اليمن وحركة التوازن في المنطقة
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
يبدو العالم اليوم أمام تموضع جديد، فالخارطة بدت تضطرب في اليابسة، وبدأت القوى الجديدة تفرض أجندتها على قائمة المصالح الدولية، فأمريكا فقدت زمام المبادرة ولا يسعها في هذه المرحلة سوى التعامل مع مفردات الواقع، أو إعلان حرب كونية لا تبقي ولا تذر بعد أن أصبحت بعض الدول تملك السلاح النووي .
اليوم روسيا تستعيد دورها في حركة التوازن الدولي، وبعدها الصين التي بدأت المناورة على تايوان، والكوريتان في انتظار ما تسفر عنه الأحداث، في جزيرة القرم، كما أن الصراعات التي كان النظام الدولي يدير حركة توازنه من خلالها سوف تفرض واقعاً جديداً في الخارطة العالمية .
اليوم بدأ سؤال التحديث والتجديد في النظم العالمية يُطرح بقوة سواء في أروقة الأمم المتحدة التي سيطرت عليها أمريكا لعقود، أم في مجلس الأمن الذي ضم في عضويته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لقد كان الدب الروسي جريئاً وهو يخوض معركة تحديث العالم، كما كان جريئاً وهو يُعلن هزيمته أمام الرأسمالية في نهاية القرن العشرين .
لم تجرؤ أمريكا حتى اللحظة على خوض معركتها العسكرية مع الروس بل تركت الأمر للاتحاد الأوروبي، وقد لجأت إلى الجانب الاقتصادي مع قليل من الدبلوماسية الدولية لكن في غالب الظن أن النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا آيل للسقوط، وسوف يشهد العالم بزوغا كبيرا للتنين الصيني وعودة قوية للروس كقوة ردع قادرة على إحداث التوازن في العالم .
النظام الدولي القديم الذي فرضته الحروب في القرن الماضي أمام اختبار حقيقي اليوم, ويبدو أن موضوع تحديثه وتجديده أصبح واقعا حيويا وفاعلا بعد أن برز سؤاله اليوم على لسان الكثير من الدول التي عانت من الغبن الدولي ومن مصادرة حق الحياة ومصادرة الحريات ومن التحكم بالمقدرات الاقتصادية للبلدان، خاصة بلدان العالم الثالث، الذي فقد مقومات وجوده وتفاعله مع المستويات الحضارية الجديدة، وأصبح سوقا مستهلكا لمنتج الشركات العالمية الكبرى التي تمارس الاستغلال والغبن على كل فرد صغيرا كان أو كبيرا من البشر دون احتساب للقيمة الإنسانية، ففكرة السيطرة على مصادر الطاقة والتحكم بمصادر الغذاء، وفكرة الصراعات في العالم، تركت واقعا يشهد على الرأسمالية بالاستغلال والغبن والاضطهاد والطغيان وهو أمر تنبذه الفطرة السليمة، ولذلك خرج العالم اليوم كي يعيد تموضع نفسه ويعلن عن وجوده، فالتصريحات الصينية بشأن الموقف من حرب أوكرانيا كانت تحمل بُعداً استشرافياً ينظر إلى جزيرة تايوان وقد تحركت الصين عسكريا في هذا الاتجاه بمناورة عسكرية لكي تعلن من خلالها رفضها لسياسة الغبن التي تفرضها أمريكا على الشعوب والدول .
ويبدو أن زعيم كوريا الشمالية سيفقد صوابه، فالراجح أنه متسرع في قراراته وقد يعلن في لحظة عن نهاية العالم إذا استمرت أمريكا في ممارسة طغيانها، ولذلك صرّح البيت الأبيض أن أزمة أوكرانيا وتداعياتها بالغة الدقة والحساسية ويحتاج إلى التروي في تحديد المواقف منها، وقد بدأت معركتها على استحياء من خلال الحرب الناعمة كي تستعيد أنفاسها، لكن التحالف الروسي الصيني قد درس الواقع بدقة وهو الأقدر على التعامل مع مفردات اللحظة، وقد قال بوتن أن العالم يستحيل أن يعيش بدون روسيا، فالمعركة مصيرية وهي غير قابلة للتراجع إلا بالتنازل من قبل النظام الدولي القديم والقبول بشروط الواقع والتعامل مع تجلياته.
لقد سيطر اللوبي الصهيوني على النظام العالمي القديم, وحاول أن يجعله متسقاً مع مصالحه الاقتصادية والثقافية والعقائدية فخاض حروبا في الشرق الأوسط منفردا دون الرجوع إلى المؤسسات الدولية، ومثل ذلك من المآخذ التي تؤخذ اليوم على المؤسسات الدولية بعد قيام أمريكا بالتلويح والتشكيك بعضوية روسيا في مجلس الأمن الدولي والقول بعدم شرعيته، فالشيء بالشيء يُذكر، كما يقال، ففي مقابل عدم شرعية روسيا في إرث الاتحاد السوفيتي أُثير موضوع خوض أمريكا معاركها خارج نطاق المنظومة الدولية كحربها في العراق وقتل ما يقرب من مليون مواطن عراقي، وحروبها في المنطقة العربية وزعزعة استقرارها وحروبها في أفغانستان وغيرها من الحروب التي كانت تتعامل معها بشكل منفرد ودون مراعاة قوانين ومبادئ الأمم المتحدة .
نحن اليوم أمام واقع جديد، ونظام دولي جديد لن يكون كسابقه وسوف يُحدث تبدلاً كبيراً في العالم كله، في السياسات وفي النظم، وفي المستويات الحضارية، وفي النظم الثقافية والاجتماعية، سواء كان ذلك من خلال الحرب العالمية الثالثة التي تلوح بوادرها في الأفق أم من خلال حركة التموضع وإعادة حركة التوازن الدولية التي تقوم بها الكثير من الدول في العالم مثل الصين وروسيا وكوريا ومن تحالف معهم ضد أمريكا مثل ايران وغيرها من الدول التي فاض بها كيل الاستغلال الذي تمارسه أمريكا وحلفاؤها من الدول الأوروبية، وهو دور حيوي وفاعل وسوف نشهد نتائجه في قابل أيامنا .
سقط النظام الدولي القديم وهو اليوم يصارع أسباب وجوده، وسقطت هيبته، والسؤال الجديد اليوم هل سيتمكن العرب من صناعة وجودهم الفاعل في بنية النظام الدولي الجديد ؟ .
كل التفاعلات والمعطيات حول الأحداث التي تدور في فلسطين تقول سقط العرب ماعدا اليمن الذي سجل حضوراً قوياً في المعركة، والسؤال هل تسعى اليمن إلى صناعة مشروع نهضة سياسية وثقافية وحضارية مؤثر يوازي الحضور العسكري الفاعل في المنطقة؟ هذا ما نأمل التفكير فيه في لحظتنا وقابل أيامنا.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
محاصرون يرفضون الاستسلام..ما قصة 200 مقاتل قسامي التي أشغلت العالم؟
تتصدر قضية المقاومين الفلسطينيين العالقين داخل الأنفاق في مدينة رفح المدمّرة جنوب قطاع غزة المشهد السياسي والأمني، بعدما أصبحت محور الجهود الدولية الساعية للانتقال إلى المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
واستخدم الاحتلال الإسرائيلي هذه القضية لإثارة أزمة جديدة ضمن مساعيه الرامية إلى إبطاء تنفيذ الاتفاق وإضافة مزيد من التعقيدات أمام جهود التهدئة.
وتحوّل مصير المقاومين المحاصرين في رفح إلى موضوع خلاف بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال الإسرائيلي، بينما تتحدث تقارير إعلامية أميركية وإسرائيلية عن ضغوط تمارسها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدفع الجانبين نحو حل هذه الأزمة بما يضمن استمرار وقف إطلاق النار.
وأكدت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أن المقاتلين العالقين هم من عناصرها، وأنهم ما زالوا داخل مناطق خاضعة لسيطرة قوات الاحتلال في رفح، وتحديدًا ضمن ما يُعرف بـ"الخط الأصفر" الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية وفق المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة، وتشمل حدوده كامل مدينة رفح.
ويقدّر الاحتلال الإسرائيلي عدد هؤلاء المقاتلين بين 150 و200 مقاتل، بينما لم تصدر عن حماس أو كتائب القسام أي بيانات تتعلق بأعدادهم. وفي التاسع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن جيش الاحتلال مقتل أحد جنود الاحتياط إثر استهداف قوة عسكرية في رفح، مدّعيًا أن ذلك يشكل خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار.
وردّ الاحتلال بسلسلة غارات عنيفة على مختلف مناطق قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد أكثر من مئة فلسطيني، فيما تعرضت رفح لقصف متكرر وعمليات تدمير جديدة. وقبل ذلك بعشرة أيام، أعلن الاحتلال مقتل جنديين في المنطقة نفسها، واتخذ من الحادثة ذريعة لشن هجمات إضافية أودت بحياة نحو خمسين فلسطينيًا.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن الولايات المتحدة مارست ضغوطًا متواصلة على الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس لإغلاق هذا الملف. ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤول أميركي أن إدارة الرئيس ترامب طالبت حماس بتسليم جثة الضابط الإسرائيلي هدار غولدن، الذي قُتل في عملية للمقاومة برفح عام 2014، تمهيدًا للتوصل إلى تفاهم ينهي أزمة المقاتلين داخل الأنفاق.
وأعلنت كتائب القسام مؤخرًا أنها أعادت رفات غولدن، وهو ما أكدته سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد تسلم الجثة رسميًا.
ومن المتوقع أن تكون هذه المسألة على جدول محادثات المبعوثين الأميركيين جاريد كوشنر وستيفن ويتكوف مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وفق ما أوردته هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر مطلعة.
وتداولت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية عدة مقترحات لحل الأزمة، بينها السماح للمقاتلين بالخروج الآمن إلى داخل غزة مقابل تسليم سلاحهم، أو نقلهم إلى دولة ثالثة بعد مغادرتهم الأنفاق، فيما دعا بعض المسؤولين في الاحتلال إلى إجبارهم على الاستسلام أو مواجهة الموت داخل الأنفاق.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن المقاتلين المتحصنين داخل أنفاق رفح لن يستسلموا، داعية الوسطاء إلى التحرك العاجل لإيجاد حل للأزمة التي تهدد بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار القائم.
وأوضح القيادي في الحركة إسماعيل رضوان، في تصريح لقناة الجزيرة، أن حماس أبلغت الوسطاء باستعدادها لترتيب عملية آمنة لإخراج المقاتلين من المنطقة التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي خلف "الخط الأصفر"، مشددًا على أن الجيش الإسرائيلي سيتحمل كامل المسؤولية عن أي تصعيد ميداني في حال اقتحامه أماكن تواجد المقاتلين.
وفي سياق متصل، حذرت كتائب القسام – الجناح العسكري لحماس – أمس الأحد الاحتلال الإسرائيلي من أي محاولة للاشتباك مع عناصرها العالقين في رفح، مؤكدة أن خيار "الاستسلام أو تسليم النفس" غير مطروح على الإطلاق في قاموس المقاومة.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول تركي رفيع أن بلاده لعبت دورًا محوريًا في تسهيل عملية إعادة رفات الضابط الإسرائيلي هدار غولدن، الذي قُتل في عملية للمقاومة برفح عام 2014. وأضاف المسؤول أن أنقرة تواصل جهودها لتأمين ممر إنساني آمن لنحو 200 فلسطيني ما زالوا عالقين داخل أنفاق غزة، في إشارة إلى مقاتلي حماس، وذلك في إطار مساعٍ أوسع لتثبيت وقف إطلاق النار ومنع تفجر الأوضاع مجددًا في القطاع.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن