الهجرة تطيح الائتلاف الحكومي في هولندا أعلن رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، مساء الجمعة، تقديم استقالة حكومته بعد انهيار الائتلاف الحاكم منذ عام ونصف عام جراء خلافات بين أركانه على الإجراءات اللازمة للحد من الهجرة.

وباعتبارها عضوًا مؤسسًا في الاتحاد الأوروبي، ورابطًا تجاريًا حيويًا بين العديد من أقوى دوله، فقد تواجه هولندا مشكلات في الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويدعو فيلدرز إلى إجراء استفتاء على "الخروج"، و ذلك على غرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وبطبيعتها، تعتمد السياسة الهولندية على التحالفات بين عدة أحزاب، ولم يحذ أي حزب آخر حذو فيلدرز في ذلك، بحسب وكالة الأنباء الأميركية.

وفي هذا الصدد، قال البروفيسور هندريك فوس من جامعة غينت، والخبير في سياسات الاتحاد الأوروبي، عن فيلدرز: "لا يمكنه أبداً أن يحكم بمفرده، ولا أستطيع أن أتخيل أي نوع من الأغلبية الائتلافية التي قد تختار المواجهة مع أوروبا".
 
وأضاف في تصريحات لأسوشيتد برس، أن "هولندا لديها الكثير على المحك في سوق الاتحاد الأوروبي. إنه أمر لا يمكن تصوره".

ويبقى التحدي الذي سيواجه فيلدرز في قدرته على تشكيل ائتلاف مستقر مع خصومه السياسيين السابقين،  حيث يتعين عليه إقناع الأحزاب الأخرى بالانضمام إليه لتشكيل ائتلاف يضمن تأييد 76 عضواً في البرلمان المؤلف من 150 مقعداً.

وعبّر فيلدرز في تصريحات صحفية، عن استعداده للتفاوض والوصول إلى تفاهمات مع الأحزاب الأخرى، لتشكيل حكومة برئاسته.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی الیمینی المتطرف أسوشیتد برس فی هولندا من أجل

إقرأ أيضاً:

ألمانيا بين الاستقلال عن أميركا وصعود اليمين المتطرف

لم تكن الانتخابات الألمانية هذه المرة مجرد سباق سياسي عادي، بل وصفت بأنها انعكاس لتحولات كبرى في ألمانيا وأوروبا، حيث شهدت الساحة السياسية انهيار أحزاب تقليدية طالما كانت في قلب المشهد، وصعودا دراماتيكيا لليمين المتطرف، الذي تمكن لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية من اختراق الحواجز التي وضعها الألمان لحماية ديمقراطيتهم من تكرار مآسي الماضي.

وفي خلفية المشهد، كان الحضور الأميركي بارزا بقوة، سواء في محاولات التأثير على مسار الانتخابات، أو في رسم ملامح الأولويات السياسية لألمانيا في المستقبل.

يأخذنا هذا التقرير في رحلة لتحليل ما حدث في هذا المشهد الانتخابي المعقد، من سياقاته الدقيقة إلى نتائجه التي قد تعيد رسم الخريطة السياسية ليس في ألمانيا وحدها، بل في القارة الأوروبية بأكملها.

سياق معقد وأمة ساخطة

بحسب تقرير لمراسل أسوشيتد برس جير مولسون، فإن الانتخابات، التي أجريت قبل 7 أشهر من الموعد المخطط له بسبب انهيار ائتلاف المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس، تأتي في سياق معقد اتسم بصراع داخلي متزايد ولد استياء واسع النطاق لدى الرأي العام الألماني.

فقد هيمنت على الحملة المخاوف بشأن الركود المستمر لأكبر اقتصاد في أوروبا والضغوط للحد من الهجرة. والأهم من كل ذلك، حالة من عدم اليقين المتزايد بشأن مستقبل أوكرانيا وتحالف أوروبا مع الولايات المتحدة.

إعلان

فألمانيا الدولة الأكثر سكانا في الاتحاد الأوروبي كانت -بحسب مولسون- ثاني أكبر مورد للأسلحة لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، ويعول عليها بشكل محوري في طبيعة وشكل استجابة القارة للتحديات الراهنة والمقبلة، بما في ذلك التعامل مع التوجهات الجديدة للإدارة الأميركية تحت قيادة دونالد ترامب.

وبحسب افتتاحية لصحيفة لوموند، فقد جرت الانتخابات الألمانية في ظل تحول جذري في العلاقات بين أوروبا وأميركا، مع عودة ترامب إلى السلطة، مصمما على إدارة ظهره لأوروبا ونموذجها الديمقراطي والاقتراب من روسيا التي تشن حربا على أوكرانيا.

ففي هذا السياق المعقد جرت الانتخابات الألمانية لتحمل معها ما وصفته صحيفة لوموند بالصدمة الثلاثية، فقد أسفرت عن تحول كبير يمكن قراءته من 3 عناوين رئيسية:

إضعاف الأحزاب التقليدية

إنها ظاهرة باتت شائعة في كل أنحاء أوروبا، وإن كانت ألمانيا قاومتها بشكل أفضل، فرغم تصدره وحصوله على 28.6% من الأصوات، لم يتمكن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشار الألماني المنتخب فريدريش ميرتس من الوصول إلى نسبة الثلث التي كان يأمل الحصول عليها، حسب الاستطلاعات.

وفي مقال مشترك لعدة صحفيين وباحثين في صحيفة الغارديان بعنوان "لقد تحولت ألمانيا إلى اليمين.. فماذا يعني هذا بالنسبة للبلاد وأوروبا؟" تعتبر الكاتبة مريم لاو أن انتصار الديمقراطيين المسيحيين كان باهتا بل مخيبا للآمال.

وبدوره انهار الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة شولتس، بنتيجة 16.4%، وهو انخفاض حاد مقارنة بنتيجته البالغة 25.7% في عام 2021، بل إن هذه هي أسوأ نتيجة يحققها الحزب منذ عام 1890.

وتكبد حزب الخضر -الذي كان أيضا في حكومة شولتس- خسائر فادحة فلم تتجاوز نسبته 11.6% من الأصوات بتراجع 3 نقاط عن 2021، بينما اختفى ليبراليو الحزب الديمقراطي الحر من البوندستاغ (البرلمان الألماني)، بعد أن عجزوا عن الوصول لعتبة الـ5%.

إعلان

من ناحية أخرى، سجل حزب اليسار الراديكالي الصغير بفعل مواقفه القوية ضد اليمين المتطرف حضورا لم يكن متوقعا حيث حصد نسبة 8.8%.

صعود اليمين المتطرف والدور الأميركي

لقد تمكن حزب البديل من أجل ألمانيا من الحصول على نسبة هي الأعلى لليمين منذ الحرب العالمية الثانية وفاق كل الأحزاب المتطرفة في بقية أوروبا بتجاوزه عتبة 20% وحصوله على 20.8%، وهو ما يضاعف تقريبا نتيجته عام 2021، ويجعله اليوم ثاني أكبر حزب في ألمانيا.

وفي مقال الغارديان تعتبر الكاتبة فاطمة أيدمير أن المقاومة ضد اليمين المتطرف يجب أن تصبح الآن جادة، فالنجاح التاريخي الذي حققه اليمين المتطرف في الانتخابات الألمانية لا يشكل تهديدا لجميع الفئات المحرومة في هذا البلد فحسب بل إنه تهديد للديمقراطية يجب أن يثير قلق الجميع.

لكن دور الهجرة لم يكن العامل الوحيد في نجاح الحزب، إذ ألقى تقرير لمجلة "التايم" الضوء على دور التدخل الأميركي، الذي شكّل نقطة دعم مهمة لـ"البديل من أجل ألمانيا".

ففي تقرير لمجلة التايم الأميركية تضمن مقابلة خاصة مع زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا أليس فايديل، تقول المراسلة سيمون شوستر إن فايديل كادت تسقط مغشيا عليها قبيل عيد الميلاد الماضي عندما قرأت تغريدة إيلون ماسك على "إكس" التي كتب فيها "حزب البديل من أجل ألمانيا وحده قادر على إنقاذ ألمانيا"، ووصفتها زعيمة الحزب بأنها "هدية من السماء".

ماسك أعلن خلال بث مشترك مع فايديل دعمه لحزب البديل من أجل ألمانيا (غيتي)

فلم يسبق لحزب البديل من أجل ألمانيا أن حصل على مثل هذا التأييد القوي من قبل، بل كان دائما على الهامش ومحاصرا من قبل الساسة الألمان الذين يعتبرونه خطرا على ألمانيا بدلا من أن يكون منقذا لها.

فقد صنفت هيئة الاستخبارات الرئيسية في البلاد بعض فروع حزب البديل من أجل ألمانيا على أنها جماعات متطرفة، ووضعت العديد من قادتها تحت المراقبة. لكن كل ذلك، حسب مجلة التايم، لم يمنع إدارة ترامب من احتضان حزب البديل من أجل ألمانيا، فبعد إعلان إيلون ماسك دعمه الصريح لحزب البديل والحملة التي شنها على الأحزاب الألمانية الأخرى جاء الدور على  جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي.

إعلان

ورغم تصنيف هيئة الاستخبارات الألمانية لبعض فروع الحزب كجماعات متطرفة ووضع عدد من قادته تحت المراقبة، لم يكن ذلك رادعا لدعم إدارة ترامب، حسب مجلة التايم، فقد التقى جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي بفايديل على هامش مؤتمر ميونخ للأمن.

وباعتباره منبوذا من المؤسسات الرسمية الألمانية، لم تتم دعوة حزب البديل للمؤتمر، ولم يُسمح لفايديل بالدخول إلى مقر انعقاده، فكان لقاؤها مع نائب الرئيس الأميركي في قبو الفندق الذي يقيم فيه، كما تنقل المجلة عن فايديل أن رسالة فانس كانت بمثابة "جرس إنذار" للمؤسسة الألمانية: "لن تسمح الولايات المتحدة لأوروبا بعد الآن بإبعاد اليمين المتطرف عن سياستها".

وبالفعل نقل فانس هذه الرسالة إلى المجتمعين في ميونخ في اليوم نفسه، وقال من على المنصة إن "إبعاد الناس عن العملية السياسية لا يحمي شيئا، بل إنه في الواقع الطريقة الأكثر أمانا لتدمير الديمقراطية".

وكان الخطاب صادما بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين، ووصفه عدد منهم بأنه عمل صارخ للتدخل في الانتخابات الألمانية ودعم واضح من إدارة ترامب لحزب البديل من أجل ألمانيا.

جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي ترامب (رويترز)

وتنقل التايم عن فايديل فرحتها العارمة بدعم إدارة ترامب، حيث تقول "إنه أمر لا يصدق، إنها واحدة من أعظم اللحظات بالنسبة لنا"، وعندما سُئلت عن أسباب دعم ترامب لحزبها قالت فايديل: "قد يكون هناك شيء شخصي وراء ذلك، فإن جده فريدريك ترامب هاجر من ألمانيا إلى الولايات المتحدة في أواخر القرن الـ19، فربما دفعت روابط الدم هذه الرئيس الأميركي إلى النظر عبر المحيط والتساؤل: "ما الذي يحدث في قارة أجدادنا؟".

وحسب التايم يشترك ترامب مع اليمين المتطرف الألماني في ما وصفته بالشعور بالاستياء، فحزب البديل يرفع شعار "العودة إلى العظمة الألمانية" ويسخر من النخب الليبرالية ويسعى إلى تجريدها من السلطة، تماما كما فعلت حركة ماغا في الولايات المتحدة.

إعلان

وتتحدث التايم عن بعد شخصي آخر في العلاقة بين إيلون ماسك ورئيسة حزب البديل فايديل، فلعائلة الأخيرة ارتباطات بالنازيين، حيث "كان جدها لأبيها هانز فايديل عضوا في قوات الأمن الخاصة في عهد هتلر وعينه أيضا قاضيا عسكريا في بولندا المحتلة من قبل ألمانيا، وتطلبت الوظيفة منه إرسال أعداء النظام النازي إلى معسكرات الاعتقال".

أما إيلون ماسك، تضيف التايم، فقد "وُلد ونشأ في جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري، حيث وجدت سياسات ذلك النظام دعما بين عائلته، وأعلن جده لأمه، جوشوا هالديمان، تعاطفه مع هتلر وكان مدافعا بشدة عن نظام الفصل العنصري، الذي اعتبره طليعة الحضارة المسيحية البيضاء".

مسار جديد تسلكه ألمانيا

لعل أهم التحولات التي حملتها الانتخابات الألمانية هو ذلك الإعلان الصريح للمستشار المستقبلي ميرتس عن نيته انتهاج مسار جديد تسلكه ألمانيا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.

ففي أولى تصريحاته بعيد ظهور النتائج مساء الأحد 23 فبراير/شباط 2025، قال ميرتس على شاشة التلفزيون الألماني "لم أكن أتصور يوما أن أتفوه بهذا: سأعمل على تحقيق استقلال بلادي عن الولايات المتحدة"، مما ولّد صدمة سياسية وإعلامية في داخل ألمانيا وخارجها، ومعلنا توجها غير مسبوق للسياسة الألمانية في العصر الحديث.

ووفقا لصحيفة لوموند، فمن الواضح أن ميرتس تعلم الدروس من الزلزال الجيوسياسي الراهن، مضيفة أنه بالنسبة لزعيم ألماني، فإن مثل هذه الخطوة ليست سهلة، وبالتالي فلا بد من الترحيب بهذا الوضوح: فحقيقة أن ألمانيا في هذه اللحظة التاريخية ملتزمة بوضوح وبحزم بالوحدة الأوروبية تشكل أهمية قصوى خصوصا بالنسبة لفرنسا، ولنأمل أن يتمكن المستشار ميرتس من تشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن، فالوقت ينفد، على حد قول الصحيفة.

ويعتبر بول تايلور من صحيفة الغارديان أن أوروبا تحتاج إلى الزعامة الألمانية لإنقاذ حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، ويبدو فريدريش ميرتس عازما على توفير هذه الزعامة، فهو أكثر جرأة وأقل حذرا من المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس، على حد قوله.

إعلان

ويضيف تايلور "لقد قال ميرتس إن أولويته المطلقة ستكون "تعزيز أوروبا حتى نتمكن من تحقيق استقلال حقيقي خطوة بخطوة عن الولايات المتحدة"، مضيفا أنه "لم يكن من الواضح ما إذا كنا سنظل قادرين على التحدث عن الناتو في شكله الحالي، فبعد تقارب ترامب مع روسيا لم تعد أوروبا تستطيع الاعتماد على الحماية الأميركية، ودعا المستشار إلى مفاوضات مع المملكة المتحدة وفرنسا بشأن تقاسم رادعها النووي مع ألمانيا وأوروبا.

كيف يكون شكل الائتلاف المتوقع؟

حسب تحليل على موقع هيئة الإذاعة الألمانية، ترى الكاتبة ساندراين بلانشارد أن الائتلاف الأكثر احتمالا للحصول على الأغلبية في البوندستاغ سيكون تحالف الديمقراطيين المسيحيين مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي بقيادة المستشار المنتهية ولايته شولتس، رغم أنه يتوقع أن تكون المفاوضات معقدة، فهناك نقاط خلاف عديدة تتعلق بالديون والسياسة الضريبية وإصلاح نظام التقاعد، وليس محسوما ما إذا كان ميرتس سيحظى بالأغلبية بالتحالف مع الديمقراطيين الاجتماعيين فقط أم سيحتاج إلى شريك ثانٍ أيضا، والذي من الناحية الواقعية لن يكون سوى حزب الخضر.

