حميد عقبي الشاعرة الجزائرية د. سليمة المسعودي، متعددة الإبداعات، فهي شاعرة وأستاذة جامعية وناقدة، ولها العديد من المؤلفات والإبداعات الشعرية والنثرية والدراسات النقدية ومنها: “الذات والمرآة في تأويل النص الشعري، جدل السياق والأنساق، الحداثة والتجريب في تشكيل النص الشعري المعاصر دراسة في شعر أدونيس”، وسنتوقف معها هنا كشاعر ونحاول تأمل تجربتها الشعرية وتلمس بعض العناصر وتسعى في كتابتها الشعرية إلى تجاوز الرؤية الاحادية المحدودة وتجاوز الإطار الواحد بحيث يكون للنص أكثر من ضفة وكواليس متعددة ويصبح النص بمثابة الملعب اللأمحدود لتذوق معاني والخوض في أسئلة كبيرة كالحياة والحرية والموت وغيرها، تتحاشى سليمة المسعودي الإكليشيهات المكررة وتحاول أن تعانق عوالم متعددة.

سنأخذ ببداية هذا المادة أحد نصوصها ويادو أنه وقفات تأملية بعوالم متعددة ولسنا مع نصٍ يصفُ الطبيعة ولا الطيور بقدر كونه رحلة ممتعة وشائكة مقلقة، لنقرأ النص ونحاول أن نجول في دهاليزه :ـ ما الذي تفعله الطيور البحرية  وحيدة.. غير أن تحلق في سماء رمادية… وأن تفصح عن رغبتها في البقاء. ولو على رصيف موحش… ما الذي نتركه لغد قبل أن نغادر.. غير دقات الوقت البطيئة.. تختبر مدى القدرة على الحياة… الذكريات المحنطة ..لا حياة فيها..جامدة..و باردة. و رغم منظرها الجميل…يحلق حولها شبح الموت.. كالنوارس اكتشفت أن الطرق الضائعة. لا تؤدي… أن نشرع نوافذنا جميعا لريح الوهم. و نستلقي تحت طائلة الانتظار..للذي لا يأتي.. هو ما تبقى في زجاجة العطر من رائحة البحر.. والخريف الذي أمطر فيه. فتساقطت أوراقه في قلبي… واصطخبت داخله الأمواج… وبقي صوت النورس موجعا في صدري.. بأشياء الغياب.. وبأبعد من حدود البصر. و الكلام… نام هذا الشعور في قلبي… كموسيقى هادئة تستثير الأعماق. و تحدق في فراغ  الوحدة المضيء.   فهناك نافذة في مساحة الغرفة.. تطل عليك يا شمس الذكرى البعيدة… تتسارع دقات الإيقاع..  و يصعد الوقت تناغمه في روحي. بينما هناك دائما…لحظة ما… غريبة ودافئة ومؤلمة في آن..تناديني… يا طفلة الحياة  التي ضيعتني..عودي… وبنزيف حار  تتسع مرارة تقبل الخذلان… و يتمادى هذا الصمت الحيادي.. باردا كنار منطفئة… قبل أن أسمع صوت البحر…عند حافة المغيب.. يؤنسه النورس وحيدا على شاطى بارد.. كان علي أن أتابع قراءة ما تبقى من النقاط البيضاء.. ترتجف باكية… حين  تكتب للذكريات خاتمة اللحظة .. و تحدد لها…مفترق الطريق… الأرض والوطن والهوية الجزائرية من الثيمات المقدسة والتي لا ينازل عنها أغلب المبدعين والمبدعات في الجزائر وفي كافة أنشطتهم الإبداعية، هنا في هذا النص سنجد قداسة الأرض وثمة رفض لتركها والهجرة منها إلى بقاع التشرد وكأنها ترفض فكرة الهجرة عبر قوارب الموت ومغامرات الهلاك والغربة الغير مبررة، تهاجر النورس لأن طبيعة حياتية للبقاء وهي تذهب للتكاثر وبحثاً عن الحياة ورغم ذلك فالحنين يرافقها وتعود سريعاً إلى أوطانها، وحتى هذه الرحلات الطبيعية والضرورية لم تعد أمنة وقد يداهمها شبح الموت والأخطار، هنا ترسم أيضا الشاعرة ملامح عالم اليوم والذي لا يشبه عالم الأمس، تتزايد الصراعات والحروب وتتغير الخرائط وتتعطل البوصلات وتتعاظم عناصر الهلاك. وكأن الشاعرة فقدت قريبًا أو صديقًا في أحد مغامرات الموت، وربما هي تضع نفسها مكان أم تنتظر فلذة كبدها أو حبيبة تنتظر همسات ووعود الحبيب، أنه الوجع المؤلم والذي يصبح وجعًا مجتمعيًا، يتوجع صدر شاعرتنا مع كل خبر مفجع وما أكثر هذه التراجيديات والتي تتكرر كل يوم فتفقد الأرض زهرات شبابها والشاعرة هنا ترسم ملامح من هذه التراجيديا وتقرأ بعض أسطرها بصوت حزين وغاضب، الموت هناك والحزن والسواد والصمت والأسئلة تتكرر هنا، في المدن والقرى والسواحل والجبال، تكررت صورة البحر أكثر من مرة وبصور متعددة وربما بعض الجثث قد تفقد معالمها ولا يظل فيه إلا بعض بقايا رائحة البحر وربطت الشاعرة بين البحر والغياب والانتظار والبرد والوحشة وهنا قد نلمس عوالم متعددة تتشابك فيما بينها لتخلق عالم الفجيعة والحسرة والأسئلة. سنأخذ النموذج الثاني وهو نص يتقارب ويتشابك مع النص الأول، وكأن الشاعرة سليمة المسعودي تقدم رؤيةً دراميةً قابلةً للمسرح ولقضيةٍ وطنيةٍ وإنسانيةٍ مقلقة. على مساحة من ضياع البحر..أمتد في الذاكرة البعيدة.. وأبعث  روحي ..حمامة تكتشف يابسة جديدة…. فقد طالت رحلة الإبحار…… و بوصلة القلب ..ضيعت الجهات… يوجعني الصمت كثيرا.. أتذكر أن حياة أخرى منسية..ما زالت هناك… تنتظر أن ترى في الأفق ..غيمة ما.. فالسراب لا  يسكن الآفاق.. وفي القلب ترتج الأمواج الواسعة..كعشب داكن.. وتزهر أغاني الفقد والشوق واليتم… في شفاه البحارة الغرباء.. وتستوطن الطحالب الأعماق… وعلى الشاطئ البعيد.. هناك…  لا شيء سوى الأصداف… و ساعات الانتظار الزرقاء…وقد أكل البرد قلبها… يا نورس المسافة المستوحش.. ها صوتك وحيدا يحلق في قلبي… والسماوات.. كل هذا الفراغ… وجناحك متعب.. وفي المدى ليس لنا غير هذا الماء… بعض عناصر الحياة قد تتحول لعناصر الموت والضياع، مثل الماء في هذا النص. البحر، من بين العناصر ذات القيمة الجمالية والتشكيلية المبهجة، يتحول هنا إلى مصدر للضياع والهلاك وعدم العودة. إنه ليس مجرد مساحة محدودة يمكننا تجاوزها، بل هو عالم متعدد الضفاف والشواطئ. رحلتنا قد تكون من ضفة الحياة إلى ضفة الموت، أو ربما إلى عالم آخر لا نعرفه، عالمٌ يختلف عن عالم الأحياء والأموات. هذه السمة الأسطورية القديمة تتجدد وتصبح واقعًا يوميًا، وربما تزداد تفاقمًا في المستقبل. في هذه النصوص، تتناول سليمة المسعودي ذكريات طفولتها وتطلعاتها، حيث كان والدها مغتربًا في فرنسا. ولحسن الحظ، عاد والدها إلى وطنه وهي في عمر العاشرة. ومع ذلك، لا تزال لديها أقارب وأهل في الخارج، ومن هنا نستطيع أن نلمس تلك التطلعات والأمل في المستقبل، والمحاورة مع البحر التي تتحول إلى لوحة فنية تحمل لغة التعقيدات. إنها لوحة تترنح بين الصمت والضجيج، حيث يغلب عليها هدوء البحر، وتتملأ أعماقه بالطحالب والفراغات. وربما تتحول أمواجه إلى عشب داكن يشبه مقبرة مخيفة أو أرض الضياع. تكون السماء أيضًا مليئة بالفراغ، حيث لا يوجد سوى الماء الذي لا حدود له، ولا يظهر شيء يابسًا في الأفق. وهنا، تعبر الشاعرة عن الشفقة تجاه النوارس والبشر، وتتمنى لهم العودة بسلام. يمكننا أن نختم هذه الوقفة بنصٍ ثالثٍ وأخيرٍ، وربما تُعتَبَر هذه النصوص الثلاثة كنصٍ درامي، حيث يمكن أن تتداخل بعض المشاهد وتُعالَج مسرحياً. يُشبِهُ هذه النصوص الثلاثة ثلاثة أنهارٍ تنبع من جبلٍ ضخمٍ أو من عدة جبال، وتنتهي رحلتها في البحر. النص الثالث والأخير أتأمل وجه السماء..حين تَشرُق بالبكاء… وأعلم حينها..كم تشبهني..!  حين ينتشر الصمت الكبير..بيننا.. و يحفر نفقا للعبور….  حيث لا طريق تُشرِق بالوصول.. ولا شمس من أجل الضوء..تهدينا أشعتها الباردة.. لا شيء سوى  أسئلة الطفل اللجوج ..عن خفاء السر بين الأرض والسماء.. حيث عشبة القلب أنهكها الظمأ.. أي سر بين الأرض والسماء.. يحمله المطر.. .يخفيه عن الكائنات.. وتحسه بطعم البرد  والحيرة والحقيقة….؟! نبحث عن محطة أخيرة لنستريح…معا.. كلا في ضفة أخرى..على حواف العالم… حيث لا يجب أن نلتقي..إلا كظلين عابرين.. كلحظتين غريبتين.. ممتلئتين..مطرا..و حزنا.. و انتظارا مفرغا من روحه..ومشبعا باللاجدوى.. نلتقي..حيث يتمدد خيط بيننا يهدي المسافة جسرا .. و حزنا إضافيا..و قصيدة لا وجه لها.. و لا صوت غير الصدى.. تمنيت السير حافية..بين هذه الحجارة الصامتة.. لأسر لها..بأن منطقا ما غير وجهة الريح.. فلم تعد تعرف الطريق.. و ضيعت كل شيء بهبة واحدة… تمنيت البكاء..تحت المطر..كي أمتزج به.. فلا فرق بيننا… والموسيقى ذاتها..تحث اللحظة على الهطول.. حتى وإن كان الرمل لا يحفظ الخطوات..و لا ماء الطريق.. وعشبة القلب..أنهكها الظمأ…. لأسباب لا أعرفها ..سأتأمل السماء..حين تشرق بالبكاء.. وأعلم حينها..كم تشبهني…! تبكي الأرض عندما تفقد أبناءها وتشاركها السماء في البكاء. في مواقف عدة لاحظنا أن الشاعرة ترى السماء عبارة عن مجموعة من الفراغات، وهنا تعود وتتأملها وتيقن أن السماء تشبه وجهها عند البكاء. الصمت أيضًا يكون سمة مشتركة، كما لو أن الشاعرة تأخذ دلالة الأرض. تنشأ أسئلة ومسافات وحوارات يجب أن تحدث، وأسئلة أخرى تتداخل مع انتظار طفل ينتظر أشراقة وجه والده القادم من بعيد. يطرح الطفل الأسئلة ويتخيل ويحلم ويفسر بعض الظواهر الطبيعية بتأويلات ميتافيزيقية أو كما يحلو له. الجميع يرغب في الوصول إلى المحطة الأخيرة، بحثًا وانتظارًا وأمانيًا ومخاوف من الضياع في عوالم مظلمة، لا يوجد فيها شمس أو ظل. في بعض اللحظات، تتمنى الشاعرة البكاء تحت المطر، كأنها ترغب في التأكيد على أن قدميها مغروسة في الأرض ورأسها يكاد يلامس السماء، وأن المطر هو الجسر والوسيلة للشعور بالسماء. يبدو أن هناك تصالحًا مع السماء يستحق التأمل في لحظة الشروق، لحظة الوضوح والصفاء وبزوغ فجر جديد. https://youtu.be/ZRu5V_YU5m4 لسماع نص من نصوص الشاعرة سليمة المسعودي مرفق الرابط أعلاه وهذه المادة ربما تكون مدخلا لدراسة مستقبلية.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

الندرة والترجمة وموت المؤلف.. كتّاب ونقاد يحللون إشكالية النص المسرحي

يؤكد كثير من النقاد والأكاديميين أن المسرح العربي يعاني من أزمة غياب النص المسرحي الفاعل الذي يجذب المتلقي للفعل المسرحي.

ويرون أن هناك إشكالية للنص المسرحي منذ ظهور أول نص مسرحي عربي مع اللبناني مارون النقاش عام 1847 تتمثل في أنه لم يتكون عندنا مفهوم مشترك وواضح لأوليات النص المسرحي، مما جعل البعض ما زال يعتمد على الأعمال المترجمة من مختلف الثقافات بدلا من وجود نصوص تؤسس لمسرح عربي قادر على البقاء في وجدان الجمهور ويؤدي دوره التثقيفي والتنويري.

وفي هذا الإطار، أكد عدد من الكتاب والنقاد وجود أزمة في النص العربي مسرحيا، وأن هناك ضرورة ملحة لتضافر الجهود بين المؤلف والمخرج أو المعد والمؤسسات الثقافية في كل ما من شأنه الإسهام في رفع مستوى النص الأدبي المسرحي ليضاهي الأجناس الأدبية الأخرى قيمة أدبية.

أزمة ندرة وترجمة

وفي هذا الشأن، تؤكد الناقدة الأردنية الدكتورة عائشة الجمل وجود أزمة في النص المسرحي عربيا، حيث تتمثل مظاهر الأزمة في ندرة النص المسرحي، وقضية الإعداد المسرحي، وإشكاليات ترجمة النصوص الأجنبية، وإشكالية المضمون ومدى انسجامه مع متطلبات الواقع العربي، وإشكالية اللغة المسرحية بأبعادها المختلفة، إضافة إلى وجود أشكال مسرحية تستغني نسبيا عن النص.

وأوضحت الجمل أن من أهم عوامل ندرة النص المسرحي انصراف المؤلفين إلى أنواع أخرى كالرواية مثلا، بفعل الإحباط المعنوي نتيجة التشويه أو التحريف عند عرض النص على المسرح، والانصراف إلى أنواع أخرى نتيجة ضعف الإقبال على نصوصهم واكتفاء المخرجين بالإعداد أو الاقتباس والترجمة.

وأشارت كذلك إلى طغيان عناصر أخرى كالسرد أو الشعر غير الموظفيْن دراميا على التأليف المسرحي، كما يقل الاهتمام بقراءة النصوص الجادة لضعف الترويج لها من قبل الناشرين، أو لأن طبيعة النص المسرحي تختلف عن عالم الرواية والقصة، لأنها تستخدم أدوات كتابية خاصة قد تهم المخرج أكثر مما تهم القارئ.

وأشارت الدكتورة عائشة الجمل -وهي حاصلة على الدكتوراه من الجامعة الأردنية في موضوع أزمة النص في المسرح العربي المعاصر- إلى وجود بعض المحاولات المؤسسية لدعم النص المسرحي، لكنها ليست كافية لإنصافه على صعيد الطباعة والنشر ورقيا أو إلكترونيا، إذ تبقى الفرص محدودة إلا أمام من أتيحت له فرصة المشاركة والفوز في المسابقات أو عن طريق التواصل المباشر مع تلك المؤسسات وفق علاقات محدودة، مشددة على أهمية الإعداد الأكاديمي لمن يشتغل بالكتابة المسرحية أو يتصدى للنقد والتحليل.

وأكدت على دور النقد وإسهامه في تفكيك إشكاليات النص المسرحي عندما يبنى على أسس علمية منهجية، مؤكدة أن هناك ضرورة لتضافر الجهود بين المؤلف والمخرج أو المعد والمؤسسات الثقافية في كل ما من شأنه الإسهام في رفع سوية النص الأدبي المسرحي ليضاهي الأجناس الأدبية الأخرى قيمة أدبية، وقدرة على الوصول إلى المتلقي من خلال بلورة مفهوم المسرح العربي المعاصر وسماته، وتوسيع الرؤية حتى تقترب الأزمة من الانفراج.

وقالت الناقدة الأردنية الدكتورة عائشة الجمل إن كل ناقد ومفكر يؤمن بضرورة أن تنعكس رؤاه بجهود ملموسة على أرض الواقع، وألا تقتصر على البحث والإنتاج الفكري والمعرفي، لذلك علينا ترجمة هذا الإنتاج المعرفي إلى إنتاج عملي نلمس نتائجه على الساحة الثقافية والأدبية، ويتم ذلك في ضوء تعاون مع جهات عدة، كل منها معني بجانب خاص أستطيع معه أن أكثف الجهود للتوصل إلى ما آمله من تغييرات نهدف بها إلى تنشيط الحركة الفنية الأدبية والفكرية، ولا سيما فيما يتعلق بأزمة المسرح التي أعمل في الفترة الراهنة على تخطيها وعلاجها بمبادرات فعلية تسعى إلى الارتقاء بمستوى النص وتذليل العقبات أمام علاج أزمة النص المسرحي.

وأشارت إلى أن ترجمة النصوص المسرحية تقوم بدور مهم في رفد ثقافتنا المعاصرة، ولكن بشرط الانتباه إلى شروط الأمانة والدقة والإحاطة العلمية وحسن التكييف مع واقعنا المحلي، مع مراعاة ألا تطغى جهود الترجمة على جهود التأليف العربي الأصيل.

من جهته، قال الناقد والكاتب المسرحي الدكتور عبد الكريم جواد من سلطنة عمان في حديث لوكالة الأنباء القطرية إن قضية النص المسرحي في العالم العربي مهمة وذات جدل أيضا، حيث يوجد انفجار في النصوص، ولكن ما الذي يصلح منها بالفعل وسط هذا الكم المعرفي والانفجار في استخدام وسائل الإبداع المختلفة، ومنها المسرح.

موت المؤلف المسرحي

وأضاف جواد أنه تم تقديم أطروحات وصيغ كثيرة للنص المسرحي حتى ظهرت عبارة موت المؤلف المسرحي، متسائلا: هل تراجع المسرح العربي يرجع لأزمة في النص؟

وأكد وجود مجموعة من العناصر وليس النص المسرحي فقط تتسبب في تراجع المسرح عربيا في ظل رؤى واجتهادات مختلفة، مشيرا إلى أن التقدم في المسرح العربي في الستينيات والسبعينيات في القرن الماضي من خلال النصوص المسرحية يختلف عن عصرنا الراهن، حيث إن لكل عصر أطروحاته وجدلياته.

وقال الناقد العماني عبد الكريم جواد "أعتقد في العصر الحالي لم يعد مناسبا أطروحات السبعينيات والستينيات والثمانينيات، حتى تلك أصبحت اليوم أطروحات كلاسيكية تقليدية، لأننا اليوم بحاجة إلى رؤى تتجاوز تلك الحدود إلى مناطق ومساحات إبداعية أكبر وأكثر تأثيرا في المجتمع".

وأشار إلى أن تألق المسرح ينبع من المعاناة الاجتماعية ويصب فيها، وبالتالي الصيغة تأتي عندما يكون هناك كاتب مسرحي يستطيع أن يتأمل ويستطيع أن يصل إلى المجتمع في صميم قضاياه وهمومه، وفي الوقت نفسه نجد الشكل الفني والمتجدد في تقديم هذه القضية أو الفكرة، وهذه هي عملية الإبداع، والتي تعتبر الشيء المتجدد المدهش بل والصادم أحيانا، وبالتالي نعترف بأننا نفتقد هذا النوع من النصوص المسرحية.

وأشار جواد إلى أننا أصبحنا مجتمعات مستهلكة مستنفدة من الداخل، فلا توجد مساحات واسعة عند الفرد اليوم للتأمل وللبحث ولبذل الجهد الحقيقي والدقيق في بلورة أفكار جديدة، حيث هناك شغف بالمادة، وعندما نكون مستهلكين نبحث عن المادة السريعة والسهلة ولا نبحث عن الأصالة، مؤكدا في الوقت ذاته على إسهام الجوائز العربية المعنية بالنصوص المسرحية في خلق هذه الانطلاقة من جديد لنص عربي أكثر مرونة وأكثر حضورا.

بدوره، قال الكاتب الفلسطيني طالب الدوس الحاصل على جائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان الدوحة المسرحي الـ36 مؤخرا "أتفق على وجود أزمة في النص المسرحي على المستوى العربي"، مشيرا إلى أن لهذه الأزمة أبعادا مختلفة، منها استسهال الكتابة، فالأفكار موجودة، ولكن هناك استيراد للأفكار الغربية ربما للانبهار، في حين ينبغي علينا أن نستفيد بها في فتح آفاق جديدة تخص مجتمعنا العربي.

آفاق الحل

وأوضح الدوس أننا يمكن أن نعالج ظاهرة ضعف النصوص العربية من خلال الورش التي من خلالها يمتلك الكاتب المهارات الأساسية للكتابة المسرحية، وبالتالي العمل على تنمية الموهبة عنده، فيدرس المسرح العالمي ويستفيد من التجارب العالمية، مشددا على أن إعطاء ورش ومحاضرات نظرية دون ممارسة الكتابة الفعلية ومواصلتها لن يحقق أهداف الورشة في الارتقاء بالكتابة المسرحية.

ويبدي الدوس عدم انزعاجه من التجريب في الكتابة المسرحية، فهو الأساس والمنطلق نحو الإبداع، لأن كل تجربة فيها تعلم وتصنع الخبرات المتراكمة للكاتب الذي يحتاج سنوات لإتقان هذا الفن، مشددا على أن الفكرة الجيدة ليست التي تكتب لمناسبة أو مهرجان معين، بل التي يعايشها الكاتب ويشعر بها مع ضرورة الاستمرارية في الكتابة، مما يسهم في نضج التجربة.

كما لفت إلى أن تخصيص جوائز عربية في الكتابة المسرحية من شأنه الدفع بأفكار وأقلام جديدة في الكتابة المسرحية، لكن بشرط استمرارية هؤلاء وعدم التوقف عند الفوز بجائزة معينة، بل هناك ضرورة لتبني هذه المواهب وصقلها لأن الإبداع يبدأ من الكاتب.

وعلى الجانب الآخر، رأى الناقد المسرحي القطري الدكتور حسن رشيد أن المسرح العربي لا يعاني أزمة نص، بل إن هناك مئات المؤلفين في العالم العربي، وما زالت هناك كنوز من النصوص العربية، ولكن لا ننبش عنها، فهناك أعمال عربية صالحة إلى اليوم، ومنها مسرحيات لمحمود دياب وسعد الله ونوس وغيرهما، بل هناك شباب أيضا لهم تجارب متميزة، ولذلك نحن بحاجة إلى العودة إلى هذه النصوص ومواكبتها في إطار فني جديد، وهي موجودة في الخليج وفي كثير من الدول العربية وفي الهيئة العربية للمسرح.

وأضاف أننا نشجب ونقول ليست هناك نصوص قوية، ولكني أرى أن النصوص متوفرة في كل المكتبات، ولكن تحتاج إلى ناقد بصير يبحث ويفرز النصوص التي تستحق أن تقدم على المسرح العربي.

مقالات مشابهة

  • «لقمة عيش» بين السماء والأرض
  • صاحبة فيديو رقصة التخرج باكية: ملابسي كانت محتشمة ولم تكن خارجة عن المألوف
  • صوت قويّ يهز بيروت.. طائرة في السماء وهذا ما حصل!
  • إنطلاق نهائيات الأولمبياد الجزائرية للرياضيات
  • الندرة والترجمة وموت المؤلف.. كتّاب ونقاد يحللون إشكالية النص المسرحي
  • عمل غنائي بعنوان «أولالا» يعكس معاناة اللآجئين السودانيين العالقين بأثيوبيا
  • نصوص في الذاكرة.. الغريب من كتاب أبي حيان التوحيدي
  • 9 نصائح لنمو طفلك بصحة جسدية ونفسية سليمة
  • هزة أرضية بشدة 3.2 تضرب ولاية بجاية الجزائرية
  • الصورة الشعريّة الحديثة