ولطالما أدركنا في السودان، دولة وشعباً، بصورة راسخة، أن “معركة الكرامة” تبقى القضية المركزية والأولى؛ إذ إن تبعاتها وتداعياتها تمس كل أوجه حياتنا، وتنعكس علينا بصورة مباشرة، الأمر الذي يخلق إجماعاً كاملاً حول القناعة بأن صمود الدولة السودانية مستقلة مصلحة وطنية عليا.
ومن هذا المنطق، لم تتوقف القوى السياسية الوطنية (وأعني هنا تلك التي رفضت أن تكون مخلب قط لمشروع الهيمنة على السودان) عن تذكير العالم أجمع بأن التلكؤ في العمل لإيجاد حل عادل لا بد من أن ينعكس، آجلاً أم عاجلاً، على أمن واستقرار المنطقة، وما يرافق ذلك من تهديد للاستقرار الدولي.
وكانت الحرب الطاحنة ضد السودان، بكل توصيفاتها السياسية والقانونية، دليلاً ساطعاً على صحة ذلك الموقف، وعلى ما يمكن أن تشهده المنطقة من مآس، وإثبات أن الهدوء الخادع لا بد من أن يعقبه تفجر الأوضاع.
مقابل ذلك، وعلى الجانب الآخر، جهدت قوى الحرية والتغيير_المجلس المركزي الأكثر تطرفاً في منهج الإقصاء السياسي في تاريخ السودان، في ترسيخ انطباع حول إمكانية القفز باتجاه توسيع علاقاتها الإقليمية والدولية، من دون معالجة القضية المركزية في بلادنا، وتحاول هذه المجموعة قطع الطريق على أي مشروع وطني يتشكل، لأن القوى الدولية التي تستأجر مواقفها لن تقبل بأن يتحد السودانيون ويتوصلوا لاتفاق شامل يعالج جذور الأزمة، ولأن الأزمة السودانية بكامل تمظهراتها (سياسية، مجتمعية، اقتصادية) هي استثمار جيد للطامعين في ثروات السودان.
أقدار الله جعلت كل تلك المحاولات فاشلة، لأن حتميات الجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا حالت دون قبول السودانيين بمشروع التقسيم مرة أخرى، فما زالت قلوبهم دامية على فقد جنوب السودان، ولن تتكرر التجربة مرة أخرى، حتى وإن احتل عرب الشتات الأفريقي كل دارفور وكردفان والخرطوم، لأن المقاومة الشعبية والجيش الوطني السوداني لن يسمحوا بأن يذهب متر واحد من أرض السودان مرة أخرى.
عندما أبلغتها أجهزة المخابرات التي تديرها بأن هناك مشروعاً وطنياً يتشكل هذه الأيام في السودان، سارعت قوى الحرية والتغيير_المجلس المركزي بالإعلان عن اجتماع مرتقب مع رئيس مجلس السيادة، بل وسمت “طه عثمان” مفوضا منها لهذا اللقاء، وشخصية طه والأدوار التي يلعبها سنتطرق لها في مقالات قادمة.
بلا شك لم تسع (ق. ح. ت) يوما لحل شامل، بل اجتهدت في توسيع الهوة بين السودانيين، لذلك أعلنت عن هذا اللقاء، والهدف منه ضرب مساحات الثقة والتعاون الكبير بين مجموعة مقدرة من الأحزاب الوطنية التي تعمل على صياغة رؤية مشتركة لحل الأزمة، وبين قيادة الدولة التي رحبت بالخطوة والتقاها “البرهان” قبل أيام؛ (ق. ح. ت) لن تقبل أن تتشكل كتلة سياسية فاعلة ومقبولة أبداً، ستعرقل كل محاولات الوصول إلى حل شامل لا يضمن لها السلطة منفردة.
ولمواجهة مثل تلك المحاولات المتوقعة، لا بد من أن تتخذ القوى السياسية الوطنية عدداً من الإجراءات، وأن توفر متطلبات محددة تحول دون تمكين مجموعة المجلس المركزي من الاستمرار في إضاعة المزيد من الوقت، وفي تشتيت الجهود الهادفة إلى تحقيق الحل المنشود. وهذا يستدعي تحديد ما هو مطلوباً من عمل سياسي ودبلوماسي خلال المرحلة التي تلي انتهاء هذه الحلقة من سلسلة استهداف المدنيين وشن حروب الإبادة على الشعب السوداني.
وإذا لم ننجح جميعا في توفير ما هو مطلوب، فسيتم التفريط في التضحيات الضخمة والثمن الباهظ الذي دفعه أهالي الخرطوم ودارفور، وسيبقى السودان في نفق مظلم طويل.
محبتي واحترامي
رشان أوشي
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً: