بعد اتفاق الأسرى.. ما رؤية العالم تجاه إسرائيل التي لا تقهر؟
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
بعد 48 يومًا من استمرار الحرب في قطاع غزة بدءًا من هجوم السابع من أكتوبر، مارس فيهم الاحتلال الإسرائيلي كافة الجرائم الوحشية والانتهاكات للقوانين والمواثيق الدولية، وارتكاب المجازر بحق النساء والأطفال والمدنيين بالقطاع، تبدأ اليوم،الجمعة، أولى عمليات إطلاق سراح الأسرى في اطار اتفاقية الهدنة بين إسرائيل وحماس، والذي يتضمن إطلاق سراح 50 من النساء والأطفال المحتجزين في غزة، مقابل إطلاق سراح 150 من النساء والأطفال الفلسطينيين في سجون إسرائيل دون سن 19 عامًا، بضغوط مصرية قطرية، فهل أثبتت عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها من أحداث تحطيم نظرية "الأمن الإسرائيلية" التي تغنت بها إسرائيل سنوات عديدة؟، هو ما أوضحه خبراء وأساتذة العلوم السياسية في التقرير التالي.
جهود مصر في الوصول لهدنة
وفي هذا الصدد، قال اللواء رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، إن مصر سعت بشكل رئيسي في الوصول إلى الهدنة الإنسانية وإعادة القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات، مؤكدًا أن الموقف المصري ودعمه للقضية الفلسطينية ثابت ومحوري منذ بدء عملية طوفان الأقصى ورفضه لعملية التهجير القسري وتصفية القضية الفلسطينية دون الوصول لحل عادل وسلمي.
هزيمة نتنياهو
وأضاف في تصريح خاص لـ "الفجر"، إن وقف إطلاق النار وإخراج الأسرى بضغوط مصرية أمريكية قطرية هو بمثابة هزيمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بينامين نتنياهو"، وانتصار للمقاومة الفلسطينية، مؤكدًا أن عملية طوفان الأقصى أثبتت وهن نظرية الأمن الإسرائيلي والقبة الحديدية الذي لا يقهر والتي تحلَّت بها إسرائيل على مدار سنوات.
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن الدبلوماسية المصرية ناجحة في مساندة القضية ونجحت بشكل رئيسي في تغيير لغة الخطاب الأوروبي وتوجيه نظر العالم إليها، لافتًا إلى أن ما حدث من قتل للنساء والأطفال المدنيين ما هي إلا محاولات من جانب إسرائيل للضغط على حماس وإضعاف الجبهة الفلسطينية، موضحًا أنها لم تحقق نجاحات تُذكر وما تم من استهدافات للمنشآت والمباني والمنازل وعلى رأسها المنشآت الصحية واقتحام المستشفيات وضربها هو مجرد محاولات لإرضاء الشارع الإسرائيلي في محاولة منه للوصول للأسرى لكنه فشل ذريعًا في ذلك.
الفشل العسكري والأمني
وأوضح اللواء رضا فرحات، أن ما تردد على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي من وجود أسرى وأنفاق، وأن حماس تستخدم المستشفيات والمدارس كدروع بشرية، كل هذا مخالف للواقع وتغطية للفشل الذريع والفشل العسكري والأمني والاستخباراتي للأجهزة الإسرائيلية.
بعد التهديد المُعلن.. هل تستخدم إسرائيل القنبلة النووية في غزة؟ هل ستلجأ مصر لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد البحرين والأردن؟.. خبراء يجيبون
فيما قالت الدكتورة نادية حلمي، أستاذة العلوم السياسية، إن ما تم من هدم للمستوطنات واختطاف للأسرى في عملية "طوفان الأقصى" هو تحطيم لأسطورة الجيش الإسرائيلي، ومفاجأة غير متوقعة أربكت حساباته وأثبتت فشل الاستخبارات الإسرائيلية وهو ما يمكن وصفه بـ "الفشل التاريخي".
هشاشة الجيش الإسرائيلي
وأكدت في تصريح خاص لـ "الفجر"، أن المقاومة الفلسطينية انتصرت في مواجهة الجيش الإسرائيلي، لافتة إلى أنه على الرغم ما تمتلكه إسرائيل من تكنولوجيا متطوره إلا أنها لم تنجح في الوصول إلى أسراها، مؤكدة أن هذه الأزمة واندلاع المظاهرات التي طالبت بتحرير أسراها هزت الداخل الإسرائيلي.
حل الدولتين السبيل الوحيد
وأشارت أستاذة العلوم السياسية، إلى أن ما حدث خلال عملية طوفان الأقصى من استغلال الهشاشة الواضحة لجيش الاحتلال الإسرائيلي هو ما جعله يرتكب المجازر في حق سكان قطاع غزة دون تفرقة بين الأطفال والكبار، لافتة إلى أن كافة الدول العربية وعلى رأسها مصر وجهت انتقادات حادة اعتراضًا على ما ارتكبه جيش الاحتلال من مجازر في حق الفلسطينيين وانتهاك للقانون الدولي، مؤكدة أن السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو حل الدولتين لتحقيق السلام.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس إسرائيل وحماس قطاع غزة الاحتلال الاسرائيلي حركة حماس المقاومة الفلسطينية اسرائيل العلوم السیاسیة طوفان الأقصى إلى أن
إقرأ أيضاً:
طوفان الأقصى: هل كان كارثيا؟ اتفاق غزة يجيب «2-2»
في الجزء الأول من هذا المقال تمت مناقشة أن قرار طوفان الأقصى كان قرارا صائبا بل قرارا محتوما وقدرا مقدورا لمنع تصفية القضية الفلسطينية وشطبها من التاريخ. وتمت مناقشة كيف كان الطوفان هزيمة تاريخية لإسرائيل لن تمحى مهما حققت من إنجازات عسكرية بعدها.
السؤال هو هل كانت هذه الإنجازات العسكرية وهي ليست قليلة «اغتيال هنية ونصر الله والسنوار، إضعاف قدرات حماس والجهاد وحزب الله البشرية والتسليحية، القضاء على ممر أسلحة المقاومة اللبنانية والفلسطينية القادم من إيران عبر سوريا، احتلال كامل الجولان السوري والتقدم نحو ريف دمشق» انتصارا ساحقا لإسرائيل والولايات المتحدة وهزيمة ساحقة للعرب؟
الجواب على ذلك بأفصح لسان ممكن قدمه اتفاق غزة الذي أعلن عنه في ١٥ يناير ٢٠٢٥ والذي اعتبره الإسرائيليون قبل غيرهم هزيمة استراتيجية إذ لم يحققوا فيه هدفا واحدا من أهدافهم المعلنة في الحرب.
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي وهو أحد روافد العقل الجيوسياسي والأمني للكيان يعترف بأن الجيش الإسرائيلي فشل في القضاء على حماس عسكريا إسرائيل لم تقض على«حماس ولن تقضي عليها لأنها لم تكن قادرة على فعل ذلك أبدًا». وزير الخارجية يسرائيل كاتس يعترف بأن جيشه فشل في تحقيق الهدف الثاني وهو استعادة أسير واحد في يد المقاومة في غزة عن طريق القتال والضغط العسكري ولم يكن هناك غير طريق واحد هو النزول على شروط حماس بأن يستعيد هؤلاء الأسرى عن طريق التفاوض ومبادلتهم بمئات من الأسرى الفلسطينيين. حتى الهدف الثالث الذي تبناه نتنياهو في الشهور الأخيرة بتحويل شمال غزة لمنطقة محروقة وتهجير سكانها للجنوب تمهيدا لاستيطان إسرائيلي فيها وتنفيذ خطة الترانسفير لمصر والأردن فشلت فشلا ذريعا. فنحو ٥٥ جنديا وضابطا إسرائيليا قتلوا منذ بدء هذه الحملة على الشمال و١٠٠ منهم قتلوا منذ ٣١ مايو الماضي بسبب رفض نتنياهو وقتها إبرام الصفقة نفسها الذي عاد وجثا على ركبتيه وقبلها أخيرا كما هي دون تعديلات بعد أن أظهر له ترامب العين الحمراء. المعنى هنا أن الإنجازات العسكرية الإسرائيلية كانت إنجازات تكتيكية لم تستطع تغيير المشهد الاستراتيجي للتفاوض ولم تفرض على حماس استسلاما أو تخليا عن شروطها الأساسية. في مفاهيم كلاوزفيتز وكل أساتذة الحرب والاستراتيجية التقدم العسكري في المعركة الذي لا يترجم نفسه لمكاسب سياسية ليس نصرا.
إن حقيقة أن إسرائيل عندما كسبت جولة بين ٣١ يوليو ٢٠٢٤ «اغتيال هنية» والأسبوع الثاني من ديسمبر الماضي التقدم الاحتلالي لها لمئات الكيلومترات في سوريا لم تكسب الحرب وأنها أجبرت على التخلي عن هدف نزع سلاح حزب الله في الشمال وهدف نزع سلاح حماس وفصائل المقاومة الأخرى في الجنوب. هذه هي الهزيمة الحقيقية لإسرائيل فهذه الحرب لم تكن بين الجيش النظامي الإسرائيلي وجيوش عربية نظامية بل بينه وبين منظمات مقاومة غير حكومية. معيار النصر هنا ليس فوز حماس وشقيقاتها في المقاومة بجولة وفوز إسرائيل بجولة أخرى وإنما هي في الاحتفاظ بالسلاح وبخيار المقاومة قائمين أو كما قال حسن نصر الله «عندما لا ننهزم ننتصر».
إذا أخذت حماس كمثال فحتى لو وافقنا على التقديرات الإسرائيلية التي تباهى بها واحد من أهم الصهاينة الأمريكيين السفير دينيس روس والتي تزعم أن حماس خسرت نحو ٦٠٪ من مقاتليها. فإن من رد عليه بشكل مباشر هو بلينكن الذي قال إن حماس استعوضت ما فقدته من المقاتلين وجندت أعدادا مثلهم. هؤلاء سيكون غضبهم ورغبتهم في أخذ الثأر لا تقارن بجيل فلسطيني سابق منذ النكبة. بعض هؤلاء المقاتلين بحثوا عن الحماس والجهاد وغيرها وانتقلوا من حياة المدني لحياة المجاهد فقط لكي ينتقموا من العدو الذي أباد في الـ١٥ شهرا الماضية أكثر من مائة طفل وامرأة وشيخ في العائلة الواحدة في كثير من الحالات.
وسيقال هنا لكن القادة المجرَّبين الملهمين في الصف الأول خاصة في الجناح العسكري تم اغتيالهم ولم يبق منهم إلا قليل. ينسى هؤلاء أن الجهاد وحماس والشعبية ومن قبلهم فتح -عندما كانت ترفع البندقية وقبل أن تتحول سلطة للتنسيق الأمني مع العدو - تم اغتيال جميع مؤسسيها من الجيل الأول. وينسون وهذا هو الأهم المفاعيل الإيجابية التي ستأتي بها صفقة تبادل الأسرى إذ من الذين ستستردهم حماس مثلا قيادات وسيطة مثل عبد الله البرغوثي وفتحي السيد وهؤلاء مرشحون ليكونوا الجيل الثالث القيادي لحماس تماما كما خرج يحيى السنوار وصالح العاروري كجيل قيادة ثان في صفقة تبادل مماثلة «صفقة شاليط الشهيرة» وصار لاحقا الجيل الأول. سيقولون لكن حماس دمر معظم سلاحها وقطع طريق الإمداد عنها بعد إغلاق الطريق الإيراني عبر سوريا بعد تسلم السلطة في دمشق مجموعة سياسية بادرت بطمأنة إسرائيل أنها لن تسمح بأي شيء من إيران أو غيرها يهدد الأمن الإسرائيلي. مرة أخرى يتجاهل هؤلاء أن مقاتلي غزة يحاربون إسرائيل وأمريكا والناتو منذ عام ونصف دون أن تدخل إليهم قطعة سلاح واحدة تقريبا مع تواطؤ الجميع على حصارهم. السر هنا هو في النقلة النوعية التي كان حققها يحيى السنوار وصالح العاروري في غزة وبشكل نسبي في الضفة هو تحويل المصدر الرئيس للسلاح نحو التصنيع الذاتي بعد الحصول على تقنيات التصنيع من طهران، أما المصدر الثاني tهو إعادة تدوير واستخدام قذائف وقنابل إسرائيل التي لم تنفجر والمصدر الثالث وهو تسرب الفساد إلى أقسام في الجيش الإسرائيلي تبيع السلاح للمقاومة عبر التجار. كل هذا مستمر وسوف يزداد خاصة وأن الأنفاق كمواقع لتصنيع وتخزين السلاح لم تدمر بشكل كامل كما سعت أو ادعت إسرائيل. وما تحسر بايدن قبل يومين من خروجه مهزوما عليه من أن شبكة الأنفاق في غزة عمل مذهل ووصلت بعضها لنحو ٦ أقدام، وما فشل الجيش الأمريكي قبل الإسرائيلي في الوصول للرهائن ٤٧٢ يوما وهم محروسون في أنفاق إلا دليل على أن جزءا مهما منها مازال قائما وإعادة بناء ما تهدم منها ليس مستحيلا.
وحتى ممرات الأسلحة قد تعود في أول تغير جيوسياسي، ما زالت تبعات طوفان الأقصى حبلى بالكثير منها. قد يكون اتفاق غزة نصرا منقوصا للمقاومة تنغص عليه مرارة نحو ١٧٠ ألفا من الشهداء والمصابين والمفقودين من ضحايا جريمة الحرب الأمريكية -الإسرائيلية التي أنفق فيها خمسون مليار دولار على منطقة لا تزيد عن مساحة حي كبير في العواصم الكبيرة.. وقد تكون هزيمة غير مكتملة لإسرائيل لما حققته من بعض الإنجازات في الشهور الأربعة الأخيرة من العام الماضي.. لكن المؤكد أن ٧ أكتوبر دخل التاريخ فعلا كنصر عربي وهزيمة إسرائيلية وأن جولات قادمة للصراع ستندلع عندما تنتهي استراحة المحارب الفلسطيني واللبناني وتضمد منظماته جراحها وتستعيد قوتها.
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري