قراءة في كتاب جديد للدكتور أحمد عبد الملك.. الطريق إلى الرواية الناجحة
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
كيف يكتب الروائي رواية ناجحة؟ وهل الموهبة وحدها كافية لكتابة رواية ناجحة؟ سؤالان محوريان يجيب عليهما الروائي أحمد عبد الملك في كتابه «الطريق إلى الرواية الناجحة»، الصادر عن دار كتارا للنشر (2023)، والذي يُمثل وجبة معرفية مركزة، إذ يقع في 105 صفحات من القطع المتوسط، ومقسّم إلى أربعة فصول تسبقها مقدمة وتليها خاتمة.
ينطلق الكاتب في المقدمة من القول بأنه قرأ 172 رواية قطرية، بينما كان يقرأ بشكلٍ مواز في ماهية الرواية وأساليبها واشتراطاتها، فاستشعر أن المكتبة العربية تُعاني من ندرة ما كتب في ذلك، ما جعله يفكر في وضع كتاب يتناول أسس كتابة الرواية؛ بهدف أن يكون دليلًا ومرشدًا للروائي الشاب المبتدئ؛ لأجل تجويد إنتاجه، إذ إن هناك فارقًا كبيرًا بين الرواية، السرد، الواقع التاريخي، القصة القصيرة، والمذكرات أو ما يُعرف بسرد الذات، فالرواية في المقام الأول فن إبداعي أدبي حجره الأساس المفردة اللغوية، والأساليب البلاغية والإنشائية، والتشبيهات والاستعارات، والاسقاطات، كما أنها عمل سردي إنساني، يختزل تجارب واقعية أو حقيقية، يمزجها الروائي بخياله، وهي كذلك فن أدبي نثري طويل؛ يعتمد على العوالم المتخيلة الأقرب للواقع المعاش، يقدم فيها الروائي تجربة إنسانية في إطار من التشويق والإثارة، كما يجب أن تتوفر لها مجموعة من الأسس والأدوات والإمكانيات، كالموهبة، التي يرى المؤلف أنها تمثل 10% فقط من مبادئ وأدوات الرواية، إلا أنها، رغم ذلك، مهمة جدًا؛ بالإضافة لخبرات الروائي ومحصلته اللغوية، ومفرداته الأدبية، وإمكانياته في توظيف الكتابة السردية بشكلٍ صحيحٍح وفق أدواتها، كاستخدام اللغة السليمة الخالية من الأخطاء الإملائية والنحوية، والتراكيب الضعيفة، وأن تقوم على بنية سليمة للجملة سواءً اسمية أو فعلية بشكلِ صحيحٍ، ولأن الرواية تقوم على رؤية متخيلة للشخوص والأحداث والبنية السردية والقصصية؛ فيجب أن يمتلك الروائي سعة من الخيال، وأن يُلم باللغة والنحو والصرف، لأن أساس الرواية الأول هو اللغة، وليس بالضرورة أن يكون ذلك بذكر الأشعار والحكم والمأثورات، والآيات القرآنية، من دون أن يكون لها مبرر، لأن الرواية تقوم على الجمال والفن والخيال المشوق والبلاغة والبديع والحبكة السردية، كما يجب ألا تدور أحداث الرواية في فضاء متخيل لا علاقة له بالمكان والزمان، ولهذا يضع ناقدو الأعمال الروائية خصائص للسرد الروائي، تتمثل في: الحبكة، السرد، المكان، الزمان، الشخوص واللغة، بالإضافة للمساعدات السردية والمنولوج (حديث الذات) والرسائل.
أسس ومفاهيم الرواية
يرى الكاتب أن هناك حالات للخروج على أسس ومفاهيم الرواية، كعدم اهتمام بعض الكتاب بحجم الرواية، فضلا عن عدم اهتمام بعض الروايات بالبحث في الموضوع الذي تتناوله، فجاءت دون أي غموض في تضاعيف الموضوع، كما لم تحفل بعض الروايات بالصور البلاغية، كما أن بعضها جاء مخالفًا لواقع الحال المتعارف عليه، ما يشوه التراث، ويزود القارئ بمعلومات خاطئة، والكاتب يرى من خلال تجاربه في قراءة الروايات أن بعضها به ضعف واضح في اللغة العربية، والبعض الآخر به ارتباك في تراكيب الجمل، ويخلط بين الجمل الاسمية والفعلية، كما استرسل البعض الآخر في الوعظ على حساب جماليات الرواية، وغاب الهدف من بعض الروايات، فضلا عن أن بعضها يمكن وسمها بأنها قصص تراثية أو اجتماعية واقعية يغيب عنها الإبداع، والخيال، ومن ثم جاءت في قالب سردي جامد، وتجاهل بعض الروائيين علامات الترقيم، وأهملوا الشكل الفني للرواية، وانحصروا في الأنماط التقليدية للقص، وانتقلوا من راوٍ إلى آخر بشكل يُربك القارئ، ويشتت تركيزه.
يخصص الكاتب فصلا خاصًا لبعض الأخطاء النحوية الشائعة التي يقع فيها كُتاب الرواية، انطلاقًا من أن النحو والصرف أساس مهم في الكتابة السليمة، كالتفريق بين كان وإن، همزتي الوصل والقطع، والجزم، ثم يقدم نماذج من المحسِنات البديعية باعتبارها المنكهات، التي تزيد السرد جمالا، وتأخذ القارئ ليحلق في عالم الآفاق الأرحب.
الأدب الرقمي
يُسلِّط الفصل الأخير من الكتاب الضوء على إشكالية «الأدب الرقمي»، وما انبثق عنه مما أضحى يُعرف بالرواية الرقمية أو الرواية التفاعلية، والتي نقلت النطاق الإنساني الواقعي إلى العالم الرقمي الافتراضي، فالرواية الرقمية هي الاندماج بين النص وشبكة الإنترنت، وتخليق نص غير ورقي له مميزات تتداخل فيها المؤثرات البصرية والسمعية والمرئية، ليُشارك القارئ في كتابة الحكاية أو القصة أو الرواية، ولعل هذا ما جعل بعض النقاد الأدبيين يمتدحون الرواية الرقمية؛ محاججين بأنها قادرة على تمثيل استيهامات المؤلف والقارئ، وأشد تمكينًا لهما، إذ يسهم القارئ بإضافة مقاطع تدفع بالرواية المضي قدمًا إلى الأمام، ولهذا يخلص المؤلف إلى أن الوقت لا يزال مبكرًا للحكم على هذا التطور الجديد في كتابة الرواية. وأخيرًا يقدم خلاصة كتابه في قوله: «لقد حاولنا خلال صفحات هذا الكتاب أن نبيّن الطريق إلى رواية ناجحة، ونأمل أن يستفيد جيل الشباب...، وأن يطرح هذا الجيل الأسئلة الصعبة، التي لم ترد في هذا الكتاب». وبهذا يمثل هذا الكتاب إضافة تسد ثغرة في سبيل توضيح النهج السليم لكتابة الرواية.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر أحمد عبد الملك
إقرأ أيضاً:
جيل زد والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيسبوك
أطلق الكاتب والصحفي المغربي عبد الواحد استيتو مؤخرا رواية تفاعلية على تطبيق "تيك توك"، تحت عنوان "الحقيبة"، في تجربة هي الأولى من نوعها في المشهد الأدبي بالمغرب.
وتأتي هذه التجربة استكمالا لمسار ابداعي انتهجه الكاتب منذ سنوات، حيث سبق لروايته "على بعد مليمتر واحد فقط"، التي اعتبرت أول رواية عربية تنشر فصولها على فيسبوك، أن فازت بجائزة الإبداع العربي عام 2018.
وفي مقطع تشويقي، نشرت صفحة "الحقيبة" على تيك توك، أن أحداث الرواية تدور بمدينة طنجة، شمال البلاد، وتحكي قصة سائق تاكسي "تقع أمام عينيه جريمة قتل، قبل أن يكتشف أن الزبون الذي راح ضحية الجريمة قد نسي لديه حقيبة غامضة، يفتح يوسف الحقيبة، يجد ماذا؟ تابعوا الفصل الأول من الرواية، ونكتب جميعا أول رواية تفاعلية في العالم على هذه المنصة".
@alhakeeba#booktok #بوكتوك #روايات
♬ Suspenseful and tense orchestra(1318015) - SoLaTiDoوحاول استيتو في روايته الجديدة أن يجعل "الحقيبة" مفتوحة أمام جيل "زد" الناشط بقوة على منصة تيك توك، حيث أتاح للنشطاء في المنصة فرصة متابعة أحداث الرواية عبر مقاطع مسموعة مرفوقة بمشاهد مرئية تحاكي الأحداث، ومنح بذلك فرصة للقارئ للتفاعل مع فصولها التي تنشر بشكل دوري.
@alhakeeba#booktok #بوكتوك #روايات #طنجة #المغرب #قصص
♬ Suspenseful and tense orchestra(1318015) - SoLaTiDoحسب السن، أغلب متابعي رواية الحقيبة على منصة تيكتوك هم بين 25 و34 سنة..
Posted by عبد الواحد استيتو on Thursday, July 4, 2024في هذه المقابلة مع موقع قناة "الحرة"، يتحدث الكاتب المغربي عن أسباب اختياره لمنصة تيك توك لنشر روايته ويناقش مدى نجاح هذا الأسلوب في استمالة القراء، كما يتحدث عن رؤيته للأدب التفاعلي وعن إمكانية نجاحه مستقبلا في تشجيع الجيل الصاعد على القراءة.
نص المقابلة:
حدثنا عن روايتك "الحقيبة" وعن دوافع اختيارك لمنصة "تيك توك" لنشرها وتقديمها للجمهور؟أظن أننا في زمن أصبح من المستحيل فيه إصدار عمل وانتظار إقبال القارئ عليه بالشكل الكلاسيكي. نعرف كيف انشغل الناس، الشباب خصوصا، بالهواتف والتكنولوجيا، وتركوا الكتاب والقراءة بشكل عام، لا سيما في العالم العربي.
ولأنني روائي يكتب للقارئ بالدرجة الأولى ويستهدفه، ولا أتوجه بكتاباتي للنقاد، أو أحملها حمولة عميقة، فإن همي دائما أن أصل لهذا القارئ بكل الوسائل، وأورّطه توريطاً جميلاً في قراءة ما أكتب أوّلاً، وفي فعل القراءة بشكل عام.
لهذا، في كل مرة أراقب جديد السوشيال ميديا، وأحاول أن أبقى على اطلاع على ما يروج فيها، وقد كان آخر ما وقع بيدي أن منصة "توك بوك" (وهي قناة فرعية لتيك توك تناقش الكتب)، تحظى بملايين المتابعات، عالمياً على الأقل.
وهنا فهمت أن المنصة قد تكون وسيلة للوصول إلى قارئ مختلف، ربما أصغر سناً، لكنه يريد أن يقرأ أو يستمع، أو حتى يشاهد، روايات وحكايات تمتعه وتفيده.
ما هي أبرز التحديات التقنية التي واجهتها أثناء إعداد الرواية، وكيف أثرت نشأة جيل "Z" في عالم رقمي بالكامل على أسلوب كتابتها؟قد يكون التحدي الأكبر هو التكاليف المطلوبة كي تصل قناة الرواية على المنصة إلى أكبر عدد من القراء، فالأمر على أية حال يحتاج الكثير من الإشهار.
من الناحية الإبداعية، لا بد من اعتماد أسلوب جزل بسيط والحفاظ على عنصر الإثارة بشكل كبير، كي لا "يهرب" قارئ تيك توك من براثن عملك، ونحن نعلم جيدا كيف هو جيل "Z": سريع الملل، وقدرته على تجاوز روايتك تقع على مرمى أصبع منه.
أيضا هذا الجيل، يفضل الصورة أولا، ثم المسموع ثانيا، فإلى غاية الفصل الثالث، كانت الرواية مسموعة فقط، لكن ارتأيت أن الأمر يتطلب مجهودا أكبر، فاعتمدت على مصمم فيديو، لتصميم الفصول اللاحقة من خلال تضمين مشاهد رمزية وتقريبية للأحداث، لمساعدة القارئ/المشاهد أكثر على تصور الأحداث والغوص فيها أكثر فأكثر.
لا زلت أرغب في تطوير الفكرة بشكل كبير جدا، بحيث يصبح القارئ جزءا متفاعلاً "جدا"، وهذا ما سأفعله في الجزء الثاني من الرواية.
هل فتحت فصول الرواية نقاشات أو حوارات بين القراء على المنصة؟ وكيف كانت نوعية النقاشات التي دارت حولها؟مبدئيا نعم، لا أستطيع أن أقول إن النقاشات كانت متبادلة، لكن التعليقات كانت مشجعة جدا ومحفزة وتؤكد أن القراء يتابعون الرواية فعلا، فصلا بعد فصل.
يتوقع القراء ما سيأتي ويلومون البطل، ويتفاعلون مع الأحداث، وهذا أمر هام جدا بالنسبة للكاتب، ويمنحه القدرة على المواصلة.
