نصف قرن بالتمام والكمال فصلت بين أحداث السادس من أكتوبر ١٩٧٣، والسابع من أكتوبر ٢٠٢٣.. أكتوبر ٧٣ كانت حربًا نظامية بين جيوش مصر وسوريا من ناحية وإسرائيل وأعوانها من ناحية أخرى. أما أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، فقد بدأتها حركة المقاومة الإسلامية حماس فى قطاع غزة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. أكتوبر ٧٣ كانت حربا بين جيوش محترفه تخطط وتدرس وتقدر كل فعل ورد الفعل.
أولا: الإعداد والتخطيط الجيد،
فى ٦ أكتوبر ٧٣، كان التخطيط محكمًا على مستوى الجيوش فى كل من مصر وسوريا. بدأت بضربة مكثفة للطيران، على طول الجبهتين فى وقت واحد.
ومعارك عسكرية شاركت فيها كل أفرع القوات المسلحة فى البر والبحر والجو (طيران ودفاع جوي) وأداء عبقرى لسلاح المهندسين العسكريين.
وفى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، كان التخطيط والاعداد من قبل حماس مبهرًا حسب وصف مجلة الايكونوميست والتى وصفت الحرب بأنها حرب متكاملة بمواصفات الكتب المرجعية (Text Book War) قامت حماس فى فجر السابع من أكتوبر بحرب شاركت فيها قوات برية وبحرية وجوية حسب امكانيات محدودة، وآليات بدائية، ولكنها بحق كانت متكاملة وفعالة حسب وصف جنرالات الحرب فى الاكاديميات العسكرية.
ثانيًا: المباغتة والمفاجأة،
فى أكتوبر ٧٣، نفذت مصر وسوريا خطة خداع استراتيجى مبهرة. وأخفت نوايا الحرب عن كل من امريكا وإسرائيل واجهزتهما الاستخباراتية. ووقعت الحرب كالصاعقة، وكان من هول الصدمة أن فقد قادة إسرائيل تركيزهم وأصابهم ذهول لم يفيقوا منه إلا بعد عبور القوات المصرية وسيطرتها على الاماكن المحصنة التى اقاموها فى سيناء. وكان اختيار يوم السادس من أكتوبر وهو يوم عيد الغفران عند الإسرائيلين (يوم كيبور)، مناسبا جدا حيث كان الاسترخاء والاجواء الاحتفالية فى إسرائيل. المصادفة، او التخطيط، ان حماس قد اختارت نفس التكتيك لتنفيذ هجومها، ولكنها اختارت ساعات الفجر بدلا من الساعة ٢ ظهرًا، ويوم عيد أيضا وهو عيد بهجة التوراة.
ثالثا: تحطيم نظرية الامن الإسرائيلى والجيش الذى لايقهر،
فى أكتوبر ٧٣، كانت إسرائيل قد ارتكزت على موانع طبيعية واقامت عليها تحصينات هائلة، خاصة على الجبهة المصرية. ارتكزت إسرائيل على مانع مائى (قناة السويس) وأقامت على الشط الشرقى للقناة خط بارليف الحصين، وانشأت فيه نقاط حصينة. وعلى الجبهة السورية اعتمدت على هضبة الجولان كمانع طبيعى مرتفع وأقامت حوله سياجًا محصنًا. كانت توقعات الخبراء ان مصر لن تستطيع عبور القناة وتحطيم خط بارليف الا بقنبلة نووية. واذا بضابط مصرى (باقى زكى يوسف رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميدانى أثناء حرب أكتوبر) يأتى بفكرة عبقرية وهى استخدام خراطيم المياه لفتح ثغرات فى الساتر الترابى يمكن ان تعبر منها المركبات. أما عبور قناة السويس فتم باستخدام القوارب المطاطية، وانشاء كبارى عائمة فوق القناة فى سويعات قليلة بواسطة سلاح المهندسين العسكريين.
أما يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، فكانت إسرائيل تحمى نفسها بسياج أمنى يحيط بغزة ويعزلها عن إسرائيل. واعتمدت على احدث التكنولوجيا لضمان أمن الحدود باستخدام أجهزة الاستشعار الحساسة، والأقمار الصناعية والطائرات المسيرة وغيرها.
كان السياج بعمق عدة امتار تحت سطح الارض، لمنع استخدام الانفاق فى التسلل الى داخل إسرائيل فماذا حدث؟ الذى حدث هو أن حماس قد نجحت فى استخدام طائرات شراعية بدائية الصنع للعبور من فوق السياج. كما نجحت فى الهجوم من البر باستخدام الجرافات، ومن البحر أيضا باستخدام قوارب صيد. بهذه الطرق البدائية نجحت حماس فى اختراق احدث تكنولوجيا اعتمدت عليها إسرائيل. المعجز ايضا هو تعطيل اجهزة الانذار على الارض، وتعطيل انظمة الرادارات والقبة الحديدية، وفشل أنظمة صواريخ السهم (Arrow) الإسرائيلية، ومنظومات باتريوت الامريكية فى التصدى لمركبات شراعية بدائية الصنع.
الخلاصة أن أحداث السادس من أكتوبر ٧٣، والسابع من أكتوبر٢٠٢٣، قد سحقت نظريات الأمن الإسرائيلي، وأزالت أوهاما زائفة عشعشت فى عقول الإسرائيلين لسنوات عديدة، حسب وصف ديفيد واينبرج فى صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية.
لقد أثبتت الأحداث بما لايدعو مجالًا للشك، أن أمن إسرائيل لايمكن ان يتحقق بموانع طبيعية ولا تجهيزات هندسية ولا صواريخ اعتراضية ولا طائرات هجومية، وإنما يتحقق بالسلام العادل والتخلى عن احتلال الارض العربية، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧.
*رئيس جامعة حورس
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: السابع من أكتوبر ٢٠٢٣
إقرأ أيضاً:
جنرال إسرائيلي: إسرائيل فشلت في حرب غزة
شن الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال غيورا آيلاند، هجوماً غير مسبوق على تل أبيب، قائلاً: "فشلنا في الحرب على غزة فشلاً ذريعاً"، وإسرائيل هُزمت في الحرب وفق المعايير المهنية ولم تحقق أهدافها، مضيفاً أن حماس تمكنت من فرض شروطها على تل أبيب.
وجاء ت هذه التصريحات في مقابلة أجرتها إذاعة "103FM" التابعة لصحيفة "معاريف" العبرية.
و"آيلاند"، هو مهندس "خطة الجنرالات"، التي اقتُرحت قبل عدة أشهر، ودعت إلى محاصرة شمال قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه.
وقال آيلاند في المقابلة: "الصورة هي أن إسرائيل فشلت فشلاً ذريعاً في حرب غزة، من هنا يجب أن نبدأ وإلا فإننا نخلق توقعات لأشياء غير واقعية".
وأضاف: "الهزيمة الإسرائيلية في حرب غزة تقاس وفق معيارين ليسا سياسيين ولا شعبويين، بل مهنيين: الأول هو فحص من حقق أهدافه ومن لم يحققها، والثاني هو معرفة أي طرف نجح في فرض إرادته على الطرف الآخر".
وأوضح: "وفقاً لهذين المعيارين، فإن إسرائيل لم تحقق أهدافها، بينما استطاعت حماس فرض شروطها".
גיורא איילנד מודה: "ישראל נכשלה בגדול במלחמה בעזה"https://t.co/KCVYhS3Sf3
— מעריב אונליין (@MaarivOnline) February 13, 2025وقال آيلاند: إنّ "حماس تستطيع أن تُملي علينا في المرحلة الثانية "اتفاقاً" نحصل بموجبه في أفضل الأحوال على بقية المحتجزين لديها، وهذا مهم، ولكنّنا سندفع الثمن أيضاً بالإفراج الجماعي عن مئات الأسرى".
