بوابة الوفد:
2024-11-16@04:06:58 GMT

لا تعرف الحق بالرجال

تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT

الإسلامُ فى حلِّ عن الأشخاص، مهما كان هؤلاء الأشخاص وأينما كانوا، اعرف الحق تعرف أهله؛ ولا تعرف الحق بالرجال؛ فإن معرفة الحق بالرجال فيها من البطلان ما يؤخِّرها عن رتبة المعرفة الحقة؛ لاختلاف الأهواء والتَصورات ومواطن القوة لديهم ومواطن الضعف.

لا تعرف حقاً قط على ألسنة الرجال، بل اعرف الحق من الحق أولاً تعرف أهله وتمادى فى العرفان! ومن أجل ذلك قال الإمام عليّ بن أبى طالب رضوان الله عليه: «لا تعرف الحق بالرجال؛ اعرف الحق تعرف أهله».

وأهل الحق يأخذون الحق من الحق لا يحيدون عنه, ويأنفون من أخذ الباطل ولا يطيقون استطالته وطغيانه. ومن هنا؛ فينبغى معرفة الشيء فى ذاته بعيداً عن خزعبلات الأشخاص وزعاماتهم الموبوءة.

كشفت أدبيات القدماء عن مثل هذه الزعامات المتسلطة؛ إذ كانوا يتنبَّهون إلى فعل الأهواء والمطامع والأغراض والمصالح فيها جيداً, ربما أكثر ممّا نتنبَّه نحن إليها اليوم, مع تطور الزمن وشدة الادعاءات فيه. وأفاضوا فى شرح تلك السدود والحواجز والقيود؛ فهناك زعامة «الرياسة», وهناك زعامة «الجاه», وهنالك زعامة «المنصب», وهنالك زعامة «السلطة». هذه الزعامات يشملها جميعاً مفهوم العلو, والتعالى، المجموع فى التقدير القرآنى تعبيراً بقوله :"تلك الدَّارُ الآخِرَةِ نَجْعَلهَا للَّذِيِنَ لا يُرِيدُونَ عُلوَّاً فِى الأرْضِ وَلا فَسَاداً, وَالعَاقِبَة للمُتَقِينَ" (القصص: آية 83).

هذا العلو هو فى بعض التخريجات يعنى: النظر إلى النفس. أما الفساد؛ فيعنى النظر إلى الدنيا, والأمن من المكر والكبر والعجب. وأصل ذلك كله من الجهل. وليس الجهل هنا بالطبع جهلاً بالعلم, لا .. فقد يكون الإنسان عالماً ولكنه فى هذا الموطن هو من أجهل الجاهلين. الجهل هنا جهلُ بالنفس، ثم جهل بالله، مع كون الجاهلُ هنا عالماً من حملة الشهادات البرَّاقة واللافتات العلمية الكبرى. غير أنه يعدُّ جاهلاً مادام علمه لم يتحوَّل إدراكيًّا إلى علم بالجهل, فالعلماء بالله على هذا هم علماء بجهلهم؛ أى هم الذين يدركون جهل أنفسهم عن أن تصل إلى «حقيقة الحقائق»؛ أو حتى تصل إلى ما دونها, ناهيك عن احتكارها أو امتلاكها، فضلاً عن التعبير عنها بعد العلم بها. فأما الذين يعلمون ويقولون مع شدة الادِّعاء إننا علماء فهم جهلاء على التحقيق؛ وعن الجهل يكون الكبر وطلب العز فى الدنيا, والعلو فى الأرض, والتلهف على السلطة والاستبداد بها.

وطلب العز فى الناس هو الذى يتولد منه العُجْب. فالوصول إلى قرب الله تعالى وإلى مراتب دنوِّه كما نبَّه عليه سبحانه فى الآية الكريمة, لا يكون مطلقاً لمن له حب «الزعامة»: رياسة, وجاهاً, وسلطة, ومنصباً, ونفوذاً. وأترك لك أن تعدِّد أنت أنواع الزعامات التى تلاقيها فى نفوس البشر ممَّن يحيطون بك وألوان الاستبداد بها، وهو كذلك لا يكون مطلقاً لمن تمكن حب هذا كله أو بعضه من قلبه. وإنما يكون لمن حذف هذه الآفات المُمْرضة عن قلبه ولم يباشر حظوظ نفسه وهواه؛ ولم يخضع لمصالحه ومطامعه وأغراضه فيما يتوجَّه به إلى خالقه, هنالك يَخُصُّه الله بالدرجات الشريفة والسعادات الدائمة فلم تعد تأتى منه إذْ ذاك أفعال الخبيثين.

الدين لله لا للأشخاص. والجماهير العريضة، وقطاعات وفيرة منها فى الغالب, تقدِّس الأشخاص الذين يتحدثون فى الدين من حيث لا يشعرون بألوان الخطابات الطاعنة فى الدين نفسه، شعروا بذلك أم لم يشعروا؛ وتُلْبِسَهُم أثواب القداسة لمجرد أنهم يتكلمون عن الله ورسوله؛ هذا إذا مسَّت دعوة الداعى مشاعرهم, وذلك لأنها جماعات تنزع إلى المحسوس فى كل ما ترى، وفى كل ما تحسّ وتشعر, فتتخذ من الداعين إلى الله مكاناً للتجسيد القبيح؛ ليتسلط الداعى بعدها تسلطاً بغيضاً من حيث لا يشعر فتتحول الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة على يده إلى سُلطة, وتتحول الموعظة الحسنة إلى سياط يعلو قلوب الناس وعقولهم لا إلى رحمة للعالمين.

إنه الإرهاب بكل ما تحمله الكلمة من وقع كريه على المشاعر الإنسانية النبيلة. إرهابُ المشاعر والأفكار, وإرهابُ الضمائر والقلوب, وإرهابُ الطمأنينة النفسية وأمان الاستقرار, وما أكثر الذين يُرْهبون الناس فيرتكبون على شاشات الفضائيات ووسائل التواصل جرائم بشعة فى أبواب الفتاوى تارة، أو تحت ستار الفكر الإسلامى تارة أخرى, وفى عناوين وشارات كلها ترتكبُ باسم الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لتكون سُلطة ما أنزل الله بها من سلطان.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: هؤلاء الأشخاص مواطن القوة لا تعرف الذین ی

إقرأ أيضاً:

لا تيأسوا من روح الله.. تعرف على مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة

أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، على أهمية إصلاح القلب، مشيرًا إلى أن القلوب هي المفتاح الذي يحدد صلاح الإنسان وعلاقته بالله. 

نصائح الدكتور علي جمعة لتحسين القلوب وتوطيد العلاقة مع الله جمعة: آداب الطعام تربي النفس وتنعكس على السلوك الأخلاقي

وقال جمعة، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم"، إن جوهر التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، من القلب الذي لا يطلع عليه إلا الله.

 

وأوضح جمعة أن الإنسان إذا أصلح ما في قلبه، فإن ظاهره أيضًا سيصلح، وستظهر آثار هذا الإصلاح في أعماله وسلوكياته. فالقلب الطاهر المخلص لله هو الذي يبعث على الأعمال الصالحة والنية الخالصة، ويجعل الإنسان قريبًا من ربه في كل ما يفعل.

وأشار جمعة إلى أن القلب يجب أن يخلو من كل ما سوى الله، وأن يكون خالصًا له وحده، مشددًا على أن هذا التخلي عن الهوى يعقبه التحلي بحب الله والإيمان به، ويحدث فيه التجلي – أي ظهور آثار الإيمان في حياة الإنسان. وقال: "التخلي ثم التحلي يحدث التجلي"، وهذا يعني أن الإنسان عندما يطهر قلبه من الشوائب ويملؤه بحب الله، فإن الله يظهر له في كل أمور حياته؛ يُعينه ويوفقه وينصره.

وأكد أن الإنسان إذا أراد الدنيا فعليه بالله، وإذا أراد الآخرة فعليه بالله، وإذا أرادهما معًا فعليه بالله، مشيرًا إلى أن الطريق إلى السعادة الحقيقية والتوفيق في الدنيا والآخرة هو التعلق بالله وحده. وأضاف د. علي جمعة، أن النبي ﷺ كان يقول: "أحسن ما قلت وقال النبيون من قبلي لا إله إلا الله"، وهي الكلمة التي تفتح للإنسان صفحة جديدة مع الله، صفحة خالية من الذنوب والتقصير، حيث يُجدد المؤمن إيمانه بهذه الكلمات المباركة.

كما ذكر  جمعة حديث النبي ﷺ: "جددوا إيمانكم"، داعيًا المسلمين إلى التجديد المستمر في علاقتهم بالله. وقال: "افتحوا صفحة جديدة مع الله، انسوا ذنوبكم وتقصيركم، وتوبوا إلى الله، فإن الله غفور رحيم. وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون".

وتابع جمعة، مشددًا على أهمية عدم اليأس من رحمة الله: “لا تيأسوا من روح الله ولا من رحمته. مهما كانت خطاياك، فإن التوبة تجدد الحياة، وتفتح لك أبواب المغفرة”.

مقالات مشابهة

  • الأشخاص الذين يعانون من السمنة والسكري.. ابتعدوا عن الخبر الأبيض
  • تعرف على فضل صلاة الوتر.. أوصى بها النبي
  • نور القلوب: كيف تفتح الواردات الإلهية والذكر أبواب الحق في حياتنا؟
  • دليل السلوك السياسي لقيمة الثورة الحق: المفاهيم والإجراءات الواجبة
  • مولوي: تحية لروح العناصر الذين استشهدوا في دورس
  • تعرف على أشهر الفنانين الذين تركوا الفن وهاجروا إلى الخارج ( تقرير )
  • لا تيأسوا من روح الله.. تعرف على مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة
  • الصهاينة الوظيفيون
  • وجوب التسامح لنيل السلام.. رسالةٌ لإخوتنا في الداخل وَالخارج
  • ملتقى المرأة بالجامع الأزهر: حياء المرأة لا يمنعها من السعي وراء الحق