لجريدة عمان:
2025-01-26@06:50:33 GMT

«أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»

تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT

للشعراء العرب مني كل محبة، حتى لو خالفت سنن من اشتهر منهم بسبب الهجاء السياسي، الذي للأسف لامس ميول الشباب والمعارضة السياسية. والغريب أن هذه المعارضة حين وصلت إلى الحكم، قد تعرضت لهجاء سياسي وشعري من كتاب وشعراء آخرين.

والآن الآن، ونحن نتابع ما يكتبه الكتاب والشعراء، في ظل الحرب الظالمة على غزة، نجد أما يطفو على السطح هو الهجاء الشعري السياسي.

ولست هنا لأصدر حكما لا على الشعراء، ولا على مريديهم، إنما وجدت نفسي أعود قرونا إلى الوراء، للبحث عن جدوى هذا اللون من الشعر، وماذا أفاد حياتنا العربية على مدار عمر الشعر العربي، فيما يقرب من 16 قرنا؟ فإذا لم يفعل ذلك طوال هذه القرون، فهل سيقدم طوق نجاة لغزة اليوم؟

تتبعت الشعر فتى، فعرفت مثلكم مواضيعه ومذاهبه، من غزل ومدح وفخر ووصف ورثاء وهجاء، لكنني استغربت حين ترجم العرب كتاب أرسطو «فن الشعر»، فإذا كان أرسطو قد تحدث عن فني التراجيديا والكوميديا، فقد ترجمه أبو بشر متى بن يونس القنائي بالمدح والهجاء، حتى أن قدامة بن جعفر تأثر بذلك في كتابه الشهير «نقد الشعر»، الذي يطلع عليه طلبة الأدب العربي في الجامعات؛ حيث ردّ قدامة أغراض الشعر إلى فني المدح والهجاء.

دخل كتاب أرسطو إلى العربية ضمن حركة الترجمة في العصر العباسي الأول، وقد وضع الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد ملخصات لهذا الكتاب.

عاش قدامة بن جعفر الربع الأخير القرن الثالث والقرن الرابع الهجري، لذلك، فإن زمنه يشفع له بما كتب، بل ما كتبه يعدّ مرجعا لدارسي الشعر العربي حتى الآن، لكن بالطبع يأتي من خلال تاريخ الأدب والنقد.

لكن ما وقفت عنده أول الشباب، وأنا في السنة الثانية في كلية الآداب، هو كيف تم اختزال الشعر بأغراضه المتنوعة، إلى المدح والهجاء، حيث أن كل وصف جميل يعد مدحا حتى لو كان غزلا، وغير ذلك، فإنه هجاء؟

وبعد أن اكتمل بياض ما تبقّى من الشَعر، عدت إلى ابن جعفر، ومن جاء بعده، فوجدت أن الألف عام التي مرّت على حياتنا العربية، لم تزل ما فهمه الأقدمون، فظل الكتاب أوفياء لغرضي الشعر والكتابة بشكل عام، بمن فيهم من يكتبون الآن؛ فإما يمدح وإما يهجو، أو تهجو. وانعكس ذلك على الكتابات السياسية، التي ما زالت تنقسم بين مادح وذام، وليس ذلك إلا المدح والهجاء المبالغ فيهما غير المفيدين في غالب أمورنا.

ترى هل أبعدت كثيرا؟ ربما، ولكن كي أقترب، كيف؟

بصراحة، مع كامل الاحترام للشعراء الذي اشتهروا بالهجاء السياسي، ماذا أفادونا؟ وهل خلصونا مما عانيناه عربيا؟

لو اتجه بعض مداد أقلام الكتاب والشعراء نحو المستقبل العربي، لكان حال التعليم والثقافة بخير، ولكان حال الزراعة بخير، والتكامل العربي بخير، والاعتماد على الذات بخير، ولقضي على الخلافات بين الأشقاء؛ فتلك هي المناخات التي تحتاج إلى تغيير للبناء من جديد، فليست قصيدة هجاء سياسي سريعة قادرة على تحقيق النصر، بل بالأحرى كتابة عاقلة هادئة تخطط للمستقبل، حتى يأتي فيه جيل قياديّ جديد وقد تحرر من أثقال الماضي والحاضر؛ فما يكون من وهن نعيشه إنما هو نتاج المنظومة كاملة، وليس النظام السياسي إلا أحدها، كما لا يجوز التعميم، فثمة ما يثير الأمل في بلادنا العربية، لم نمت بعد، بل ما زالت العروبة حية. ولأجل ذلك نحتاج من يبث الحياة ويشجه النهضة لا من يرثي ويهجو.

في قصيدة «من روميات أبي فراس الحمداني»، للشاعر الفلسطيني محمود درويش، نتأمل معنى الأمل بالشقيق في الظرف الصعب، لا النيل منه:

زنزانتي

اتسعت سنتيمتراً لصوت الحمامة: طيري

إلى حلب، يا حمامة، طيري بروميتي

واحملي لابن عمي سلامي!

صدىً

للصدى. للصدى سلم معدني، شفافية، وندى

يعج بمن يصعدون إلى فجرهم... وبمن

ينزلون إلى قبرهم من ثقوب المدى...

خذوني إلى لغتي معكم! قلت:

ما ينفع الناس يمكث في كلمات القصيد

هذا ما عوّل عليه درويش: الأمل!

وقد اختتم درويش بذكاء بتناصه الأكثر دهشة:

«ما ينفع الناس يمكث في كلمات القصيد»

وعودا على بدء، على أمل ألا يغضب شعراء الهجاء السياسي في بلادنا، فقد عدت إلى سياق الآية الكريمة، التي عنونت مقالي بها «وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»، فوجدت أن لها سياقين خاصا وعاما. أما الخاص، فهو الآية الكريمة التي اقتبسنا منها، وهي الآية 17، فنقرأ:

«أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا، فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ، كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ». والمعنى هنا واضح، في مكوث الماء في الأرض لتستفيد منها، كخزان جوفيّ، تأخذ النباتات حاجتها والإنسان، في حين يختفي الزبد الذي يطفو ببياضه على السطح. أما السياق العام، فهو سياق خلق الكون، ومواقف البشر، ولاستعداد الاستراتيجي طويل الأمد للحياة. وتوضيح رسوخ الحق، بمعنى العمل الجاد النافع.

ترى، ماذا ينفع المضطهدين والمنكوبين والمحتلة بيوتهم من هذا الصراخ الشعري؟ هل يغيث ملهوفيهم؟ هل يضمّد جراحهم؟ هل يؤويهم من برد وشمس وحاجة؟ هل يطعمهم أو يسقيهم؟ كذلك هل فعلا يعدّ الشعوب للمستقبل؟ للأسف، وليعتب عليّ شعراء الهجاء السياسي، فإن شعرهم إنما هو في أعظم أثره إنما يفرّغ طاقة الانفعال لديهم ولدى القراء، فيشعروا بأنهم قاتلوا واستبسلوا، وقدموا واستبسلوا، فأعادوا البلاد والعباد، وحرروا الأوطان والبشر. وإن ذلك، للأسف، يعيدنا إلى الوراء، ولا يمنحنا طاقة التقدم إلى الأمام. ولعلي هنا أكاد أضم صوتي لصوت أفلاطون حين أبعد طائفة من الشعراء الغنائيين عن مدينته الفاضلة.

شعر شعبوي ينتشر وله نجومه، المستفيدون من شهرتهم، يلامس السطح السمعي لا البصر والفؤاد والعقل. شعر مريح يريحهم من أداء الواجب، فيثيرون خدرا، بل يتحول العمل الجاد إلى مسرحية هزلية.

إن كان المديح السياسي مضرا، فالهجاء ضرره أكثر؛ نحن بحاجة إلى العمل من أجل المستقبل لا التباكي والذم الذي لا يفيد شعوبا بشيء سوى اليأس.

ولنختتم بما عبّر عنه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان في الثلاثينيات من القرن العشرين، إبان الاحتلال الإنجليزي والهجرات الصهيونية إلى فلسطين، عن مثل هؤلاء الشعراء والكتاب والساسة:

كم قلتَ أمراض البلاد وأنتَ من أمراضها

والشؤم علتها فهل فتشت عن أعراضها

يا مَنْ حملْتَ الفأْسَ تهدِمها على أنْقاضِها

أُقعدْ فما أنتَ الذي يَسْعى إلى إنهاضها

وطنٌ يُباعُ ويُشترى وتصيحُ فليحيَ الوطنْ

لو كنتَ تبغي خيْرَهُ لبذلتَ من دمِك الثمنْ

ولقمتَ تضْمِدُ جرحهُ لو كنتَ من أهلِ الفطنْ

أضحى التشاؤُمُ في حديثك بالغريزَةِ والسَّليقهْ

مِثل الغرابِ نَعى الدّياَر وأسْمَعَ الدّنيا نعيقَهْ

فعل هو ما تريده شعوبا، لا رثاء ولا هجاء، لا مدحا ولا ذما، فلن يفيد الكلام.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أضرار تناول المشروبات الغازية على الشعر | لن تصدق

تشير دراسة جديدة إلى أن شرب المشروبات الغازية  قد يزيد من احتمالات إصابتك بالصلع وتساقط الشعر.

توصل باحثون من جامعة تسينغهوا في بكين إلى أن الأشخاص الذين تناولوا مشروب غازي واحد فقط يوميًا كانوا أكثر عرضة بنسبة 57% للإصابة بتساقط الشعر  مقارنة بأولئك الذين تجنبوا المشروبات الغازية.

بدون أدوية .. أسرع الوصفات الطبيعية لعلاج القولون العصبيبالأسود الملفت| زوجة ماجد المصري تستعرض أناقتها..صور

وعلى وجه التحديد، قاموا بتحليل استهلاك "المشروبات المحلاة بالسكر"، والتي يشار إليها في الدراسة باسم SSBs، وطرحوا فرضية مفادها أن أي مشروب يحتوي على نسبة عالية من السكر المضاف قد يساهم في الإصابة بهذه الحالة، وباستثناء المشروبات الغازية المخصصة للحمية، فإن المشروبات السكرية الأخرى، بما في ذلك المشروبات الرياضية والقهوة والشاي المحلاة، يجب أن تكون بعيدة عن متناولك إذا كنت ترغب في الحفاظ على شعرك.

تشير البيانات إلى أن نصف الرجال يفقدون شعرهم عادة بحلول سن الخمسين، و25% من الرجال الصلع يرون العلامات الأولى لتساقط الشعر قبل بلوغهم سن 21، وذلك وفقًا لعيادة كليفلاند .

لقد بحث العلماء لفترة طويلة عن علاج فعال لتساقط الشعر، فجربوا كل شيء بدءًا من الأقراص التي تؤخذ مرتين يوميًا وحتى المينوكسيديل التقليدي، المكون النشط في منتجات كييبس وروجين،  حتى أن فريقًا من الباحثين اليابانيين قام بزراعة بصيلات شعر في طبق بتري في وقت سابق من هذا العام - وهي الخطوة الأولى نحو تطوير علاج لنمو الشعر التجديدي.

ولكن التقدم الأخير قد يكون بلا فائدة إذا استمر الرجال في تناول المشروبات الغازية، فوفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ، فإن 63% من البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عامًا وما فوق يشربون مشروبًا سكريًا واحدًا على الأقل يوميًا.

وبحثت الدراسة الأخيرة، التي نشرت في مجلة Nutrients، عن روابط بين استهلاك المشروبات السكرية وتساقط الشعر عند الذكور، في مسح تم إجراؤه على 1028 رجلاً تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عاماً، ويقع مقرهم في الصين.