وأضاف: "سيتعين على إسرائيل أيضاً أن توافق على إنهاء الحرب والانسحاب من المحيط الأمني"، الذي أقامه الجيش الإسرائيلي داخل غزة.
Maariv on the former head of the Israeli occupation's National Security Council, #Giora_Eiland:
"Israel failed miserably in the #Gaza war & its defeat can be measured by knowing who achieved their goals & which side imposed its will on the other. The army withdrew from… pic.twitter.com/BAUd91Jwra
وتابع قائلاً: "لا أسمّيها حماس، بل دولة غزة، انظروا إلى الصفقة (اتفاق غزة)، فتحت إسرائيل معبر رفح، وانسحبت من محور نتساريم، وعاد مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الشمال، وهي لا تسمح فقط بدخول الغذاء والماء إلى غزة، بل أيضاً دخول المعدات التي تُشكّل بداية إعادة الإعمار".
وأقر اللواء بأن "كل ما كانت الحكومة الإسرائيلية تقوله طيلة الستة عشر شهراً الماضية هو كلمات جميلة بلا غطاء، ووعود بلا تنفيذ"، مضيفاً "ما يمكن أن يغير علاقات القوة بين دولة إسرائيل ودولة غزة هو الجانب الاقتصادي".
وأوضح: "إذا كانت إسرائيل تعتقد أن الضغط العسكري وحده سيحقق النتائج، فلن يحقق أي ضغط عسكري هذه النتائج"، مشيراً إلى عدم جدوى العمليات العسكرية بقطاع غزة.
وأضاف: "إذا تمكنت من احتلال القطاع وظل المدنيون هناك، فإن حماس ستبقى أيضاً. وبصرف النظر عن تلقي هجمات رهيبة ضد قوات الجيش الإسرائيلي، فلن تكسب شيئاً".
وتابع قائلاً: "أنا لست مع التجويع، بل مع عدم تقديم المساعدات كوسيلة ضغط"، لكن "الشيء الوحيد - واليوم فات الأوان لأننا في الاتفاق القائم اتفقنا على زيادة عدد الشاحنات الداخلة - هو إغلاق جميع المعابر ومنع دخول المساعدات وإمدادات الوقود".
Former Israeli national security adviser Giora Eiland describes the recent war in Gaza as “a resounding failure” for Israel, acknowledging that Hamas has not only prevented Israel from achieving its goals but has also secured its own pic.twitter.com/e3He19U4bc
— Middle East Eye (@MiddleEastEye) January 19, 2025وفي ختام حديثه بالقول: "عندما يتحدث المسؤولون الإسرائيليون مع المسؤولين الأمريكيين، ويخلقون لديهم انطباعاً خاطئا بأنه إذا لم تفعل حماس هذا وذاك فإننا سنجدد الحرب ونريهم ذلك، يقول الأمريكيون: افعلوا هذا، ولكن هذا لن يغير الواقع. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخلق التغيير هو إغلاق كل المعابر ووقف الإمدادات"، وفق "معاريف".
وتأتي هذه التصريحات، بعد أن أعلنت حركة حماس تجميد إطلاق سراح أسرى إسرائيليين مقرر الإفراج عنهم السبت المقبل، لحين وقف انتهاكات تل أبيب، والتزامها بأثر رجعي بالبرتوكول الإنساني للاتفاق في ظل الأوضاع الكارثية في غزة.
وأمس الخميس، أعلنت حماس أن الوسطاء يضغطون على إسرائيل لإلزامها بتنفيذ البروتوكول الإنساني لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة واستئناف عملية تبادل الأسرى السبت المقبل.
قطر ومصر تنجحان في حل أزمة اتفاق غزة.. وحماس تصدر بياناً - موقع 24أكدت حركة حماس، اليوم الخميس، الاستمرار في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بما في ذلك تبادل الأسرى وفق الجدول الزمني المحدد.وبدأ سريان اتفاق غزة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، ويشمل 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوماً، على أن يتم التفاوض في الأولى لبدء الثانية، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.