وقد أكد ميرتس أنه يعلم أن المفاوضات لن تكون سهلة لكن "الأمر الأكثر أهمية هو إعادة تأسيس حكومة قابلة للحياة في ألمانيا في أسرع وقت ممكن فالعالم الخارجي لن ينتظر مفاوضات مطولة".

وفي حين استبعد ميرتس مرارا وتكرارا إشراك حزب البديل لألمانيا في الحكومة، قالت زعيمته فايديل إن الحزب "منفتح على مفاوضات الائتلاف مع حزب ميرتس، وأنه بخلاف حصول ذلك، فلن يكون ميرتس قادرا على فعل شيء ولن يتمكن من تنفيذ برنامجه مع الأحزاب اليسارية".

وفي السياق ذاته، ترى الكاتبة مريم لاو من الغارديان أن ميرتس نظرا للنتيجة الباهتة التي حصل عليها حزبه، أصبح في مأزق عالقا بين المحافظة والاستبداد، ففي حين يصوره الديمقراطيون الاجتماعيون -الذين سيتعين عليه الحكم في ائتلاف معهم- باعتباره شعبويا يمينيا يمهد الطريق أمام اليمين المتطرف، يصيح حزب البديل من أجل ألمانيا في وجهه: "نحن المستقبل، يا سيد ميرتس! اتبعنا إذا كان لديك أي قوة متبقية".

هوير: إستراتيجية حزب البديل من أجل ألمانيا من الآن هي كسر ما يسمى جدار الحماية الذي يمنعه من الوصول إلى السلطة(غيتي) هل كسر اليمين جدار الحماية؟

ترى المؤرخة كاتيا هوير في مقالها في صحيفة الغارديان البريطانية أن إستراتيجية حزب البديل من أجل ألمانيا من الآن هي كسر ما يسمى جدار الحماية الذي يمنعه من الوصول إلى السلطة، ولذلك أعلنت فايديل للمستشار الجديد أن "بابها مفتوح للشراكة، حتى يمكن تنفيذ إرادة الشعب".

لكن فايديل أيضا تسخر من ميرتس وتقول: "إنه ينسخ برنامج حزبها فقط لكنه لا يستطيع تنفيذه، لأنه يحتاج للحكم إلى ائتلاف مع أحزاب يسارية لا تسمح له بفعل أي شيء".

إعلان

وتتلخص أولويات حزب البديل لألمانيا في ملف الهجرة، حيث يدعو إلى إغلاق حدود ألمانيا أمام طالبي اللجوء والطرد الجماعي للمهاجرين خصوصا أولئك القادمين من العالم الإسلامي.

وحسب صحيفة التايم، فإنه بالنسبة لفايديل، يبدو أن ما يسمى جدار الحماية منهار، فقد فازت بدعم ملايين الناخبين، والآن يبدو أن البيت الأبيض في صفها، وكرمز لامتنانها، تحتفظ بقبعة بيسبول حمراء معروضة في مكتبها، مكتوب عليها "لنجعل ألمانيا عظيمة مرة أخرى".

مقالات مشابهة

  • أرتيتا يكشف فوائد لقاء أيندهوفن.. ويعترف بالتحدي الذي ينتظره
  • حازم حسني يترشح على منصب السكرتير العام بانتخابات اللجنة الأولمبية
  • متحدث الوزراء: الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي تشمل ملفات اقتصادية وسياسية هامة
  • محافظ شمال سيناء يستقبل سفير هولندا في القاهرة
  • وقاية النباتات يستقبل خبراء إيطاليون في إطار توأمة مصر والاتحاد الأوروبي
  • الاتحاد الأوروبي: مصر تلعب دورا محوريا في ضمان السلم والأمان الدائم في المنطقة
  • حماس تُعلق على قرار وقف المساعدات الإنسانية: ابتزاز رخيص
  • مطيع ينافس على منصب السكرتير المساعد بانتخابات اللجنة الأولمبية
  • الداخلية العراقية توقف منح سمة الدخول في المطار لمواطني أمريكا والاتحاد الأوروبي ودول آسيوية
  • ألمانيا بين الاستقلال عن أميركا وصعود اليمين المتطرف