في السياق نفسه، هل لمست فرقاً بين هذا التفاعل وبين تجاوب النشطاء مع روايتك الأولى "على بعد ميلمتر واحد" التي نشرت فصولها على فيسبوك؟بالتأكيد، تبقى تجربة "على بعد ملمتر واحد فقط"، أول رواية عربية على فيسبوك، مختلفة جدا لأنها كانت الأولى من نوعها على كافة منصات التواصل.
فيسبوك كما نعلم هو "موقع للآباء" كما يطلقون عليه، أي أنه يضم فعلا قراءً شباباً، وأكبر سنا قليلا أيضا، مع رغبة واضحة في القراءة، لأن قوة المنصة في المنشورات وليس في الصور أو الفيديوهات.
ما أريد أن أقوله أن فيسبوك منصة نشر حقيقية، وبالتالي فنشر رواية عليها لم يحتج لمجهود كبير، كما أن فيسبوك يوفر خصائص عديدة، كاستطلاعات الرأي، التي تشكل بالنسبة للرواية التفاعلية أمراً هاماً جدا، يسمح للقارئ بتقرير مصائر الأبطال.
برأيك، هل يمكن للروايات التفاعلية أن تصبح في يوم من الأيام نمطا سائدا في الأدب العربي؟ وإلى أي حد يمكن أن تكون بديلا للكتب التقليدية؟أظن أن الأمر يتعلق بالتكامل وليس تعويض هذا بذاك. سيبقى للكتاب مكانته، وإن تزحزحت قليلا إلى الوراء، لكن بالمقابل يفسح مجال أمام الروايات التفاعلية والكتابات على المنصات.
فقط يحتاج الأمر الكثير من المجهود، والإشهار، واستعمال وسائل التسويق لجلب القارئ، وبمجرد ما تحدث تلك اللحظة التي لا يعود بعدها كما كان قبلها، وتصبح إحدى الروايات "حدثاً" اجتماعيا حقيقيا متداولا، فإن الأمر سيتسارع أكثر وأكثر.
ووجود رواية تفاعلية لا يعني إطلاقا أنها لن تتواجد في السوق بشكل ورقي في وقت لاحق. بل ربما هذه هي نقطة قوتها، حيث يمكن للعدد الكبير من القراء الذين تفاعلوا معها إلكترونيا أن يحصلوا عليها بعد طبعها كاملة بشكلها الورقي.
ولعل هذا ما حدث في تجربة الرواية الفيسبوكية، حيث صوّت حوالي 95% من القراء بالإيجاب على سؤال حول رغبتهم في الحصول على النسخة الورقية منها، بعد أن وصلنا إلى الفصل الأخير إلكترونياً.
ما تعليقك على تراجع معدلات المقروئية في العالم العربي؟ وهل تعتقد أن هذا النوع من الأدب التفاعلي قادر على تشجيع الجيل الصاعد على القراءة؟أفضل أن أجيب على هذا السؤال بسؤال آخر: ما الذي نقدمه حقا للقارئ؟ هل يضم السوق كتباً تستحق، وترضي شغف وفضول القارئ؟
نلاحظ أنه حتى في الغرب، فإن أكثر الكتب مبيعا، في الغالب، هي الروايات، والرواية عمل ترفيهي بالدرجة الأولى من وجهة نظري، فإن لم يستوف شروط الإشهار والتسويق والإمتاع، بقي هناك على الرفوف.
لدينا أمثلة قليلة على نجاح بعض الروايات في العالم العربي، وهو دليل على أن الأمر قد ينجح مع البعض، وأن البقية تتطلب فقط مجهودا وتوجها سياسيا أيضا ولا شك، كي تجد لها مكانا لدى القارئ.
باقي أنواع الكتب هي تخصصات في العموم، يطلع عليها أصحابها بشكل أكاديمي، أو هي كتب فكرية أو اجتماعية تهم شريحة بعينها وليس الجميع.
نقطة قوة الروايات أنها كالأفلام، يمكن للصغير والكبير والمثقف والعادي أن يقرأها.
وأنا أتحدث هنا عن تجربة، وعدد قراء رواية "على بعد ملمتر واحد فقط" أكد لي ذلك، كما أن استطلاع رأي على صفحة الرواية كشف لي أن أكثر من 80% من المتابعين كانوا يقرأون رواية لأول مرة ! أي أنها كانت دافعهم لدخول عالم القراءة والكتاب.
لذا، في رأيي، إن كان من نقطة بداية في عودة القارئ العربي لدنيا القراءة، فهي ولا شك الروايات.
المصدر: الحرة