أجاب المشاركون على أسئلة حول الصلع السابق، وعاداتهم الغذائية، وما إذا كانوا يعانون من أي مشاكل تتعلق بالصحة العقلية، كما طُلب منهم أيضًا معرفة عدد المرات التي يتناولون فيها أطعمة ومشروبات معينة - وخاصة المشروبات الغازية والمرطبات المحلاة.

وكشفت الدراسة عن وجود "ارتباط مهم" بين استهلاك كميات كبيرة من المشروبات السكرية وتساقط الشعر.

لاحظ الباحثون أن أعلى معدل استهلاك للمشروبات المحلاة كان بين الرجال الأصغر سنا الذين شملهم الاستطلاع، ويعتقدون أن ذلك كان نتيجة "عدم الوعي بالآثار الضارة" للمشروبات السكرية.

وكتب المؤلفون "إن الأمراض المزمنة والوفيات غامضة وبعيدة للغاية بالنسبة للشباب لدرجة أنهم غير مستعدين للتخلي عن الرضا الذي توفره لهم البدائل الصحية من أجل تحقيق أهداف صحية طويلة الأجل".

وخلص الباحثون إلى أن شرب المشروبات السكرية مرة إلى ثلاث مرات في الأسبوع يزيد من خطر تساقط الشعر بنسبة 21%، في حين أن تناول أربعة إلى سبعة من المشروبات السكرية يزيد من الخطر إلى 26%.

وبالإضافة إلى تساقط الشعر، وجد الباحثون علاقة بين تناول المشروبات المحلاة والصحة النفسية، مما قد يؤدي إلى تغذية حلقة مفرغة من الاكتئاب والقلق والتي تزداد سوءًا بسبب تساقط الشعر.

وفي تحليلهم، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يستهلكون ثلاثة مشروبات غازية يوميًا كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنحو 25%. كما اكتشفوا أن السكريات البسيطة في مثل هذه المشروبات مرتبطة بارتفاع مستويات القلق بين المشاركين في الدراسة الذين تبلغ أعمارهم 45 عامًا.

وتعتبر النتائج التي توصل إليها العلماء مترابطة، أي أنهم لا يستطيعون الجزم بأن الصودا تسبب تساقط الشعر، بل إن شاربي الصودا فقط يفقدون شعرهم بمعدلات أعلى.

ولكن هذا الارتباط المحتمل بين سوء التغذية والصلع ليس الأول من نوعه، حيث قام باحثون آخرون بتحليل آثار الملح على خط الشعر المتراجع، وقد أشاد بعض الباحثين بالأكل الصحي والفيتامينات والمعادن المختلفة باعتبارها الحل الأمثل لمنع تساقط الشعر، ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان تناول الطعام الصحي هو الحل الأمثل.

ولكن الباحثين في بكين لم يعتقدوا ذلك، ولم يجدوا أي خصائص وقائية لتناول الطعام الصحي، ولكنهم طالبوا بإجراء المزيد من الدراسات لتأكيد نتائجهم.

المصدر: nypost.

مقالات مشابهة

  • نقطة جذب سياحي..الفلسطينيون يتدفقون على أنقاض المنزل الذي قتل فيه السنوار
  • بيوت الشعر.. ذاكرة الأمة العربية
  • عبدالمعطي حجازي: تألمت بسبب القصائد التي نظمتها في هجاء العقاد.. ولكنه تحول إلى عدو لنا
  • سر الصلع المبكر عند الرجال وتساقط الشعر عند النساء
  • أسباب ظهور الشيب المبكر.. هل يدل على مشكلة صحية؟
  • حكم عمل المرأة كعكة الشعر وهل لها أن ترفع شعرها فوق رأسها.. فيديو
  • بماذا يخبرك شعرك عن حالتك الصحية؟
  • طبيبة تكشف نقص فيتامين معين يسبب تساقط الشعر
  • محمد عرب صالح.. "يوقد من شجرة جدته"
  • أضرار تناول المشروبات الغازية على الشعر | لن تصدق